أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في المغرب - 5















المزيد.....

السينما في المغرب - 5


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 1653 - 2006 / 8 / 25 - 11:23
المحور: الادب والفن
    


بعد (( عرائس من قصب )) أحد أجمل الأفلام المغربية قدم الجيلالي فرحاتي عام 1991فيلمه الروائي الثالث (( شاطئ الأطفال الضائعين..
في بسالة هادئة ، واثقة ، جذرية يتقدم جيلا لي فرحاتي إلى معالجة قصته مبتعداً عن مرجعية السينما العربية السائدة لا يستدر الدموع ولا يتعامل مع المشاهد كأنه كتلة من عواطف ملغومة قابلة للانفجار لمجرد إشعال الميلودراما ، علماً بأن القصة لو وقعت في تصرف مخرج عربي ، على الطريقة المصرية ، لاستدرت نهراً من الدموع بسهولة !
لكن الكتابة السينمائية المتأججة بما في أعماق الشخصيات مضافة إلى صورة على قدر متناسق من الجمالية والشفافية مع حوار مقتصد يدعم تألق الصورة في أقل ما يمكن من الكلمات ، كل ذلك يجعل من (( شاطئ الأطفال الضائعين )) عملاً سينمائياً بارزاً.
في قرية صغيرة على شاطئ منسي معزول يروي الفيلم قصة الفتاة المراهقة أمينة التي حرمت من الأم واختفت بشكل مفاجئ فلم تعد تلعب مع الأولاد الآخرين على الشاطئ ..
أمينة تحمل من سائق سيارة أجرة جوالة يرفض الاستجابة لطلبها الزواج منها على رغم إلحاحها وتوسلها . وفي انتفاضة مباغتة تضربه بعصا على عنقه فيسقط ميتاً ، الواقع المستجد في لمحة عين يضعها أمام قدر مزدوج : الجنين في أحشائها والجثة أمامها ، لكنها تتماسك بصعوبة وتسحب الجثة إلى كومة من أكوام الملح قرب الشاطئ ، حيث يعمل والدها العجوز ، وحيث تطمرها وتخفيها ، لكن الجثة والجنين الخفي لا يفارقان قدرها ، وتبقى سيارة القتيل شاهداً يهترئ مع زمن الفيلم .
زوجة والدها تعرف بالحكاية ، ثم يعرف والدها فيقرر حبسها في فيلا يغلقها أصحابها الغائبون خلال الشتاء ويودعون المفتاح لديه . هناك في الليالي الموحشة تطلق الحامل الوحيدة صوتها بعويل مروع تعتبره نساء القرية أصوات جن ، وفي هذه الأثناء تصطنع زوجة الأب الحمل تغطية لما سيأتي فتضع خرقاً مكورة في بطنها ، إلا أنها مع الوقت (( تصدق )) وهم حملها وتروح تنافس ابنة زوجها على الانتفاخ ، ثم تنهار معترفة بهاجسها ، فالزوج العجوز عاقر وليس لها أمل في الحصول على طفل ، ويتجسم هذا الواقع بعنف أقوى بعد ولادة الطفل إذ تحاول زوجة الأب (( تأميمه )) واحتكاره مما يدفع (( أمينة )) الأم الحقيقية إلى فضح اللعبة ، وتجد في نفسها القوة الجارفة التي تجعلها تصرخ بالحقيقة في وجه القرية كلها . (( شاطئ الأطفال الضائعين )) يحظى بحبكة قصصية متينة ولوحات بصرية جميلة قادمة من كاميرا ذات تقنية عالية وممثلين بارعين ، في مقدمتهم سعاد فرحاتي شقيقة المخرج في دور أمينة ، فيلم جديد فكراً وصنعة يحمل بداخله إصراره الشجاع والمبدع على الدخول في جوانية المجتمع العربي .
و أكمل مؤمن سميحي "سيدة القاهرة" عام 1991.
وأكثرالمخرجين لفتاً للنظر كان حميد بناني (الذي بدأ بفيلم "وشمة" عام 1970) حيث قدم ـ بعد 21 سنة ـ فيلمه الروائي الثاني "صلاة الغائب" عام 1991 عن قصة للطاهر بن جلون.
وهناك فيلم روائي مدهش آخر في أوائل التسعينات ,كان العمل الأول لعدد من المخرجين الأعضاء في المجموعة التي قدمت "رماد الزريبة" عام 1979، حيث قدم سعد الشرايبي أول أفلامه الطويلة "يوميات حياة عادية" عام 1991 وبعد عدة تجارب في كتابة وإخراج الأفلام القصيرة والمتوسطة ،.. وعلى الرغم من المآخذ التي من الممكن أن يأخذها المرء على الفيلم ، إلا أن سعد الشرايبي ، بطموحه إلى تقديم بانوراما عريضة للتاريخ من خلال الحياة الخاصة لأبطاله .. وحماسه لأن يكون متمتعاً بأسلوب خاص ، وشجاعته في اختياره لموضوع شائك ، وحسن استخدامه لبعض عناصر اللغة السينمائية ، أمور تجعله ، بفلمه الأول ، مخرجاً ينبئ بفنان له شأن .. في السينما العربية بالمغرب. و اخرج نور الدين كونجار فيلمين روائيين 16 مللي هما "الذاكرة الزرقاء" عام 1991، و "قاعة الانتظار" عام 1991. وعبد القادر لقطع ـ الذي درس في لودز ببولونيا ـ لفت الأنظار إليه بفيلمه الروائي الأول "حب في الدار البيضاء" عام 1990، واتبعه بفيلم "الباب المسدود" عام 1994.في "حب في الدار البيضاء" نحن أمام سينما تبحث في القضايا الحارة للشارع , تلتقط نبضها من نبض الحياة اليومية بكل ما تمور به من تناقضات وتقاطعات وارهاصات . تغوص في عمق العلاقات الانسانية بتجلياتها الحياتية والعاطفية والجنسية ..اذ استطاع المخرج أن يقتنص من الحياة ومن الواقع أكثر لحظاتها انسانية ودفئا وخصوصية . لقد حاول "حب في الدار البيضاء" أن يتحدث عن الحب كعلاقة انسانية خاصة ضمن فضاء معقد لمدينة تتسع وتكبر بلا حدمد وضمنها تتناسل علاقات اجتماعية متداخلة ولا محدودة هي أيضا . مدة الفيلم 100 دقيقة ومن تمثيل احمد ناجي ومنى فتو ومحمدج زهير و قام محمد عبدالرحمن النازي بانجاز فيلمه "البحث عن زوج امرأتي" الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً في المغرب في العام 1992, فاتحاً الباب امام علاقة جديدة ومكثفة بين الفيلم المغربي وجمهوره, الذي راح يتزايد عدداً ويتحسن نوعية منذ ذلك الحين. سخرية جريئة تنجح في إمتاع المشاهد وجعله ينتبه دون زعيق لمفارقات الواقع الاجتماعي – التاريخي ، التي يعيشها كل يوم ، مسلماً بها .
الفيلم يثير من جديد مشكلة التعايش بين القديم والجديد عبر ( علاقة ) بين عجوز اشترى الحب بالذهب ، وشابة اشترت الذهب بالحياة . لكن الأحداث تتسارع لتضع الإرث الفكري المهيمن ، موضع شكٍ ، في قدرته على إيجاد حلول اجتماعية ( شرعية ) لمشكلة يعاني منها مجتمعنا العربي قاطبةً .
وببساطة ودون صراخ وعبر قصة بدت عادية حتى في أشدّ لحظات الصراع ، لأنها جزء من الحياة ، عبّر الفيلم عن أن القانون المجنون ، لا يقود إلاّ إلى الجنون .
النزوع إلى إبراز التفارق ، بدأ منذ اللحظات الأولى : هشاشة الشموخ المزيف للحاج (( أبو موسى )) وقصره ، والطمأنينة المزيّفة للأسرة التي تتهيأ لاستقبال الزوجة الثالثة ، الجمالُ في وسط الركام . ثم يتصاعد الخط الدرامي ... ليعيد نسج شبكة العنكبوت حين يطلق الحاجُّ زوجته الشابةُ ، ثلاثاً . هنا وإلى الآخر ، كل الأشياء تقود إلى نقطة واحدة : بحث الحاج عن زوج ، لزوجته المطلّقة – هدى – التي ما عاد يستطيع فراقها ، ليتزوجها مرة أخرى ثم لكي يطلقها الزوج الجديد كي يحق للحاج شرعاً ، الاقتران بها من جديد وامتلاكها .
وعبر مسار الأحداث يظهر الفيلم ضحالة العالم القديم ، وهشاشته أمام الجديد حتى من أبنائه أنفسهم : عدم رضى الحاج وتوتره أثناء تلاوة الفتوى ثم تبرّمه بها بعد خروج المقرئ وعصاه في مواجهة العيون المرتعبة للأطفال الذين بدلاً من أن يتعلموا يزجّ بهم آباؤهم خلف قضبان الغيبية ، الموقف الاجتماعي السَّاخر من الحاج لأناسٍ إنْ اعترضهم مشكلة مشابهة فإنهم سيسلكون نفس السبيل .
ثم العجز عن مقاومة القانون الشرعي ... وصولاً إلى الجنون .
فيلم " الطفولة المغتصبة "للمخرج حكيم نوري المنتج عام 1994 ، ينظر بشجاعة في عين الواقع ، وتمتد رؤيته لترصد الكثير من عوامل السلب في المجتمع . ويقدم ، بأسلوب يجمع بين الصدق والحرارة ، احتجاجاً ضد " الاغتصاب " بشتى صوره ، المعنوية والمادية ، لذلك فإنه حقق نجاحاً يليق به ، سواء على مستوى المشاهدين أو النقاد .
(وقائع مغربية) للمخرج مؤمن سيمحي 1999 يدور في مدينة فاس وحياة ولد عمره 8 سنوات جرى ختانه مع والدته وحدهما حيث والده في أوروبا يبحث عن عمل وتحاول و الدته تخفيف آلام عملية ختانه والترفيه عنه برواية ثلاثة قصص مسلية تدور في مراكش والرباط وطنجة. والفيلم معاصر إلى أبعد الحدود في قصصه ومواضيعه وأجوائه. ولكن الفيلم ينتمي إلى، أو يستفيد من، بنية "ألف ليلة وليلة" السردية ولو جزئياً، وتجير هذه البنية لصالح عمل فني يعتمد على وسيلة تعبير معاصرة هي السينما بخصوصيتها وجوهرها المرتبط إلى حد كبير بالحاضر وبعكس صور الواقع وذلك على العكس من الأفلام العربية الأخرى التي أغواها التراث فرهنت نفسها له شكلاً وموضوعاً.
فيلم "كيد النساء" (إنتاج عام 1999) للمخرجة فريدة بليزيد. والفيلم يكتفي بأن يستعير من حكايات "ألف ليلة وليلة" حكاية واحدة عن أمير شاب مدلل ومتعجرف يقع في حب جارته الجميلة ابنة أحد التجار الأثرياء فيسعى لإغوائها ولكن دون أن يتنازل عن كبريائه. لكن الحسناء الجميلة تقرر بدورها أن تخدع الأمير فتلجأ إلى الحيلة من أجل التمتع بعشرته. هذه الحكاية البسيطة الساخرة يتم تقديمها في الفيلم من خلال تصوير أحداثها في البيوت المغربية ذات الطابع التراثي ومن خلال جعل أبطالها يرتدون الزي التراثي، بما يوحي شكلاً بأجواء الماضي المنسوب إلى زمن "ألف ليلة وليلة". ولكن على مستوى البناء فإن الاقتصار على حكاية واحدة يعني عدم الاستفادة بنائياً من طريقة السرد في "ألف ليلة وليلة" التي تعتمد على توليد عشرات الحكايات المتداخلة والمتتالية من أصل حكاية واحدة بطلتها شهرزاد. وهكذا نحصل في النهاية على فيلم طريف مسل يلجأ بشكل سطحي للتراث فلا يسبر غوره ولا يوفيه حقه ولا يستخدم التراث من أجل قراءة الحاضر، كما لا يوفي جوهر فن السينما المرتبط بالواقع وبالقدرة على الإيهام بالواقع حقه.

ومن الأعمال الأولى التي قدمها مخرجون جدد في التسعينات
فيلم "عرس الآخرين" عام 1990 أخرجه حسن بن جلون الذي درس في باريس.
وفيلم "إيمر أو الأشواك المزهرة"، عام 1991 أخرجه تيجاني شريكَي وهو رسام سبق و أن اشترك في سيناريو فيلم "حادة" لـ أبو الوقار عام 1984.
وفيلم " ياسلطان المدينة " للمخرج المنصف الذويب 1993 . الذي يدخلنا رؤية نقدية لاتخلو من حب الى منزل أثري قديم , حيث تقيم مجموعة من البشر . يمارسون طقوسا أقرب للشعوذة ويستغلون الناس البسطاء بواسطة شاب اسمه مبروك يشفي من الامراض كما يدعون , لكن سرعان ما يقع في حب فتاة تشجعه على الهرب معها من هذا المكان الضيق .. ومن هذا العالم المتناقض الآسر والغريب الذي يخاف منه كي لا يضيع .. فثمة قلب لمفاهيم الخارج والداخل هنا .. لأن الخارج يعني دمارا لمفاهيم هذه المجموعة ونمط تفكيرها وحياتها .
و فيلم "من الجنة إلى النار" 1997، إخراج سعيد سودة
أما في السنوات الأولى من الألفية الثانية، فقد ظهرت أفلام أيضا لمخرجين جدد مثل:
"قصة وردة" سنة 2000، إخراج عبد المجيد الرشيش
و"الرجل الذي يطرز الأسرار"، 2000، إخراج عمر الشرايبي والذي يتناول حكاية الاستاذ ناجي المهووس بالشعر، ويعثر على مخطوط لشاعر مات مجهولاً فيقرر ان يرد له الاعتبار وجعل موضوع شعره مادة للبحث الجامعي حيث يكلف احدى الطالبات بالتوثيق والدراسة لحياة وابداع الشاعر، ويعمل هو الاستاذ الجامعي على ترميم بيت الشاعر الذي عثر عليه بعد رحلة شاقة وصار بمثابة متحف للباحثين والدارسين ولكنه لاحقاً يجد نفسه وقد سرق منه حلمه وجهده. الفيلم تمثيل سامية اقريو والطيب الصديقي ومحمد الزهير.
وينهل المخرج المغربي أحمد بولان في فيلمه الأول "علي، ربيعة والاخرون " 2000 من احلام جيل السبعينيات المجهضة ممثلا بحركات اليسار الطلابي التي سعت وراء آمالها فأجهضها القمع الذي فرق مصائرها.
تدور احداث الفيلم الذي عرض مساء امس الاول في القاهرة في اطار ايام الفيلم المغربي على خلفية سياسية لا تبوح بوجودها مباشرة لكنها تحكم مسار الفيلم منذ مشهده الاول الذي يعرض شخصياته الاساسية وهي تتحاور حول المنشورات التي سيتم توزيعها.
يقود ادريس، ابن الطبقة الغنية والطالب في الجامعة، هذه الحلقة مكوّنة من علي والفتاة الجميلة ربيعة، بطلي الفيلم الذي حمل اسميهما، وصديقين أحدهما يتاجر بالمخدرات ويحاول ان يستل رزقه بأي طريقة، والآخر موسيقي.
وهناك أيضا اثنان من الهيبيين الأجانب يذكران بانتشار هذه الظاهرة في اوساط اليسار بعد الثورة الطلابية في 1968، ويؤكدان البعد الانساني العالمي للتيار التحرري الناشئ في تلك الفترة.
يمتلئ بطل الفيلم بالرغبات المتعطشة الى الحرية التي يبحث عنها يائسا فيحلم بالهجرة ليجد عملا ويعيش حريته. اما ربيعة فتحب عليا وتحلم بأن يكون معها دائما.
ويحاول ادريس ادخالهما في سياق اهتمامه السياسي ولكنه يُعتقل فيعترف خلال التحقيق ويتهم علياً بقيادة المجموعة هاربا من تحمل المسؤولية.
يقدم مشهد اعتقال علي الذي يهرب عبر السطوح المحيطة بغرفته واحدا من اجمل مشاهد المطاردة في السينما العربية، ولكن الحلقة تنغلق عليه اكثر فيتم اعتقاله.
يخرج علي من السجن بعد اكثر من عشرين عاما. ويبدأ استعادة مشاهد حياته السابقة وهو يتنقل في الاماكن التي عاش فيها ليستكمل هذا الاسترجاع بالعيش عند صديقة شبابه ربيعة التي اصبحت أما لفتاة جامعية.
ومن خلال حديثهما عن افراد المجموعة الاخرين، يكتشف ان عبد الله اصبح مدمنا على الكحول وتائها لا يلبث ان يموت بين ذراعيه، في حين يتحول صديقه الموسيقي الى إمام مسجد لا يمانع في الاحتفاظ بقيثارته ولا ان يعزف له عليه اغانيهما القديمة في استرجاعية جميلة ورؤية منفتحة لرجل الدين بعيدا عن التزمت.
ويأتي وجود جميلة ابنة ربيعة ليدخل الفيلم في درامية لها مدلول مستقبلي، حيث يشكل شبابها وعلمها هذا المستقبل. اما ابوها ومصدر وجودها في هذه الحياة فسؤال يلاحق المتلقي حتى نهاية الفيلم.
وقبيل انتهاء الفيلم يعثر علي على ادريس الذي وشى به وقد اكمل دراسته وعاد الى البلد من اوروبا وقد اصبح من اغنياء البلد.
يحاول ادريس ان يرشوه بالمال في محاولة لتعويضه عن سنوات العمر التي ضاعت في السجن بعد ان تجرعا معاً كمية هائلة من الكحول.
يتركه علي ويعود باتجاه منزل ربيعة ويقف متأملاً النهر تحت الجسر الذي يقف عليه. يفرغ أمعاءه من الكحول ويقفز الى النهر في اللحظة التي تقترب فيها ربيعة التي اعترفت لابنتها بأبوة علي لها.
مشهد محاولة الانتحار الليلي هذا يبدو كعملية تطهير من خلال التعميد بالماء، خصوصا عندما تتناثر الاوراق النقدية التي حاول ادريس رشوته بها فوق سطح الماء في المكان الذي ابتلع علي. لكنه يعود بعد لحظات ليطفو سابحاً باتجاه الشاطئ. لقد صار لعلي ابنة عمرها من عمر حياته الجديدة التي بدأت لحظة دخوله السجن.
أدى البحر دور البطولة الى جانب أبطال الفيلم. فهو حاضر في كثير من الاسترجاعات وفي احاديث علي مع جميلة التي تتعرف الى ماضيها، في ظل حركة كاميرا وموسيقى مصاحبة نقلت لغة سينمائية رائعة تتجاوز الكثير من الافلام العربية.
ويتناول فيلم "علي زاوا " المنتج سنة 2000 ظاهرة تشرد الأطفال في مدينة اقتصادية كبيرة هي الدار البيضاء. وذلك من خلال قصة ثلاثة اطفال يجدّون بوسائلهم الخاصة في دفن صديق لهم، هو علي زاوا، توفي في احدى المعارك الشارعية. لكن لهذا الدفن طابعاً فريداً إذ سيحاولون دفنه على طريقة البحارة بكل ما يستوجب هذا من احتفال جنائزي وإلقاء في البحر من على مركب عليهم إيجاده. فقد كان حلم صديقهم هو ان يكون بحاراً كبيراً يجوب العالم على متن باخرة. وبالتالي فقط اضطروا الى أخفائه عن العين حتى يتمكنوا من ذلك. وتبعوا سبلاً مختلفة وقاوموا الكثير من المثبطات منها تحرش عصابة اطفال من الشاكلة نفسها. الحكاية حزينة ومحبوكة وفي شكل قوي وتثير العاطفة والإحساس القوي بالتعاطف والرأفة، كما تتضمن الكثير من المواقف الجذابة في مزيج من الكوميدي والتراجيدي المحكم البناء. ولقد نال الفيلم الجوائز الأولى في عدد من المهرجانات المعروفة.
يأخذ الشريط شكل حكاية للأطفال عوض ان يكون في الأساس «معالجة اجتماعية» لمشكلات اطفال الشوارع. إنه قطعة فنية متماسكة ومنظومة جعلت صاحبها ينال الكثير من التقدير قبل كل شيء، إذ ان الفيلم يجذب بما يتميز به سينمائياً وليس بموضوعه.
لكن الفيلم وبعد نجاحه الكبير اثار سؤالاً كبيراً يتعلق بمآل الأطفال الهواة المستقدمين والذين أدوا الأدوار، وذلك بعد ان مثلوا وعرفوا واشتهروا. فهم في الأصل اطفال الشوارع تعرف إليهم المخرج من طريق جمعية تهتم بالظاهرة وخضعوا للكاستينغ ووظفوا. فهل من المعقول ان يعودوا الى الشارع؟ اثارت الصحف وبعض النقاد المغاربة الأمر ما خلق ارتباكاً ونحا بالشريط منحى لم يكن منتظراً في البداية. فالمخرج قام بعمل فني سينمائي، وقام بإبرام العقد المخول لتوظيف الأطفال طوال مدة التصوير، فهل سيلعب دور المصلح الاجتماعي؟ في المقابل هناك الموقف الأخلاقي الذي يجب ان يلعبه كل مبدع، فالفيلم ليس مجرد بضاعة للتسلية وتزجية الوقت على حساب الفن والأخلاق، بخاصة اذا كان المقصود ظاهرة اجتماعية خطيرة كتشرد الأطفال.
هذه الأسئلة ظلت معلقة لكنها جعلت المجتمع المدني ينظر الى الأمر من زاوية اخرى. وهكذا قامت جمعيات خاصة بمحاولة إدماج هؤلاء الأطفال وحتى تشجيع الموهبة الخلاقة التي ابانوا عنها من التشخيص الذي قدموه في الفيلم. لكن ممثلاً وحيداً هو الذي استطاع الاستمرار والاشتعال بالتمثيل وهو... الذي ادى دور عوينة الرائع حتى ان اللقب اصبح اسمه الفني حالياً. وشارك في الكثير من المسلسلات الفكاهية التلفزيونية.
في النهاية ظل الأمر معلقاً في مجمله ولم يستتبع شيئاً يذكر غير هذا. اما المخرج فقد مكنه الفيلم من تحقيق الشهرة العالمية المرجوة وجعله يحظى بمكانة كبيرة حتى انه صار رئيساً لرابطة المخرجين المؤلفين السينمائيين المغاربة


فصل من كتاب "السينما في المغرب العربي"



#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما في المغرب - 4
- 3 - السينما في المغرب
- 2 - السينما في المغرب
- السينما في المغرب:البدايات
- أندلس الحنين
- السينما في الجزائر - 8
- السينما في الجزائر - 7
- السينما في الجزائر - 6
- السينما في الجزائر - 5
- السينما في الجزائر- 4
- السينما في الجزائر- 3
- السينما في الجزائر- 2
- السينما في الجزائر - البدايات
- صورة سينمائية اجنبية مختلفة وعادلة للصراع مع الهمجية الاسرائ ...
- السينما التسجيلية-...بحث في الواقع والحقيقة. والتزام بقضايا ...
- ذاكرة الرماد
- ملهم السينما الألمانية - فاسبندر
- دزيغا فيرتوف
- إيليا كازان
- العربي والفلسطيني والإسرائيلي على شاشات التسعينيات


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في المغرب - 5