أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيمة عبد الجواد - المخدرات الرقمية تهدد المجتمع















المزيد.....

المخدرات الرقمية تهدد المجتمع


نعيمة عبد الجواد
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي

(Naeema Abdelgawad)


الحوار المتمدن-العدد: 7096 - 2021 / 12 / 4 - 18:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في ثمانينات القرن الماضي، واجه العالم تحدي شرس عندما قرر القضاء على إدمان المخدرات الذي تراكمت آثاره من القرن التاسع عشر ووصلت ذروته في سبعينات القرن العشرين. ولقد تزامنت ذروة إدمان المخدرات مع دعوات تنادي بالتحرر من جميع أنواع القيود التي يفرضها المجتمع، والتي تكبت الحريات الشخصية. و النتيجة، أن أدمن عدد غفير المخدرات، التي صارت جائحة عجز العالم القضاء عليها بالوسائل العنيفة من مداهمات أمنية وعقوبات قانونية مغلَّظة. ومن الغريب، أن خطر المخدرات بدأ ينزوي لحد كبير مع استخدام القوة الناعمة، والتي كانت في هذا الوقت الترويج لممارسة الرياضة من خلال وضع الأبطال الرياضيين في أطر الدعاية والإعلان، وزيادة جرعة أفلام الحركة (الأكشن) والتي أبطالها من ذوي الأجسام الرياضية، والحالة الصحية الممتازة، بالإضافة لعقولهم المستنيرة التي تؤمن لهم مهارات علمية يستغلونها في خداع الأعداء.
لكن، المعركة ضد الإدمان التي كسبها العالم من قبل، استطاعت الرقمنيات هزيمتها بسهولة تحت مظلة وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم بأسره يدمنها. وأكبر دليل عند انقطاع ارسال الفيسبوك عالميًا لمدة ست ساعات جعلت العالم بأسره ينتابه شعور بالوحدة وقلة الحيلة في ظل غياب الفيسبوك الذي كان يوفر وسيلة سهلة للتواصل على جميع الأصعدة، والتفكير في وسائل تواصل أخرى بدى أكثر صعوبة. الفراغ الذي خلَّفه الفيسبوك أكد على أنه بات ركن أصيل في الحياة اليومية لما رسخه لنفسه من مكانة مميزة.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على سكان العالم الأول بل تستشري حتى إلى أفقر دول العالم. وأما الخطر الداهم، هو أنه بالمقارنة بالمخدرات الفعلية التي يتعاطاها فئات أغلبها من الشباب، وقليلًا ما تنتشر بين كبار السن، فإن إدمان وسائل التواصل الرقمية يدمنها الأطفال والشباب والكهول والشيوخ. والمخاطرة الكبرى في ذلك الإدمان هو أن رقابة الأهل والكبار صارت معدومة؛ لأن الكبار نفسهم يدمنون وسائل التواصل الرقمية، بل يباركون استخدامها. أضف إلى ذلك، أن زعم إدارة الفيسبوك بأنها تحاول الحفاظ على مجتمع نظيف خالي من التجاوزات الفظية والأخلاقية مجرد وهم يتم تصديره للعالم حتى يزيدون من فترات إدمان الفيسبوك والتي هي فترات التصفح والتي تساعدهم عليه وسائل التواصل بوجه عام، وذلك ليس من أجل التسرية عن العملاء أو تحقيق استفادة من المحتوى المقدم لهم؛ فالاستفادة الكبرى لا تجنيها إلا إدارة وسائل التواصل التي تبيع بيانات المشتركين للشركات المعلنة وتتيح لهم مراقبة نشاط واهتمامات المستخدمين حتى تغريهم بالإعلانات التي تتوافق مع ميولهم.
ومن الجدير بالذكر أنه من الجائر إلقاء كل اللوم على الفيسبوك؛ فوسائل التواصل الأخرى أدمنها المستخدمون لدرجة تفوقت عليه، وجعلت منها أكثر أهمية بسبب استخدامها على الصُّعُد الاجتماعية والعملية، مثل: الواتس آب وتويتر وانستجرام واليوتيوب والتيك توك، وغيرها من وسائل التواصل الأخرى، إلا أن الأربع المذكورين آنفًا يعدون الأكثر انتشارًا عالميًا والأخطر، لأنه لا رقابة عليهم تذكر، ووصلت شعبيتهم للذروة خلال السنوات الثلاث السابقة بعد أن ضرب العالم جائحة الكورونا. والأدهى من كل هذا، أصبحت تلك التطبيقات مصدرًا رئيسًا لكسب القوت، بعد أن احترف الكثير مهنة "صانعي المحتوى" Youtubers و"مؤثرين" Influencers وصار بث المحتوى ينتقل بسلاسة من تطبيق لآخر بغرض الترويج له بكل الوسائل؛ من أجل كسب المزيد من الأرباح. أضف إلى ذلك، ارتبطت العملية التعليمية مؤخرًا ارتباطًا وثيقًا بوسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت المنتدى، ووسيلة البث، وآلية الشرح والإجابة على التساؤلات في سرعة ويسر. لكن في خضم الأهداف النبيلة لتلك التطبيقات، يؤجل المستخدمون الاستفادة المشروعة من أجل اللعب واللهو الفارغ دون هدف واضح إلا تصفح أكبر عدد من الأخبار أو الاشتراك في تسلية لحظية أغلبها تهدف إلى نشر البذاءات والانحطاط بشكل مستتر، فعلى سبيل المثال، حتى لا يتعرض الفرد للعقاب أو الحظر على الفيسبوك بسبب التلفظ بشيء خارج أو يحض على الكراهية، يتم تقطيع الكلمات بوضع فواصل أو نجوم أو حرف أو رقم لاتيني أو غريب وسط الكلمة سواء أكانت مكتوبة باللغة العربية أو أي لغة أخرى.
ولقد قدر الخبراء أن الشخص العادي الغير مرتبط بصناعة محتوى أو عملية تعليمية يبدد ما يقرب من الساعتين يوميًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وإجمالي هذا الوقت التقديري المهدر يصل إلى 5 سنوات و 4 أشهر من عمر الشخص العادي، وهو نفس الوقت الذي قد يقضيه الفرد في ركض 10 آلاف ماراثون أو السفر للقمر والعودة منه 32 مرة. وذلك بالنسبة للشخص العادي، ناهيك عن المراهقين الذين يهدرون ما يربو على 9 ساعات يوميًا في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
وتبعًا للإحصاءات الحديثة لعام 2021 التي توضح الإدمان العالمي لوسائل التواصل الرقمية، تبين أن إجمالي مدمني وسائل التواصل الاجتماعي في العالم قد قفز إلى 333 مليون شخص عام 2021 بعد أن كان 280 عام 2020، أي أن قفزات الإدمان تسير بخطى متسارعة. علمًا بأن 7% من هؤلاء المدمنين صار لا أمل في شفاءهم، وخاصة بعد الاعتماد العالمي المتنامي على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أنها جزء أصيل من حياة 4.2 مليار شخص، أي نحو 55% من سكان العالم أغلبهم من فئة المراهقين، الذين أدمنوها للحصول على أكبر قدر من التقدير الاجتماعي بتحقيق الشهرة والحصول على أكبر عدد من اللايكات، وبذلك يشعرون بقيمتهم الاجتماعية والتي تخرجهم من الشعور بالدونية، بالرغم من أن نفس ذاك السبب هو الذي يقودهم للاكتئاب سواء عند التجاهل أو بسبب طول فترات التصفح ووصل عدد المصابون بالاكتئاب الرقمي 52% من المستخدمين. وأما في حالة الأطفال، فإنه يحرمهم من النوم الجيد لفترات غير متقطعة بسبب ما يفرزه من أشعة. وبالنظر للكبار، فهناك من أدمن التصفح أثناء القيادة، وآخرين لا ينامون إلا وهواتفهم بالقرب منهم، وقد يستيقظون لعدد مرات تصل إلى العشرة من أجل تصفح وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبًا، ما يكون تصفح تلك الوسائل أول مهمة ينجزها الفرد مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم.
من المحزن أن إدمان المخدرات الرقمية ليس لها ظوابط حتى الآن، كما هو الحال تقريبًا بالنسبة لمنظومة القوانين التي تحكم العالم الافتراضي. العالم الرقمي الافتراضي صار واقع ملموس يجب السيطرة على مجرياته قبل أن يدمر الحياة الحقيقية على كوكب الأرض، بعد أن يلقي سكانه في براثن الإدمان.



#نعيمة_عبد_الجواد (هاشتاغ)       Naeema_Abdelgawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من الممكن معقابة النرجسي؟
- دراسة ظاهرة الانزياح الأسلوبي في قصيدة العامية والشعر الحلمن ...
- مع الراوتر أنت في خطر
- بيزوس والصفوة المرفهة في الفضاء
- اليوتيوب منجم من الأموال
- هل يغلب وعي الروبوت البشرية؟
- أُطْبُخ أعداءك بدون قِدْر
- عالم دون دول في الطريق إليك
- هل سنصبح من سكان المريخ قريبًا؟
- الكعكة الجديدة هي أفريقيا
- أفريقيا: الفناء الخلفي للصين
- الوجوه الجديدة للقوى الاستعمارية
- كوميديا السينما والكوميديا السياسية
- مزيج الفكاهة والحرب
- الدمى البشرية وصناعة الخوف
- أباطرة الرقمنة يخلِّقون مافيا
- معارك وحوش الألفية الثالثة
- عادل إمام أسطورة بدرجة إنسان
- عادل إمام ونظرية المارشميللو
- الدين الإبراهيمي الجديد وتحدي الهيمنة


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيمة عبد الجواد - المخدرات الرقمية تهدد المجتمع