أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - في المرايا _ أقصوصة














المزيد.....

في المرايا _ أقصوصة


أحمد اسماعيل اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1655 - 2006 / 8 / 27 - 02:42
المحور: الادب والفن
    


ما إن مسست زر الجرس مساً قصيراً، حتى أصدر صوته داخل البيت رنيناً أشبه بالنباح، سحبت يدي كالمصعوق.. وانتظرت. تمنيت أن يمتد الانتظار بي زمناً لا نهاية له، لكنه لم يدم سوى هنيهات. كالعادة، وصلني وقع خطوات طفلتي المتعثرة يسبقها صوتها الرقيق وهي تلثغ (بابا.. باب. جاء..) إنها تميز صوت الجرس عندما أكون أنا من يقرعه، فتضرب الباب بكفيها الصغيرتين ضرباً خفيفاً في سعي منها لتسلقه وفتحه.. وهاهي قد عرفتني.
(بابا..هات..) ظلت تلثغ مرددة كلماتها المبتورة التي أفهمها، كي أجيبها بكلمات مشابهة لها تفهمها هي أيضاً، ويطول حوارنا الممتع دقائق كنت أحسها أمتع وألذ الأوقات في حياتي، حتى تخف أمها لفتح الباب وقد علت وجهها ابتسامة عتب رقيقة، فأقذف ما خف وثقل مما أحمل، لأرفع طفلتي عالياً، فترفرف بين يدي كطائر فرح بالحرية، ثم أروح أقطف من ثغرها ووجنيتها وعنقها قبلات شهية ريانة، تطلق ما في أعماقها من كركرات وزقزقات مرحة تملأ جوارحي والبيت سعادة فائقة، ولا أكف عن هذه الملاعبة إلا بعد أن تجذبني أمها إلى الداخل، وتوصد الباب خلفنا، ثم تحشر وجهها بيننا لتشاكسنا، حينها فقط أكف وأنا أحاول التقاط أنفاسي المتلاحقة، بعدها أضم زوجتي إلى صدري وأرشف من ثغرها قبلة شوق معتقة.
لم أدر كم من الوقت مضى وأنا وشيرين طفلتي على هذا الحال، هي تغمغم بكلماتها المعهودة خلف الباب، داخل البيت، تصفعه بكفيها الصغيرتين صفعاً رقيقاً أخذ يتراخى ويوهن، وأنا أمام الباب، خارج البيت، صامت كصنم منبوذ، أسمعها ولا أسمعها، وكأني بالباب بيننا قد استحال إلى ما يشبه الجبل، أو امتد كبحر.. ويا ليته صار كذلك، ليت الزمن يفقد ذاكرته ويتوه، ليت أمها قد أخذتها سنة نوم عميقة طويلة فلا تسمعها، كي تمل شيرين وترجع إلى لعبها أو فراشها، فأنا لن أستطيع لمسها أو مبادلتها نظرة خاطفة.
(بابا..كا كا.. هات) يا إلهي!!، إنها لا تكف عن صفع الباب ومناداتي، ماذا أفعل إن فتح هذا الباب اللعين وأطل منه وجهاهما، وتخيلت نفسي فأراً يهرع إلى أقرب حجر أو صرصاراً يتسلل إلى بالوعة، فلا عين رأت ولا أذن سمعت، وكدت أصير كذلك، حيث راحت عيناي تبحثان عن جحر أو مكان ما أتوارى فيه.. ولكنني لم استطع. هاهي زوجتي قادمة، تغمغم معاتبة كعادتها، تدير مفتاح الباب، تبعد شيرين عنه، تؤنبها، تتمهلني، تعاتبني على تعليمي البنت هذه العادة، تفتح الباب بتؤدة وحذر، ثم تطل بوجهها الباسم منتظرة ما سأفعله مع شيرين كالمغلوبة على أمرها، وعلى الرغم من اندفاع شيرين نحوي وتشبثها بقدمي، وطلبها الملح أن أحملها، إلا أنني لم أوت بحركة ولم أتفوه بكلمة، وكأني بطيور العالم أجمع قد حطت على رأسي، ظللت مطرق الرأس وأنا أبصر شيرين تتشبث بقدمي، تتضرع بعينيها العسليتين الحلوتين لأرفعها عن الأرض وأطيرها عالياً كالعادة. قوتان هائلتان بدأتا تتجاذبانني حينئذ، واحدة تدفعني صوب شيرين لأضمها إلى صدري كي أمطرها بالقبل، أسمع ضحكاتها المغردة، لأروي ما بي من ظمأ ولهفة إليها، وقوة أخرى تكبلني، تشل يدي، فأقف جامداً لا ترمش لي عين خشية افتضاح أمري الذي ربما أحست به شيرين وأنا أقبلها، أو كشفته أمها حين أضمها إلى صدري، فتشم رائحة أخرى غير رائحتها تنبعث من فمي وجسدي، فأنا أدرك تماماً أية أنثى هي، وقتها ماذا سأفعل؟ وما السبيل إلى التبرير والخلاص؟؟. أمام الباب، ووجهاً لوجه، ارتسم الذهول وردة سوداء على وجهي الأم والطفلة وهما تبصراني صامتاً منكمش الجسد أسترق النظر إليهما بوجل على غير عادتي، ووجدتني، بعد أن فشلت في الفرار كفأر أو كصرصار وأنا خارج البيت، أمام الباب، أندفع داخل البيت، ونظراتهما الغريبة تسوطني وتحيلني إلى شيء لم أكنه قبل ذلك، وفي الداخل لم أتمدد كعادتي على الكنبة لتسرع شيرين إلى امتطاء صدري ريثما تنتهي أمها من إعداد الطعام، بل راحت نظراتي القلقة تبحث عن مكان أختبئ فيه، تدانت الجدران في الداخل وراحت تتداعى فجأة، اجتاحني الرعب وصار جسدي يرتعش كورقة صفراء تصفعها ريح صرصر. بدأ جسدي المرتعش يصغر ويتضاءل على نحو غريب، والجدران من حولي تستحيل إلى مرايا: مرايا مستوية ومحدبة ومقعرة، ومن الفزع لم أستطع إغماض عيني، وكنت أنى أيمم وجهي أجد في المرايا صرصاراً وحيداً يصغر ويتضاءل.



#أحمد_اسماعيل_اسماعيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصغير يضحك - قصة
- امراة منسية - أقصوصة
- حكاية رجل صار رماداً - قصة
- رقصة العاشق -قصة قصيرة
- الغفاري يمثل دوره - قصة
- العلاقة المسرحية
- التكريم - قصة قصيرة
- -أقصوصة - حصالة سالار
- أقاصيص
- الشخصية في مسرح الطفل
- الكردي في المسرح السوري
- الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة
- أوْرَبة تركيا ..أم توركة أوربا ؟
- التلقي المسرحي لدى الطفل
- الإرهاب في الدراما التلفزيونية
- قصص قصيرة جداً
- الكرد في سوريا - تجنيس الأفراد ..دون الشعب
- قصة- الاعتراف
- الديمقراطية السوداء - ماركة عربية مسجلة
- علي بابا والأميرة شمس النهار- وجبة مسرحية نموذجية


المزيد.....




- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - في المرايا _ أقصوصة