|
الثورة السودانية في مواجهة الجيش والمشهد السياسي المعقد .... !!!!
زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 7083 - 2021 / 11 / 21 - 02:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الصعب لمن يتتبع الوضع في السودان أن يتمكن من إدراك حقيقي وواقعي وموضوعي لما يجري من احداث في السودان وفهم خلفيات هذه الاحداث من خلال مُتابعة وسائل الاعلام العربية ( أو الغربية) المعروفة والتي هي في معظمها إن لم يكن جميعها إما تابعة أو مُسيسة أو ممولة من جهات عربية واقليمية عديدة والتي تطرح غالباً رؤيتها للاحداث السودانية (أو حتى غير السودانية كلبنان واليمن والعراق ...الخ) بما يتلاءم مع ألاهداف السياسية لهذه الجهات ...لذا سنستعرض فيما يلي مُستجدات الوضع في السودان البالغ التعقيد ومسار الثورة السودانية التي لم تزل صامدة رغم الكثير من المصاعب والعراقيل والمُؤامرات . كما نعلم فقد شهد السودان في الايام الاخيرة أحداثاً دموية مع ازدياد حدة المواجهات والتصعيد الذي يشهده الشارع السوداني في ظل القمع الدموي الغير مبرر من قبل قوى الامن .. وهنا برهن الشعب السوداني بلا شك بقواه السياسية والثورية والنقابية (تجمع المهنيين) من خلال أحداث الاسابيع الاخيرة في قدرته على الدفاع عن أهداف ثورته المُتواصلة التي اندلعت في ديسمبر 2018 ومازالت مستمرة .. وبالتالي فهذه الثورة تُشكل بلا مُبالغة نموذجاً يُحتذى به في العالم العربي والعالم الثالث من حيث الصمود الاسطوري والنضال العنيد والقدرة على العمل ومتابعة الثورة في إطار من التحالف الجبهوي العريض الذي يشمل طيف واسع من القوى السياسية والثورية والمهنية . وقد ساد الوضع في السودان في الاسابيع الاخيرة حالة من التعقيد والفوضى والغليان الشعبي بعد الانقلاب العسكري الفاشل في21 سبتمبر وما تلاه بعد حوالي شهر من حركة انقلابية نفذها العسكريون بقيادة الفريق عبد الفتاح برهان لحل مجلس السيادة الانتقالي وإسقاط الحكومة المدنية التي يرأسها عبدلله حمدوك واعتقال كبار المسؤولين في الحكومة بما فيهم رئيس الحكومة في ظل الخلافات والاشتباك السياسي بين العسكريين والقوى المدنية في قوى الحرية والتغيير .. واستغلال قادة الجيش للخلافات بين بعض أطراف قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين .. ليتحول بذلك المشهد السوداني الى حالات مُتتابعة من الفوضى والانقسام والاشتباك السياسي والعصيان الشعبي وتصاعد الصراع المُحتدم بين العسكريين بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وبين المدنيين في قوى الحرية والتغيير , وذلك في مشهد سياسي معقد وتمرد شعبي مُتواصل لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ اندلاع الثورة السودانية التي نجحت عام 2019 بالاطاحة بعمر البشير بعد أن حكم السودان على مدى 30 عاماً وقاده الى الفقر والفوضى والفساد والانهيار الاقتصادي منذ الانقلاب العسكري الذي قام به عام 1989 تحت مظلة الجبهة الاسلامية والاخوان بتشجيع من مُؤسس الجبهة الاسلامية حسن الترابي للاطاحة بالحكومة التي كان يرأسها آنذاك زعيم حزب الامة السوداني الصادق المهدي . وكما نعلم فقد تمخضت الثورة السودانية التي اندلعت في كل أنحاء السودان منذ حوالي ثلاثة اعوام على تشكيل ماعُرف بمجلس السيادة الانتقالي في آب 2019 بدلاً من المجلس العسكري الذي شكله الجيش لحكم البلاد بعد إطاحته بعمر البشير ... حيث تألف مجلس السيادة الانتقالي عندها ليشمل خمسة من العسكريين بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ومجموعة من المدنيين الذين يُمثلون في مجموعهم ما يُعرف بقوى إعلان الحرية والتغيير الذي تشكل من تحالف جبهوي عريض قاده في البداية تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد في بداية الثورة معظم الاضرابات والاعتصامات السلمية والمُظاهرات الغاضبة .. وشارك في قوى اعلان الحرية والتغيير بالاضافة لتجمع المهنيين السودانيين العديد من مُمثلي الاحزاب السياسية السودانية المنضوية تحت مظلة قوى الاجماع الوطني (حزب الامة والحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب المؤتمر الشعبي ...الخ ) وقوى نداء السودان .. بالاضافة الى بعض الفصائل المُسلحة المنضوية تحت الجبهة الثورية السودانية . وقد مرت الثورة السودانية منذ انطلاقتها بمراحل عديدة من النضال التعبوي والميداني العنيد وأثبتت قدرتها على الصمود الاسطوري والعمل الجبهوي في مواجهة القمع الوحشي لقوى الامن ... كما أثبتت نجاحها التاريخي في إفشال كل محاولات المجلس العسكري الذي حكم السودان بعد سقوط البشير في الالتفاف على هذه الثورة وشق صفوفها ووحدة قياداتها ومُحاولة إبعاد بعض رموزها الوطنية عن أجواء المُفاوضات وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني .. هذا عدا عن اللجوء الى المُماطلة والتسويف والخداع خلال مراحل المُفاوضات الطويلة والمُعقدة التي جرت للاتفاق على تقاسم السلطة السياسية بين القيادات المدنية في قوى الحرية والتغيير وقيادات المجلس العسكري .. حيث شهد السودان بعد تشكيل مجلس السيادة الانتقالي حالة من الاستقرار السياسي على الاقل خلال العام الاول مع تشكيل الحكومة السودانية الانتقالية برئاسة الدكتور عبدلله حمدوك .. التي انجزت بعد ذلك التوقيع على اتفاق جوبا للسلام في السودان في تشرين الأول أكتوبر 2020 بين الحكومة الانتقالية والعديد من الفصائل الثورية المسلحة في البلاد .. حيث شمل هذا الاتفاق أموراً في غاية الاهمية والتعقيد شملت العديد من المجالات التي تتعلق بالحكم والأمن والعدالة الانتقالية ومتابعة المفاوضات ...الخ ... ولكن رغم نجاح اتفاق جوبا بدأت بعد ذلك في الظهور العديد من التعقيدات في المشهد السياسي في ظل المشاكل التنموية والصعوبات الاقتصادية في السودان ولاسيما مع اندلاع أزمة اقليم شرق السودان المحاذي لموانئ البحر الاحمر والتي كانت في جوهرها أزمة مطلبية لم تتم معالجتها الى أن تفاقمت بشدة في الشهور الاخيرة عندما قطعت جماعات متمردة في الشرق السوداني امدادات خطوط النفط عن المناطق الداخلية في السودان .. وقد أربكت هذه الازمة المطلبية الخطيرة الحكومة السودانية وفاقمت بالتالي من تذمر الشارع السوداني الفقير لما سببته من آثار معيشية وأزمات في توفر الكهرباء وإمدادات الوقود والسلع الحيوية الهامة والاساسية , بالاضافة لما أفرزته هذه الازمة من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة على البلاد . وبالعودة الى المشهد السياسي الراهن في السودان فمن الواضح ان هذا المشهد أصبح يُشكل خطورة شديدة على مسيرة الثورة السودانية ومطالبها المشروعة بعد الانقلاب الفاشل في 21 سبتمبر والحركة الانقلابية التي قادها الجيش في 25 اكتوبر بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان لاقالة مجلس السيادة الانتقالي السابق والحكومة الانتقالية برئاسة عبدلله حمدوك وتشكيل مجلس انتقالي آخر يخضع لسيطرة العسكريين , وذلك دون أدنى تنسيق أو موافقة أو إشراك حقيقي للقوى المدنية التي تمثل بالفعل جميع أطياف قوى الحرية والتغيير التي تقود ثورة الشارع السوداني .... وهذا ماتسبب في نزول الشعب السوادني الغاضب والرافض لحكم العسكر الى الشوارع وساحات الاعتصام في دفاع مستميت عن ثورته التي قدم في سبيلها مئات الشهداء . وإذا ما قرأنا خلفيات الاحداث في المشهد السياسي السوداني فسيتبين لنا بوضوح أن منظومة الغرب والكيان الصهيوني والانظمة الرجعية في الجوار العربي والافريقي هي التي تقف بشكلٍ أو بآخر وراء الفوضى والاشتباك السياسي والعنف والتآمر على السودان .. فجميع هذه الجهات لا تريد للسودان وثورته المُتواصلة تحقق أي نجاح عل صعيد الاستقرار السياسي والتنموي والاقتصادي في ظل حكومة مدنية مُؤهلة لقيادة البلاد بعيداً عن كل أشكال التدخل والتاثير والتآمر .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسلام السياسي في المشرق العربي .. نشأته وتمويله , فصائله ,
...
-
الانتخابات البرلمانية المُبكرة في العراق .. النتائج والخلفيا
...
-
لبنان والمغرب ... حدثان مُتميزان .....!!!!!
-
طالبان .... إرهاب وتطرف ديني أم حركة تحرر وطني ....؟؟؟
-
ملاحظات حول لبنان وفلسطين والمنطقة العربية ....!!!!
-
من يقف وراء حرب التجويع والافقار والابادة في لبنان ....!!!!
-
كيف نُقيم مصداقية الاعلام العربي ودوره الوطني ..... ؟؟؟
-
لماذا يختلط على البعض فهم الحركة الاخوانية في المنطقة ....؟؟
...
-
العراق ولبنان بين الطائفية السياسية وفصائل الاسلام السياسي ا
...
-
هل من بارقة أمل لوقف الانهيار والتراجع بكل أشكاله في العالم
...
-
هل من بارقة أمل لوقف الانهيار والتراجع في لبنان والعالم العر
...
-
هل من بارقة أمل لوقف الانهيار والتراجع في لبنان والعالم العر
...
-
الاحتجاجات الغاضبة تنفجر من جديد في مُختلف المناطق اللبنانية
...
-
لبنان ... الفوضى والعنف المُمنهج ومهزلة تشكيل الحكومة ....!!
...
-
ماذا لو نجح ترامب بولاية أخرى ....؟؟؟
-
عام 2020 والحرب السورية .. وتوقعات العام الجديد ....!!!!
-
حركات التحرر الوطني والمقاومة في العالم العربي .. التاريخ وا
...
-
أسئلة مُحيرة حول الوضع اللبناني ....!!!!
-
الرئيس المُقبل للولايات المُتحدة .. بين السيئ للغاية والاقل
...
-
حزب الله .. الحماية لبنانية أولاً ....!!!!
المزيد.....
-
مهرجان الصورة عمّان..حكايا عن اللجوء والحروب والبحث عن الذكر
...
-
المجلس الرئاسي الليبي يتسلم دعوة رسمية لحضور القمة العربية ف
...
-
الخارجية الروسية تحذر من شبح النازية وتقدم تقييما لوضع العال
...
-
إصابة 29 شخصا بزلزال شمال شرقي إيران
-
وزير الداخلية الإسرائيلي: المشاهد القادمة من سوريا تشير إلى
...
-
والتز يؤكد استمرار المباحثات بين موسكو وواشنطن
-
-حماس- تعلق على قرار سويسرا حظر الحركة
-
مادورو: رفع -راية النصر- على مبنى الرايخستاغ عام 1945 تحول إ
...
-
بريطانيا تبحث استخدام أموال ليبيا المجمدة لتعويض ضحايا -إرها
...
-
بريطانيا ترحب بتوقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|