أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - أيّ شاطئ هذا؟قصة قصيرة














المزيد.....

أيّ شاطئ هذا؟قصة قصيرة


سامي الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6995 - 2021 / 8 / 21 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


المدربة تطلب من المتدربين في تمرين الصباح أن يستلقوا على ظهورهم وأن يسترخوا قدر الإمكان. تابع كلماتها بتركيز "تنفس بعمق، تخيل نقطة ضوء تنتقل من إصبع القدم نحو الركبتين وصولاً إلى قمة الرأس، ثم تعود من الرأس إلى إصبع القدم، حيث تكون نقطة الضوء قم بالشدّ والاسترخاء، كل ذلك مع التنفس العميق، شهيق وإبقاء الهواء في الرئة ما استطعت ثم الزفير". فعل ذلك كمتدرب مجتهد.
اعتبر التمرين فرصة ليخرج مع الزفير كل ما كان يزعجه ويسيطر على تفكيره، كان بحاجة لمثل هذا التمرين، سيحاول من خلاله أن يخرج ما يمكن إخراجه من الضغوط التي تتفاعل داخله نتيجة الغضب والقهر بسبب ما تحمله نشرات الأخبار، التي لا يستطيع التوقف عن سماعها، خاصة عندما يكون خارج الوطن. مرّ وقت خاله طويلاً، أصبح تنفسه منتظماً، شهيق عميق يفتح بركة ماء كبيرة تتساقط فيها كتل سوداء، يرتاح وهو يراها تسقط فتمتصها البركة دون أن يتغير لونها، ثم زفير يعمل كمضخة كبيرة تشفط مياه البركة من قعرها مسببة حوامة كبيرة حتى فراغ البركة، فيفرح وهو يرى الكتل السوداء تدور مع الحوامة وتختفي. ثم شهيق عميق تنفتح معه بركة ماء جديدة تتساقط فيها أجسام سوداء أصغر حجماً من سابقاتها. اندمج عميقاً في التمرين.
أيقظه تصفيق المدرّبة، استمع إليها بانتباه تعبيراً عن شكره لها على اختيار التمرين السابق الذي كان مفعوله مريحاً جداً، كان بوده أن يستمر في التمرين ليكسب مزيداً من الاسترخاء، لكنها كانت تطلب من الجميع إنهاء التمرين والجلوس استعداداً للانتقال إلى تمرين آخر.
انتقلت المدرّبة إلى التمرين الثاني. "اغمض عينيك، سواء بقيت جالساً أو أردت أن تستلقي على ظهرك، تخيّل نفسك على الشاطئ، شاطئ من اختيارك، أضف ما تشاء من عناصر، كالرمل، أمواج، سمك، شمس، نسيم، قوارب أشخاص، أي عناصر مكملة تريدها على الشاطئ، ثم ثبّت الصورة النهائية لتحدث المجموعة عنها".
حاول أن يتخيل نفسه على شاطئ محدد، لم يستطع، الذاكرة قاحلة، يحاول استحضار صورة شاطئ لكن الصورة لا تأتي، دوائر زرقاء وخضراء تتراقص في الفضاء أمام عينيه المغمضتين، كتلك التي شاهدها في الصباح الباكر على شاشة الحاسوب وهو يستمع للأغنية التي اختارها، لتناسب استبشاره بصباح جميل، مستقبلاً أول خيوط الشمس التي أشرقت من خلف سلسلة الجبال المكسوة بأشجار الصنوبر. الدوائر الملونة تتراقص ثم تنطفئ فجأة وتتحول إلى سحابات رمادية داكنة. جاهد ما وسعه الأمر للإمساك بطرف خيط في الذاكرة، ليحمي الدوائر الملونة على الأقل من أن تتحول إلى سحابات رمادية داكنة. أعاده التمرين الحالي إلى المربع السابق، الفشل في محاولته تخيّل شاطئ ما نزعت منه ما تركته الأغنية الصباحية وما جاء به التمرين السابق من راحة وانفراج. التمرين الحالي يعيده إلى التفكير بالحرمان الذي يعيشه داخل الوطن، الحرمان الذي لا يخلي سبيله حتى عندما يكون خارجه، الحرمان من الشاطئ صار رمز للحرمان الكبير، الفشل في تخيل نفسه على شاطئ فتح فوقه نافذة واسعة صارت تتساقط منها الكرات السوداء التي تخلص منها في التمرين السابق. حاول الفرار منها، استنجد بالذاكرة، ناشدها أن تبحث عن صورة لشاطئ ليصبح شاطئ أمان من هذا المطر الأسود.
انفرجت بوابة الذاكرة عن صورة ساكنة، صورة فوتوغرافية قديمة، شاطئ ما، أي شاطئ هذا؟ لم يميز الشاطئ في الصورة، كانت صورة طفلته والعائلة على منبسط رملي، الطفلة بلباس سباحة وردي اللون تحمل كرة خفيفة من تلك الكرات التي تنفخ بالفم، لا بد أنه شاطئ رملي. حاول أن يوسع الصورة، أن يكبرها ليظهر الشاطئ، صار أسير الرغبة في معرفة أي شاطئ كان ذلك الشاطئ، أخذ يكبّر الصورة عسى يلمح طرف الشاطئ بشكل أوضح، ليستدل من أي علامة على هوية الشاطئ، كبرت الصورة، انتبه إلى أن الكرة في يد الطفلة قد تنفجر لأن حجمها زاد كثيراً، خشي عليها كما كان يخشى من انفجار البالونات حين ينفخها بطلب من الصغيرة، والكرة تكبر بالنفخ ومعرضة للانفجار.
انتبه للمتدربين وقد وقفوا جميعاً بينما ما زال مستلقياً يحاول التمسك بالصورة والتعرف على الشاطئ، ومن ثم تصغيرها قليلاً خوفاً عليها من الانفجار، خوفاً على ضياع الصورة. استسلم لفشل الذاكرة مؤقتاً، مع نية مبيّتة أن يستمر في محاولة التعرف على الشاطئ، صارت مسألة التعرف على الشاطئ تحدياً للذاكرة. انتبه لحديث المدربة وتعليماتها "بعد استراحة الفطور، أما زال بالإمكان أن نسميه فطوراً؟ بعد الاستراحة سأطلب من كل منكم أن يخبرنا عن صورة الشاطئ الذي زاره كاملة وعن العناصر التي اختارها في الصورة". سأل المدربة: هل هناك تمارين لتنشيط الذاكرة، أريد تثبيت الصورة، لا أريد أن أضيّعها. لم تجبه، لكنها ابتسمت وقالت "سنتحدث عن ذلك في قاعة الطعام أثناء الفطور".



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائر النعاس-قصة قصيرة
- ضباب هنا....ضباب هناك
- محادثة-قصة قصيرة
- في حضرة هذا المشهد
- محطات-قصة قصيرة
- وجه مضيء-قصة قصيرة
- هالة أقلّ-قصة قصيرة
- غريبان وغريب
- نضجت-قصة
- ما الذي يسبح في الهواء
- في حافلة
- سهلة كثير-قصة قصيرة
- كائن مائي-قصة قصيرة
- وعد المدينة-قصة قصيرة
- فاتها القطار-قصة قصيرة
- يدها الصغيرة-قصة قصيرة
- الشيخ جراح فتح الأبواب
- موعدان-قصة قصيرة
- يلاّ يا تين-قصة قصيرة
- الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - أيّ شاطئ هذا؟قصة قصيرة