أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلسطين اسماعيل رحيم - قراءة في رواية إبحار عكس النيل للإعلامية فائزة العزي















المزيد.....

قراءة في رواية إبحار عكس النيل للإعلامية فائزة العزي


فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)


الحوار المتمدن-العدد: 7085 - 2021 / 11 / 23 - 13:39
المحور: الادب والفن
    


عن فائزة العزي ورواية الإبحار عكس النيل

فلسطين الجنابي
:

كنت أريد أن أكتب عن رواية الإبحار عكس النيل دون حزن ، لأني كلما قربت الفكرة ،
طغت النهاية الحتمية لصراع بشري طبقي وعرقي ليقتل قصة حب كانت الخيط الوحيد الذي سيربط حزمة الحطب هذه ، لكن حتى هذا الحب لم يكن كافيا ، لتموت لوشيا فتقرر عنا جميعا ، أننا ورثة قابيل حقا ، حيث لا مكان للآيثار بيننا ولا نعرف كيف نضحي كما يجب لكي نهبط من بشريتنا الهائمة إلى أنسنة ، توقعنا أننا نعيشها مذ لحظة وجودنا على هذا الكوكب .
الان وبعد ان قررت ان احكي لكِ شجني عنها ومنها ، وجدتني مرة آش وفي أخرى لوشيا ، ومرات كثيرة وجدتني المعذب كرم الله المستسلم ، لا ادري أين قرئت يوما عبارة ، ان الشجن العربي واحد ، ولا اذكر كيف توصل لفهمي الان ان الابحار عكس النيل ، هو تغريبة من تغريبات شرقنا الاوسطي هذا ، ولا كيف وجدت صورة على شاهد قبر في مدينة هولندية ، لرجل يرتدي عقال وكوفية بيضاء ، الرجل كان يحمل اسم يوسف اسكندر حنا ، وهو من مسيح الموصل ، مات بعد وصوله الى منفاه الآمن بعام واحد ، كنت ربطت بين مصير لوشيا وهذا الرجل الذي ظل قبره يحمل زيا عربيا ليحكي تغريبة عاشها الرجل اكثر من مرة ، من مذبحة سيميل الى عودته مرة ثانية الى موطن الاجداد ومن ثم هذا المنفى الذي لم يمهله لتغريبة جديدة
، تنتهي لوشيا الى النهر ، مطهرنا من العذابات، مثلا صلاة صابئية، فيما تعتمر روح يوحنا المعمدان ، كرم الله ، وهو يصرخ بأسمها ، هكذا تُختم الرواية ، لتفتح باب من الاسئلة المتعلقة بصراع الانسان وأحقيته في إحقاق وجوده المعنوي والمادي والدفاع عن كينونته ، لا اعرف تحديدا متى بدء استرقاق البشر لبعضهم ،لكني أعرف انه الى الان هناك من يقبل الرق الاجتماعي والعقائدي وحتى العرقي على نفسه ، بل ويربط الحبل حول عنقه ،
قد نجد عذرا لجوزيف ولكل من ركب الباص من اجل العودة الى واو ، في رحلة طويلة كانت كافية لأجترار ذكريات حميمة واكثر حنوا في منفاهم في الخرطوم او الشمال ، لكن لم يكن هناك من يريد ان يتذكر شيئا غير الاقصاء والتهميش والعنف ، كأنهم يخافون الوقوع في فخ المغفرة ، فيعدلون عن طريق الهجرة هذا ،
لم تكن لوشيا اكثر وعيا منهم ، لكنها كانت عاشقة اذ كان هناك جزء كبير يمكن ان تتغاضى عنه ، بعين المحبة ، وحتى محبتها تلك كانت ناقصة الإدراك، هي كانت تعشق قوته الاجتماعية مقابل ضعفها فقط لكونها تختلف عنه عرقيا ، ما يجعلها في مرتبة ادنى منه، فكيف اذن يمكن ان يعشق الانسان شخصا لا يستطيع ان يعترف به كاملا على الملء ، ويخشى أن يحدثُ حبه خدشا في واجهته الاجتماعية ، الا يكون حبا كهذا محكوما بالإعدام، حتى وإن خلدته بإلف رسالة اعتراف ضمها صندوق ، لم يميز سقطة مفتاحه في النهر من صوت حصى . لذلك لم يعد للصندوق ، ولم يعد للوشيا غير موتتها تلك .
موت صديق وهو ينقذ صديقه، وعقدة أخيه هاشم وهو يحمل موته لكل من ينتمي للمعسكر الآخر ، في حكم اعمى ومطلق ، لا يتسق مع عمله في مكتب محاماة ، ولكن هي كذلك النفس البشرية ، لا يمكنها ان ترى بعينين اثنتين ، بل ان حتى حواسها الخمسة تغدو معطلة حين تلدغها عقرب الكراهية ، فتظل لا تعي ولا ترى ألا ما يوافق تلك النار ، لم يكن ل آش ذات الحكم على القبائل التي قتلت زوجها ، وحتى حين هجرتهم لم تغذي ابنائها على هذا الحقد ، فكيف اعتمر قلب ولدها ، الذي صار لا يستطيع ان يجامل من أحسنوا إليهم ، وكيف يجازف ويعود إلى واو ، التي قد يتربص به ثأرا هناك ، ومن أبناء جلدته لا ممن يخاف ويحذر .
الحلم بوطن مستقل تتحقق فيه المواطنة وتحفظ فيه الكرامة لكل إنسان، والاستفتاء كان أولى الخطوات التي يحلم بها الجميع ، ولكن شيئا يغفله الإنسان المناطقي ، وهو ان الشعور بالدونية لا يمكن ان تحميه القوانين ولا يمكن لألف استفتاء ان يزيح ما ترسخ به، ان الذي يحمل عقدة نقص كهذه لا يمكنه ان يصنع حرا ، ولا يبني جيلا واعيا ، سيظل يناضل من اجل ان يثبت للاخرين ذلك ، ناسيا ان نفسه لم تعرف ماهو الجدار الفاصل بين ان تكون حرا وبين ان تكون العكس
، صناديق مييورا المنحوسة، حددت مصير أولاده تماما ، فعلى الرغم من هروب اش بهم الى بقعة اكثر أمانًا، لكن بمجرد وفاتها ، انفرطت تلك المسبحة ، ليغامر الاخ بأسم الوطن الواعد والحرية التي لا يعرفها ، فيعود بأختيه ، ليزوج واحدة لرجل بلا هوية ولا انتماء ( اصرار بيتر الرحيل بعد الزواج الى اوربا أو اسرائيل) ،
كيف يتبنى فكرة الانفصال والدفاع عن وطن هو قرر سلفا انه غير مستعدا للدفاع عنه او التمسك فيه ( وكم يشبه هنا الكثير من دعاة الانفصال والتبعية في اوساط حكوماتنا ) فيما لم يكن ل جوانا اي رأي يعبر عن فتاة كبرت في كنف اسرة مختلفة عنها لكنها اكرمتها واحسنت تربيتها ، فلم يكن لها اي حنين او حتى دمعة للماضي الذي تركته خلفها ، مثلها مثل جوزيف وزوجته ، في الوقت الذي كانت لوشيا وحدها من ترى ما ينتظرهم ، فلم تبد مستعدة لانتظاره وغادرت قبل ان يتبين إن الانفصال كان فكرة مغامرين ، لم يكونوا مستعدين لها أساسًا.
في كل الرواية كانت لوشيا هي الخط المعتدل والذي يفكر بحكمه ، لكنه محكوم برابطة الاسرة وبضرورة الارتباط بكرم الله ان هي إختارت البقاء ، حتى هي لم تكن صاحبة قرارها ، ولم تكن تدرك حجم الوعي الذي تملكه ، وكذلك أغلب نساء مشرقنا ، يقال ان الادراك والوعي نقمه ، لأنه يجعل المرء مدركا لحجم الخطر المحدق به ، ويدرك أيضًا ما يمكن ان يتمخض عن كل خطوة يخطوها
، لكن في آش كان الامر مختلفا ، آش اجتازت خوفها بفطرتها ، مرة حين أتبعت نداء قلبها ، ومرة حين قادتها امومتها لتهرب بصغارها بعيدا عن مرمى النيران والاقتتال ، فلم يرث اي من أبنائها هذه الشجاعة ، وكأن المدنية شذبت فيهم الكثير ، وقص القانون اجنحة لوشيا، فكانت تفكر بعقلها أكثر من فطرتها ، كما كبل المجتمع ونظرته الفوقية كرم الله، وجعله سجين الاخرين ونظرتهم إليه فلم يستطع ان يكون نفسه
.
الرواية أبرزت أهم قضية في وجود الأنسان بعيدا عن كل ما تعرضت له من مواقف إنسانية واجتماعية وسياسية وأساطير وحكايات ، قضية الذات المرهونة بتقييم الآخر، لم يكن جوزيف حقيقيا في صورته إلتي عرفها الشيخ حسن ، فما ان عرف الطريق الى واو، حتى صار شخصا اخر ، جوانا شخصية ذائبة بين جوزيف وبيتر ، وحتى لوشيا كانت تشترط ردا من كرم الله او الموت ولم تدافع عن كينونتها ، لم يكن الجيل الاول افضل حالا، فلا آش ولا ميبورا ، كانا يدركان أنهما يدخلان لعبة أكبر، غير أن إبحار آش هو الاتجاه الوحيد الذي يبدو حقيقيا وحكيما ، فيما ظلت كل شخوص ورمزيات الرواية خاضعة لقانون جمعي يشترط ان لا تكون خارج السرب كي لا تأكلك الوحوش .
الإبحار عكس النيل ؟ رواية تخوض في صراع لا ينتهي ، وتحكي في تفاصيلها قصص لاخرين يشبهوننا تماما في رحلة البحث عّن ذاتٍ سنقبل بها ولو معطوبة ، لكنها لا تكتمل الا في أرض، ننتمي إليها ولو بمقدار شاهدة قبر
صديقتي فائزة هذه الرواية تستحق آكثر من قراءة واحدة ، تحتاج أكثر من تحليلا نفسيا وتاريخيا ، كما أنها تستحق ان يقرئها جميع سوقنا الغاطس في تشرذمه ،لعله يجد سببا ولو واحدا يدفعه لوقف هذا الاحتراق.

فلسطين الجنابي



#فلسطين_اسماعيل_رحيم (هاشتاغ)       Falasteen_Rahem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية إذ سُعرتْ للإعلامية فائزة العزي
- تلولحي/ من سيرة الاغاني
- نهر وسر أمرأة- سيرة الأنهار
- مشيئة الحزن
- حارسة المقبرة
- نشيد الوداع
- موت على الطريقة التكنوقراط
- زكريا أبن النهر
- رثاء النبع
- دعوة للحلم
- حاجة للسلام
- سلاما يا عُراق
- دمع القهوة
- حزن بطريقة متحضرة
- يقين الغائبين
- أعتراف
- دعوة للحب
- حكاية بلبل القصب
- فلسطين جواز عبوري
- محاكمة الله


المزيد.....




- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة
- العمود الثامن: في حكاية الشيخ والشاعر !!
- الاحتفاء بالشاعر والمترجم ياسين طه حافظ بمناسبة اختياره رمزً ...
- جاهزون يا أطفال .. أحلى الأفلام الكارتونية على تردد قناة سبي ...
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- يحصل على جائزة أفضل فيلم صيفي لعام 2025 “فيلم مشروع أكس”
- رابط مباشر نتيجة الدبلومات الفنية الدور الاول برقم الجلوس فو ...
- في ليبيا: السوريون يواجهون أوضاعا إنسانية وقانونية صعبة في ظ ...
- Maturity: ألبوم لنادر بن عن المنفى والإنتماء بإيقاعات الفولك ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلسطين اسماعيل رحيم - قراءة في رواية إبحار عكس النيل للإعلامية فائزة العزي