أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - أكذوبة الخمس رضعات في الفقه















المزيد.....

أكذوبة الخمس رضعات في الفقه


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 7055 - 2021 / 10 / 23 - 20:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


معلومة لا ينتبه إليها جمهور المسلمين هي أن القرآن لم يقل بأن حد الرضاع الذي يثبت به الحُرمة (خمسة مشبعات) كما هو شائع، فهذا قول الفقهاء منسوخا بعدما كان (عشرة رضعات) مذكورة في الصحاح، والهدف كان توفيق ذلك النسخ بعدد رضعات (الكبير) ليس إلإ، وبالتالي فحد الرضاع في القرآن أقصاه (عامين) ولم يذكر الأدنى ليصبح الاجتهاد فيه مفتوحا، أي يمكن فطام الطفل بعد شهور أو عام..إلخ وفقا لمصلحة الأم والطفل ، وبالتالي فهذا الحد ينطبق أيضا على المرضعات ممن لم يلدن..

أي لو استأجرت مرضعة أو جاءت متطوعة فلكي تحرم على الطفل يجب أن يبلغ رضاعها حد الرضاع المذكور للوالدين..وهو حولين كاملين أو أقل وفقا لرغبة الأسرة والأم، ومن يقول خمسة أو عشرة أو مائة لا يثبت به حُرمة الرضاع وفقا للقرآن الكريم، وسيعد ذلك طعاما للطفل ومساهمة من المرضعة لا غير لكنها لا تصبح أمه، وأولادها لا يصبحن أخوته، وما فعله الفقهاء بجعل تمام الرضاع خمسة مشبعات صنع مشكلة اجتماعية وعلمية كبيرة :

أولا: المشكلة الاجتماعية بالتفريق بين الأزواج والمحبين، ليضطر الزوجين لنكاح من لا يرغبن..وهذا سر من أسرار المشكلات الزوجية والتفسخ الاجتماعي، فضلا على سهولة ادعاء أي شخص بالرضاعة لإفساد أي زيجة يرفضها..والقانون والتشريع هنا عاجز عن إثبات ذلك الادعاء..علاوة على أن يكون للشخص 100 أم في حال لو أرضعته 100 امرأة، وتعدد الأمهات بذلك العدد الكبير يضيق مساحة الزواج من المكان فيضطر الشخص للذهاب بعيدا في ظل تكاليف انتقال مادية ونفسية على الزوجين تهدد علاقتهم بالفناء، إضافة لرفض كثير من الأمهات التطوع لإرضاع أطفال غرباء خوفا على مستقبل أبنائها من ناحية ومن ناحية أخرى لرفض مصاهرة تلك العائلات أو تصبح قريبة منهن بأي شكل، ولو عرفت أن الإسلام لا يجعلها أمّا بتلك الرضعات إلا لو كان لحولين كاملين فسوف تبادر – غالبا – بالتطوع والإرضاع مساهمة منها لخدمة الطفل البرئ ليس إلا..

جانب آخر من المشكلة الاجتماعية هي اعتبار حرمة الرضاع من حرمة النسب، وبالتالي صار هناك أعمام وأخوال وآباء وجدات من الرضاع..وهذا لم يذكر في القرآن الذي خصص فقط (أمهات وأخوات الرضاع) وفي ذلك علة النكاح ليس إلا، إنما الفقهاء برواياتهم الموضوعة اخترعوا دينا آخر توسعت به درجة القرابة، فقد أخرج البخاريّ في صحيحه ( 2646/1) عن عائشة أن النبيّ قال: "أن الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة". وفي رواية لمسلم 1444/2: "يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من الولادة ". ولما طلب عليّ من الرسول أن يتزوج بابنة حمزة قال النبي "إنها لا تحلّ لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة"...(صحيح مسلم 1446/11) وهكذا صارت درجات القرابة واسعة جدا ومعها تضيق مساحة التصاهر والزواج مما دفع الشباب للذهاب بعيدا عن مناطقهم مع تكاليف مادية أكبر في الزواج..

ثانيا: مشكلة علمية وهي اعتقاد الشيوخ والعوام بأن لبن الرضاع يدخل في الجينات الوراثية..وهذا غير صحيح، بل أقل ما يقال عنه أنه (مسخرة علمية) تثير استهجان الأمم ضد الإسلام، فلبن الرضاع كأي لبن هو مجرد غذاء..بينما الجينات لا تنتقل من الوالدين لأبنائهم سوى بالجماع والحمل والولادة، ولو صدق هذا القول السخيف سيكون لبن الماعز والغنم والبهائم يدخل أيضا في الجينات الوراثية ليصبح الإنسان إبناً لبهيمة، وهي مشكلة فقهية ظهرت بشدة واتهم بها عدة فقهاء ممن اختلط عليهم الأمر كالإمام البخاري..

وحكمة تحريم النكاح بالرضاعة هنا كان عربيا ..حيث وبكثرة الحروب بين القبائل وخطف السبايا كانت أمهات الأطفال يقعن في الأسر بكثرة ، فكانت كفالة الطفل بالرضاع هنا من امرأة متطوعة واجب قِبَليّ دخل في القرآن لبقاء نفس الظرف وهو غياب الأمهات البيولوجيات، فتلتزم المرضعة بكفالة الطفل غذائيا حتى يقوى جسده وعوده، وهذا لن يكون بخمسة رضعات مشبعات كما يقول الشيوخ بل بشهور متصلة أو يتم العامين كما جاء تمام الحد في القرآن..

حتى في الأحاديث ما يؤيد ذلك، فقد روى البيهقي في سننه " لا رضاع إلا ما كان في الحولين ما أنشز العظم وأنبت اللحم" (سنن البيهقي 15665) وأصل ذلك الحديث في سنن أبي داوود تحت رقم 206، وقد تم رفعه للرسول تارة ووقفه على الصحابي "عبدالله بن مسعود" تارة أخرى، ولأنه يعارض حديث الخمس رضعات في حديث رضاعة الكبير (تم تضعيفه) وحكم عليه الألباني وغيره بالإنكار..رغم أنه يتوافق نصيا ومعنويا مع القرآن الكريم، إنما سيطرة بعض الروايات على المذاهب دفعت الفقهاء لتعطيل النص القرآني والاحتكام إلى الحديث بمبدأ شائع لديهم هو (نسخ القرآن بالسنة)..وغاية ما فعله الألباني هو تصحيح وقف ابن مسعود وإنكار رفعه للرسول لكي يفتح الباب لرد شهادة ذلك الصحابي بروايات رضاع الكبير المنسوبة للنبي..

والإمام البغوي الشافعي يعترف اعترافا مثيرا في كتابه شرح السنة حيث يقول " روي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا رضاع إلا ما أنشر العظم، وأنبت اللحم».وعن عائشة، قالت: «يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم»..ويروى: ما شد العظم، وهو المراد من الإنشار أيضا، من يروي بالراء غير المعجمة، والإنشار: الإحياء في قوله سبحانه وتعالى: {ثم إذا شاء أنشره} [عبس: 22]، ويروى: ما أنشز العظم بالزاي المعجمة، معناه: زاد في حجمه فنشز، وروي عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء»..واختلف أهل العلم في تحديد مدة الرضاع، فذهب جماعة إلى أنها حولان، لقوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233]...فدل على أن الحولين تمام مدتها" (شرح السنة 9/ 84)

ومعنى كلام البغوي أن تمام الرضاع حولين هو ما أنبت لحما ونشز عظما، والخمس رضعات بالتأكيد لا تنبت لحما ولا تنشز عظما أي ترفع وتكبر حجم ذلك العظم وتُعليه كدلالة على نمو الجسم في الطول والعرض، بل غاية ما تحدثه الخمس رضعات أنها تعطي إحساسا بالشبع لا غير..وهذا الإنبات والنشز المقصود يعني وجوب أن يكون للبن دورا في بناء الجسم، وهذا لا يتحقق سوى بملازمة المرضعة للطفل شهور متصلة من وقت الرضاع الأول حتى الفطام، وبالتالي يتأكد أن الأمهات المرضعات في القرآن يقصد بهن اللاتي لازمن الطفل مدة رضاعته كاملة حتى الفطام، ولو انقطع لبن الأم قبل تمام المدة لا يثبت بذلك رضاعا محرما بل هو غذاءا له أجر التطوع..

والمصيبة الكبرى أن فتوى حد الرضاع بخمسة مشبعات فيها تحريف مؤكد للقرآن الكريم، وأصل ذلك في صحيح مسلم عن عائشة، أنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن، بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن " (صحيح مسلم حديث رقم 24)

وقد أنكر ذلك الشيخ "محمد رشيد رضا " في تفسيره حيث قال " أن عائشة نقلت رواية الخمس نقل قرآن لا نقل حديث فهي لم تثبت قرآنا لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، ولم تثبت سنة فنجعلها بيانا للقرآن ، ولا بد من القول بنسخها لئلا يلزم ضياع شيء من القرآن ، وقد تكفل الله بحفظه ، وانعقد الإجماع على عدم ضياع شيء منه ، والأصل أن ينسخ المدلول بنسخ الدال إلا أن يثبت خلافه ، وعمل عائشة به ليس حجة على إثباته ، وظاهر الرواية عنها أنها لا تقول بنسخ تلاوته فيكون من هذا الباب ، ويزداد على ذلك أنه لو صح أن ذلك كان قرآنا يتلى لما بقي علمه خاصا بعائشة" (تفسير المنار 4/ 386)

ومعنى كلام رضا أن حديث مسلم مكذوب، فهو يرد الحديث الصحيح هنا صونا للقرآن بقول له في موضع آخر " إن رد هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها" (تفسير المنار 4/ 388) ولو فردنا الخط على استقامته يلزم الشيخ رضا الإيمان بحد الرضاع القرآني للوالدين والمرضعات من غير الأمهات، لكنه أفاض فقط في رد رواية الخمس رضعات الناسخة للكوارث المتعلقة بها من نسف حجية القرآن وثبوته..وذكر قولا موهما يشير ليقينه بحد الرضاع القرآني دون تفصيل بقوله " وفي الرضاع المحرم للنكاح بحث آخر يتعلق بسن الرضيع ، فقد ذهب بعض علماء الأمة إلى أن الرضاع لا يؤثر إلا في سنه ، ومدته المحدودة بقوله - تعالى - : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" (تفسير المنار 4/ 386)

وعلى ذلك معظم الشيوخ تقريبا بحيث إذا اقتربوا من تلك الجزئية (قفزوا) دون تفصيل..

الخلاصة: أن الرضاعة في الإسلام ذكرت على وجه واحد هو قوله تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " [البقرة : 233] فذكر الرضاع بنسق مخصوص في بنية مخصوصة جعله قضية بحياله، فاللائي يلدن أطفالا يرضعنهم كما في الآية (حولين كاملين)، ولو أردن استئجار مرضعة أخرى سواء لغياب الأم أو مرضها أو عدم رغبتها ستكون المرضعة ملزمة بنفس المدة (حولين كاملين) قال تعالى " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف" [البقرة : 233]

وفي ذلك حكمة لزوم الأم المرضعة وكفالتها للطفل حتى يكبر..عدا ذلك فهو شطح فقهي ميّز فقهاء المسلمين طيلة قرون..وضرره على المجتمع كبير لم يجرؤ بعد علماء الاجتماع والتشريع على البحث فيه والنظر في مآلاته على الجمهور..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن حنفي فيلسوف اليسار والنوايا الحسنة
- الغباء ودوره في صناعة الكراهية..تحليل فلسفي
- عن سؤال هل القرآن كلام الله
- رحلة نقدية في تفاسير القرآن
- حامد عبدالصمد في قبضة سامح عسكر
- خطر بعض الملحدين على العلمانية
- السذاجة الإلحادية..حامد عبدالصمد نموذج
- خرافة الاقتصاد الإسلامي
- الشخصنة كمرض نفسي واجتماعي
- من تخاريف صحيح مسلم
- اليد القابضة في نسف (حديث الرويبضة)
- طالبان من المدرسة الدينية للحُكم
- أصول ما يسمى علوم القرآن
- التقية الوهابية..محمد حسان نموذج
- في البحث عن المتعة ومذاهب اللذة
- في العنف الزوجي ومصادره
- في فهم الشخصية الإنسانية
- في فلسفة الجمال
- في فلسفة الصراع
- في البحث عن الله


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - أكذوبة الخمس رضعات في الفقه