أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة














المزيد.....

الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة


سامي الكيلاني
(Sami Al-lkilani)


الحوار المتمدن-العدد: 6871 - 2021 / 4 / 17 - 17:36
المحور: الادب والفن
    


على خطوط التماس المتعددة مع ذاته تتنقل أفكاره، يسافر مع صور متعددة من هذه الذات لتأخذه بعيداً فيغيب عن جو السيارة والحديث الذي يدور بين ابنه وزوجته. ينظر إلى الشارع الذي تنطلق السيارة عليه باتجاه المجمع التجاري، لا يراقب عداد السرعة ليتدخل مع ابنه كمراقب السير، ولا يرى تفاصيل الشارع والمشهد المحيط كعادته. توقفت السيارة في ساحة الوقوف أمام المجمع التجاري الموجود على طرف المدينة الصغيرة. أصوات نوارس حادة أقرب إلى الزعيق، كأصوات بشر متصارعين، ينظر نحوها فيجد أنهما نورسان فقط وأنهما فعلاً يتشاجران زعيقاً ويشتبكان بالأجنحة والمنقار وكأن كلاً منهما يشتم الآخر بلغتهما. وبعد قليل يهدآن ويطيران بعيداً، ربما نحو البحيرة الصغيرة، هي صغيرة وهذا اسمها الرسمي. يتمنى لهما أن يهدآ عندما يصلا الماء، تماماً كما يتمنى لنفسه أن تهدأ من السباحة في بحر الصور وأن تغادره الصور ليستمتع بهذه الإجازة في هذه البلدة التي جاءها مع زوجته ليكونا مع ولدهما الذي يعمل فيها. لم يجدوا ما جاءوا من أجله في المتجر الكبير، الموظفة كانت متكاسلة نوعاً ما، حاولت مساعدتهم، لكن ما يريدونه لم يكن متوفراً، فاستراحت منهم واستراحوا منها، شكروها بلطف بعد أن اختتمت تكاسلها بأسف لطيف، وكأن كل فريق منهما تنفس الصعداء من مهمة لا تروق له.
وصلوا البحيرة الصغيرة، أو متنزه البحيرة الصغيرة كما هو مكتوب على اللوحة الكبيرة المثبتة على مدخل الغابة التي تحتضن البحيرة. النوارس هادئة مطمئنة تغطس في الماء ثم تخرج لتطير في شبه تلامس مع سطح البحيرة كأنها تمشي على الماء. دقق النظر في رف من النوارس طار فجأة محاولاً أن يميز النورسين اللذين كانا يتصارعان قبل قليل في ساحة المجمع التجاري، ثم ضحك من محاولته هذه بصوت مسموع. انتبه ابنه لضحكته فسأله عن السبب، أراد التمويه بأن الأمر يعود إلى شيء ما من الذاكرة، ثم صارحه بمحاولته تمييز النورسين، ضحك الابن وقال إن الفكرة خطرت بباله أيضاً وأنه حاول فعلاً البحث عنهما. ضحكا وضربا قبضتيهما المغلقتين كما يفعل الشباب، وقال لابنه كما كان يقول له دائماً في طفولته "الولد سر أبيه"، متذكراً المسلسل الكرتوني "البحار باباي" الذي كانا يشاهدانه معاً في تلك الأيام، تلك الأيام البعيدة، تنهد وهمس "كـأنها الأمس"
اقترحت الأم أن يركضوا نحو علامة على شاطئ البحيرة، أن يتسابقوا نحوها، اعتذر عن المشاركة بحجة التعب، كان ما زال متوزعاً بين صوره المتعددة، وأراد الاختلاء بنفسه "خذوا راحتكم". تحمله كل صورة منها إلى محطة من محطات الأيام التي مضت ودارت سريعة كما يدور عقرب الثواني في الساعة التي على معصمه وتحمله إلى مكان من الأماكن التي تصادق معها. عاد إلى لحظته، وأراد أن يثبت أنه يعيش اللحظة، إن لم يكن لنفسه فلهما فالتقط لهما بعض الصور من هاتفه المحمول وهما يقتربان باتجاهه عائدين من مشوار الركض. وصلاه وقال له الابن إنهما سيذهبان إلى المقهى القريب لإحضار قهوة، استطاب الفكرة ليجلس مع نفسه فترة أخرى، وطلب منه أن يحضر له قهوته سوداء دون سكر أو حليب كالعادة. استدار مواجهاً شمس الغروب وانعكاسها على سطح البحيرة، التقط عدداً من الصور، وانغمس في هدوء المكان، ليته يستطيع أن ينغمس في هذا الهدوء دون مشوشات. تذكر حواره مع أحد زملاء العمل في الوطن، حين قال يومها وهو يحدثه عن المدينة البعيدة التي يحبها بأنها أجمل المدن التي زارها وأسهب في وصف جمالها من وجهة نظره، فعلق الزميل "والوطن، وبلدتك؟"، فأجابه يومها شيئاً من هذا القبيل "صحيح أن تلك المدينة هي الأجمل، ولكن بلدتي هي الأغلى ووطني هو الأعز".
جلس على مقعد قريب ونظر نحو الأفق حيث تتلاقى السماء بالماء، كان هذا التلاقي يحيره في طفولته في التقاء السماء بالجبال العالية شرق قريته، وكم تمنى الوصول إلى قمة الجبل ليلمس السماء. نزل عن المقعد ليجلس مقرفصاً على الرمل المبلول. تناول عوداً ألقاه الماء على الشاطئ وبدأ يرسم خطوطاً متقاطعة ثم محاها بيده، ورسم ذلك الشكل الحلزوني الذي يرسمه عادة كأنه يفرّغ أفكاره التي تدور في حلقات متصاعدة وأنهى حلقاته بخط مستقيم ينطلق كالسهم. أطرق متأملاً الرسم الحلزوني ثم خربشه بالعود وغرس العود بالرمل في النقطة التي بدأ الشكل الحلزوني منها. كانت إطراقته صورة عن إطراقة أبيه، التي لا ينساها، حين كان يجتاحه حزن أو يغمره فرح فيجلس القرفصاء في ساحة البيت ويحمل عوداً يحرك به التراب، ويهز رأسه بين لحظة وأخرى كأنه يحدّث شخصاً آخر غير مرئي. سمع صوتاً واضحاً يأتي من البعيد البعيد يردد "الولد سر أبيه".



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)       Sami_Al-lkilani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أذّن يا خطيب
- يوم مشؤوم-قصة قصيرة
- السيدة وارفة الظلال
- ذليل-قصة قصيرة
- مقعدان-قصة قصيرة
- دفتر المفتشة-قصة قصيرة
- ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة
- ضوء القصيدة-قصة قصيرة
- ما تخافيش-قصة قصيرة
- ثلثي المشاهدة-قصة قصيرة
- انثروا الطيبة-قصة
- عصير ليمون-قصة قصيرة
- عين-قصة قصيرة
- مشاعرة-قصة قصيرة
- وجوه هذا الصباح-قصة
- طعم آخر للورق-قصة قصيرة
- وجبة-قصة قصيرة
- بريموس-قصة قصيرة
- المظاهرة الأولى-قصة قصيرة
- لروحك السلام يا أبو سامي


المزيد.....




- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...
- شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة