آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 7094 - 2021 / 12 / 2 - 14:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المعروف عن السياسة الصينية هي البراغماتية في أقصى حالاتها , أما أهدافها الوطنية الاستراتيجية فهي واضحة و محددة لا تتجاوز موضوع استعادة جزيرة تايوان و التمسك بما تقول ان لها حق تاريخي في بحر الصين الجنوبي لذلك عملت الصين على تطبيع علاقاتها و تطويرها مع معظم دول العالم .
إن خطة الصين و ما كانت تريده لمنظمة شنغهاي هي أن تنمو و تكبر و يكبر معها الاقتصادي الصيني مع استمرار مسيرة التطور العلمي و التكنولوجي للصين دون أن يثير ذلك عناصر التحدي للإدارة الأمريكية , لكن يبدو أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 2010 و لحد الان اخذتْ تَقْلقْ بشكل جدي من الصعود الصيني و تعتبره أمرا خطيرا على مصالحها الاستراتيجية .
منذ فترة . أدركت الولايات المتحدة الأمريكية في أن الطموح الصيني و الروسي في جعل منظمة شنغهاي للتعاون محركا أساسيا للاقتصاد العالمي يسير بعدة مسارات فبالإضافة الى تنمية القدرات الاقتصادية و التنموية للدول الأعضاء في المنظمة و زيادة اواصر التعاون بينهم هنالك مسار آخر لا يقل أهمية هو ضم دول جديدة للمنظمة حيث شَكَلَ هذا تحديا جديدا لأمريكا .
تختلف درجة التحدي الذي تواجهه أمريكا بسبب انضمام دول جديدة لمنظمة شنغهاي حسب موقع و القدرات الاقتصادية و العسكرية للدول لتي تنضم للمنظمة .
إن الدول التي يشكل انضمامها لمنظمة شنغهاي خللا ليس بالقليل لصالح المحور الروسي الصيني على حساب الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها هي :
اولا : إيران
لقد حَمَلَ انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون قدرا كبيرا من عناصر المفاجئة حتى بالنسبة للذين لديهم إطلاع بالأهداف المرسومة لهذه المنظمة .
لا شك أن التهديدات الأمريكية للصين و التي أخذت أشكال متعددة هي التي جعلت الصين تُسْرِع في اتخاذ عدة خطوات تصعيدية لمواجهة التصعيد الأمريكي و من هذه الإجراءات :
** توقيع اتفاقية اقتصادية واسعة النطاق مع إيران بقيمة أولية تجاوزت فيمتها الأربعمئة مليار دولار و أدخلتها حيز التنفيذ حتى قبل رفع العقوبات الأمريكية على إيران .
** الدفع باتجاه قبول إيران كعضو كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون بعد أن كانت عضوا مراقبا , حيث أيدت هذا الانضمام بقوة روسيا و معها جمهوريات اسيا الوسطى الأعضاء في المنظمة , أما الهند و باكستان فلهم دوافعهم الخاصة لانضمام إيران للمنظمة منها الحصول على النفط و الغاز الإيراني بأسعار مخفضة و لأن دفع ثمن هذا النفط و الغاز سيكون بعملتيهما الوطنيتين بعيدا عن أية عُمْلة صعبة بالنسبة لهاتين الدولتين حيث سيتم تسوية ذلك ضمن قائمة للتبادل التجاري بينهم و بين إيران .
أيران من جانبها أبدت استعدادها لتقديم ما يتوجب عليها تقديمه للدول الأعضاء في هذه المنظمة لإتمام عملية الانضمام لكي تكون هذه المنظمة جسرا لها ليس لتجاوز العقوبات و التهديدات الأمريكية فحسب و انما للحصول على مكاسب اقتصادية مهمة يقودها لأن تكون دولة إقليمية كبيرة و مؤثرة في الشرق الأوسط .
إن انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون سيلزمها ايضا تنفيذ ما عليها مِنْ التزامات محددة في بنود اتفاقية المنظمة و ليس فقط الاستفادة مِنْ ما لها مِنْ امتيازات و منافع تَتَحقق لها نتيجة هذا الانضمام .
من المؤكد أن الساسة المحافظين في إيران سيجدون صعوبة في التقَيد بكافة بنود اتفاقية منظمة شنغهاي , فمثلا سيكون هنالك في الساحل الإيراني المطل على بحر العرب ميناء هو احد مرتكزات مشروع طريق الحرير الجديد و المرتكزات الأخرى على هذا المسار البحري موانئ دول اخرى , منها ميناء خليفة في الأمارات و ميناء حيفا الجديد في اسرائيل حيث تقوم الصين حاليا بتطوير الميناء في الأمارات و إنشاء الميناء الجديد في إسرائيل و كذلك الميناء في إيران بنفس الصيغة الاستثمارية و بذلك ستكون ايران ممرا تجاريا مهما لإسرائيل , فهل سيتقبل الساسة المحافظون في إيران هذا النمط من العلاقة التجارية مع إسرائيل حتى لو كانت علاقة غير مباشرة ...؟
ثانيا : تركيا
اصبحت تركيا دولة عضو مشارك في الحوار مع منظمة شنغهاي منذ سنة 2012 , و بقت على هذه الحال و لم تحصل على العضوية الكاملة أو حتى العضوية بصفة مراقب و ذلك لأن انضمام تركيا الى منظمة شنغهاي ليس بالأمر السهل و فيه شروط قد تبدو مستحيلة بالنسبة الى تركيا في الوقت الراهن , و من هذه الشروط خروج تركيا من حلف الناتو و أن تسحب تركيا طلبها المقدم للانضمام للاتحاد الأوربي .
لقد أوضح الرئيس التركي أوردوغان في مناسبات سابقة , خصوصا عندما تتأزم علاقة تركيا مع بعض دول الاتحاد الأوربي , استعداد تركيا لسحب طلبها للانضمام للاتحاد الأوربي مقابل قبولها في منظمة شنغهاي كعضو كامل العضوية , لكن الأمر لم يتطور و بقى يراوح مكانه , أما خروج تركيا من حلف الناتو فقد يفجر الوضع الداخلي في تركيا و يضعف مركز الرئيس التركي أوردوغان و حزبه لذلك سوف لن يقدم اوردوغان على هذه الخطوة في المرحلة الحالية , و بهذا الخصوص سعتْ روسيا بجد فصل تركيا عن حلف الناتو و قد عملت الكثير من أجل ذلك منها تزويدها بوسائل دفاع جوي متطورة شملت صواريخ S 400 و استعداد روسيا بتزويدها ايضا بطائرات الشبح الروسية المتطورة من الجيل الخامس و غيرها من الأمور كإشراكها في إيجاد حل ديبلوماسي للمشكلة بين ارمينيا و اذربيجان حول اقليم ناغورنو كاراباخ .
ثالثا : بلاروسيا
لقد حصلت بلاروسيا على عضوية في منظمة شنغهاي بصفة مراقب رغم كونها دولة أوربية بالكامل , أي أن كل اراضي هذه الدولة هي في قارة أوربا , و هذا يتناقض مع شروط القبول للمنظمة و التي تشترط أن تكون الدولة اسيوية أو دولة جزء من اراضيها في قارة اسيا و الجزء الآخر في اوربا .
بضغط من الرئيس الروسي بوتين تم قبول بلاروسيا كعضو مراقب على أمل تعديل شروط قبول الدول لتشمل دول أوربية و ربما دول من قارة أفريقيا ايضا و هذا يخالف النوايا الصينية في جعل منظمة شنغهاي نواة لأتحاد اسيوي على غرار الاتحاد الأوربي .
رابعا : العراق
من المؤكد أن الصين تولي اهتماما كبيرا بمستقبل علاقتها مع العراق حيث أن الصين الان هي الشريك التجاري الأول للعراق و بحجم تبادل تجاري تجاوز الثلاثين مليار دولار سنويا حيث بلغت الصادرات الصينية للعراق خلال سنة 2020 بحدود 20 مليار دولار و استوردت الصين نفط خام عراقي بحدود 10 مليار دولار ,
المؤشر الآخر لاهتمام الصين بالعراق هو توقيع الصين اتفاقية اقتصادية مع العراق تتضمن قيام الشركات الصينية بتنفيذ مشاريع كبيرة لإعمار البنى التحتية في العراق و يدفع العراق ثمن هذه المشاريع من خلال تصدير 100 الف برميل من النفط العراقي يوميا الى الصين , و هذه الكمية قابلة للزيادة مع توسيع نطاق الاتفاقية العراقية الصينية مستقبلا , لكن الجهود الأمريكية نجحت في تعطيل تنفيذ هذه الاتفاقية خصوصا بعد أن تولي مصطفى الكاظمي رئاسة مجلس الوزراء العراقي , و اذا تم اختيار رئيس وزراء عراقي جديد بدلا عن الكاظمي فقد يتم تفعيل الاتفاقية العراقية الصينية من جديد , لكن , من المؤكد إن هذا سيكون تحدي آخر لأمريكا قد لا تسمح به و ستبحث عن وسائل جديدة لتعطيل هذه الاتفاقية .... !
خامسا : يبدو أن الطموح الصيني الروسي لم يتوقف عن حد فقد رحبت الدول الأعضاء في المنظمة في اجتماع القمة الذي انعقد في أيلول من هذه السنة 2021 بالمفاوضات الجارية حاليا لضم السعودية و قطر كأعضاء بصفة شريك في الحوار مع المنظمة , بالإضافة الى أن روسيا تسعى لضم مصر ايضا رغم أن مصر ليست دولة اسيوية .
سادسا : افغانستان
تم قبول أفغانستان كعضو مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون سنة 2012 , و في اجتماع القمة الأخير لهذه المنظمة في ايلول 2021 ناقش قادة دول هذه المنظمة تطورات الوضع في هذا البلد المضطرب أمنيا بعد سيطرة طلبان على الحكم فيه و قد أتفق جميع القادة على التعاون مع حركة طالبان دون اغفال المخاطر .
لاشك أن مجريات الأحداث و تطورها في أفغانستان لم تكن وفق ما كانت تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية من جعل افغانستان مصدرا للمشاكل و الصراعات و الاضطراب تؤذي بها جميع الدول المجاورة لأفغانستان و خصوصا إيران و الصين و دول اسيا الوسطى الحليفة لروسيا , لكن الأمور جرت بما لا تشتهي سفن الاستراتيجيات الأمريكية حيث أدى الانسحاب الأمريكي من افغانستان الى تعاون أكبر بين الدول التسعة الأعضاء في منظمة شنغهاي لاحتواء المخاطر الإرهابية المحتملة التي قد يكون مصدرها افغانستان .
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
