أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - -أقصوصة - حصالة سالار














المزيد.....

-أقصوصة - حصالة سالار


أحمد اسماعيل اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:34
المحور: الادب والفن
    


منذ زمن،
وحصالة سالار هي فرح سالار،وهي مصباح سالار السحري الذي سيحقق له ما يرغب ويشاء،فهو،وكلما دسَّ قطعة نقدية في حصالته الفخارية،كان يوم العيد،الذي من أجله يدخر النقود،ليشتري بها الثياب الجميلة،ويركب الأراجيح،يحلُّ ،ويرتسم أمام ناظريه:مشرقاً،بهياً،بهيجاً،يرتدي فيه أجمل الثياب،ويتناول ألذ الأطعمة،ومختلف أصناف الحلوى،والسكاكر،يركب الأراجيح،ويزور مع رفاقه أماكن اللعب،واللهو،تغمره سعادة طائر يحلق عالياً في سماء صافية،وآمنة،بلا جوارح،ولا طائرات. وفي كل مرة يحتضن فيها سالار حصالته،ويطبق نعاس لذيذ أهدابه ،كان ملاك النوم الجميل يهبط نحوه،ويحمله في عربته المذهبة ،وينطلق به في سماء مرصعة بالنجوم، والأقمار.
ومنذ أيام ،
لم يعد ملاك النوم يهبط إليه بعربته المذهبة،وينطلق به في السماء المرصعة بالنجوم،كانت المشاهد التي تعرضها الشاشة الصغيرة عن قوافل البشر المطاردة في جبال متين،و زاغروس،والهائمة في عراء الجبال المكسوة بالثلوج،قد بدأت تحول بينه ،وبين حلمه الجميل الذي راح ينأى عنه شيئاً فشيئاً ،وهو يرى دموع أمه،ويسمع حديث والده المتكرر،مع ضيوفه العابسين دائماً ،عما يقاسيه هؤلاء الأهل في شعاب تلك الجبال.
واليوم ،
حين كان جالساً إلى جانب والده،قرب المدفأة التي بدأت ألسنة اللهب الزرقاء فيها بالتمرد،والدمدمة،راح يستمع هو الآخر لحديث أحد الضيوف عما يلاقيه هؤلاء الأهل من جوع ،وبرد ،ومطاردة عساكر مدججين بالسلاح .
غزا نعاس ثقيل أهدابه،فأحس ،وهو يغفو،بأكف غريبة تحلق به فوق جبال كسا الثلج سفوحها وقممها ببياض خالص،طغى لونه على خضرة أشجار السرو،والبلوط،والجنار،وعلى ظل الليل في الأرض،وكانت أجساد بشرية،صغيرة وكبيرة، قد أحاطت ،في تلك العتمة، في مجموعات متفرقة بألسنة نيران قصيرة،عجزت عن إشاعة دفء في برودة ذلك البياض ،أو إنارة بقعة صغيرة في ثوب الليل الكتيم،بين ذلك البياض والسواد ،كان أنين الأطفال،ونشيج النساء،وزفرات الرجال،يتردد كالصدى ،جال بصره في السماء بحثاً عن ملاكه الجميل وعربته المذهبة،ليطلب منه حمل الأطفال والصعود بهم بعيداً عن هذا المكان الموحش، فلم يجده، ولم يجد النجوم ،والأقمار التي كان يشاهدها في كل مرة يصعد فيها مع ملاكه،كانت السماء في هذه المرة سوداء،وثقيلة، بدت كأنها تريد أن تسقط فوق هؤلاء هذا الجبل ،وهؤلاء الناس. انتفض جسده الصغير فجأة ،وهبَّ من نومه واقفاً ،وراح ينظر إلى والده الذي لكزه حين وجده قد استسلم للنوم أمام الضيوف،ثم أمره بالذهاب إلى فراش النوم، كان سالار ما يزال يفرك عينيه حين سمع صوت الضيف يتحدث عن واجب مساعدة هؤلاء المساكين،ومن فوره توجه نحو غرفته لينام،وصوت الضيف يلاحقه عارضاً معاناة الأطفال في ذلك العراء،حاثاً الجميع على المساهمة في تأمين الغذاء، والدواء لهم،وبدل أن يندس تحت اللحاف،ويستأنف نومه ،اتجه من فوره نحو الخزانة،و دون أن ينادي أمه هذه المرة كعادته كلما أراد الحصالة،جرَّ كرسياً نحو الخزانة،ثم تسلقه بصعوبة ،ووقف على رؤوس أصابعه،وهو يمطَّ جسده نحو أعلى الخزانة مثل قطة جائعة، أسقط بعض الأشياء الموضوعة فوقها،وهو يتحسس سطحها،وبالكاد لمست أصابعه حصالته الفخارية،أحس بالسرور وهو يقبض عليها ،جذبها نحوه،وهبط بحذر عن الكرسي،ضم الحصالة إلى صدره بلهفة،زاغت نظراته فجأة ،وهي تلاحق مشاهد الأراجيح التي كان سيركبها،والثياب التي كان سيرتديها،والسكاكر،والحلوى التي كان سيتناولها مع أصدقائه،بعد أن يكون قد حصل على العيديه من أعمامه،وأخواله،ليزيد بها ثروته التي أودعها في هذه الحصالة،فزقزقت أسراب العصافير في داخله،وحلق في عربة ملاكه المذهبة فوق السهول،والأنهار،والساحات،والجبال..ولكن صور أولئك الأطفال قفزت أمام عينيه فجأة،وصوت الضيف يعود إلى مسامعه مرة أخرى بعد أن غاب عنها للحظات ،رفع يده القابضة على الحصالة عالياً،فأصدرت رنيناً محبباً إليه، طالما أسعده وأطربه، لم يهزَّ الحصالة مرة ثانية ،وثالثة كعادته،بل أغمض عينيه ورمى الحصالة نحو الأرض بقوة ،فتح بعدها عينيه ،وأخذ يتأمل منظر النقود المتناثرة مع قطع الفخار المحطم،وبهدوء جلس القرفصاء، وراح يلتقط من بين حطام الحصالة نقوده المعدنية،ربع ليرة،نصف ليرة ،ليرة، ليرتان.. إلى أن جمعها كلها في كفيه الصغيرتين،ثم توجه بها نحو غرفة الضيوف،حيث كانت سحب دخان السجائر،ودمدمة لهب المدفأة الغاضب،قد أضفت على الجو كآبة،سادت بعد أن أفرغ الجميع ما في داخلهم من أدعية،وشتائم،وتضرعات لرب بعيد،تقدم سالار نحو الضيف الذي كان يحث الجالسين على تقديم المساعدة العاجلة، ومدَّ نحوه كفيه الصغيرتين اللتين جمع فيهما كل ما ملك من ثروة، طالباً منه أن يبعث بها إلى أولئك الذين رآهم في متاهة الشعاب الجبلية هائمين على وجوههم تحت سماء واطئة،وسوداء،وثلج أبيض،وبارد .

قامشلي
12-7-1994



#أحمد_اسماعيل_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقاصيص
- الشخصية في مسرح الطفل
- الكردي في المسرح السوري
- الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة
- أوْرَبة تركيا ..أم توركة أوربا ؟
- التلقي المسرحي لدى الطفل
- الإرهاب في الدراما التلفزيونية
- قصص قصيرة جداً
- الكرد في سوريا - تجنيس الأفراد ..دون الشعب
- قصة- الاعتراف
- الديمقراطية السوداء - ماركة عربية مسجلة
- علي بابا والأميرة شمس النهار- وجبة مسرحية نموذجية
- ثمار الدكتاتورية المرة
- في المدينة الموبؤة الأستبداد وباء لا يستثني أحداً


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - -أقصوصة - حصالة سالار