أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الموت ومعرفة الله عند الغزالي















المزيد.....

الموت ومعرفة الله عند الغزالي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7030 - 2021 / 9 / 26 - 13:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٩٠ - الموت عند الغزالي

يقول الغزالي :"وكما ان تغميض الاجفان حجاب من غاية الكشف عن المبصرات فكدورة الشهوات وشواغل هذا القالب المظلم حجاب عن غاية المشاهدة" ولكن هذا الحجاب يمكن ان يرتفع بعد الموت، وبذلك ينتقل حال العارف من المعرفة الى المشاهدة وتكون مشاهدة كل واحد على قدرة معرفته. من هنا كان الارتباط بين الموت والمعرفة، ثم ربط كل ذلك بالحب، ذلك أنه من علامات المحبة "الشوق الى لقاء الله والخلو عن كراهية الموت الا من حيث يتشوق الى زيادة المعرفة." وهنا يكشف الغزالي نوعا من التناقض في نظرته وتحليله لظاهرة الموت من ناحيته الأخلاقية. فالعاشق يطلب رؤية الله، ولا يكون ذلك الا بالموت، ولكنه يطلب أيضا وفي نفس الوقت المعرفة بالله حتى يشاهد الله باكثر ما يكون من الصفاء والشفافية، ولا يكون ذلك الا بمواصلة الحياه والتغلغل في هذه المعرفة، ذلك ان المعرفة تحصل عليها الروح بواسطة علاقتها بالبدن الذي يستعمل شبكة الحواس في تحصيل المعرفة. فالموت اذا خير من حيث كونه اجتياز للهوة التي تفصل بين المتناهي واللامتناهي ولكنه من ناحية اخرى شر اذا كان الإنسان لم يستكمل المعرفة حيث لايمكن ان تستكمل لأنه يستحيل ان يحيط المتناهي باللامتناهي.
غير ان الغزالي لم يتوقف طويلا عند هذه النقطة التي تكشف عن هذا التناقض في قلب فكرة الموت، اعنى انه لم يتحسس القلق في معرفته للموت بل جعل الحياه مجرد وسيلة مؤقتة للحصول على المعرفة والحب، وهما مقامان مطلوبان لذاتهما وذلك لايتم الا بقطع حب غير الله وذلك بواسطة الخوف والزهد والصبر وتذكر الموت، أي تبخيس الحياة ومقوماتها الجمالية الأساسية. فالحب في نظره إشتياق، والمدرك مدرك بالخيال وغائب عن الأبصار، والمحب مشتاق إلى استكمال ذلك الغياب بالتجلي والمشاهدة، ولا يكون ذلك الا في حالة الموت فلا احد يخاف أو يكره الموت لأنه لا أحد يكره لقاء الله. وسبب اقبال الخلق على الدنيا هو قلة التفكير في الموت واصل الغفلة عن الموت هو طول الامل الذي سببه الجهل وحب الدنيا.
ولم يقصد الغزالي بذلك الى القول بترك الدنيا لان الوجود على هذه الأرض عبث لامعنى له، فقد استطاع ان يسبغ على الوجود معنى، هو الاستعداد للحياة الأخرة، ذلك انه لم ينظر للموت على انه امكانية مطلقة، بمعنى ان الوجود لايمكن مطلقا ان يتخطى الموت، أى ان الوجود في جانب واحد فقط من الموت ولايمكن ان يكون وراءه. .بل يرى الغزالي ان الروح تبقى بعد الموت، فهو يؤمن بالبعث والحياة بعد الموت، فالموت عنده مجرد تغيير من حال إلى حال. بل لقد ذهب في أزمته الشكية الى ان الحياة قد لاتكون الا مجرد حلم ويمكن ان تأتي حالة خاصة تكون نسبتها إلى يقظتك كنسبة يقظتك الى منامك، ويعتقد ان تلك الحالة النورانية قد تكون هي الموت حيث ينكشف كل شيء، وقد استند في ذلك الى الحديث الذي يقول" الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " وبذلك يكون ترك الدنيا من أجل الحصول على المطلق.
غير ان العارف الكامل، والذي توصل إلى مرحلة متقدمة من التطور الروحي، مستغن عن ذكر الموت، لأنه في حالة فناء في التوحيد وهو يحيا بعيدا عن الزمان، غارق في الابدية ولا ارتباط له بالماضي ولا بالمستقبل وهو ابن وقته وقد اتحد بالله، بينما الغرض من ذكر الموت هو ان تنقطع علاقة الإنسان بما سيفارقه بالموت. أما هذا العاشق فقد مات مرة بالنسبة للدنيا ولكل ما سيفارقه بالموت، وقد ترفع عن الاهتمام حتى بالاخرة والجنة والثواب، وقد تنغص عليه ما سوى الله ولم يبقى له من الموت الا كشف الغطاء ليزداد به وضوحا لا ليزداد يقينا.
وهذا هو السبب ولا شك في عدم فهم الغزالي والفلسفة الإسلامية عموما لمشكلة الموت كما هي- أي كمشكلة وجودية. ذلك انه يعتبر الموت هو فناء الجزء فى الكل، فيسلب الموت من طابعه الذاتي والشخصي، بالاضافة الى انه عمق العداوة التقليدية بين الانسان وجسده من جهة، وبين الإنسان والحياه من جهة أخرى، وبذلك أجهض القلق الذي يحسه الانسان تجاه الموت باعتباره الموت"زمانة البدن"، وذلك يعني فناء البدن أى خروجه عن طاعة الروح مع بقاء هذه الروح وان كانت فاقدة للقوة التي بها تستعمل البدن فالموت هو زمانة في جميع الاعضاء ببطلان قواهاء ولكن مع ذلك يبقى الانسان، تبقى حقيقته التي هو بها. فزمانة الأعضاء هي سقوطها في الزمان المطلق اى العدم، فلايبقى هناك ماض ولا حاضر ولا مستقبل. وبذلك تنتهي الحياة ولايبقى في الزمان المطلق -الذي يقصد به هنا الخلود- الا الروح المطلقة، فهذه الروح لاعلاقة لها بالبدن سوى انها تستعمله وتحصل بواسطته على اوائل المعرفة بواسطة الحواس. ويذهب إلى أن بطلان الجسد الذي هو الة الروح لايستوجب بالضرورة بطلان الروح، بل ان بطلانه يعد عاملا ابجابيا تتلخص فيه الروح من حملها المادي الثقيل. ولكن هذه الروح، قد يعتريها الندم والحسرة ان فقدت الجسد قبل ان تحصل على المعرفة وقد يزداد ياسها اذا كانت قبل الموت متعلقة بالجسد لاتريد الانفصال عنه. فالموت في رأي الغزالي ليس هو العدم كما يعتقد العامة، ولكنه كما يقول الحديث" الموت هو القيامة فمن مات قامت قيامته". فالقلق والعذاب والألم الذي يحسه الانسان تجاه الموت لايكون الا في الجانب الآخر من الموت، فكأن الغزالي يريد ان يقول هنا ان الروح هي التي تعاني القلق من الموت وليس الجسد، ويذهب إلى أبعد من ذلك ففسر كل ما يمكن ان يحدث للروح الإنسانية بعد الموت.
لقد إدراك الغزالي بوصفه مفكرا اصيلا نصف الحقيقة، اي عقم هذه الحياه ولا هدفيتها، وطلب من الانسان" الا يكون له فكر الا في الموت" بل حقيق بهذا الإنسان أن يعد نفسه من الموتى، ولكن ليس ذلك لأن الموت موجود داخل الحياة، بل لان الموت يحد الحياة زمانيا، أي حادثة خارجية وكل ما هو ات قريب فالموت عند الغزالي قريب جدا، لذلك يجب الاستعداد له. فاستطاع الغزالي ان يقنع نفسه "بنور قذفه الله في الصدر" وان يؤمن بوجود هدف خارج حدود هذه الحياة، ووضع هذه الحياة التي لا معنى لها في خدمة هدفه وهو الحصول على المطلق ومشاهدة الحضرة الربوبية في الدار الاخرة.
الغزالي اذا كان فيلسوفا، أراد ان يصل إلى الحقيقة عن طريق غير طريق الفلسفة، ومن هنا يبدو عجزه عن الاستمرار في منهجه، وعجزه عن إدراك حقيقة الموت، لانه لم يعتبره مطلقا داخل الحياه بل نهاية الحياه، وبداية لنوع آخر من الحياه الروحية، فالموت مجرد بوابة يعبرها الانسان في لحظة ما، من عالم الى اخر. وهي نظرية قديمة في الفلسفة اليونانية عموما، وقال بها رجال الدين في عصره وان كان الغزالي بفكره الثاقب توصل إلى بعض التحليلات العميقة لفكرة الموت. ..الا انها تبقى تحليلات مجردة لايربطها مذهب كامل مترابط، بل ان كثيرا من المتصوفة السابقين له توصلوا إلى تحليلات مشابهة في تصورهم ومعايشتهم للموت. فالغزالى تحدث عن مشاكل ثانوية تصاحب ظاهرة الموت..ولم يتحدث عنه كعنصر جوهري يكشف لنا عن ظاهرة القلق، حيث يمكننا اعتبار الموت صورة من صور الوجود البالغ الثراء.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وغرق البحر في الرمال
- الموت عند الغزالي
- الموت في الفلسفة الإسلامية
- عودة إلى فكرة الموت
- دوستوييفسكي والعبث
- القطيعة بين الفن والفلسفة
- عن العبث والحرية
- العلاقة بين العبث واللامبالاة
- نسبية العبث النظري
- براءة القاتل
- محاكمة القاتل
- نفس المواطن السيء الحظ
- الجريمة والعبث
- رواية الغريب
- كامو الغريب المنتمي
- شكوى مواطن سيء الحظ
- سعادة سيزيف
- ألبير كامو
- حبوب منع الملل
- كيفية الحياة في عالم يحتضر


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الموت ومعرفة الله عند الغزالي