أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - واحة-قصة قصيرة














المزيد.....

واحة-قصة قصيرة


سامي الكيلاني
(Sami Al-lkilani)


الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 13:46
المحور: الادب والفن
    


يريد أن يكتب عن تلك التجربة، هل يكتب "عن حب جميل"، أم يكتب "عن حب أجمل"، أم يكتب "عن الحب الأجمل"؟ ساءل نفسه عن العناوين ودلالاتها، وبدأ يتحاور مع ذاته، حتى كاد ينسى الموضوع. أمر ذاته أن يعود ليكتب ويوسّع ما سطّره من رؤوس أقلام في دفتر يومياته الذي لا يفارقه في حله وترحاله.
سرّح نظره من نافذة عربة القطار، القطار بطيء بما فيه الكفاية ليرى المنظر ساكناً نسبياً وتملاّه، الغابة الممتدة بموازاة خط السكة الحديدية لوّنها الخريف بتلك الألوان التي يأتي الناس من كل المناطق ليروها في هذا الموسم. احتوته اللوحة الخريفية بجمالها، فكّر ماذا لو كان القطار سريعاً، ماذا سيحدث للوحة؟ تخيلها لوحة في إطار ألوانها من ضربات ريشة فنان يجمع بين روعة الأصل ولمسة الإبداع. توقف عن النظر من خلالها إلى الخارج حين انتهت حدود الغابة وأصبحت النافذة إطاراً للوحة يسودها لون واحد يتغير بين الأخضر والرمادي.
عاد إلى دفتر اليوميات الموضوع على الطاولة بين مقعده والمقعد المقابل الفارغ لحسن حظه. وقع نظره مرة أخرى على ذلك السطر، رأى السطر يتحول خطه إلى خط غامق ويخرج من الصفحة كأنه على شاشة الحاسوب يصغر ويكبر، يتقدم ويتراجع ليلفت الانتباه، السطر طفل يشكو جوع النقصان، طفل يشكو نسيان الأم، ينادي بصوت قوي لم يضعفه الجوع: اكتبني، أكمل نقصاني. السطر الذي كتبه عندما رأى وجهاً يجلس في المقعد المقابل في القطار وذكّره بذلك الوجه، بالوجه، يكفي أن يقول الوجه ليقصد ذلك الوجه. الوجه يضم السطر الطفل وينظر نحوه معاتباً دون أن ينبس ببنت شفة. السطر يرجع ساكناً على صفحة الدفتر أسيراً لدائرة يخرج منها سهم صغير ينتهي بكلمة "أكمل". لم يستطع أن يوسّع السطر يومها، صار السهم يتيماً ووحيداً، فيرسم دائرة وسهماً ليذكّراه بإلحاح بضرورة إخراج السطر اليتيم من دائرة النقصان، من وضع اليتم والوحدة. تساءل مستنكراً أو مستغرباً وهو يعرف الجواب "وهل التذكير كافٍ؟".
حاصرته غابة من الأسئلة نبتت من سؤال الكفاية، يتصدرها سؤال راوح طويلاً في انتظار إجابة متعسرة الولادة لأنها عالقة بين بوابة البوح وبوابة العدم. غرق مرة أخرى في أسئلة فلسفية، أسئلة تنتظر إجابة ربما لن تأتي، فهل يكتب النتيجة أولاً ثم يعود إلى البداية، أم يتسلسل من البداية إلى النتيجة؟ يصرّ أن يسميها النتيجة وليس النهاية، هناك نتائج في الدروب وليست نهايات، كل نتيجة، ولو سمّاها بعضهم نهاية، تنقلب بداية لأنها نتيجة، إلاّ النهاية التي لا تتبعها بداية فتلك يمكن تسميتها نهاية. أدخلته غابة الأسئلة الأولى في غابة أخرى من الأسئلة الفلسفية، وتذكّر نصائح المتفذلكين "لا تضع العربة أمام الحصان"، تساءل ما الذي يقصدونه إذن عندما يقولون "العربة أمام الحصان"، ومن يضع عربة أمام حصان إلاّ المجنون، فهل ستجر العربة الحصان، أم إنهم يقصدون "لا تشترِ عربة قبل أن يكون لديك حصان"؟ عنده أجمل الخيول ويمكنه شراء العربة ولو بعد حين، ولكن الطرقات مغلقة بالحواجز والأسلاك الشائكة والخوف النابع من اللايقين ومصائد الشكوك.
هدأت عاصفة الأسئلة، وعاد إلى صفحة السطر الذي يقبع أسيراً في دائرة يخرج منها سهم يأمره بإكمال ما بدأ، يناشده أن يمنحه حق الاكتمال.
حاول البدء، كلمة، كلمتان، جملة عسيرة الميلاد، قرر أن يختصر الأمر، أن يكتب نصاً قصيراً لأن الأشياء الكبيرة لا يسعها إلاّ الكلام الموجز.
"كان حباً صادقاً وعميقاً ويانعاً كواحة من الرضا في صحراء من العيون الجاحظة، (رغب أن يكتب كعيون أشخاص مسلسل سمبسون الكرتوني لكنه أسقطها لأنها ستكون ثقيلة دم في هذا المكان)، أجمل ما كان فيه أنه كان طفلاً جميلاً. توقفا عن محاولة التحليق حين أدركا أن التحليق من الواحة الصغيرة نحو المسافات الواسعة لن يكون ممكناً ولن يتبعه هبوط آمن في بساتين موعودة وارفة الخضرة والثمر، (رغب هنا في أن يشيد بمحاولة عباس بن فرناس للطيران ويعبّر عن حزنه على مصيره، لكنه اعتبر ذلك ثقيلاً على الموضوع، ليس ثقيل الدم هذه المرة)، غادرا الواحة بهدوء، لم يدفناه، غادرا بهدوء بعد أن جمداه في لوحة ستصلح لأن تعلّق على جدار ما، في بيت ما، في زمن ما".
أنهى كتابة النص تحت السطر خارج الدائرة، كان متعباً من النحت في صخر الكلام. نظر إلى السطر مستفسراً منه إن كان راضياً، ابتسم السطر كطفل تسلم لعبة جديدة، ثم أشاح بوجهه دون كلام بعد أن تفحص اللعبة. أغلق دفتر اليوميات بحرص وحنان خشية أن يؤذي الطفل السطر.
تشتت تفكيره بين الفرح بابتسامة الطفل رغم قصرها والحيرة في تفسير إشاحة وجهه. قرر أن يتوجه بعد نزوله من القطار رأساً إلى معرض للأعمال الفنية، سيبحث عن بوستر للوحة فنية، ليس بمقدوره أن يشتري لوحة أصلية أو حتى مزورة، عن واحة خضراء، وإن لم يجدها وهذا ما يتوقعه، سيختار لوحة لجزيرة صغيرة تمتلئ باللون الأخضر وسط زرقة المياه، لوحة رآها أكثر من مرة في مثل هذه المعارض، وسيختار لها إطاراً بسيطاً ذهبي اللون. سيطلب من المعرض إنجاز تأطير اللوحة بأقصر وقت ممكن أملاً في أن يحملها معه عندما يعود مساء، ولن ينام قبل أن يعلقها على جدار غرفته قبل أن يغفو، وسيسأل وقتها السطر الطفل عن رضاه عسى أن ينام الليلة مع ابتسامة من الطفل لا تشوبها شائبة.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)       Sami_Al-lkilani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة الإعادة في نشر دون إفادة
- حزن الصّور-قصة قصيرة
- خواجا-قصة قصيرة
- تمنيات القنطرة على حجر الغالق-نص
- أخلاق حميدة-قصة قصيرة
- أيّ شاطئ هذا؟قصة قصيرة
- طائر النعاس-قصة قصيرة
- ضباب هنا....ضباب هناك
- محادثة-قصة قصيرة
- في حضرة هذا المشهد
- محطات-قصة قصيرة
- وجه مضيء-قصة قصيرة
- هالة أقلّ-قصة قصيرة
- غريبان وغريب
- نضجت-قصة
- ما الذي يسبح في الهواء
- في حافلة
- سهلة كثير-قصة قصيرة
- كائن مائي-قصة قصيرة
- وعد المدينة-قصة قصيرة


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - واحة-قصة قصيرة