أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الجنابي - عِندما يَتَأرَّقُ النَّملُ















المزيد.....

عِندما يَتَأرَّقُ النَّملُ


علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)


الحوار المتمدن-العدد: 7065 - 2021 / 11 / 2 - 10:30
المحور: كتابات ساخرة
    


– عفواً سيدي، هلّا من دواءٍ عندكَ يَدفعُ داءَ أرقٍ على خافقي قد لَبَس وكَبَس؟

– ما أسمُكِ يا نملتي المُتَأرِّقَة، وما حاجتكِ لدواءٍ من أرقٍ فيكِ قد إرتكَس؟ وقد تعلمينَ أنّ الأرقَ إكذوبةٌ، ولا يؤرِّقُ نبضَ خافقٍ إلا خافقاً واهناً قد إنتكسَ وأمرُهُ عليهِ قد إلتَبَس؟

– أسمي (بَنَّو) وأنا نملةٌ حالمةٌ وصَّبيّةَ، وقومي يَدَّعُونَ أنّي متمردةٌ وشّقية، ولم أكُ بينهم لطرفةِ عينٍ في عَيشي رَضيّة، وأستنكفُ إحتِماءً بنملِ قبيلتنا العَليّة، وأستَلطِفُ إختباءً بين خيلِ قصورِكِمُ البهيّة، وأَستَعطِفُ إنتماءً لمملكةٍ بشريّة، وإحتذاءً بل نَسْخَاً الى فتاةٍ آدميةٍ، ليس لرغبة في جنسِكم، بل لهَوَسٍ في قصورٍ غنيّة، وفي كثيرٍ من أحلامٍ وأمانيَّ، وما تمتلكُهُ سيداتُكم من زُخرُفٍ وقلائد هنيّة، وقد عثر الحمقى على أحمرِ شِفاهٍ في حُجرتي أثناءَ إدامةٍ لهم يوميّة، فحسبوها أنّها خطيئَة كبرى تَخَطَّت كلَّ صّفحٍ وعفوٍ في أعرافِنا القَبَليّة؟

-هَوناً يا (بَنُّو) فالأمرُ ليس أمر كنوزٍ وقَصرٍ وصَقْرٍ قائمٍ في مدخلِ الصالة بإنتصاب، وما هو بأمر قَصرٍ على رقصٍ لعُراةٍ في جزيرةٍ بلا أثواب، ولا أمر أحمر شفاهٍ، ولا أمر هجرانٍ لأبوابِ الحِكمةِ وفصل الخطابِ، ولا سخرية من نقابٍ و هزوٍ من تعففٍ وحِجابِ، بل الأمرُ عظيمٌ مُتعاظِم الأسباب،
إنّه يا (بَنُّو) أمرُ خِلافةٍ مُطلَقةٍ في الأرضِ دون عِتابٍ مِن المانحِ أو إستجواب، أمانةُ تكليفٍ دونَ جَبرٍ ولا سيفٍ مُسَلَّطٍ على الرقاب، وأنتم (يا بَنّو) قد فرَرتم من الأمانةِ و الأختبار ومن الأنتخاب، وكُلٌّ على ظهرها قد فرَّ وما أناب، والسمواتُ فررنَ، والأرضُ والجبالُ فررنَ وأبَينَ الحملَ والإنتداب، وقد بيَّنَ الرَّبُّ ذلكَ في سورةِ إسمها ” الأحزاب”، وإنما أنتم حزبٌ من أولئكَ الأحزاب، وما خلا أبن آدمَ فكلُّ ما على ظهرها همُ من أولئك الأحزاب، أبيتمُ الحملَ وحملنَاها نحنُ رغبةً بإنتدابٍ، لا رهبةً من إنتساب، طَوعاً بإنسياب لا كَرْهاً بإستقطاب، ثمّ إنّ قليلاً مِنّا يا (بَنُّو) من أدَّى الأمانةَ فتَبارَكَ بها، وما قَلَّتْ أموالُهُ بإقتضاب ، بل قد ذُلِّلَت له ميادين الصعاب، وما ضَلَّت أحوالُهُ، بل كُلَّلَتْ له رياحين الصّواب، وأكثرُنا تعجّلَ المتعَ والمتاعَ وضربَ صفحاً بالأسباب، فأجَّلَ عن السؤالِ الجوابَ، فكانَ لسؤالِ الأمانةِ خائناً بغلوٍ وبمعاذيرَ بإطناب، والخونةِ منّا يا (بَنُّو) على موعدٍ مع شَرّ مآب، وَحيثُ { الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} وإنّ المانحَ لسريعُ الحساب، وسيجمعُ الأولينَ والأخرينَ وما ستلدُ الأرحامُ في قادم الأحقاب على مائدةِ من ثواب أو على وائِدةِ من عقاب، وكأنّ أحزانَ الزمانِ كلُّه ما كانت لتعدل ذبذبةً من سراب، وميزانَ المكانِ كله ما كانت لتعدل قَبْقَبةً من قَبقَاب، لكنَّكم يا (بَنُّو) في حِلِّ من تلك الحسرةِ ومن ذاكَ الحسابِ، وستُمسونَ تراباً بعد الموتِ فلا عقاب ولا تَباب.

إنَّما نفسُ أبن آدم – يا ذا أرقٍ- متماوجةٌ في أربعةِ عوالمِ، أُنِيطَ لنا منها بعالمٍ واحدٍ ظاهرٍ معلومٍ، وذاك عالَمٌ ملموسٌ والنّفسُ فيهِ مُتَقَلِّبةٌ في كبدٍ وهموم، وثلاثة عوالمٍ أحيطَت ببرزخٍ باطنٍ قاهرٍ مَخْتُوم، عَالَمُ أجنةٍ قد مضى، وعالَمُ برزخٍ سيُقضى ليُفضى لعالَمٍ أبديُّ مقضيُّ مَرقوم. تلكَ عوالمٌ غُلِّفَت بغيبٍ مطلقٍ مُحكَمٍ مَكتوم، فلا تعلمُ نفسٌ شيئاً كيف كانت خلجاتُها إذ هي جنينٌ، وكيف ستكونُ مُخرجاتُها والأنين في عَالَمٍ قادمٍ مَعصوم. عوالمٌ ثلاثةٌ النّفسُ لا تُلقي لها بالاً، وغيرَ ذي شأنٍ عندها مَفهوم، لأنّها جُبِلَت على أن تُقَيّدَ مُتَعَها ومَتاعَها بِقيّدِ يومٍ مُجَسَّمٍ موسوم، تعيشُهُ ما بين شروقِ بازغٍ مرسومٍ، وغروبٍ مُقَدرٍ مَحتوم ومَبرُوم، وتشتغلُ في جَمعِ مُتعٍ من عَصير برتقالٍ يَعبُرُ البلعوم، أو مصيرٍ يقبرُ الفقرَ بظلالِ الثراء مَدعوم، أو شطيرةِ لحمٍ تسبرُ الحلقوم، أو أميرةِ تجبرُ الخاطرَ بجاهٍ مُتَوَسَّمٍ مزعوم. إنَّها النّفسُ التي أستلطَفَت دورانَها في فلكِ عالَمٍ ملموسٍ ومفهوم، تحسُّهُ وتلمسُهُ، أو خُيِّل إليها أنّها تفهمُهُ فتَعْلمُهُ، فَرَكنَت إليهِ بفَمٍ أبكمٍ مَكموم، و فَصَلت بَينها وبينَ عوالمِها الثلاثةِ بِبَرزخٍ مُبهمٍ مَلغوم.

لكن يا (بَنُّو) لرُبَما تكونُ النفسُ قد دَنَتْ ذاتَ مرّةٍ، فدَلَّتْ بدلوِها لكشفِ بئرِ تلكَ العوالمِ، فَتَرَينَها قد كَلَّتْ فَمَلَّتْ فَوَلَّت هاربةً بَسَأمٍ مذموم؟ ولَرُبَما قد حَلَّتْ عندَ البئرِ كرةً أخرى، فَغَلَّتْ في غياهِبِهِ، فَمَلَّتْ فَضَلَّتْ، فَكَرَّتْ عَوداً لعالَمِها المَقسوم، فإستسلمَت فنَفَتِ الغيبَ وحَفَت فّغَفّت عند مائهِ، رغمَ أنّهُ ماءٌ مُتَبَخِّرٌ زائلٌ مأثوم، أمَدُهُ في سجلِّ الزّمانِ يومٌ أو بعضُ يومٍ، إغفاءةٌ من نوم، ما بين آهاتِ شهيقٍ مهضومٍ، وواهاتِ زفيرٍ مظلوم.

ذاكَ هو بئرُ عالَمِها، بئرٌ ترتيبُهُ الثاني في متواليةِ آبارٍ أربعة، وذاكَ ترتيبٌ ظاهِرٌ غيرُ معدوم. آبارٌ كأنّها أستحوذَت لنفسِها قمّةَ الأرقام: “تسعةً” وذاك رقمٌ مُكَرَّم محشوم: فتسعةُ أشهرٍ عُمُر النفسِ قَبيلَ مهدِها، فتسعونَ عامٍ عُمُرها قبيلَ لحدِها، فتسعةٌ بعدَ اللحدِ وبأصفارٍ مجهولٍ عددها، لكنّهُ مُحَدّدٌ ملزوم، ثم تأتي تسعةُ الختامِ التي تَفَتَّحَت نوافذِ أصفارِها شطرَ بحرٍ سرمديٍّ، في عُمُرٍ أبديّ رغيدٍ أو لعلّهُ مَغموم. ترتيبٌ تَتضاعفُ آمادُ أصفارِ تسعتهِ بتعجيلٍ رهيبٍ مُقَدَّرٍ محسوم..

– لرُبَّما يا سيدي سأحملُ الأمانةَ كما حَمَلَها حضرتُك الأوّاب، ولن أنبذَها وراءَ ظهري كما فَعَلَ -ولا مؤاخدةً- كثيرٌ من جنسِكُم مُرتاب؟

– (أوّاب)! ومَن أدراكِ أنّي أوّابٌ ولها حاملٌ بترحاب؟ وقد سَبَقناكِ نحنُ في ذاتِ القولِ في غابرِ الأحقاب، حينما كُنّا في عالمِ الذرِ في الأصلاب، لمّا أشهدَنا ربُّنا على أنفسِنا؛ ألستُ بِربِّكم؟ فقُلنا: بلى، ثم نُكِسنا على رؤوسِنا بتَغطرسٍ وإعجاب، وإذ بكلٍّ منّا لربِّ السمواتِ والأرض خَصيم مُبينٌ ومُسرِفٌ كذّاب. أفلا تَرَينَ يا (بَنُّو) إبنَ آدم وكيفَ يجادلُ بآيات اللهِ العزيزِ الوهّاب، عالمُ الغيبِ والشهادةِ سبحانَهُ وإذ هو الآن يسمعُ ويَرى حِواريّ وإيّاكِ، وما نحنُ فيهِ من حالٍ وضَباب.

– نعم سيدي، وَضَحَ الأمرُ الآنَ، وأحمَدُ اللهَ ربّي أن فَطَرني نملةً، وعلى الأقلِّ لم يجعلني قملةً، تَتَطَفَّلُ على رؤوسِ صبيةِ لاهينَ على كُثَيِّبِ في رَملة. وإنّي أستغفرُ اللهَ ربَّ كلِّ نملة، ربِّي ورَبَّ الدّجاج ورَبَّ النخلة، ويعلمُ ما نَدِّخِرُ من مؤونةٍ في بطونِ حُجُراتِنا ويعلمُ مقدارَ الشَّرابِ في بطنِ كلِّ نحلة، ويعلمُ متى أنتَ تُشعِلُ السيجارَ ومتى تَسعلُ السَّعلة، وأعوذُ به من سَخَطِهِ، وأسألُهُ ألّا يُسلّطُ عليَّ عدوّاً من سوءِ فِعلة، سواءً أكانَ عُصفوراً، أم دِيكاً، أم كانت دجاجةً مُتَجحفِلةً مع أفراخِها يبغونَ أجناسَ نملة.

إنّهُ سبحانَهُ قدّرَ فكالَ بموازين القِسط كَيلَه.



#علي_الجنابي (هاشتاغ)       Ali_._El-ganabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَنُّوُرُ أمّي
- وُجُوُمُ عِلوانَ ولا نُجُوُمُ لبنانَ
- أيَهجُرُ البلبلُ عُشَّهُ!
- ( نُزهَةُ المَحرُومِ )
- كُلُّ مَن عَليهَا نِسنَاسٌ، إلَّا..
- هَل في الصَّحافةِ حَصَافةٌ؟
- تَسَاؤُلَاتٌ مَدفونةٌ غَيرُ مَأذُونة
- حُبَيْبَاتُ ” نَظَريَّةِ المُؤامَرة “
- الفَرحُ والسعادة
- (قَالَتْ نَمْلَةٌ)
- خَدُّ الشَّمسِ -
- مَسارِحُ اللَّيلِ
- (هَلَّا من مؤسسةِ نشرٍ أو ناشرٍ مكينٍ أمينٍ مُتَرَفِّع)؟
- تهنئةٌ لمناسَبةِ عيدِ الأضحى المبارك
- قَلائِدٌ مِن كَبَاب
- في المطعمِ: أنا وصديقتي النّملة
- مُزحَةُ دِلدِل
- وقائعُ جَلسةِ مُحاكمةِ النّملةِ:دِلدِلُ
- دِلْدِلُ .. أختُ عَنْبَسَة
- أَجَل: هَكذا تُورَدُ الإبِلُ ياغَزَّةَ


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الجنابي - عِندما يَتَأرَّقُ النَّملُ