أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - الغفاري يمثل دوره - قصة














المزيد.....

الغفاري يمثل دوره - قصة


أحمد اسماعيل اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1542 - 2006 / 5 / 6 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


هكذا، وكما في الحكايات القديمة، حدث ما حدث.
تملك صمت بارد المكان الضاج قبل لحظات، وفغر الجميع أفواههم دهشة لمرأى بدوي عجوز يتقدم صوبهم. عينان غائرتان متقدتان، لحية طويلة شيباء.. وقامة فارعة مهيبة تتكئ على سيف صدئ قديم.
توقف العجوز أمام الكتلة البشرية ذات الوجوه المتسائلة الواحدة، وبادلهم نظرات العجب والاستفهام، ثم سأل بلهجة فصيحة نقية كأنسام البادية التي قدم منها:
- علام هذا التجمهر يا أخوان؟
- للدخول إلى المسرح.
أجابه البعض. مسح البدوي المبنى الكبير بنظرات الاستغراب، وسأل مرة أخرى:
- وما المسرح؟
فردّ أحدهم:
- ادخل معنا وستعرف.
دخل البدوي الغريب المسرح مع من دخل.
أطفئت الأنوار، وتهيأ جمهور النظارة لمشاهدة العرض بتلهف بعد طول انتظار. مرت دقائق والخشبة خالية، ثم سرت همهمة انبعثت من الكواليس، وعاد الضوء بعدها فغمر الصالة من جديد، تأفف البعض، وردد البعض الآخر عبارات الاستغراب والاستهجان، وإن بهمس وتردد.
اعتلى أحدهم المنصة، وكان المخرج، وأعلن للنظارة بأن أحد الممثلين، ولظرف ما، قد تخلف اليوم عن الحضور، وبذلك بقي الدور شاغراً، ومن أجل تقديم العرض لابد من ممثل، ثم جال ببصره في الوجوه الجامدة على دهشتها، وسرعان ما أشار إلى البدوي العجوز الغارق في كرسيه وقد شخص ببصره نحو الخشبة.
- أرى العم هناك يمكنه أن يجسد الدور.
واندفع بعض الرجال من الكواليس نحو الصالة فأمسكوا بالرجل، وصعدوا به إلى الخشبة، فقال العجوز وقد تملكته الدهشة:
- أنا لا أجيد هذا الضرب من اللعب يا أخوان.
- ستجيده، ثم هناك الملقن.
رد المخرج، فسأل البدوي العجوز:
- ولكن ما هو الدور؟
- أبو ذر الغفاري، ستؤدي هذا الدور.
أجاب المخرج، وحدج البدوي بنظرات غريبة.
وكالمأخوذ قال البدوي:
- ماذا؟ ولكن أنا أبو ذر الغفاري.
ابتسم المخرج باقتضاب وسخرية، وصفق الجمهور بإعجاب لهذه السرعة في تقمص الدور.
انتصب أبو ذر على الخشبة كرمح وانتظر الملقن الذي همس له: قل (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف يخرج على الناس شاهراً سيفه).
انتفض أبو ذر وانعجنت أسارير وجهه، فرفع سيفه الصدئ عالياً، وصاح وعيناه جمرتان تقدحان شرراً:
(عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه). فهمس الملقن بحنق:
(خطأ أيها المغفل، بل كيف يخرج على الناس شاهراً سيفه)
اربد وجه الغفاري ودار على الخشبة كزوبعة مجنونة ثم لوّح بسيفه وبغضب صاح الملقن أيضاً:
(أيها المجنون. ماذا تقول. خطأ. خطأ.)
صرخ الغفاري مرة أخرى مردداً عبارته وهو يلوح بسيفه في الهواء، وقبل أن يتمها فرت الأنوار هلعة وعادت إلى المصابيح، فهبطت العتمة على المكان، وصبغت وجوه النظارة بالسواد الفاحم. وظلت العيون وحدها تبرق وهي تدور في محاجرها بترقب وخوف.
انشحنت العتمة بضجيج تعالى من عمق الخشبة، ثم اندفع الغفاري كشبح إلى المقدمة وراح يصرخ بأعلى صوته:
(إنها مؤامرة يا ناس. انتبهوا.. هذه ليست لعبة.. إنهم ينوون شراً. حذار.. حذار.)
وهطل تصفيق الجمهور عليه بغزارة، ولوح له البعض إعجاباً بهذا الأداء الرائع. هبط الغفاري إلى الصالة بعد أن تحلق حوله الممثلون وأحاطوا به على الخشبة، وتغلغل بين المقاعد وهو يصيح حاثاً الناس على إيقاف هذه اللعبة، لكن الجمهور واصل تصفيقه الحار، وإطلاق عبارات الثناء بسخاء.
لحقه الممثلون إلى الصالة، وأمسكوا به، وسحبوه بطريقة مسرحية إلى الخشبة، ثم رفعوه إلى كرسي نصبت فوقه مشنقة، وبالكاد وضعوا الأنشوطة حول رقبته.
صاح الغفاري من مكانه بحرقة ويأس: (يا جماعة، هؤلاء لا يلعبون. هذه ليست لعبة. أنتم واهمون، إنها حقيقة. أقسم لكم بأنها حقيقة. انتبهوا.. افعلوا شيئاً)
تقدم منه المخرج. ورمقه بنظرات التشفي والسخرية، ثم ركل الكرسي بقدمه فسقط.. صمت الغفاري بعد أن انحنت رقبته وتدلى لسانه من فمه.. وبهت لونه تماماً..
وقف الجمهور وألهب الأكف تصفيقاً لهذا التشخيص الرائع للبدوي العجوز.



#أحمد_اسماعيل_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة المسرحية
- التكريم - قصة قصيرة
- -أقصوصة - حصالة سالار
- أقاصيص
- الشخصية في مسرح الطفل
- الكردي في المسرح السوري
- الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة
- أوْرَبة تركيا ..أم توركة أوربا ؟
- التلقي المسرحي لدى الطفل
- الإرهاب في الدراما التلفزيونية
- قصص قصيرة جداً
- الكرد في سوريا - تجنيس الأفراد ..دون الشعب
- قصة- الاعتراف
- الديمقراطية السوداء - ماركة عربية مسجلة
- علي بابا والأميرة شمس النهار- وجبة مسرحية نموذجية
- ثمار الدكتاتورية المرة
- في المدينة الموبؤة الأستبداد وباء لا يستثني أحداً


المزيد.....




- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - الغفاري يمثل دوره - قصة