أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - أنا وسارتر من جديد














المزيد.....

أنا وسارتر من جديد


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7066 - 2021 / 11 / 3 - 14:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعرفت على كتابات سارتر لأول مرة أواخر سبعينيات القرن الماضي من خلال مقال لمجلة لبنانية تحدث الكاتب بشيء من التفصيل المنحاز لوجهة النظر المقابلة لسارتر، ولم يكن من السهل في ظل ثقافة موجهة ومعلبة وتحت رقابة النظير أن تتوسع تلك العلاقة لكنها الصدفة وحدها وضعتني وجها لوجه مع كتاب (الوجودية معطى إنساني) في أحد رفوف مكتبة كربلاء المركزية، أطلعت على الكتاب وكان صغير الحجم يمكن قراءة معظمه على السريع، أستعرته في اليوم التالي وأعدت قراءته على مهل ليومين، ثم أعدت الكتاب وبعد شهر طلبت الأستعارة مرة أخرى فقيل لي أن الكتاب غير متوفر، هكذا أنتهت سريعا أول قراءاتي لسارتر دون أن أفهمه بما يكفي، أولا لقلة الزاد المعرفي الذي كنت عليه وثانيا لموقفي الشخصي عقائديا وعقديا من دعوته، والصورة المسبقة التي رسمها مقال المجلة اللبنانية في ذهني عنه وعن وجوديته.
بقيت أهتماماتي بعيدة جدا عن الوجودية وعن سارتر تحديدا إلا بعض المقالات والكتابات التي أطلع عليها بين فترة وأخرى أو يتيسر لي قراءتها مع الأنفتاح الأزرق عالم المعلوماتية الكبير، فقد منحني سرعة الوصول للمعلومة وسهولة تتبع مختلف الأتجاهات الفكرية التي تتناول فكرة أو فلسفة ما، لكن إنشغالي الدائم في تأسيس منهج فلسفي خاص يتلاءم مع إمكانياتي العقلية وأتجاهي الفكري، ومحاولة توظيف كل ذلك من خلال الدراسات والبحوث والأدب عموما والرواية خصوصا، جرني مرة أخرى لعالم الوجودية، لكن وجودية واقعية بمعنى وجودية تنتمي للحقيقية ولا تتغرب عنها، حتى أن أحد النقاد كتب يوما أن عباس العلي ينحو بالوجودية نحو العقل الواعي أكثر من أتجاه الوجودية نحو العقل المتمرد.
في الآونة الأخيرة تسنى للمرة أن أتفرغ تماما للمطالعة وأخترت أن تكون قراءاتي تتركز على وجودية سارتر تحديدا، فقرأت كتاب العدم والوجود بالرغم من الملل الذي رافقني في القراءة، لكنني كنت مصرا على فهم سارتر من داخله من قلمه وأفكارة وليس من خلال ما يكتب عنه أو له، أكملت الكتاب وعدة للوجودية معنى أو معطى إنساني، قرأن عنه كمسرحي وأديب وإنسان، شعرت في أثناء القراءة أن الرجل أقرب ما يكون مني، عرفته من خلال حياته وتطلعاته ومشاكله النفسية، خيباته وأنتصاراته ومواقفه السياسية، وجدته أيضا ليس ذلك الكاتب الذي شغل فرنسا والعالم بإلحاديته بل بذلك البائس الذي لم ينجح أن يكون كما يرغب من الداخل إنسانا مثاليا، بل وحتى رومانسيا يسعد من معه، فأختار الخصومة مع المجتمع بدل التصالح معه، إنه ثائر من طراز أخر.... ثائر نبيل لكنه موجوع ومنكسر في الداخل، شعرت بسارتر الإنسان الناقم على الظروف التي جعلته أسير بعض الإنفعالات النفسية التي صاغت بشكل أو بأخر وجهة نظره للعالم، ورؤيته للمجتمع والإنسان.
يمكن للكاتب أن يكتب عن فكر ما أو شخصية ما بشكل يقارب ذاتيو المضمون وقد ينحرف أو يتطرف أحيانا في الكتابة مع أو ضد من يكتب عنه، وهذا طبيعي جدا في عالم الكتابة، لكن إذا أردنا أن نكتب بحيادية وتجرد عن فكر أو عن شخص يحمل فكرا مشخصنا به أو منسوب له، لا بد من أن نعيش ولو بشكل وجداني كل الظروف والإشكاليات وتفاعلات النفس والعقل عنده، نعيش تأريخ الكاتب وزمانه بكل ما فيها من تقلبات وتحولات لأنها الوعاء الذي خرج منه، الإنسان المفكر هو نتاج تفاعلات كثيرة ومتنوعة مؤثرة ومخططة وراسمة له، سواء أقر بذلك أو تمرد عليها، حتى التمرد هو بذرة نمت في بيئة مشجعة قادرة على أن تبرز هذا التمرد، بل وتتحسن له وتحسنه لأنها بيئة غير متحجرة لذلك نرى كثرة الأفكار المشاكسة تظهر في المجتمعات التي تشجع التمرد، لا لأنها تؤمن به، ولكنها هي متمردة في ذات جوهرها الداخلي، متمردة على نفسها وعلى واقعها وعلى هزائمها وأنتصاراتها.
هكذا قرأت سارتر وفهمت أفكاره عن قرب، لم أكن أسيرها ولم أفتتن بها ولم أعاديها، إنها أفكار أقرأها ناقدا معرفيا لا فيلسوفا يقرأ مقولات ولا أديبا يتابع السرد، قرأت سارتر وكأنني أشرح أفكاره كما يشرح الطبيب جسدا أمامه، لم أنحاز إلا لبعض التفصيلات التي تقترب مني روحا وعقلا ومنطقا، ولكنني نأيت بنفسي عن الكثير من الهفوات الفكرية التي أوقع نفسه بها، قد يكون من غير المناسب أن أجعل من نفسي قاضيا ومدعيا عاما ومحامي في آن واحد، لكنني قرأت الرجل بعناية، وقدمت لكم هذا المشوار المعرفي بقدر ما فهمته لا بقدر ما هو حقيقة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظاهرة السارترية ح 10 في الوجودية الواقعية ج2
- الظاهرة السارترية ح 10 في الوجودية الواقعية ج1
- رواية جان فالجان البغدادي ح المتحف البغدادي 2
- رواية جان فالجان البغدادي ح المتحف البغدادي 1
- رواية جان فالجان البغدادي ح الطوبجي
- رواية جان فالجان البغدادي ح البيروتي
- الظاهرة السارترية ح9
- الظاهرة السارترية ح 7
- الظاهرة السارترية ح 8
- الطاهرة السارترية ح 6
- الظاهرة السارترية ح5
- الظاهرة السارترية ح3
- الظاهرة السارتية ح4
- الظاهرة السارترية ح2
- الظاهرة السارترية ح1
- مسك الختام
- وجودية أم طبيعية
- عبد الله
- خريف وربيع... الله والإنسان
- نظرية الشيطان ج2


المزيد.....




- الأمير هاري يخسر الاستئناف ضد قرار تخفيض مستوى حمايته خلال و ...
- من هم الدروز؟ نظرة تاريخية وعن قرب على عقيدة الموحدين الدروز ...
- الاشتباكات بين مقاتلين دروز والقوات السورية تلقي بظلالها على ...
- وئام وهاب لـ يورونيوز: -الشرع أرنب أمام إسرائيل وذئب أمام ال ...
- خبير أوكراني عن صفقة المعادن: أكثر من 60% من الموارد توجد في ...
- أحدثا العنف حيال الدروز في سوريا: برلين تدعو لضبط النفس ودمش ...
- إعلام: لا يوجد إجماع داخل البيت الأبيض لما بعد اتفاق المعادن ...
- أستراليا تطلق أكبر سفينة تعمل بالطاقة الكهربائية في العالم
- مصادر: أكثر من 40 قتيلا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ ...
- -تيك توك- تطعن في غرامة الاتحاد الأوروبي بسبب نشر بيانات الم ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - أنا وسارتر من جديد