أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - غرفة الأسرار التي تجعلنا كلّنا كُتّاباً في رواية عبد الفتاح كيليطو: -والله إن هذه الحكاية لحكايتي-















المزيد.....

غرفة الأسرار التي تجعلنا كلّنا كُتّاباً في رواية عبد الفتاح كيليطو: -والله إن هذه الحكاية لحكايتي-


المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)


الحوار المتمدن-العدد: 7077 - 2021 / 11 / 14 - 19:02
المحور: الادب والفن
    


على غير اتجاه مسار اللعنة التي تلاحق قرّاء ودارسي كتاب "أبي حيّان التوحيدي" الشهير: "مثالب الوزيرين" فتُلحِق بهم المصائبَ، مثلما تُمحوِر رواية المغربي عبد الفتاح كيليطو عرضَها العميق المتداخل المشوّق؛ لا يستطيع قارئ رواية: "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" الهرب من شبحه الذي سيلاحقه متمسكاً بتلابيبه أن ينظر في مرآة ذاته مذهولاً، وربما شاهقاً أن هذه الحكاية حكايته، وإن أيقن أنه حوّر بها على مدى قراءته لها ما جعلها كذلك، فهذه طبيعة الحكايات والروايات الآسرة كما تؤكد له الرواية التي قرأ، حتى على صعيد أساسها الذي نفخ في روحها، ومنحها حركة أبطالها، سواء على صعيد بطولات الحكاية، أو على صُعُد فنية تكوينها:
"في الليلة الواحدة بعد الألف قررت شهرزاد، وبدافع لم يُدرك كنهه، أن تحكي قصة شهريار تماماً كما وردت في بداية الكتاب. ما يثير الاستغراب على الخصوص أنه أصغى إلى الحكاية، وكأنها تتعلّق بشخص آخر، إلى أن أشرفت على النهاية، وإذا به ينتبه فجأةً إلى أنها قصته هو بالذات، فصرخ: "والله إن هذه الحكاية حكايتي، وهذه القصة قصتي".
وفي الغالب، وبغير اتجاه مسار الكتاب/ اللعنة، سوف لن يفقأ القارئ عينيه كما فعل أوديب، ولن يضطرّ إلى استخدام درعه ليطعن نفسه وهو يظن أنه يطعن ميدوزا، ولن يرتكب محرّم التلصص على الآلهة ديانا ووصيفاتها ليُمسخ إلى أيلٍ وتأكله كلابه، كما حدث مع الصياد أكطيون، بل سيجلس مبهوراً، مثل جدّه آدم، أمام تفاحة مقضومة، بهدوء على الأغلب، وهو يبتسم لمنح أمه أو أخته أو حبيبته أو أي مستشار، مفتاح غرفة الأسرار له، ناصحاً إياه أن لا يقرب هذه الغرفة، لأنه إن فتحها يضيع.
ويمكننا بطبيعة الحال زيادة متعتنا، وسيفعل بعضنا ذلك فرضَ كفاية، بمتابعة حكاية الروائي كيليطو نفسه، داخل روايته، لاكتشاف أبعاد التقارب بينه وبين بطله حسن ميرو، وحسن البصري، بطل الليلة الخامسة والثلاثين بعد السبعمائة من ألف ليلة وليلة، وربّما هجس كذلك في شطحةِ تحليلٍ بالأستاذ الشيطان "ع"، الذي يدفع طلابه لركوب قوارب الغرائب في البحث لإيجاد الدرر داخل أصدافٍ تبدو تافهةً، وربّما جلس ليركّب شخصيتين أو ثلاث في واحدة، ويضع نفسه على أبواب طيبة ليهزُمَ سؤالَ الوحش، وطبعاً لن ينصحه أحد الآن بارتكاب هذا المحرّم.
لكي يمسك بتلابيب قارئه، فيجعل منه كاتباً، يكوّن كيليطو روايته من خمسة فصول هي: (نورا على السطح، أبو حيان التوحيدي، قدر المفاتيح، هي أنتِ وليست أنتِ، خطأ القاضي ابن خلِّكان)، وعلى باب كل فصل منها مفتاح يوسوس للقارئ باستخدامه، والدخول لرؤية تداخلات الرواية التي تخترق أزمنة القارئ، امتداداً للوراء إلى طفولته ومراهقته وإلى تراث أهله؛ وللأمام إلى أحلامه بزيارة مدن الأنوار وربما العيش فيها واللقاء بالنساء الجنيات المجنّحات، وعيش قصص الحب الغريبة معهنّ؛ ودائرياً لما حوله لعيش تفاعلات الأزمنة وتأثيرات الماضي الثقافية بثقافة الحاضر؛ ولكنْ، مع شرط طَرْق المفتاح بكتابٍ سحريٍّ أو ملعونٍ مرّاتٍ قبل استخدامه. ويضع كيليطو لروايته أهم كتاب لعيش تداخل العوالم، هو كتاب "ألف ليلة وليلة"، ليس على صعيد استخدام أحد أهم حكاياته: الصائغ حسن البصري وابنة ملك الجنّ المجنّحة، بمدلولاته العميقة التي تضرب رواسيها عميقاً في كل أدبِ خَرْقَ المحرّم وقبول لعنة فعل الخرق فحسب، بل أيضاً على صعيد استخدام أسلوبها كذلك في توليد الحكايات من حكايات سبقتها، بالإضافة إلى إدخال كيليطو محوراً يتداخل مع كل عوالم الرواية، ظاهراً؛ بالحديث عنه من خلال شيطان الجنّة الذي يُدخله بمعرفته الروائية الواسعة في أنه لا تستقيم الجنّة من دون شيطانٍ، وهذا الكتاب هو كتاب أبي حيان التوحيدي "الملعون": "مثالب الوزيرين". وباطناً، بخلق تأثيرات روايته في القارئ، من خلال العناصر العميقة التي وفّرها لها، ونسجها كشبح يمسك به، وتوّج هذا الشبح غايةً للرواية، فوضع عنوانه الذي يتزين بسلطته تاجاً لها، وختم الرواية بتوجيه الليلة الواحدة بعد الألف إلى الدرب الذي يدور على نفسه ليواجه هذا العنوان.
وفي كل ذلك، على مدى الرواية زرع كيليطو شخصياته وسقاها كلما نمت هنا وهناك في أرجائها، ووضع لكل شخصية مرايا تعكسها وتعكس تطوّراتها وتغيّراتها وتحوّلاتها، تحت لافتة فرضيته: الحياة هكذا، الرواية هكذا، والتي تعكسها بطلته فتاة البحيرة السابحة عاريةً، نورما، بكونها المرأة هي نفسها ولا نفسها، وجميع شخصيات الرواية التي تتداخل ببعضها ضمن تحويراتها؛ فبطل الرواية الباحث "حسن ميرو" هو بدرجة ما "حسن البصري" الصائغ في ألف ليلةٍ وليلةٍ، ومعشوقته نورا التي يعيش معها قصّة عشق وزواج تتحرّر من قيوده، وتطير بعد استعادة أجنحتها، هي بدرجةٍ أخرى وزمن آخر الجنيّة المجنّحة التي سرق حسن البصري ثوب ريشها، واستعادتْه لتطير وتستعيد اسمها كذلك، فتكونَ الكيان الحرّ المستقلّ الذي هو ذاتها: منارُ النساء. كما أن الباحث الأمريكي الفنلندي يوليوس موريس صاحب كتاب "قدر المفاتيح" هو ذاته حسن البصري وحسن ميرو ولا ذاته كذلك، بعلاقته مع فتاة البحيرة. وتعيش جميع الشخصيات قدر اللقاء ذاته ولا ذاته، الذي يبدأ بالعداء المرسوم وغير المرسوم الذي يقود العشق، في غرفة الجنّيات السرّية، كما في متحف اللوفر بباريس، كما على البحيرة في فنلندا. وتعيش هذه الشخصيات قدر صراع التملّك والحريّة ذاته ولا ذاته، وشروخات العلاقات وتفتتها في صراعات التملك ونزوعات التحرّر التي حوّرتها التطورات في أزمنة الجواري كما في أزمنة الحرية، وبقيت تحت ظلٍّ يكاد أن يُشكّل طبيعة الإنسان وقدره.
في إحياء هذه الشخصيات بالحركة، يضيف كيليطو الشخصيات الثقافية التاريخية التي ارتبطت بلعنة كتاب التوحيدي: ابن خلِّكان، وياقوت الحموي، وأبو حيّان التوحيدي نفسه الذي يعرضه كشخصية متأففةٍ متذمّرةٍ من ظلم القدر وعدم التقدير، وتبعث الكآبة إلى درجة الإصابة بها، أو تعدّي الإصابة إلى ما هو أسوأ من مقادير، في تشكيلٍ دقيق ونمنمةٍ من روائي يبدو مهووساً بالكمال المفتوح على مراياه التي تبطل لعنة كماله، ويريد أن يشبك خيوط روايته بتداخلٍ في كلّ ما ينتظم الحياة، ومن ذلك ما قد لا ينتبه له القارئ، مثل حديث الراوي عن طفولته ومشاعر الحيوانات التي تجعل منها كائنات مثل البشر، يُؤسَف على قتلها وأكلها: السّلحفاة، والضفدع، والنمل، والخطاطيف، واللقلاق الذي يطرح تساؤلاً عن وجهة نظره تجاه البشر كذلك، والخطاطيف التي يكتشف الطفل من خلال طيرانها بفزعٍ انفتاح السماء عن اللا سماء، ليقود قارئه إلى مقولة الشعر كفزع أمام الكون.
"لست أدري ما إذا كان نعتُ الحيوان بأنه بعيد التقوى أمراً جائزاً، لكن الأكيد أن بعض الحيوانات تتسم بالورع، ولهذا تستحق معاملةً خاصةً. سلحفاتنا، على سبيل المثال، حضور كتوم هادئ. يحدث لها أن تختفي، نعلم أنها مختبئة في مكان ما، ننساها، ثم نبصرها من جديد ذات يوم، تظهر دون أن تخلُق مفاجأةً كبيرة، وكأنها لم تتغيّب لمدة شهور. لم يكن الزمن يعني شيئاً بالنسبة إليها، فهي موعودةٌ بالخلود. يا للفظاعة حين نقرأ، فيما بعد، أن أرثر غوردن ييم ورفيقه بيتر، الباقيين على قيد الحياة في سفينةٍ تائهة، كانا يتقوَّتان باللحم النّيء لسلاحف ضخمة، يخرجانها من البحر، ويجهزان عليها بضربات فأس!".
ولن يستغرب قارئ مهووس مثله بهذه النمنمة عودته لختم روايته بهذه السلحفاة، حيث يعود حسن إلى فندقه وحيداً، وهو يفكر بكتاب توفيق الحكيم "عصفور من الشرق" الذي جعله يتواجد في باريس ذلك الوقت ليلتقي نورا. ويفكر بوالدته المتوفاة، حيث: "سيكون البيت فارغاً، بيد أنه سيجد السلحفاة التي ربما ستسعد برؤيته من جديد. سيسألها عن أحوالها، وقد ترفع رأسها، وسيقتنع حينئذٍ أنها أجابت بذلك عن سلامه".
كما لن يستغرب قارئٌ، ونركز على القارئ لكونه أحد أهم أبطال الرواية، إيراد كيليطو لمنمنمات بطلة روايته نورا، التي كوّنتها بعدد أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، تعبيراً عن الكمال الذي لا يكتمل سوى بنقصانه.
في تكوين كماله، الذي تمرّ به الشخصيات المعنية بالعشق وأسراره في التحريم والتلصص والرفض والقبول ومفاتيح المقادير، واللعنات التي يترتب عليها الفتح؛ يتناغم كيليطو مع أسلوبه في النمنمة وتداخلات النسيج، فيستخدم منظومة سرد الراوي العارف، لكن، بطريقة ميلان كونديرا، وخصوصية كيليطو، حيث يسير السّرد كما يبدو تحليلاً للمشهد لكنه في الجوهر إثارة للتساؤل الذي يُبْرِز أكثر من وجه للحقيقة، وفق وجهات نظر من يعيشون أحداثها بأفكارهم وتصوراتهم، ويتيح للراوي صنع تداخل الحكايات، وتوليدها لحكايات أخرى تحيط بالموضوع وتمسك بتلابيب القارئ من جميع الجهات. ويساعد كيليطو في تألّق هذا الأسلوب موضوعُه المرتبط بأحد أهم حكايات شهرزاد.
ختاماً، "والله إنها لحكايتي أنا"، روايةٌ أُعدّت بصياغة موزونة المقادير، كأكسيرٍ لإبطال لعنة مثالب الحكايات، ومنح القارئ مرآة يبلور فيها حكاياته.



#المثنى_الشيخ_عطية (هاشتاغ)       Almothanna_Alchekh_Atiah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحدّي حرية النثر اللامحدود بمحدودية التفعيلة في مختارات الشا ...
- أمومة الطبيعة والإنسان في مطحنة القهر، برواية سمر يزبك -مقام ...
- لكيلا تموت الحكاية مرّتين في رواية العراقي أزهر جرجيس: -النو ...
- قسوة وعذوبة نشيد الموت بكامل ثياب الليل في مجموعة الشاعر حسن ...
- عودة الابن الضال
- الحب والحرية داخل اختلافات التاريخ في رواية رشا عدلي: -آخر أ ...
- لونٌ آخر لاختزال القصيدة حدّ الأثير في مجموعة الشاعر حسين بن ...
- لقالق اليباب
- -غانيات بيروت- للروائية اللبنانية لينة كريدية: لوحة روائية م ...
- مواجهة الشاعر للعالم بقوة الحب والشعر في مجموعة السوري فواز ...
- دفاتر ورّاق جلال برجس: حبكة سينية لتعرية أحشاء المدن
- مختارات الشاعر الفلسطيني يوسف عبد العزيز: -صامت وفي رأسه شلا ...
- البيان الأخير للملك شهريار: شرارة بائسة في رماد الذكورية الع ...
- استعادة زمن الماضي الجميل بلغته وأغراضه في مجموعة الشاعر شكي ...
- في السيرة العطرة لزعيم شكري المبخوت: تعرية ساخرةٌ قاسية لصنا ...
- صوفية اللون في حقول وأشجار فاروق قندقجي
- شهرزاد تقود رواية -المايسترو- لسعد القرش في بحار معرفة الآخر
- أبطال الروايات الناقصة لمحمود قرني: في أبعاد انفتاح المشاريع ...
- تداخلات متعة التذكّر وتحدّيات الاكتشاف في رواية مها حسن -حيّ ...
- اجتراح كونٍ إنساني صافٍ يدعى فلسطين في مجموعة الشاعر عبد الر ...


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - غرفة الأسرار التي تجعلنا كلّنا كُتّاباً في رواية عبد الفتاح كيليطو: -والله إن هذه الحكاية لحكايتي-