أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - كائن مائي-قصة قصيرة














المزيد.....

كائن مائي-قصة قصيرة


سامي الكيلاني
(Sami Al-lkilani)


الحوار المتمدن-العدد: 6926 - 2021 / 6 / 12 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


تأخذ حماماً دافئاً ثم تتناول فطوراً خفيفاً على عجل، هناك يوم عمل طويل ينتظرك. هؤلاء الألمان فظيعون، تأتي للمشاركة في مؤتمر ثقافي فتتحول الأيام إلى أيام عمل طويلة متواصلة تعود منها مرهقاً وتلقي بنفسك على السرير لتغط في نوم عميق، ولكن النتيجة أنك تستيقظ مبكراً جداً. تتذكر أغنية الروضة التي كانت الست فتحية تعلمها للأطفال فينشدونها بصوتٍ عالٍ "نم بكّير، فيق بكّير، شوف الصحة كيف بتصير"، ولكن معظمهم لم يكونوا يطبقونها ولا ينامون إلاّ بعد أن تنطفئ مرارة أهلهم. الاستيقاظ المبكر جداً يجعلك تتقلب في الفراش منتظراً موعد الفطور في مطعم الفندق، ولكنه في المقابل يعطيك فرصة المشي صباحاً في هذه المدينة، صباح المدن الكبيرة له مذاق خاص، ولكل مدينة طابعها، ولذلك تنتهز هذه الفرصة عادة، خاصة إن كان موعد البدء في اللقاءات متأخر نسبياً. تخرج من الفندق لتبدأ مشوارك، لكن لسعة برد تجعلك تعود بعد أمتار من باب الفندق لارتداء سترة تقيك برد هذا الصباح الخريفي. منتعلاً حذاءً خفيفاً تضرب في شوارع المدينة التي تدب بها الحياة فيها ببطء. جيد أن جلسات المؤتمر ستبدأ متأخرة قليلاً هذا اليوم، في العاشرة صباحاً. مثل فراخ السلاحف البحرية التي تفقس في الرمل وتهرع بحاستها الدفينة إلى الماء، تقودك قدماك نحو النهر.
تمر بالساحة التي قمتم بجولة فيها بالأمس والتي كانت تعج بالحياة، بعض باعة "النبيذ الطفلي" النشيطين يرتبون براميلهم وطاولاتهم ليبيعوه للمارة، هذا هو الموسم، هكذا يدعون عصير العنب قبل أن يكتمل تخميره ليصبح نبيذاً. تلقي عليهم بتحية الصباح مستعملاً الكلمات المعدودة التي ما زلت تتذكرها من دروس اللغة الألمانية التي تلقيتها قبل عقود، "غوتن تاغ"، فيبتسمون ويردون بمثلها، ثم تقف عند أحدهم الذي تذوقتم منه هذا الشراب وقد نصب طاولته وجهز بضاعته للبيع قبل الآخرين، يقف منتظراً زبائنه بشاربيه الأشيبين المبرومين من الطرف، تصبّح عليه بتحية الصباح، وتضيف "في غيتس إنن"، أي كيف حالك، فيبتسم ابتسامة عريضة ويؤكد أنه "غوت"، وكالعادة يرد عليك "وأنت؟"، فتؤكد له أنك الآخر "غوت". تستمر في السير مجذوباً نحو النهر كسلحفاة مائية فقست من البيضة المدفونة في رمل الشاطئ.
تصل ضفة الراين قرب مرسى للسفن، حيث أخذت مع زميلين لك بالأمس رحلة نهرية إلى بلدة قريبة، كانت رحلة دون تخطيط مسبق، رأيت سفينة نهرية تتهيأ للحركة، أقنعتهما سريعاً أن تشتروا التذاكر، سألك الموظف في شباك التذاكر عن اتجاه السفر، اخترت من اللوحة المعلقة قرب شباك التذاكر اسم بلدة على الضفة المقابلة، قلت لصديقيك بأنها فرصة أن تروا بلدة صغيرة، فكانت تجربة ناجحة أغدق عليك بعدها صديقك الناصري بلقب "ابن بطوطة" لأنك حسب رأيه لا تطيق الجلوس، وتطلب في أية فرصة ممكنة منهما، وهما اللذان يفضلان الجلوس في ردهة الفندق يشربان القهوة ويدخنان، أن يمشيا ويطوفا المدينة معك. فكّرت صباحاً، اعتماداً على تلك التجربة وسرورهما، أن تدعوهما لمشاركتك في هذا المشوار الصباحي، لكنك تراجعت، فمهما كان سرورهما بتلك التجربة فلن يبلغ الأمر أن توقظهما مبكراً ليشاركا في جولة صباحية مبكرة كهذه.
صفحة الماء يلفها ضباب متحرك، تتأمل المنظر متسائلاً: هل يخرج الضباب من صفحة الماء أم أنه يهبط عليها من علٍ من الغيم الذي فاتته فرصة التكثف مطراً؟ تزجر نفسك "الوقت ليس وقت الفلسفة والعلم"، وتعود لتأمل النوارس القليلة التي تحوّم مطلقة صيحاتها وهي تهبط إلى صفحة الماء. تذكرت صديقيك وكم يفوتهما من المتعة التي تغترفها الآن لوحدك. ترمي بضع قطع صغيرة من الخبز من شرائح خبز وجدتها على مقعد قريب، هجمت النوارس مطلقة صيحات أعلى من ذي قبل، تعاركت على القطع التي ألقيتها، ثم ابتعدت بعد أن حصل بعضها على القطع ولم تستطع مجموعة أخرى الحصول على أي نصيب. تعود النوارس بعد وقت قصير لتحوّم فوق النهر قريباً منك، تتمنى لو تستطيع تمييز الطيور التي حصلت على الخبز من تلك التي لم تحصل عليه حتى تحاول أن ترمي القطع في المرة التالية باتجاه المجموعة التي لم يحالفها الحظ، وتتساءل أكان الحظ السبب أم أن المجموعة التي حصلت على الخبز كانت متسلطة. تزجر نفسك مرة أخرى عن الفلسفة وعن إقحام أفكارك عن الطبقات والاستغلال على عالم النوارس، دعها وشأنها، واستمتع بالطبيعة. تجلس على المقعد وتلوم نفسك لأنك لم تحمل كوب قهوة لتحتسي قهوة الصباح في هذا الجو المنعش. تمشي بمحاذاة النهر وتنغمس في الأجواء وتنجح لربع ساعة في تصفية ذهنك من التفكير في أي شيء غير التنفس العميق والتأمل منقلّاً نظرك بين سطح الماء والسماء الموشحة ببعض الغيوم والشمس التي تتسلل بأشعتها من بين تلك الغيوم.
تنظر إلى الخريطة الصغيرة التي تحملها، وتحدد طريق العودة إلى الفندق، الطريق تمرّ بمتحف الطباعة على اسم مخترعها يوهان غوتنبرغ، فتقرر أن تستغل الساعة المتبقية بزيارة المتحف ولو زيارة عابرة، وتبدأ بالعودة. تصل المتحف فتجده مغلقاً، تنتبه للوحة المثبتة قرب المدخل، يوم الإثنين يوم عطلة المتحف. تتساءل في سرك "ما المشترك بين متاحف الألمان وصالونات الحلاقة في بلادنا؟". دائماً تتذكر أنك بحاجة لقص الشعر يوم الإثنين، وها أنت لم تتذكر زيارة المتحف إلاّ هذا اليوم. تضحك وتقرر العودة لتأمل النهر والنوارس لنصف ساعة أخرى، لتشبع جوعك المزمن لرؤية البحر، البحر الذي لا يبعد عن مدينتك سوى نصف ساعة في السيارة، ولكنك لا تستطيع وصوله بسبب حواجز الاحتلال، آخر احتلال على وجه البسيطة. تفكر بأن تبدأ مداخلتك في جلسة اليوم في المؤتمر عن تجربتك هذا الصباح وحظك مع المتحف وحبك للبحر، تتفق مع نفسك على ذلك، ولكن بشرط ألاّ تفكر في الموضوع الآن.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)       Sami_Al-lkilani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعد المدينة-قصة قصيرة
- فاتها القطار-قصة قصيرة
- يدها الصغيرة-قصة قصيرة
- الشيخ جراح فتح الأبواب
- موعدان-قصة قصيرة
- يلاّ يا تين-قصة قصيرة
- الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة
- أذّن يا خطيب
- يوم مشؤوم-قصة قصيرة
- السيدة وارفة الظلال
- ذليل-قصة قصيرة
- مقعدان-قصة قصيرة
- دفتر المفتشة-قصة قصيرة
- ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة
- ضوء القصيدة-قصة قصيرة
- ما تخافيش-قصة قصيرة
- ثلثي المشاهدة-قصة قصيرة
- انثروا الطيبة-قصة
- عصير ليمون-قصة قصيرة
- عين-قصة قصيرة


المزيد.....




- قنصليات بلا أعلام.. كيف تحولت سفارات البلدان في بورسعيد إلى ...
- بعد 24 ساعة.. فيديو لقاتل الفنانة ديالا الوادي يمثل الجريمة ...
- -أخت غرناطة-.. مدينة شفشاون المغربية تتزين برداء أندلسي
- كيف أسقطت غزة الرواية الإسرائيلية؟
- وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما
- الدراما العراقية توّدع المخرج مهدي طالب 
- جامعة البصرة تمنح شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية لإحدى ...
- الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
- الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
- صدر حديثا : -سحاب وقصائد - ديوان شعر للشاعر الدكتور صالح عبو ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - كائن مائي-قصة قصيرة