أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين النجفي - قوة الأشياء















المزيد.....

قوة الأشياء


محمد حسين النجفي
رئيس تحرير موقع أفكار حرة

(Mohammad Hussain Alnajafi)


الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 1 - 13:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


“أستطاع المفكرون الماركسيون والوجوديون الفرنسيون أن يتوصلوا إلى بناء مجتمع اشتراكي مع الاحتفاظ بالحقوق الكاملة للحرية الشخصية”

قوة الأشياء عنوان كتاب قرأته في منتصف ستينات القرن الماضي، للكاتبة الفرنسية الوجودية ذائعة الصيت سيمون دي بوڤوار. ولا يَخفى على احد أنها كانت رفيقة درب المُفكر الوجودي جان بول سارتر، واللذين كوّنا معاً ثنائيا ناشطاً في السياسة والأفكار الوجودية، كاد ان ينافس أطروحات الثنائي الجدلي كارل ماركس وفردريك أنجلس، خاصة بين صفوف المثقفين والكتاب والفنانين والأدباء، وليس في عموم ووسط الجماهير التي كانت في أوربا جميعها يسارية بامتياز، بعد ما عانته من طغيان ودموية النازية الألمانية والفاشية الإيطالية. لم يكن المثقفين والمفكرين بعد الحرب العالمية الثانية في صراع ذهني بأفضلية ألاشتراكية أَو الرأسمالية، وإنما كان الصراع الفكري بين مدى المسؤولية ألاجتماعية والعمل الجماعي كما يراه الماركسيون وبين الخوف على فقدان الحرية الفردية ولا سيما في التفكير والتعبير الذي تبناه الليبراليون والوجوديون. كانوا يبحثون عن نقطة التوازن الجديدة التي سيرتكز عليها العقد ألاجتماعي الجديد (جان جاك روسو). كان الوجوديون على الرغم من قلتهم، خلية نحل لا تمل ولا تتعب ولا تركد، حيث كان الثنائي سارتر وبوفوار غزيري الكتابة، متنقلين ومسافرين ومتابعين، لا يفصلون بين حياتهم الخاصة ونشاطهم العام، يحاضرون في الجامعات، ويتناقشون في المقاهي والبارات، ويتحملون المشاكسة في الندوات.

عنوان الكتاب “قوة الأشياء”، مترجم حرفياً عن الفرنسية ”La Force Des Choses” , ولكن في اللغة الإنكليزية سُميّ الكتاب: “ The Forces of Circumstance” والترجمة الحرفية لذلك هي “قِوَى الظرف”. وفي ترجمة أخرى “Force of Circumstance”، وترجمتها “قوة الظرف”، ولكن حينما نقرأ سردية بوفوار لسيرتها الذاتية عبر هذا الكتاب الوصفي الممتع المليئ بتفاصيل وتحليل رائع للأحداث والأشخاص والمشاهد والتقلبات والصراعات الفكرية والسياسية المحتدمة، كل هذا يجعلني افكر من انها تعني “قوة الأحداث” أو بالأحرى “تحكم الأحداث” في تلك المرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. الأحداث الصغيرة الناعمة البسيطة التي تمر على الآخرين دون ان يحسوا بها، والأحداث الكبيرة المهولة التي تهز وترعب الجميع، عدا المثقف الثوري الذي يُقحم نفسه في قارورتها. نعم كلها تترك علينا انطباعات جديدة وتملي علينا قناعات لم ندركها من قبل، خاصة الأحداث السياسية الكبيرة او العلاقات الشخصية العميقة وعلى الأخص العلاقات العاطفية في العمر المبكر.

تتحدث سيمون دي بوفوار في قوة الأشياء عن الصراعات والمنافسات الفكرية في داخل اليسار الأوربي من جهة، وبين اليسار واليمين والنازية الجديدية التي لم يتخل عنها شريحة كبيرة من الشباب الذي تربوا وتأثروا بأفكار هتلر وموسوليني. كذلك تتحدث عن سفرها وترحالها الى إيطاليا والجزائر والبرتغال، وكيف انهم كانوا ما يزالون يصارعون الفكر النازي والفاشي، الذي مازال يحكم أسبانيا والبرتغال بقيادة فرانكو وسالازار.

طريقة وصفها للأشخاص والأحداث ليست عفوية، او سردية بحتة وانما وصف ينم عن إلتزام بفكر إنساني، فحينما ركبت القطار الشعبي البطيء من مدينة الجزائر الى مدينة بيسكرا، لم يتسن لها الوقت لشراء التذكرة. وحينما جاء مفتش التذاكر طلب ان تشتري التذكرة منه. أعتبر المفتش الجزائري أن ركوب فرنسية في قطاره الشعبي مسائلة تدعو للفخر والإعتزاز، ولم يُغرمها او يقطع لها التذكرة، بينما في نفس الوقت شاهدته يشتم ويرمي الركاب الجزائريين الذين لا يملكون ثمن التذاكر في الصحراء من القطار وهو سائر. تقول بوفوار باستغراب، أن المفتش رفض اخذ النقود من الذي يملكها، ولكن لم يسامح ابناء جلدته لأنهم لا يملكونها (ص 89).

تغلغل الفكر الوجودي لدى العديد من الكتاب العراقيين والعرب مثل أستاذ الفلسفة المصري عبد الرحمن بدوي، والأديب القصصي العراقي حسين مردان، إلا إن الفكر الوجودي بطبعه فكر ذو نزعة فردية، وتقديس للذات مبالغ فيه على اقل التقدير، علماً أن سارتر كان على عِلاقة وطيدة بالشيوعيين الفرنسيين أبان حِقْبَة مقاومة الاحتلال الألماني وبعدها، لأن خِيار الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن موضوع حوار، وإنما كان الخِيار الأوحد، حيث يرى سارتر أن الاشتراكية هي خط الإنسانية الوحيد (ص 15)، بينما يرى الشيوعيون أن “الشيوعي هو البطل الدائم لعصره” (ص 68). أستطاع المفكرون الماركسيون والوجوديون تارَة بالصراع وتارَة عن طريق التصالح الفكري، من أن يتوصلوا إلى توازن بين بناء مجتمع اشتراكي مع الاحتفاظ بالحقوق الكاملة للحرية الشخصية، وهو نموذج أنتشر في أوربا الغربية وحقق نجاحاً وديمومة أكثر من النموذج السوفيتي ودول أوربا الشرقية.

ولذلك كنا نحن الشباب المتطلعين إلى أوربا كنموذجنا المثالي نستغرب ولا نجد جواب مقنع لسؤال منذ ذلك الحين وليومنا هذا:
لماذا أختارت أوربا الغربية الاشتراكية، أو على أقل تقدير نظام حقوق مدنية وضمانات اجتماعية واسعة سبيلاً لرقي مجتمعاتها، بينما أنكرت ذلك على مستعمراتها، حيث شُجع او فرضت عليهم تركيبة القرون الوسطى، البناء الإقطاعي الرجعي الغارق في الطبقية والاضطهاد الاجتماعي والسياسي. إن ما كان يروم اليه شباب الستينيات في العالم الثالث ومنهم العراق هو بناء نموذج سياسي اقرب إلى أوربا الغربية منه إلى نموذج الاتحاد السوفيتي. لذلك فإن سارتر رغم وجوديته إلا انه لم يعارض قيم الاشتراكية الأوربية، رغم خشيته الخاصة على ان لا يؤدي ذلك إلى اضمحلال دور الفرد وخسارته لحريته. لو أن أوربا الغربية نشرت افكار “الاشتراكية الديمقراطية” كما تبنتها في بلدانها بعد الحرب العالمية الثانية، لأنتقلت دول العالم الثالث من النسيج السياسي والافتصادي والاجتماعي للقرون الوسطى المظلمة إلى مجتمعات حضارية متألقة بالمسؤولية الاجتماعية الجماعية والحرية الفردية المبدعة، ولكن سياسات أوربا الخارجية تختلف بـ 180 درجة عن سياساتها الداخلية، ولذلك فنحن مستمرين بمسيرة التقهقر الحضاري يوماً بعد آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيمون دي بوفوار، قوة الأشياء، ترجمة عايدة مطرجي إدريس، دار الآداب، بيروت، 1964.

محمد حسين النجفي

الأول من أيلول 2021

#محمد_حسين_النجفي #سيمون_دي_بوفوار #جان_بول_سارتر #قوة_الأشياء #الوجودية
#www.mhalnajafi.org



#محمد_حسين_النجفي (هاشتاغ)       Mohammad_Hussain_Alnajafi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاطعة الأنتخابات: البديل الأضعف
- نوري باشا السعيد: ملك العراق غير المتوج
- جَلسة عمل ساخنة في الحرم الجامعي
- رمضانيات(3): دروس مبكرة في العطاء
- رمضانيات (2) أموري في الصحن العلوي
- رمضانيات (1): في حضرة الأمام علي (ع)
- رمضانيات(4): النجف الأشرف: نموذج للتعددية والديمقراطية
- الملك فيصل الأول: طموحات، إنجازات وأخفاقات
- ما قبل تأسيس الدولة العراقية
- الأنتخابات الأميريكية بعيون عراقية
- البديل الأنتخابي: تحديد الدوائر الأنتخابية
- سيرة استاذ جامعي في العراق: د مهدي العاني نموذجاً
- امن الموارد المائية: مشكلة عراقية ليست إلا
- لعبة الأستفتاء
- دور الشعائر الحسينية في المجتمع العراقي
- تحرير الموصل ومستقبل الصراعات المسلحة
- احداث الثانوية الشرقية التي سبقت ردة شباط 1963
- مشروع إعادة تشكيل الجيش الوطني العراقي
- الشعب العراقي: بين التوحيد القسري والتعايش السلمي
- الأقتصاد العراقي: بين الخصصة والعولمة


المزيد.....




- إسرائيل تكشف هوية الرهائن الثلاثة الذين استعيدت جثثهم من غزة ...
- بالصور.. بدء تسليم المساعدات لغزة عبر الرصيف البحري
- زيلينسكي يرفض -هدنة أولمبية- يريدها ماكرون ويتحدث عن أكبر مي ...
- مصدر أممي: الجزائر وسلوفينيا تطلبان عقد اجتماع لمجلس الأمن ا ...
- مستشار الرئيس الإماراتي يعلق على لقاء بن زايد وبن سلمان والن ...
- وكالة: كوريا الشمالية تختبر صاروخا باليستيا تكتيكيا بنظام تو ...
- مقتل فلسطينيين في قصف إسرائيلي لمنزل برفح
- أنور قرقاش يعلق على لقاء محمد بن زايد ومحمد بن سلمان
- كيف يعمل دماغك فعليا؟
- طبيب يشرح أسباب الأقدام المسطحة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين النجفي - قوة الأشياء