أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صبري الرابحي - تونس-زمن السكاكين في معابد العلم














المزيد.....

تونس-زمن السكاكين في معابد العلم


صبري الرابحي
كاتب تونسي

(Sabry Al-rabhy)


الحوار المتمدن-العدد: 7075 - 2021 / 11 / 12 - 19:24
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


كنا منشغلين بسلام حذر، ننظر إلى جراح الوطن بعين الممرض العجوز الذي أثنته رعشة يديه عن التقطيب و خذله بصره في التمحيص حتى قطعت أوصال شفقتنا على وطننا بسكاكين طفل حكمها في معلمه في زمن مراهقته الجامحة التي لا تتشكل إلا بتقويم المعلمين فتترسخ صورهم قدوات و أمثلة ساعة كان أطفالنا أسوياء لا ظلامية في فكرهم و لا توحش في نهجهم إلا من شبقهم للحياة..من فعل بهم ذلك في غفلة منا يا ترى؟

لم يكن في وارد إهتماماتنا يوما كتونسيين أن ننظر إلى العنف في الوسط المدرسي كإستثناء محير وسط هذا الكم الهائل من العنف المحيط بنا، لقد ظلت علاقة المربين بأبنائهم التلاميذ علاقة يغلب عليها الطابع الأبوي رغم بعض الإستثناءات التي كانت تصنف كحالات معزولة خارجة عن السياق المتعارف عليه.حتى أن الوسط المدرسي كان يغلب عليه الهدوء من الداخل على الأقل و كان الرهان المجتمعي دائماً هو حماية محيطه من الدخلاء و المنحرفين الذين كان عنفهم يتسلط على المربين و التلاميذ على حد السواء، حتى أننا نذكر تدخل التلاميذ في العديد من المناسبات لإنجاد معلميهم من عنف هؤلاء المنحرفين. غير أن حادثة إعتداء أحد التلاميذ على استاذه بأحد معاهد العاصمة شكل صدمة كبرى للجميع، فقد يصدم الأولياء بعنف أبنائهم كصدمة المربين من تحول العلاقة المعرفية و التربوية بتلاميذهم إلى هذا القدر من العدائية. يتكلم المختصون في علم الإجتماع و علم النفس عن تراكم العقد النفسية لدى الأجيال الجديدة و تأثرهم بصفة مرضية بالمحتويات العنيفة التي صارت متاحة عبر وسائل التواصل الحديثة حتى أن بعضهم حمل المسؤولية للعائلات التونسية التي لم تعد تبذل ذلك الجهد المطلوب لحماية أبنائهم من هذا النوع من التطرف.لم تكن المسؤولية لتتجزأ لولا مساهمة الجميع في هذا التوتر الذي صرنا نرى مشاهده في المسلسلات و الأفلام التي تؤثر على المراهقين خاصة و التي تجنح في كثير من الأحيان إلى الإستهزاء بالقيمة الإعتبارية للمربين لدى تلاميذهم. لقد صارت صورة المربي مهتزة متى تم تصويره على أنه ذلك المواطن الأقل منزلة طبقيا بالنسبة للأثرياء و الأكثر معرفة من بقية الطبقات التي لا تستسيغ جهلها و ترفض رفعه عنها بالأساليب التربوية الكلاسيكية فيصبح هذا الرفض موجبا للتصادم مع المربين و هو ما أنتج هذا الكم من العنف. في المقابل يحافظ العديد من التونسيين على توقيرهم للمربين و يعملون جاهدين على ترسيخ ذلك في وجدان أبنائهم من منطلق إيمانهم بدورهم في إنارة العقول في بلد بنى حداثته على ركائز التعليم داخل المؤسسات التربوية الشعبية العمومية التي أنتجت أجيالا رائدة في عديد المجالات، لكن من المنطقي أن لا ينظر إلى حادثة الإعتداء بالسكين على أحد الأساتذة على أنها مجرد حالة معزولة و إنما ضرورة النظر إليها على أنها متعلقة بأزمة جيل بأكمله يعيش ترذيل صورة المربين و تبخيس دورهم و تتحول مراهقتهم شيئاً فشيء إلى مدار واسع لعنفهم المجتمعي و الذي يتسلط أولا على المربين قبل إن يتحول إلى سلوك إجتماعي نرى مظاهره في الشارع.. يبدو أن هذا العنف يؤشر على أخطار أكبر ما دام قد إنتهك أحد أكثر الأماكن قدسية لدى التونسيين قبل أن ينتشر في الفضاء العام حيث لا سلطان على المنحرفين إلا من خلال المقاربة الأمنية في غياب المرافقة النفسية و التحليل الموضوعي للسلوك الإجتماعي الذي ينذر بخطر التطرف الذي يهدد مجتمعنا. لقد حافظ التونسيون لوقت طويل على قدسية المدرسة، حتى أنها تكاد تصنف كأهم الروافد الأخلاقية و التعليمية للأوساط المحافظة و تكتسب منزلة تكاد تضاهي دور العبادة من حيث حرمتها و حرمة القائمين عليها. لقد ظلت صورة المربي راسخة في أذهان العامة كسلطة معنوية على أخلاقهم و إنضباطهم و حتى حياتهم الخاصة خاصة في القرى و الأرياف و المدن الصغيرة. و لا يخفى على التونسيين أن خطاب العنف و الكراهية ألقى بظلاله على التونسيين كافة و دخل بيوتهم عبر وسائل الإعلام و عبر برامج التجييش و التحشيد التي ثابرت على تقسيم التونسيين، فحتى الخطاب الرسمي غالبا ما طغت عليه مفردات الإزدراء و التفرقة مما يرجح مساهمته في توفير مناخ عام يؤهل مثل هذه العلاقات بين المربي و تلميذه إلى إنحرافات بلغت أقصاها عندما أريق دم الأستاذ في رحاب أحد معابد العلم الذي من المؤكد أنه قد مر بيه تونسيون كثر و خرجوا منه بفكرهم المستنير الذي أهلهم لتقبل إختلافاتهم خاصة الفكرية. ليس المهم اليوم تنسيب العنف و عزل حالاته بقدر ضرورة تشخيصه و مجابهته قبل أن يتحول إلى لغة تخاطب من المؤكد أنه لا يفهمها جل التونسيون خاصة أولائك الذين يحفظون مقامات معلميهم و يدينون لهم بتنوير عقولهم التي ميزتهم بين الشعوب.



#صبري_الرابحي (هاشتاغ)       Sabry_Al-rabhy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الآخر للنزاع المغاربي
- : -تونس، ديبلوماسية الحزب و الفرد في زمن الكورونا-
- تونس، وباء الكورونا أم الليبرالية؟
- تطرف النظام.. إلى أين؟
- جياع في خنادق السياسة
- إن لم تكن فلسطين قضيتك...فلست إنسانا
- تونس:الإعلام الرسمي المشهدي في العهدين
- إيفر غيفن-مصر و إدارة الأزمة
- فايروس كورونا... صديق الرأسمالية
- تونس: أسبوع الكيوي


المزيد.....




- رئيس الحكومة السورية: وضعنا الحالي صعب بسبب التركة الإدارية ...
- جنود إسرائيليون في هضبة الجولان خارج المنطقة العازلة - بي بي ...
- الخارجية الروسية: هناك خطر من أن يعاود تنظيم داعش نشاطه في س ...
- خامنئي: الولايات المتحدة وإسرائيل وراء ما حدث في سوريا
- في ظل تعذر إقرار ميزانية 2025.. فرنسا تلجأ إلى -قانون خاص-
- ماذا الذي استهدفته أكبر عملية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي ...
- زيارة بايدن إلى أفريقيا.. السياقات والمؤشرات
- هآرتس: محاكمة نتنياهو أظهرت تقلب وجوهه ووهم الديمقراطية
- دراسة: 43% من نزلاء الفنادق يحتفظون بعبوات الشامبو.. ما سر ه ...
- حرق ضريح حافظ الأسد في مسقط رأسه باللاذقية


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صبري الرابحي - تونس-زمن السكاكين في معابد العلم