أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - فاتها القطار-قصة قصيرة














المزيد.....

فاتها القطار-قصة قصيرة


سامي الكيلاني
(Sami Al-lkilani)


الحوار المتمدن-العدد: 6912 - 2021 / 5 / 29 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


تحاصرك الفكرة وتقول لك "اكتب"، تتوالد الأفكار في رأسك وتفتح فيه كوة بعد كوة، تدخل منها ريح تعصف ¬¬¬بما حضّرته من أفكار لتبدأ عملك. ما الذي يجعلك تفكر كل هذا التفكير بحادثة بسيطة؟
صورة الفتاة التي ركضت لتلحق ¬¬¬الباص تلاحقك، ركضت باتجاه الموقف، ولكنه تحرك عندما كانت على بعد متر واحد من الموقف، رأيت وجهها بنظرة عابرة، قرأت فيه الإحباط، عشت إحباطها، ماذا قالت لنفسها؟ هل أنّبت نفسها لأنها تباطأت في الخروج من البيت؟ ولماذا تأخرت أصلاً؟ كيف أضاعت الدقيقة الفاصلة بين النجاح والفشل؟ تحاول أن توقف نفسك عن التفكير بالموضوع، وتسأل نفسك لماذا كل هذا الاهتمام بما جرى؟ كنت على وشك أن تصرخ بالسائق أن يتوقف لكنك تراجعت، هل خشيت أن يزجرك ويلقنك درساً بأن هذا ليس من شأنك؟ هل خشيت أن يعطيك نيابة عنها درساً لا لزوم له حول دقة المواعيد؟ لا تلُم نفسك أكثر، فماذا كان بإمكانك أن تعمل؟ تقنع نفسك بأنك بريء من المسؤولية عمّا حصل معها فتهدأ. ثم يشبّ في داخلك محامي الدفاع عن الآخرين الذي ينصّب نفسه ليجري لك دائماً محكمة الضمير، لا تبرر لنفسك، لقد كنت جباناً، فماذا كنت ستخسر لو قلت للسائق كلمة أو أشرت له مجرد إشارة، وليقل ما يقول، ليس من حقه أن يقول أكثر من "آسف" أو يهملك، أو ينظر في المرآة شزراً. تقوى مرة أخرى في الدفاع عن نفسك، ترتدي عباءة المنطق، هذه هي حياة المدن الكبيرة، اللحاق بالباص أو القطار جزء من التفاصيل اليومية للناس هنا، وعليهم أن يحسبوا أوقاتهم حساباً دقيقاً. المواصلات العامة عالية الكفاءة ومواعيدها محسوبة بدقة والغالبية العظمى من الناس يعرفون ذلك ويختارون استخدامها لأنها تغنيهم عن استخدام السيارة الخاصة وتخلصهم من دوامة البحث عن مكان لإيقاف السيارة ودفع رسوم المواقف، وبالتالي فإن الالتزام بالمواعيد أمر أساسي.
تحاصرك عبارة "فاتها القطار" طالبة منك أن تكتب عن منظر تلك الفتاة الذي يلخص الكثير، ولكنها تفتح عليك أبواباً أخرى، صرت أسير العبارة، أو كما يقولون أمسكت العبارة بتلابيبك وجرّتك وراءها، صورة الفتاة تدب فيها الحياة وتصبح شريكتك طيلة الرحلة القصيرة حتى هبوطك من الباص، ولكن الأمر لم يقتصر على الرحلة، ما زالت تتبعك، كل هذا لأنها أصبحت من فئة "فاتها القطار". لو صعدت إلى الباص وأصبحت راكبة مثل كل الركاب لانتهى الأمر، حتى لو أنعمت النظر خلسة ملامحها وأصابك سهم جمالها لكان الأمر انتهى بنزولها قبلك أو نزولك قبلها، أما الصورة المرابطة في ذهنك الآن فيبدو أن رحلتها معك ستطول، تحاكمك وكأنك مذنب بتهمة التقصير، فتدفعها عنك بلطف، فتأتيك من عبارة "فاتها القطار" أمواج آلام مختزنة، تطيح بك بعيداً.
تأتيك فجأة السيدة الثلاثينية، بنت الجيران، الوردة التي كبرت فلم يعد لديها أمل بقاطف، صارت عانساً، تأتي بكبريائها المجروح تشتكي، تسألك، تحاورك، تحاسبك، "أنت حزين على هذه الأجنبية لأن الباص فاتها على محطة، لماذا لا تحزن عليّ؟ لماذا لم تقف في وجوههم وهم يشيرون إليّ "عانس فاتها قطار الزواج"؟ لماذا لم تحتج حين تجرأ أرمل ستيني وجاء ليطلب يدي، لماذا لم يستفزك ذلك؟ هل أصبحتُ بنظرك ونظرهم بضاعة كاسدة، عانساً فاتها القطار، فهل رأتني أو رآني أحد أركض على رصيف مر منه قطار الزواج، قطار الأحلام، هل هناك أبشع من هذا التعبير، من قال لك أو لهم أنني أقف على محطة الانتظار ليأتي الفارس، ليأتي "السيد" ويتناول يدي ويأخذني إلى مملكته؟ اللعنة عليك وعليهم، طز فيك وفيهم.
تنضم السيدة الثلاثينية إلى الفتاة لمحاسبتك لأنك لم تدافع عنهما، فتتوقف على الرصيف وتسند ظهرك إلى الجدار تأخذ وضع الدفاع، تقفان قبالتك، تتبادلان الأدوار في الهجوم عليك، ومن يأتيها دور الهجوم ترفع يدها في وجهك وتفرد سبّابة الاتهام سهماً مصوباً نحو عينك، فتدفع بيدك الإصبع وتحاول أن تُفهِمها موقفك، أن توضّح براءتك.
ينقذك منهما "هوملس" يقترب منك يحييك ويسألك عن حالك، ويمد العلبة التي يحملها طالباً قطعة نقدية، تقترح عليه أن تشربا القهوة معاً بدلاً من وضع قطعة نقد في العلبة التي يحملها، فيوافق. تشكره على قبول الدعوة، وتذهبا معاً إلى المقهى القريب. تُحضر كوبيْ قهوة، واحد لك دون حليب أو سكر، والآخر بالحليب والسكر زيادة له، وتجلسان حول الطاولة التي اختارها، تشجعه على الحديث وتتطوع للإنصات الكامل لحديثه. يحدثك عن فلسفة الحرية، عن روعة أن يكون عنوان المرء ملكه يغيره متى شاء، يعطيك درساً مجانياً في فلسفة "الهوملس"، تشكره على المعلومات التي قدمها فيبتسم ابتسامة عريضة، ترى الانشراح يمتد على قسمات وجهه وفي عينيه. تنهي كوب قهوتك، وتعتذر له "تمتع بقهوتك على مهلك، ولكن عليّ الذهاب إلى العمل، سررت بلقائك"، فيبتسم مجدداً ويضع الكوب على الطاولة "أوكي، شكراً" ويرفع يده بكف مقبوضة والإبهام منتصباً للأعلى.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)       Sami_Al-lkilani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يدها الصغيرة-قصة قصيرة
- الشيخ جراح فتح الأبواب
- موعدان-قصة قصيرة
- يلاّ يا تين-قصة قصيرة
- الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة
- أذّن يا خطيب
- يوم مشؤوم-قصة قصيرة
- السيدة وارفة الظلال
- ذليل-قصة قصيرة
- مقعدان-قصة قصيرة
- دفتر المفتشة-قصة قصيرة
- ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة
- ضوء القصيدة-قصة قصيرة
- ما تخافيش-قصة قصيرة
- ثلثي المشاهدة-قصة قصيرة
- انثروا الطيبة-قصة
- عصير ليمون-قصة قصيرة
- عين-قصة قصيرة
- مشاعرة-قصة قصيرة
- وجوه هذا الصباح-قصة


المزيد.....




- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - فاتها القطار-قصة قصيرة