أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان العسكري - وقفة مع الابداع الشعبي - طارق صبار الحلم الذي في طور التحقق















المزيد.....

وقفة مع الابداع الشعبي - طارق صبار الحلم الذي في طور التحقق


احسان العسكري

الحوار المتمدن-العدد: 7115 - 2021 / 12 / 23 - 07:52
المحور: الادب والفن
    


"مُر بيّه حلم
كلما يمرني الشوگ
عيّشني بحنينك ياحنين النوگ
سلّيني .. اذا مرني الحزن واللوم
اخذني بواهسك ساعة بعصاري السوگ
حرامية الحكومة باگت الاصوات
وانت اول حرامي بالأعمار يبوگ"
لا يخفى عن اي عراقي ان للشعر الشعبي عذوبته الخاصة و قبوله في النفس العراقية التواقة غالبا ً لما يستفز فيها مكامن الحزن .
طارق صبار : شاعر شاب دخل ديوان الادب الشعبي بقوة حين كنت مطلع الالفية مكلفاً بمعاونة الراحل المقيم الاديب فرقد الحسيني في ادارة جلسة ثقافية مسائية في ديوان الراحل المقيم الاديب منصور نهيب . فاجأني اخي الاصغر وهو يهمس بأذني ان له صديقين يريدان ان يشاركا في اعمال الجلسة و كان طارق احدهما حيث قدمته باسم طارق الرياضي لاني اراه لأول مرة ولكني قدمته بما يسميه به صديقه اخي الاصغر .
طارق لم يشارك هو وزميله عباس العبادي فحسب بل انه فجر ما احدث صدمة لدى الشعراء والحاضرين .. شاعر متمكن من ادواته له رؤية و تأثير خاص في المتلقي المثقف والمتلقي العادي .. وهنا في هذه المقطوعة التي تبدو مجرد سطور شعرية جميلة وسنسلط الضوء على هذه السطور بما يتلائم والعمق الفني و الانساني الذي يختفي بينها و لا اقول خلفها فثمة وضوح لمن يدرك امكانية النص الشعبي العراقي .
(( مُر بيّه حلم ))
من هذا الدخول دقيق البناء و المثير للتساؤل يبدو الشاعر مخاطباً أمله ببساطة يفهمها المخاطَب وهنا فوراً يحضر الصدق وفي الشعر اذا حضر الصدق افتتحت ابواب القلوب على مصارعها وحين علم الشاعر ان القلوب فهمته واستقبلته قال : ((كلما يمرني الشوگ)) اي انه غزى هذه القلوب بانقلاب جميل عليها فجند الشوق الذي طالما احتل شغافها و فرض سيطرته على المتلقي في ثوانٍ معدودات .
حينما يكون الشاعر ابن بيئته يسهل هليه الولوج في اعماق احلامها ،((ساعة بعصاري السوگ)) سبقتها دعوة للأخذ وهو يضع نفسه طوع امر الشوق الذي غزى به القلوب ستكون هذه الساعة اكثر من وقت و اجمل من لقاء ، سوق الشيوخ ملهمة الشاعر و جامعته التي منحته شهادة الشعر العذب و القبول الراقي في نفس ابنائها ، واقول صدقا هذه الجملة وحدها قصيدة فهي تداعب الروح وما تخفيه من ذكريات عن تلك (العصاري) البريئة التي عملت بطبيعتها كحد فاصل بين سكون العصافير و انطلاق الانسان نحو ليل التأمل و الاشتياق و اللقاء بالاصدقاء و الاحبة في ديوان عامر اسمه ((السوگ)) وهو مركز مدينة سوق الشيوخ حيث التقاء الشارع العام بشارع البصرة و شارع العرب بمثلث جميل يعانق ظلعه الندي شاطيء الفرات . هذه المدينة المظلومة في كل شيء فحتى في موقعها ظلامة فلا هي حدودية و لا دينية و لا تجارية وليس فيها خزين استراتيجي غير تأريخها المضيء و شعبها البريء ، اراد الشاعر هنا ان يسوّق نفسه بإيثار جميل حين جعل مدينته هي الدليل في طريق التشضي الذي يسببه الاشتياق و حين نقول اشتياق لا نعنيه مجرداً فهنا نتحدث عن اشتياق شاعر جميل الذوق والاحساس، شاعر بكل شيء حتى بهموم وطنه فهو الشاعر الوطني ولازلت اتذكره حين قرأ لأول مرة قصيدةً على مسامع الشعراء وبارتباكة تكاد لا تُلاحظ قال : آنه شاعر وطني .
عاد في هذا المقطع و احتج على الوضع السياسي البائس متخذا من الحب دافعاً نبيلاً لأن يصرخ بوجه الظلم واللصوصية و خذلان الساسة لشعبهم و وضع مقياساً غريباً في التفريق بين السرقة و السرقة .
انا اعتبر النص الشعبي صوت الناس و مجال تقدمهم العاطفي و الانساني وحتى الاجتماعي و السياسي اراد طارق صبار ان يبرهن على ان الشعر و الحب قادران على الوقوف بوجه القبح و الظلم و السلاح الذي يحميهما . استطاع بأبيات قليلة من النمط الاكثر شيوعاً و صاغ كلماته بدقة عالية لاتسمح للهنات و الضعف وقلة الخبرة في النظم ان تجد مكاناً تستقر فيه فاستخدم مجزوء الهزج و المعروف بـ لون التجليبة و كتب الشاعر هنا على وزن التجليبة العمودي فلو اخذنا مثلاً مدخل النص
وبنينا عليه سيكون :
اخذني بواهسك رگصة فرح مبيوگ
و ارسمني بمچان چفوفي بيدك طوگ
مر بيه حلم كلما يمرني الشوگ
تدري النوم راح ومنهو الايجيبه ؟
اجلبنك يليلي ١٢ تجليبة .
ويستمر الشاعر بالابداع النظمي و احتكار الحرفة لصالحه وذلك باختفاء تام للهنة و الضعف كما اسلف بل حتى لمن يرى في (( حرامية الحكومة )) شيئاً من الخلل الشكلي لا يمكنه اثبات ذلك فنحن امام لهجة لا لغة و بالامكان ادخال الصياغة السمعية على النص ببساطة سنجد ان الشاعر لعب على اكثر من وتر فكل تحويل وتحليل سيكون صحيحاً فمثلاً اذا اتفقنا ان مفردة حرامية تنتهي بالتاء الثابته فسيكون الاستماع هو الفيصل عبر قراءتها : حراميت الحكومة - اي اللصوص في الحكومة .
و اذا قلنا انتهت بالهاء لفظاً ستكون القراءة : حراميه الحكومة - اي بالكامل وليس جزء منها .
في كلتا القراءتين يتحكم الصوت و السمع في اكتمال البناء اللفظي للشطر اذ لا يوجد خلل ابداً سواء اكانت تاء او هاء رغم ان هذين الحرفين يعملان كـ جهاز سونار معنوي يمكننا من خلاله كشف المدعي للمعرفة باللغة العربية حين لايميز بين التائين في مواطن الكتابة فالقاعدة تقول : ما وقف على التاء لفظاً فهو (ت ) و ما وقف على الهاء لفظاً فهو (ة) فلو قلنا مثلاً : حكمت فهذا اسم علم واقف على التاء اذا ما كتبناه ؛ حكمة تغير كل شيء فبالاضافة الى ندرة التسمية به فهو لايعني اسم علم بل يعني الحكمة ويلفظ حكمه بسهولة .
لذا يتضح لنا ان الشاعر متمكن من ادواته ولديه الحرفة المتقنة التي يستخدمها في الكتابة فضلاً عن الصور الجميلة و الايحاءات البائنة التي تحتاج لاكثر من قراءة ونحن هنا لم نقرأ نصا كاملاً بل قرأنا مقطعاً من ثلاثة ابيات فقط تبدو لمن يقرأها انها تكتبه فالعاشق سيقول هذا انا و العاشق للوطن سيقول هذا انا و المفتقد للصديق سيقول هذا انا
و المتلقي صاحب الذوق سيقول مقالتهم أيضاً و أيضاً هذه ليست مجرد ابيات ثلاثة من الشعر الشعبي وحسب بل هي حكاية وجع وحنين واشتياق و انتماء و انقطاع للحبيب مهما كانت صفته ولونه و مغزاه لانها ببساطة انقطاع لأسمى قيمة انسانية خالدة وهي ( الحب) حب طارق صبار هذا الشاعر النجم الذي تبدو عليه بوادر الجلوس على أريكة الشعراء الكبار و سأكتب عنه ذات يوم قائلاً الشاعر الكبير طارق صبار
ان بقيتم وبقينا و سيأتي يوماً كاتب ما ويثبت ان حلم طارق قد تحقق .



#احسان_العسكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التسامق النصي في كتابات باسم فرات .قراءة في انموذجٍ من حقائق ...
- شرف الخصام
- لماذا خسر الحكيم مقاعده في الانتخابات ؟
- تعددت المشاهد و الجمال واحدُ - قراءة في فصلٌ المساء الذي لم ...
- الحكاية
- أناقة المفردة بنكهة الجنوب قراءة في مجموعة الشاعرة فيان البغ ...
- من رد دعوة الشاعر تبوأ مقعده في جلباب الندم قراءة في معلقة ...
- المُحارب القديم يُشبِعُ ذكرياته بحاضرٍ قرين بها قراءة في قص ...
- رحلة ( العائدون الى المنافي) وانتقالات الوجع الموفق
- اعطني نصاً وذائقةً اُعطيك نمطاً لحياةٍ أجمل
- الوَلَدِ السَّوْمَري بين الترحال وعشاءه الاخير قراءة في قصيد ...
- لهم تغريبة واحدة ’ وله وجود متعدد (عبدالسادة البصري) مغترب ف ...
- هو وجع يمشي..وبلاده وجع تمشي .. ورغم ذلك فهو عنوان الراحة (ه ...
- (ألفُ انكسار) وخلود واحد معادلة اوجدت لها د. راوية الشاعر حل ...
- مهند طالب هاشم كاتبٌ بشاعرية العاشق وشاعرٌ بخيال الكاتب قرا ...
- من اوقد جمرات الراكض ومن ركض على جراحه ؟ قراءة في جمرات الش ...
- مزاولة التذكر بين هاجس الابتعاد وحلمُ القرب قراءة في ملحمة ...
- ارجوحة الصياد بين الثبات والانتقاء والتقاط الندى قراءة في خط ...
- ارجوحة الصياد بين الثبات والانتقاء والتقاط الندى قراءة في خط ...
- قالوا سنغرق في الوجل ( إشگد عسل وآشگد فشل )


المزيد.....




- الروائية ليلى سليماني: الرواية كذبة تحكي الحقيقة
- -الرجل الذي حبل-كتاب جديد للباحث والأنتروبولوجي التونسي محمد ...
- شارك في -صمت الحملان- و-أبولو 13?.. وفاة المخرج والمنتج الأم ...
- تحميل ومشاهدة فيلم السرب 2024 لـ أحمد السقا كامل على موقع اي ...
- حصريا حـ 33 .. مسلسل المتوحش الحلقة 33 Yabani مترجمة للعربية ...
- شاهد حـ 69 كامله مترجمة .. مسلسل طائر الرفراف الحلقة 69 بجود ...
- التمثيل الدبلوماسي العربي في فلسطين... أهلا وسهلا بالكويت
- معرض الدوحة الدولي للكتاب.. أجنحة ومخطوطات تحتفي بثقافات عُم ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- -نغم يمني في الدوحة-.. 12 مقطوعة تراثية بأسلوب أوركسترالي


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان العسكري - وقفة مع الابداع الشعبي - طارق صبار الحلم الذي في طور التحقق