أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - مشكلة الفقيه الأناني















المزيد.....

مشكلة الفقيه الأناني


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 7076 - 2021 / 11 / 13 - 07:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد أكثرنا من مقولات "الطبع يغلب التطبع" و "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام" على نحو إثبات مشكلة التكوين النفسي والسلوكي قبل التدين والاعتقاد، فالبشرية لم ترى في تاريخها طيفا أبيض للدين أبدا بشكل مطلق ومتصل، بل رأت في غالب أحوالها أن الدين كان وسيلة للقهر والابتزاز والظلم أكثر من كونه وسيلة للعدل والرحمة والإنصاف..

ومن تلك الزاوية عمل المصلحون على تهذيب طباع الناس أولا قبل تهذيب رؤيتهم للدين، لأن الطباع هي الأساس..فلا عقيدة يمكنها أن تهذب مسلما يرى ضرورة قطع رقاب الناس وجلدهم على الصغائر والشبهات..لكن الطباع يمكنها ذلك إذا توافر لديه قسطا من العدالة والرحمة وسعة الأفق، فنشأ بناء على ذلك "منهج التأويل" الذي هدف في المقام الأول لتهذيب رؤية الإنسان بالكامل للحياة والكون وعدم الوقوف على ظواهر النصوص والعقيدة..بل رأى ضرورة استخراج صور ذهنية وعملية صالحة تليق بمقام الدين ومركزيته في النفس..

وفي كتبي ومجالسي أردد دائما أن "الرغبة تسبق الحُكم" فلو لم يرغب الإرهابي أن يقتل مرتدا أو مخالفا لوجهة نظره ما بحث عن الحكم الديني لذلك بل بحث عن تأويله إن أمكن أو في طرق عملية لتجنيب نفسه ويلات ذلك العمل المرفوض، وبمطالعة كتب الفقه الإسلامي – كمثال – رأينا هذه القصة واضحة في ما يسمى "العُذر بالجهل" أو "موانع التكفير" فالشيوخ شأنهم كشأن سائر البشر تعرضوا لمحن ونكبات سياسية واجتماعية ونفسية وضعتهم في مأزق من يريدون تطبيق الشرع عليه، فما كان لهم إلا أن يبحثوا عن مخرج لهذا الشرع كي لا يُطبق عليهم أولا ليجدوا مخرجا مقبولا حسب الدين والعقل، ولئلا يُصيبوا مظلوما في المقام الثاني..والاستنتاج الأقرب لذلك أن مصالحهم الشخصية كانت تقتضي الإفتاء بتلك الأعذار والموانع على الأقل لكفّ بطش الآخرين بهم وإقناع جمهورهم بأخلاقيتهم وصوابية مواقفهم بالمُجمَل..

الثابت أن كل شخص يقيس العالم بمنظوره هو ومصالحه هو، ثم يحكم على الناس وفقا لهذا المنظور وتلك المصالح..وبالطبع هذه الأشياء نسبية مختلفة من شخص لآخر وهذا الذي يصنع الخلاف بين الناس، ومن ثم جاءت الحاجة لتوفيق تلك الرؤى والمناظير فكانت دعوات الوحدة على أساس الانتماء ..مثلما يدعو البعض للوحدة بين المسلمين أو العرب كمثال، وبما أنها دعوات عاطفية انتمائية صدمت بحائط صلب جدا من المصالح فتهدّمت تلك الدعوات وانشق أصحابها لفرق، والتاريخ المعاصر يحكي شيئا من ذلك حين أراد جمال عبدالناصر توحيد العرب فانشقوا أكثر..وحين أراد الإخوان توحيد المسلمين فانشقوا أكثر، والسر في ذلك أن تلك الدعوات العاطفية لم تُراع مصالح الناس، فحدث صراعا بين النظرية والتطبيق..وكلما كانت الرؤى الذهنية أكثر عزلة عن الواقع انتصر الواقع وفرض نفسه على الجميع.

أؤمن أن مشكلة الناس في الأخلاق ، فالشخص المتواضع سيرى الناس بقلبه الكبير وروحه السمحة وصدره الواسع، ومن ثم لن يفترض في الآخرين الشر ليعاقبهم عليه..بل سيُحسِن الظن فينعكس ذلك على سلوكه حتى يكتسب الأخلاق ويحظى بثقة الناس، وهذا الجذر هو الصانع لشخصية الزعماء في الحقيقة، فالزعماء بالغالب بدأوا متواضعين حتى وصلوا لقلب الجمهور..والقصة بدأت من اعترافه بالآخر فلولا أن الزعيم اعترف بالآخر وحقوقه ما حصل على ذلك الحب ولا تهذبت روحه أو اعتدل سلوكه، فهو يرى الكون كفضاء واسع جدا لامتناهي بينما هو مجرد "جُسيم صغير" أو "كائن حقير" لا معنى له سوى بالناس، فيرى بحاسته الأسباب والصلات والمؤثرات الجامعة بين البشر فيعمل عليها حتى يرتقي وينجح..

بينما هذا غائب بشكل كلي عن الشخص الأناني الذي ضاقت به الدنيا ولا يرى الكون سوى في نفسه ومصالحه، فالأناني هو أيضا بخيل لا يتصور أن يكون له شهامة ولا قلب كريم ورحيم، فعندما يتدين ذلك الشخص فإنه يعكس بُخله وأنانيته في الخالق والأنبياء والدين..حتى يتصورهم مثله بالضبط، فالله سيدخل المسلم فقط الجنة والسلفي بالخصوص وجماعة كذا بأخص الخصوص ، بينما النبي بُعِثَ بالسيف لغزو الآخرين ثم يرى تلك الرسالة العدائية بالفخر والقوة، وهنا تتجلى سمة من أبرز سمات الشخص الأناني وهي "العدوانية" فينتقل لمرحلة أخرى وهي "الجشع" فلا يكتفي بغزو أمة واحدة أو قتل شخص واحد بل أن شعور الفخر والقوة والزهو الذي يعتريه مع أنانيته وبُخله لا يشعروه بالرضا على ما وصل إليه من مكاسب مادية بل يتمادى أكثر وأكثر حتى يصبح قائدا عظيما وتاريخيا عند أتباعه ومجرما شريرا عند خصومه..

كذلك فالشخص الأناني يرى نفسه عظيما فيعتقد أنه يعرف كل شئ فيتعطل عقله عن التفكير ويتوقف ذهنه عن الإبداع..وهنا يتوقف طواعية عن معرفة الجديد أو هضمه على الأقل فيبدأ مرحلة جديدة وهي (استعداء ذلك الجديد) عملا بقاعدة " أن الإنسان عدوا لما يجهله" وعلى هذا المنوال كانت النخبة المسلمة من رجال دين ومثقفين في الغالب حين استعدوا الحضارة ورأوا الحداثة بمنظار المؤامرة فاتخذوا قرارا تاريخيا بالحرب والصراع مع تلك الحداثة على كل المستويات، ولولا أن تلك الفئة التي استعدت الحداثة ورأت كل منتجها المعرفي كافرا هي فئة أنانية لنظروا إلى النصف الآخر من الكوب..فبُحكم قلبها الواسع وعقله المُتّقد وروحها السمحة يَرون ما غاب عنهم من تلك الحداثة كفكرة مبهرة تستحق النظر والبحث ، فهم قوم يظنون أنهم لا يعلمون سوى القليل ومن ثم يصبح لديهم استعدادا نفسيا لقبول ومناقشة ما جهلوه..

ومن هنا كانت مقولة سقراط الشهيرة "أعلم أنني لا أعرف شيئا" فلولا تواضعه ما تعلم ولا أصبح سقراط، بينما على النقيض من ذلك نرى شخصية ابن تيمية مثلا وهي تقول بكفر وضلال كل مخالفيها تقريبا ، ثم ضرورة قتل هؤلاء حتى لو خالفوه في أمر بسيط وصلت فيه حالات القتل التي أفتى بها 73 حالة، وهو رقم مجنون يقول أن صاحبه يريد إفناء البشرية بالكامل لمجرد وهمه أنه يعلم..بينما الحقيقة أنه جاهل متعصب منغلق ربما أكثر من تلاميذه الذين سمعوه قديما وحديثا..

إن مشكلة الفكر الديني هي في "الفقيه الأناني" تحديدا، فهو الذي يمنع جمهوره عن العلم والحب والانفتاح..في المقابل يغرس فيهم الكراهية والخرافة والعزلة..حتى إذا تطور نسبيا عن محيطه المظلم في جماعته ليترك بعض آفات الأنانية لكنه يظل مُبقيا على البعض الآخر لا يرتقي أيضا ويظل مشكلة وعقبة ضد العقل والتفكير، ونموذج ذلك في أحد الشيوخ الذين تهذبوا روحيا وآمنوا بالإيثار والفضيلة وقُبح الأنانية..لكنه يظل أنانيا حين لا يقبل على نفسه ما يقبله على غيره بدعوى العقيدة، فهو يؤمن بقتل المرتد كمثال لكنه يدعي براءته من الأنانية..فلو قيل له أترضى لو كنت قُرَشيا كافرا أن تدخل الإسلام ثم يقتلوك؟..فلو قال لا قيل له: لقد جعلت الكفر أفضل من الإيمان، حيث تبقى حياتك لو أسلمت بينما تُزهَق لو خرجت، ولو كان ذلك ما يفعله الرسول لأقامت قريشا الحجة عليه وصار دينها هو الأرحم، بينما لو قال نعم فقد جعل حروب قريش ضد الإسلام مبررة وما فعلوه في بدر وأحد والخندق كان دفاعا عن النفس..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة كوسيلة فهم للتاريخ
- عن تاريخانية الأنبياء
- العجل أبيس وقصة السامريّ
- أكذوبة الخمس رضعات في الفقه
- حسن حنفي فيلسوف اليسار والنوايا الحسنة
- الغباء ودوره في صناعة الكراهية..تحليل فلسفي
- عن سؤال هل القرآن كلام الله
- رحلة نقدية في تفاسير القرآن
- حامد عبدالصمد في قبضة سامح عسكر
- خطر بعض الملحدين على العلمانية
- السذاجة الإلحادية..حامد عبدالصمد نموذج
- خرافة الاقتصاد الإسلامي
- الشخصنة كمرض نفسي واجتماعي
- من تخاريف صحيح مسلم
- اليد القابضة في نسف (حديث الرويبضة)
- طالبان من المدرسة الدينية للحُكم
- أصول ما يسمى علوم القرآن
- التقية الوهابية..محمد حسان نموذج
- في البحث عن المتعة ومذاهب اللذة
- في العنف الزوجي ومصادره


المزيد.....




- ثبتها بخطوات بسيطة… تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد على ناي ...
- مستشار الرئيس الفلسطيني: جماعة الإخوان تتاجر بالقضية الفلسطي ...
- إيطاليا.. المسلمون في مونفالكوني محرومون من مسجد
- دعم غزة وإنهاء الحرب يسيطران على مخرجات القمة الإسلامية بغام ...
- زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي بألمانيا يحذر من الإسلام السيا ...
- لعنة الجغرافيا تلاحقهم.. مسيحيو شريط لبنان الحدودي يدفعون ثم ...
- سفارة الإمارات بإسرائيل تعبر عن حزنها في ذكرى -المحرقة- اليه ...
- رابط نتائج مسابقة شيخ الأزهر بالرقم القومي azhar.eg والجوائز ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف منشآت عسكرية إسرائيلية بال ...
- فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - مشكلة الفقيه الأناني