|
- رَجُلْ - أهم وأجمل وأرقى من الحب قصة قصيرة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 11:52
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة ---------------------- " َرجُلْ " أهم وأجمل وأرقى من الحب ------------------------------------------------------------------ استهلكتك قبلي ..النساء . لم يبق منك شئ ، لألهث وراءه ، لكنني أجد متعة غامضة فى التشبث بك . ذبلت كل ثمارك ، جف ماؤك ، لا شئ فيك يشبع من جوع ،أو يروي من ظمأ . لكنني حول مدارك مسحورة أطوف . تكرر على مسامعي : " أنتِ امرأة تنقصك التجارب ، وأنا لا تستهوينى الا النساء المجربات ، مشغولة بالكتابة ، وأنا أريد امرأة أكون أنا انشغالها ". ترى ، أهذه حجة جديدة تبرر بها غرابة وتناقض تصرفاتك معى " ؟ . أهى طريقة ملتوية ، لتعرف كم من الرجال أحببت قبلك ؟. أم هو أى كلام فى الهواء ، تقوله ، ولست تتوقع أن أحاسبك عليه ؟. فى كل لقاء تقول لي : " ألا تعرفين أننى كاذب محترف ، ممثل بارع ، لست أرى الحياة ، الا لعبة لا تستحق الا السخرية ، ولا تستحق الا الغدر والالتواء ، هذا أسلوبى فى الانتصار على العبث ، واللاجدوى ". وأنا فى كل لقاء أعطيك الرد نفسه : " أنا مثلك ، أدرك اللاجدوى ، والعبث الذى يحاصرنا دون هدنة ، وكم يعذبنى مجيئى الى الحياة دون استشارتى ، لكننى لا أكذب ، وليس من طباعى الغدر والالتواء .. أنا مثلك لا أريد أن تهزمنى اللاجدوى والعبث ، لكننى أحقق هذا بالجدية وعدم التمثيل ". فى آخر لقاء لنا قلت لى : " سأصارحك بالحقيقة ، أنتِ كتاب مفتوح ، أعرف كل شئ عنكِ ، حتى أدق مشاعرك .. وأستطيع أيضا التنبؤ بكل تصرفاتك .. بينما أنا أحب المرأة الغامضة ، المتقلبة ، التى تتحدى عقلى وذكائى ، تربك توقعاتى ، تكذب ادراكى ، وتغضب كبريائى ، وترهق تفكيرى ". أهذا هو الأمر ؟. يا لك من رجل مغرور . لم يعرفني أحد من الرجال الذين تعثرت فى طريقهم . أعترف أنك أكثرهم ذكاء . ولكن حين يأتي الأمر لقرائتى مثل كتاب مفتوح ، والتنبؤ بتصرفاتى ، فإن الرجال سواء ، ويتساوي الأذكياء منهم ، والأغبياء . لستُ كما تقول ، كتابا مفتوحا، سهل القراءة ، تقرأه مرة وانتهى الأمر . لست نظرية منطقية لتفهمها . لستُ معادلة رياضية ، تحلها ، قائلا : " وهو المطلوب اثباته " ، ولستُ قانونا منظبطا ، تستطيع التنبؤ به . قائلا " وهو المطلوب اثباته " . و لست قانونا منضبطا من قوانين الكون ، تستطيع التنبؤ به . إنني أيها المغرور ، الانسانة المستعصية على كل فهم ، والمرأة التى تخذل كل تنبؤ . أنا السائرة وحدي، ضد الطبيعة ، ضد الكون ، وضد البشر، ضد الزمن ، وضد نفسي أحيانا . أنا أكبر معربدة ، وأعظم قديسة ، الشرسة ، المتنمرة ،والوديعة ، الهادئة . أنا الفوضى فى ذروتها ، وأنا التناغم الأقصى . أنا الزاهدة فى كل الأشياء ، وأنا نهم لا شئ يشبعه . أنا التى عاشت ملايين الأزمنة ، وأنا التى مازالت فى رحم الضباب الكثيف ، جنينا غامض التكوين . نعم، أنا كما تقول ، فى غاية الوضوح . لكنه الوضوح غير الممكن بدون اكتمال الغموض . قال لى أحدهم : " كونى أقل وضوحا لأقترب قليلا من فهمك .. هذا الوضوح رمال ناعمة تبتلعنى ". كيف لم تدرك أننى مثل الحياة ، على كل الناس ، تحت وهج الشمس ، ألقى بأسرارى ، وليس لأحد أن يعرف سرا واحدا . أنت تزهو بأنك أخطر دونجوان ، عرفه تاريخ العشق ، بين يديك تتكشف شفرات النساء ، وعلى شفتيك تستسلم أسرار الساحرات . لا بأس . ربما تكون كذلك . لكنك معي وبعد كل لقاء ، لا حيلة أمامك ، الا أن تبدأ من أول السطر ، تخترع أبجدية متجددة تحاورنى بها ، تبتدع جسدا ، لم تره اشتياقات عيونى من قبل . فى آخر لقاء بيننا ، تبدو وكأنك أخذتنى قضية بديهية ، مسلم بها ، مثل شروق الشمس ، أو حتمية الموت . ان كنت تريد أن تخسرنى ، فاستمر فى اعتباري مثل الشمس ، عائدة أبدا الى الشروق . زمثل الموت ، قادم لا محالة . افعل شيئا قبل فوات الأوان . لا أريدك أن تصحو يوما ، وتفاجأ بأننى قد تمردت على المسار المقدر ، أتعبنى الملل من منح الضوء والدفء ، لقلبك المغرور . وقررت دون مقدمات أو انذار ، الاحتجاب والغياب . لا تجعلنا تنتهي ، ونحن بعد لم نبدأ . فى آخر لقاء بيننا .. نجلس ومعنا مجموعة من الاصدقاء ، نساء ورجال يشاركوننا المكان ، والحديث . والهواء . تشعر بالألم ، والمرض قد اختطف وسامتك النادرة ، وابتساماتك الوقورة . رغم نزف روحى ، تمنيت لو أخذت عنك الألم ، ومنحتك العافية والراحة . أتأمل الرجال الاخرين ، وهم يتناقشون ، ويضحكون ، ويأكلون ، ويشربون ، ويصمتون . لا رجل منهم ، يشعل النار فى جسدي ، الا أنت . لا رجل منهم، يستثير دهشتي ، الا أنت . لا رجل منهم ، أحس بالانتماء اليه ، الا أنت . لا رجل منهم ، يثير غضبى ، وثورتى عليه ، الا أنت . كلهم أصحاء ، لا يعانون من الألم ، ومنغصات المرض . لكنهم بالنسبة لى ، بلا ملامح ، بلا مذاق ، بلا روح ، بلا عمق ، بلا وجع ، بلا تحدى . تراكمت فى قلبي الأشواق ، ولا أدرى ماذا أفعل بها . خذها عنى ، وامنحنى قلبا بلا أشواق . كيف لا أشتاق الا حبك ، وقد اعترفت لى ، فى احدى أمسيات العشق المرتبك بيننا ، أنك تحب امرأة أخرى . كانت أمسية رائعة الحنين بيننا . كل شئ حولنا يبدأ بطيئا فى الانسجام ، الضوء الخافت ، الموسيقى الحالمة، وكأسان ممتلئتان بظمأ سنوات العمر . اقتربت مني ، أمسكت يدى ، منذ عرفتك وهي دائمة الارتعاش . قلت لي : " لا أستطيع التمادى معكِ ، أتصور أى شئ الا أن أخدعك ، أو أستغل عواطفك السخية التى تحيطنى من كل جانب . أنتِ تستحقين رجلا أفضل ، وعلاقة أكثر كرما . كنت أود أن أكون ذلك الرجل . لكننى مشغول بامرأة أخرى ، استولت على قلبى منذ سنوات ، امرأة واحدة تفتح عليها شبابى ، وسعت اليها رجولتى المجهضة ، أخذتها الأقدار بعيدا ، اختفت لا أدرى أين ؟. ما زلت مازلت أحبها .. ربما أنتظر عودتها ، ربما تأتى ، وربما لا . لكنها امرأتي ، ولا امرأة سواها ، يمكنها أن تحتل مكانها فى قلبى .. أرجوكِ صدقينى ، أنا قضية خاسرة ، ورجل لا أمل فيه ، وعلاقة محكوم عليها مسبقا ، بالاعدام " . صدمني اعترافك ، لكنني صدقتك ، وشعرت أنك الليلة لا تراوغ ، ولا تختلق الحجج ، ولا تمثل دورا مسرحيا كما عودتنى . لسبب ما، لم يزعجنى أو يغضبنى ، كلامك . على العكس ، وجدتنى مصرة عليك ، مفتونة بك ، أكثر من أى وقت مضى . فى قلبك امرأة اخري ،هي كما اعترفت حبك الأول والأخير. وليكن الأمر هكذا . دعها في قلبك الى الأبد ، وكن وفيا لها حتى آخر العمر . فأنا لا أريد امتلاك قلبك ، ولا أتجرأ على محو ذكرياتك معها . أنت مشغول بأخرى ، تحبها ، تنتظر عودتها ، ما علاقتى أنا بالأمر ؟. أنا لستُ فى حالة حب ، لأغار منها ، وأتمنى لو أخذت مكانها . أنا لا أريد أن أحتل مكان امرأة أخرى . أنا أريد أن أحتل مكانى أنا ، وأنا لست فى حالة حب . حالة لا يمكن اختصارها فى كلمة واحدة ، سهلة ، مقروءة ، مستهلكة ، مثل " الحب " . انها حالة حياة متجددة فى كل لقاء . حياة كاملة من البهجة والمرارة ، واستحالة الأمنيات . حياة تناقض نفسها كل لحظة ، حياة تلغي الحياة ، وتعيدها، كلما التقينا . ما بيننا ، ليس حبا بالتأكيد . فأنت تستحق أهم ، وأرقى ، وأجمل ، من الحب . وأنا قد تجاوزت مرحلة الحب منذ زمن بعيد . دع تلك المرأة فى قلبك كما تشاء . ودعنا فى هدوء ، نكتشف ، ونرتشف ، مذاق الشئ الغريب الذي يجمعنا . أريدك كما أنت ، قضية خاسرة ، ورجلا لا أمل فيه ، وعلاقة محكوم عليها مسبقا بالاعدام . أنا لا أحب الا القضايا الخاسرة . ما الجدوى ، وما الروعة ، وما القيمة ، فى قضية مقدر لها الفوز ؟. أن أريدك أنت ، وأحتملك بنفس راضية ، لهو برهاني الأعظم ، على أننى مستعصية على الفهم ، أخذل التوقعات والتنبؤات ، وأسبح وحدى ضد الدوامات والتيارات . تسألنى : " ماذا تنتظرين من علاقتنا ؟ ". قلت : " لا أنتظر شيئا .. " الأمل " ، بيننا ، كلمة لا معنى ، ولا أهمية لها " .... " الأمل " ، كلمة بيننا لا نقر بها حتي بالخيال " .... " الأمل " ، اثم لا نتحمل اقترافه ، أو التكفير عنه .. اليأس منك ، ومعك ، يجعلنى سعيدة ، فرحة ، طازجة ، متوهجة ، مكتفية ، راضية ". دع " اليأس " ، يكون صديقنا الجميل ، الذى يجمعنا ، ويدعونا الى أمسيات السهر . على أنغامه ، نغنى ، ونرقص ، ونضحك على مصيرنا معا . كل ليلة أشرب " اليأس " من يديك ، أفرط فى الشراب ، حتى أتوه عن نفسى ، وعن الدنيا . لكننى عنك لا أتوه . ما أجمل " اليأس " . هو بيتى أرتاح فيه ، وبين طرقاته المتشابكة أتحرك بحرية ، وفى أمان . ما أجمل " اليأس " معك . هو أستاذى الذى أدبنى ، وهذبنى ، وأخذ بيدى ، الى مشاعر منزهة عن كل غرض ، مترفعة عن كل رغبة ، حررنى من خيبات الأمل ، واغراء التوقعات ، وغدر التمنى . يرن الهاتف . من تعثر وارتعاشات الرنين ، أعرف أنه أنت . تسألني : ماذا تفعلين الليلة ؟ .. قلت : أكتب قصيدة جديدة ... تقول : هل نلتقي الليلة " .... قلت : نلتقي .. طبعا تسألني : ألن أوقف الالهام ، وأعطلك عن الكتابة ؟ ... قلت : " الشِعر يأتينى بلا صعوبة ، والكتابة أعرف أوقات مجيئها .. أما أنت ، " فلا أعرف متى تأتى ، ومتى يروق مزاجك ، ومتى تريد رؤيتى .. معك لا أملك رفاهية الاختيار ". لا أنت تدري ، ولا أنا أعلم ، الى أين تأخذنا الليلة . ربما نسعد ، ونفرح ، ونبتهج . ربما نكتئب ، ربما نصمت . ربما تقتلنى .. ربما أقتلك .. ربما تهرب وتختفى ، وربما نود الانتحار معا ، وتكون ليلتنا الأخيرة . لمِ التساؤل والانشغال ، واليأس ، صديقنا الجميل ، سوف يتكفل بالأمر . --------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
راحلة فى - الخريف - الى حضارة - البحر - و زمن - الماء -
-
الانسان أهم من رأس المال
-
السيد درويش البحر .. اسرار وعنفوان وطزاجة وخلود - البحر-
-
الفقر والمحتل الأجنبى وسُلطات الذكور
-
السنبلة الممتلئة بالقمح
-
القٌبلة اختصار
-
هيا يا مصر افعليها ولا تخافى خفافيش الليل وخفافيش النهار
-
عقليات وأخلاق بعض أصحاب التعليقات على الكُتاب والكاتبات
-
أربع قصائد
-
كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى
-
قصة حب ترقص على ايقاعات المستحيل
-
أسلمة أوروبا وخدعة فصل الدين عن الدولة
-
قصيدة ما أحتاج اليه
-
تدوس على الخطوط الحمراء ولا تشرب من كوكتيلات الترقيع
-
السيطرة على - ألم البشر والسيطرة على - حرية - البشر
-
قصيدة نختبئ تحت الغطاء
-
ثلاث قصائد
-
- أسلمة - الموجة الحارة بضاعة فاسدة قاربت على الافلاس
-
أديب يكتب لنا من تحت التراب
-
3 أغسطس ... ميلاد رجل يفرحنى
المزيد.....
-
تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة
...
-
الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد
...
-
من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع
...
-
أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
-
السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
-
هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش
...
-
التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
-
الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
-
تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير
...
-
سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|