أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - بريموس-قصة قصيرة














المزيد.....

بريموس-قصة قصيرة


سامي الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6765 - 2020 / 12 / 19 - 10:38
المحور: الادب والفن
    


سامي الكيلاني:

حمل البريموس* ومضى متثاقلاً نحو الحارة، الحارة ليست الحارة أو الحي السكني، الحارة هي مركز القرية حيث المحلات الأكبر من دكان الحي، قاصداً محل السمكري. أسوأ ما في الأمر أنه يجب أن يحمل البريموس بطريقة حذرة لئلا ينطبع السخام على ملابسه. المشي حاملاً بريموس رأسه أسود مليء بالسخام فوق العادة، نتيجة للهبّات المتتالية التي تنتابه، مهمة صعبة، ولكن الأصعب منها أن يلتزم بالتوصيات التي حملها من البيت، "انتبه ألاّ يضحك السمكري عليك، لا تقبل إن قال لك أن رأس البريموس ميؤوس منه وبحاجة إلى تغيير". إذن المهمة ليست مجرد حمل البريموس هكذا عارياً من البيت إلى محل السمكري والعودة به إلى البيت بسلام دون ملابس متسخة. هذه مهمة مقدور عليها رغم صعوبتها، ولكن المهمة الأصعب أن يتصدى كولد لنقاش تكنولوجي عالي المستوى مع الزعيم، مصلح البريموس، لتفنيد رأيه إن قال باختصار أن الرأس ميؤوس منه ولا يفيد فيه النفض. كاد البريموس مع اهتزاز المشي في الطريق الترابية أن يلامس ملابسه أثناء سرحانه، لذلك قرر أن يوقف هذا الحوار الداخلي الذي كان يحضره للرد وليترك الأمر للحظته، هكذا قرر وركز كل انتباهه على الطريق وعلى حمل البريموس بعيداً عن ملابسه.

كان الزعيم مشغولاً بنفض رأس بريموس آخر، وضع البريموس على باب المحل الصغير ووقف يراقبه دون أن يتحدث معه، فرصة لتحضير مناقشته في وجه القرار الصعب، الزعيم منهمك في عمله، رأس البريموس قيد العلاج مثبتاً إلى منفاخ هوائي يشبه المنفاخ الذي يستعمل لنفخ عجلات الدراجات الهوائية، يضعه فوق شعلة قوية لبريموس آخر حتى يتوهج ثم يبدأ بالنفخ. انتبه له الزعيم فسأله عما يريد، شرح له الأمر تماماً كما علمه الوالد، مجرد هبات وسخام. حمل الزعيم البريموس وتفحصه بعين واحدة بعد أن أغلق الأخرى بحركة تلقائية أتقنها مع الزمن. نطق، سقط عليه القرار كالصخرة "لا ينفع معه النفض، بحاجة إلى تغيير". طارت كل المرافعات التي كان قد حضّرها لتفنيد هذا الرأي المتوقع. إنه الطمع ليس إلاّ. لم يكن أمامه إلاً أن يقول "لا، أبي لا يريد ذلك، بس إذا ممكن نفض"، نهره الزعيم "خذه وانصرف من هون، ما ظل غير الاولاد يفهمونا الشغل"، وأضاف شيئاً لم يفهمه جيداً وهو يمضي مبتعداً، إما شتيمة وإما تحسراً على أيام الزعيم في الكويت.

قرر أن يذهب إلى السمكري الآخر، إلى الشيخ ناصر، كان الأمر اجتهاده الشخصي حتى لا يعود خائباً، العودة الخائبة خسائرها كثيرة، ليس أقلها معاناة الوالدة في التعامل مع هذا البريموس وما يتركه من سخام على إبريق الشاي والطناجر. الذهاب إلى المحل الآخر يكلفه مشياً حذراً آخر في هذا اليوم الصيفي الحار منذ بدايته.

كان الشيخ ناصر منشغلاً بلحام إبريق توتياء كإبريق الوضوء الذي يستعمله جده. تبسم الرجل في وجهه، تشجّع وشرح له مشكلة البريموس. قال له الشيخ "سأحاول، إن تحمل النفض ومشى الحال كان به عمي، وإن ما زبط لازم نغيره". قرر أن يأخذ الأمر على عاتقه، ليس بحاجة إلى مشي حذر آخر إلى البيت ليستشير والده، ولم يجرؤ أن يقول للشيخ ما دار بخلده، أن من حقه أن ينسحب من الأمر إذا ثبت بعد المحاولة أن النفض لا ينفع.

كانت العملية طويلة، وكان الوقت الذي قضاه مراقباً جالساً على حجر عند باب المحل الصغير طويلاً جداً. أنهى الشيخ العملية الصعبة، وتلفت إليه "زبطت عمي". حمل البريموس بحذر أقل لأن الرأس كان أقل سخاماً، ومضى نحو البيت يشعر بالفخر يحضّر رواية اجتهاده الذي أصاب ليرويها بحذافيرها لوالديه، وقرر أن يبالغ في الصورة المنفرة للزعيم.

* علامة تجارية لموقد كيروسين وأصبحت جميع الأنواع تحمل هذا الاسم.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المظاهرة الأولى-قصة قصيرة
- لروحك السلام يا أبو سامي
- لا يعرف الكتابة-قصة قصيرة
- رجل الفسبا-قصة قصيرة
- تلك الطاولة-قصة قصيرة
- ندبة في ظاهر اليد-قصة قصيرة
- أوّل يوم-قصة قصيرة


المزيد.....




- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - بريموس-قصة قصيرة