أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد رياض اسماعيل - رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة العاشرة















المزيد.....

رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة العاشرة


محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)


الحوار المتمدن-العدد: 7028 - 2021 / 9 / 23 - 13:21
المحور: القضية الكردية
    


الليل يحتاج للقمر، النهار يحتاج للشمس، الفقير يحتاج للمال، القوي يحتاج للضمير، البلبل يحتاج للعش، الفراخ تحتاج للأم، العطشان يحتاج للماء، والجائع يحتاج للخبز، النهر يحتاج لمجرى، العاطل يحتاج للعمل، الانسان يحتاج للإنسان، الكورد بحاجة الى وطن، وكل الكائنات تحتاج الى خالقها..
فوضنا امرنا لله، وكانت الأيام تمضي في نمطية متكررة، ولا يلوح في الأفق املاً نحذو اليه. علمنا بان المخيم كان معتقلاً للأسرى العراقيين في السابق، محاطة بالأسيجة ونصبوا سيطرة في بابها النظامي، ولَم يسمح لنا الخروج الى القرى المجاورة الا بإذن من ضابط إيراني، وانتدبت الحكومة الإيرانية بعض المعلمين لإجراء الجرد السكاني على اللاجئين، وكان مسؤول المخيم شخص يدعى قرباني، وكانوا يتفقدون اللاجئين وبأيديهم هراوات لحث النساء على ارتداء الحجاب وغطاء الرأس، سمعنا بان الامم المتحدة سمحت بتصدير جزء من النفط العراقي لتمويل اللاجئين ومقابل الغذاء والدواء للشعب العراقي، الا ان الحكومة العراقية رفضت ذلك القرار. كنّا نقف في طوابير مذلة للحصول على الماء من السيارات الحوضية، ونقف ساعات طويلة وما ان يدركنا طابور الحصة ونصل للحوضية، كان ينفذ منها الماء، ياله من حظ عاثر! وكان علينا ان ننتظر ساعات لوصول نفس السيارة الحوضية ثانية بعد ملئها من احدى القرى، ثم يتراص عليها اللاجئين في طابور طويل من جديد، لنحصل في النهاية على بعض الألتار من الماء نعبئ به بعض الأباريق والجليكانات الصغيرة.
ذهبت مع ابن خالي (مح) لدفن أحد الاطفال قرب المخيم وكان يبلغ من العمر سبع سنوات، وابويه معلمان من السليمانية، علمت بأنهم تَرَكُوا السليمانية مشياً على الأقدام، الى ان وصلوا الحدود العراقية الإيرانية عند مدينة طويلة، وكانت اقدامهم متورمة ومزرقة وكأنها اصابة بالدوالي، كان الأب غارقاً في حزن هيستيري، ويرمي بنفسه على القبر ويصيح بأعلى صوته (لا تدفنوا طفلي الوحيد، فأنا وأمه تركنا بيتنا للحفاظ على حياته، فماذا يعنينا الحياة من غيره!) وكذلك كانت تفعل ألام، وتقول جئنا هنا لننقذه ولكن القدر خذلنا وتركنا ننظر الى عينيه اللتان كانتا تحتظران، دون إرادة او قدرة منا على إنقاذه… انتهينا من الدفن بقلوب تغمرها الحزن والأسى، وأسندنا أبويه للعودة الى المخيم … هذا هو قدرنا ان نخسر الوطن والأحبة… ومر الليل علينا كئيباً، ونحن لا نكف عن الحديث عن هذا الحال فمن يسمعنا! وكنا نفكر في مصائر اطفالنا، بدأنا بنصب خيمة لإيواء النساء مع الاطفال، وادخلت أطفالي واطفال شقيقتي للخيمة، وحضنتهم لا اراديا باكياً بحرقة، وهم ينظرون لي بعين العجب والألم. وعدت الى سيارتي وأقفلت الباب وبكيت بكاءاً شديداً، وكانت السماء هي الأخرى تبكي علينا الى الصباح. توقف المطر، وخرجت من السيارة، وتوجهت الى الضابط الايراني للسماح لنا بالخروج الى القرية لإصلاح إطار عجلة سيارتي، ومررت على قبر الطفل، في مقبرة اللاجئين على الطريق الى القرية، ووجدت أمه تبكي قرب القبر وتتحدث مع نفسها (انه الصباح يا ولدي، فانهض جلبت لك الحليب والشاي فأنت لم تأكل او تشرب شيئاً منذ البارحة ، انهض لتغتسل ……)، شددت على يد المعلم ألاب ورجوت منه ان يُصَبِر المرأة فهذا قدرنا جميعاً، ورأيت اناساً يحفرون القبور للمتوفين ليلاً، وكانت الجثث ملفوفة بالبطانيات في العراء، وقدرتها بسبعة ضحايا. مرت ساعات وانا في هذه المقبرة، والمعلم الشاب وزوجته يهذيان بحزن عميق، ويقولان انها الليلة الوحيدة التي قضيناها بعيداً عنه، فكان يتوسد أحضاننا كل ليلة… ليتني اسمع صوته يناديني بابا… يكتنز صدري ألماً وحزناً لا يمكنني تحملها والكلام للمعلم، فمن سيفهم ذكرياتي وهمومي ومصيبتي؟ وكان يسألنا (هل غطيتم ابني بالبطانية! فاني كنت اخاف عليه من البرد كثيراً، وكنت أسرع الى حديقة دارنا لأتأكد بأنه لبس قمصلته (معطفه)). فعلنا الكثير لمواساتهم وذكرت لهم ما حصل للدكتور ( ح أ ) عله يركن الى الهدوء والاطمئنان، وذكر الاخرون قصصا ليدرك بان الحال من بعضه كما يقال، فكم من طفل فتك بجسده الطاهر قنابل السلطة، وخنقه السم الكيمياوي في حلبجة، و لم يدفنوا، وكان لهم امهات تحرصن عليهم، وتمر أصابعهن كل ليلة على شعر رؤوسهم ، ولكن القدر حولت كوردستان الى مقبرة كبيرة لفلذات قلوبنا، تجوب عليها الذئاب، لتنهش أجسادهم، وتأكل الجرذان اعينهم التي كانت تتطلع الى مستقبل مشرق، ولكنها كانت مشرقة للسلطة وجحيماً لنا، هؤلاء الشهداء كان لا يمكن الاستغناء عنهم من قبل ذويهم، ونحن اليوم جميعا شهداء احياء، تمالك الشاب نفسه والجموع تحيط به وتحدثه بالمآسي التي مرت عليهم …
ذهبت لناحية تازه آباد وقصدت دائرة البريد والبرق وكتبت رسالة الى القائم بأعمال سفارة الإنكليز (البريطانية)، ارجوا منه السماح لنا بالخروج الى إنكلترا لمعالجة شقيقي المصاب باللوكيميا هناك، وهو أستاذ جامعي، وان شقيقتي التي معنا في المخيم هي المتطابقة معه نسيجيا، وهي التي ستهب نخاعها له، وأعطيته عنوان اخي البريدي، ثم سجلت نداءات هاتفية الى إنكلترا وانتظرت ثلاثة ساعات، وخلال فترة الانتظار تعرفت على الدكتور (م)، استاذ في كلية الزراعة في الموصل، وقص لي حكايته وكان مصراً على الخروج الى تركيا بأي ثمن كان، و راينا امرأة تركية من كركوك تتحدث بشغف مع السفير التركي في طهران، واعطت عنوانها في تازه آباد وطلبت نجدته، وهي تمر بحال مزري وتعيش مع اطفالها على الأدوية منذ أسابيع، وهم اتراك ولا يليق بهم هكذا حال! وطلب مساعدة السفير فوراً، وقد أعلمني دكتور (م) بان الامرأة من عائلة ثرية جداً، ارشت الحرس الإيراني، واستأجرت بيتاً في الناحية! يبدو بإن الثراء بإمكانه تملك المكان وتملك الزمان! … انتهت مكالمتها واعلمتنا بان السفير وعدها خيراً. ناداني الموظف وحاول تامين اتصالي مع اخي في نوتنغهام بإنكلترا، وبعد عدة محاولات تحدثت مع شقيقي، أعطيته عنواني في المخيم وطمأنته حيث كان قلقاً علينا، وأخبرته باتصالي مع القائم بأعمال إنكلترا في طهران بريدياً، ومعنا بعض النقود التي تكفي سفرنا وتكاليف عملية نقل النخاع له، وقلت بان حالنا يزداد سوءاً، الا انه كان يصر على اخراج شقيقتي (الواهبة) ومعها مرافق واحد لإتمام العملية، وان الجامعة هي التي ستتكلف بمصاريف العملية، ومن ثم يحاول على اخراج الآخرين فيما بعد. علمت بان وضعه لا يسمح ان يستقبلنا جميعاً وهو بهكذا حال، ويصر على شقيقتي وحدها.
وكان شقيقي املنا المجروح الذي كنت أتشبث به. وحاول إقناعي بحاله الراهن وان حياته في خطر، ولكنني كنت في حالة مضطربة ووعدته خيراً ان بقينا أحياء. خرجت من دائرة البريد وعدت أدراجي الى المخيم عصراً. تحدثت مع والدتي واخواتي وطمأنتهم بان شقيقي بحالة مستقرة ويأمل في إخراجنا قريباً. اصرت والدتي بالتحدث معه في الْيَوْمَ التالي، ورجوتها بان تمسك أعصابها ولا تُلِح على إخراجنا جميعا، فهو يطلب اختي وحدها لحراجة وضعه ومرضه. ذهبت والدتي وتحدثت معه في الْيَوْمَ التالي، ولم تبالي لما قلته لها.



#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)       Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثا عن الحرية/ الحلقة الثالثة
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية// معايشة حقيقية شخصية لتداعيا ...
- ما السبيل الى التنوير
- بريد وهمس/ خاطرة واقعية تم تدوينها عام 2004/ من مذكرات موظف ...
- الاديان وخدعة الصور الفكرية للعقل في البقاء والانتفاع
- مدينة كركوك كما وعيتها/ من خواطري الشخصية
- عبارة عمي / خاطرة شخصية
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- هل يمكن التغيير بهدف التعايش السلمي؟
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- الى متى محاربة ( الاٍرهاب ) !
- وجهة نظر في الاقتصاد النفطي العراقي
- الوعي هو السبيل الى الحرية والاستقلال!


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد رياض اسماعيل - رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة العاشرة