|
شعب من الزبالين!
محمد القصبي
الحوار المتمدن-العدد: 7037 - 2021 / 10 / 4 - 12:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظهيرة الأربعاء الماضي توجهت وجاريّ العميد نادر دياب والمخرج التليفزيوني عمرو نسيم لزيارة مهندس حسام فتحي الرئيس الجديد لحي جاردينيا هايتس الذي نقطنه بالتجمع الثالث في القاهرة الجديدة..مهندس حسام فتحي كان يعمل سابقا في 15 مايو ..وكان هذا متسقا مع كونه من سكان مايو ..عادة الأحياء تعاني من انفجار يومي وعلى مدار الساعة في المشاكل ..وحين يكون مسئول الحي من سكان المنطقة يسهل متابعته لهذه المشاكل والتعاون مع السكان على إنهائها أولا بأول .. فلايرتبط دوامه الوظيفي بسبع أو ثماني ساعات يوميا..بل هو على مدار ال24ساعة في حالة دوام وظيفي ..كان هذا حال رئيس الحي السابق مهندس أسامة عقل ..شخصيا طرقت بابه الساعة العاشرة والنصف ليلا..حين طفحت نوافذ أحد المنازل بأصوات مزعجة ..واكتشفنا أن صاحب المنزل قام بتأجيره كمصحة لمعالجة الإدمان ..وبالفعل استجاب مهندس أسامة عقل لاستغاثتنا وهرع معنا إلى المنزل ..وقد اتخذ الإجراءات القانونية وتم إغلاق المصحة.
فإذا بقرار وزاري يصدر بنقل مهندس أسامة عقل المقيم في جاردينيا هايتس إلى 15 مايو ..وإسناد رئاسة حي جاردينيا إلى مهندس حسام فتحي المقيم في 15 مايو ..!!
لم يحدثنا رئيس حي جاردينيا الجديد عن أمر نقله ..وبدورنا لم نتطرق إليه..لكن كما بدا من إدارته وتعامله مع الموظفين والعمال أنه بقرار من الوزير ألقي به في نهر نياجرا وطلب منه أن يسبح ورغم ظروفه المرضية ضد شلالات النهر المتدفقة بعنف..
وربما كان هذا حال مهندس أسامة عقل في عمله الجديد ب١٥ مايو..السباحة ضد شلالات نياجرا..
على أية حال لم نشأ أن نتطرق إلى مثل هذه الأمور خلال زيارتنا لرئيس الحي الجديد ..ولا إلى معاناته الصحية التي علمنا بها من خلال عباراته المقتضبة عبر مكالمة هاتفية تلقاها ربما من طبيبه..
كان هدف الزيارة السؤال عما يكتنزه من جديد حول مشاريع النهوض بالمنطقة ..
حدثنا عن حملة نظافة شاملة ستنطلق صباح اليوم التالي بتعليمات من مهندسة سلوى بيومي رئيسة جهاز التجمع الثالث ..اتفقت والعميد نادر دياب والمخرج عمرو نسيم وبعض سكان المنطقة على مرافقة الحملة ..
مع الخطو الأول للحملة فوجئت بنفسي أنحني و ألتقط الزبالة مع عمال وعاملات النظافة..في الوقت الذي جذب فيه جاري الشاعر غريب الشعراوي مقشة من إحدى سيارات الحملة ..وانهمك في كنس وتجميع مخلفات أطعمة وأوراق ملقاة على جانب أحد الشوارع.. هل أتينا بفعل شاذ بل ومستنكر..؟! هكذا بدا الأمر في عيون البعض..!! لكن نظراتهم المستنكرة أو دهشة العمال لم تدفع جاري الشاعر أن يلقي بالمقشة بعيدا ..أو أستعيذ أنا بالشيطان الرجيم اعتقادا أنه الذي وزني على هذا الفعل الطائش فأنأى بعيدا ..! لحظتها واتاني خاطر غريب : أتلك هي مهنتي المكتوبة لي في لوحي المحفوظ ..لكن ثمة خطأ ما ساقني إلى مسار آخر فأمسك قلما وأكون صحفيا وروائيا بدلا من المقشة ؟!!!
قصة حكاها مرة في أحد مقالاته الكاتب الكبير أحمد بهجت تراودني ..كان يزور مدرسة ابتدائية ..ووجه السؤال التقليدي لبعض التلاميذ:عاوز تبقى أيه لما تكبر!! وتسرسبت أيضا الإجابات من أفواه الصغار تقليدية : عاوز أكون ظابط ..دكتور..مهندس ..!!
إلا تلميذ ..قال بهدوء : عاوز أكون زبال !!! إجابة زلزلت الصحفي الكبير ومن حوله بالدهشة !!
أكان هذا حالي وأنا صغير ..تمني أن أمتهن جمع الزبالة؟ لم تكن أمنية ..بل واقع ..ممارسة يومية ..في الابتدائية كنت أجلس بعد انتهاء اليوم الدراسي في دكان أبي الصغير على الشارع الرئيسي بقريتنا المعصرة ..مركز بلقاس.. وكثيرا ماأنهمك في تنظيف الدكان ..وخلال الأجازات أستيقظ مبكرا..وأمضي مايقرب من الساعة في كنس الشارع الذي يطل عليه دكان أبي..كان هذا أيضا حال عموم أهالي قريتي ..وأظن كل سكان المحروسة..
ومازال هذا حالي حتى الآن ..عيني على الناس وأنا أمشي في الشارع ..إن ألقى أحدهم ورقة أو أية مخلفات ألتقطها بهدوء وأخاطبه: أنا هرميها في صندوق الزبالة ..بس ياريت..ماتكررهاش تاني!
أقول له ذلك مسلحا شفتي بابتسامة لتحييد أية نزعة غضب تمور بداخله ..
حكيت هذا لصديق ..حكيت له ايضا قصة الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهجت مع تلميذ الابتدائية ..فقال ساخرا: لكن حالك ده انت وجارك الشاعر مش حال كل الناس!
يشطرنا الصمت للحظات قبل أن يواصل: فيه أمور كتير اتغيرت خلال الخمسين سنة اللي فاتت..مثلا ..مع انحسار القومية العربية بعد كارثة يونية 67 هبت علينا من شرق البحر الأحمر أعاصير جاهلية جديدة روج مشايخ البترودولار لها على أنها الإسلام الصحيح ..وهي في الحقيقة مؤامرة ..تهدف إلى تسطيح الدين ..سبحة ونقاب ولحية وصلي على النبي 3 ألاف مرة في اليوم ..ومفيش كلمة واحدة عن الغش والفساد والقبح في الشوارع..
واكب الظاهرة دي سيطرة الحزب اللاوطني على مقاليد الحكم ..سياسيين ورجال أعمال وإعلاميين ..مجموعة من الانتهازيين أصابوا روح الانتماء في مقتل ..الانتماء أصبح مجرد التلويح بأعلام الوطن في ماتشات الكورة ..نلوح بالعلم بيد واليد التانية بترمي قشر اللب أو بقايا السندوتشات أو فوارغ المية العذبة أينما كان ..ومفيش مشكلة ..لأن فيه عمال زبالة دي مهنتهم ..بعد الماتش هينضفوا المدرجات!!
كتير من الناس دلوقتي بينظروا إلى جمع الزبالة على أنها مهنة ..لها ناسها ..يعني أنا مثلا مهندس ماينفعش أمسك سماعة وأكشف على عيانين..لكن لسه فيه ناس فلتوا من مؤامرة الحزب اللاوطني.. مش بس مابيرموش زبالتهم في أي مكان ..بل بيلموا أي مخلفات ويحطوها في صناديق القمامة ..بيعملوا ده كفعل عفوي من منطلق وطني ..
مايقوله صديقي الكاتب يذكرني بواقعة غريبة ..خلال عملي كنائب رئيس تحرير الأخبار المسائي أتاني محرر شاب بتحقيق صحفي يراه سبقا .. حملة نظافة نظمها مدير معهد أزهري لطلاب المعهد تشمل الفصول والمكتبة والملاعب..كل شبر داخل أسوار المعهد .. قرأت التحقيق الصحفي لأفاجأ بالمحرر يصب غضبه على مدير المعهد والمدرسين الذين ساقوا الطلاب إلى هذا العمل الشاق الذي يعطلهم عن الدراسة ! رفضت نشر ما كتبه المحرر ..وقلت له أريد تقريرا يشيد بتلك التجربة وبمدير المعهد ومطالبة بتعميم التجربة في مدارس مصر..نصف ساعة تخصص صباح كل يوم لحملة نظافة يشارك فيها كل الطلاب..
انسحب المحرر الشاب وهو يصيح متبرما : هو احنا بندخل أولادنا المدارس علشان يشتغلوا زبالين !! أمال فين الفراشين!!!
الصحفي الشاب مثل الكثيرين يرون أن الزبالة مهنة لها ناسها.. وبالتالي لاينبغي أن نفرضها على أبنائنا منذ الصغر! بينما جاري الشاعر غريب الشعراوي أمسك المقشة وشارك عمال النظافة في تنظيف الشوارع بشكل عفوي انطلاقا من جينة الانتماء الوطني ..وأننا ..جميعا.. ينبغي أن نكون زبالين !!
بل وربما تلك العفوية مصدرها جينة أخرى أهم .. جينة التدين كما سماها العالم الأمريكي دين هارمر في كتابه God jen
فإن كنا متدينين بالفطرة ..فمن الطبيعي أن نسلك نهجا يتفق وجوهر الدين ..ومن جوهر الدين إماطة الأذى عن الطريق أينما كان!!
تلك هي فطرة الانسان دون كل الكائنات والتي شدد عليها الرسول الكريم في حديثه الشريف: إن الله تعالى طيب يحب الطيب ،نظيف يحب النظافة ، كريم يحب الكرم ، جواد يحب الجود ، فنظفوا أفنيتكم . ولاتشبهوا اليهود..
ليته - الصحفي الشاب - يقرأ سطوري تلك ..فربما كف عن مداهمتي كلما التقينا بوجه عابس ..حين يعي جيدا أن الخير لي وله ..لكل المصريين .. أن نصبح جميعا .. زبالين!!
#محمد_القصبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى لايقع السيسي في خطأ عبد الناصر
-
ماذا لوكانت مؤامرة اخوانية ياوزير التعليم؟!
-
أنا والسيدة الأولى والمناضل الناصري!
-
لو اختاروني وزير ثقافة!
-
أعداؤك ياسيسي في الداخل
-
وماذاعن عمارة الشوارع.. ياوزير الأوقاف ؟!
-
وماذاعن عمارة الشوارع.. سيدي خطيب مسجد الحاجة حورية؟!
-
مفارقاتك يامصر ..مدينة عالمية للثقافة ونادي القصة في الشارع!
...
-
إغلاق الصحف المسائية..ألف مبروك..عقبال الصباحية!
-
حسن راتب ليس حالة خاصة !!
-
أيها الأدباء ..أولادكم أهم ..ولاتنسوا ثمن الكفن!!
-
هل يعود مثقفونا إلى خندق المواجهة..عبر هذا البيان؟
-
ما أشد حاجتنا لغباء صديقي ..العروبي جدا!!!!!
-
أنيميا حادة في الاختيار 2 هل تعالج في الاختيار 3 ؟
-
حتى لانتحايل على الله في ليلة القدر
-
القرار في أيدي وجهاء القاهرة الجديدة ولن يغضب أبو بكر!
-
جاري التقي تزوج حتى الآن 9 وأنجب 17
-
هل من حقك كأب أن تختار اسم ابنك؟!
-
لماذا يتغاضى نظام 30 يونيو عن مافيا الحزب اللاوطني؟
-
معاناة الرب في مفاوضاته مع بني اسرائيل ..نكتة يهودية!
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|