تأريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958- 1968(2-2)

عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 7021 - 2021 / 9 / 16 - 01:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

وأيضا ما قدمه بابا علي الشيخ محمود وزير المواصلات والاشغال، في أول حكومة الثورة وكان السفير البريطاني همفري تريفيليان قد أجرى مقابلة مع الوزير المذكور في اليوم الأول من كانون الثاني 1959، وكانت مليئة بالأفتراءات والكذب لم تثبت في حياة الزعيم قاسم بإدارة الصراع الطبقي صحته، قال بابا علي: "...ان قاسم ذكي وقاس ومدع وكاذب وشاذ يتعرض لنوبات عصبية تفقده السيطرة ولا ينام ولا يستمع لأحد وأحياناً لا يلتقى وزرائه لعدة اسابيع وأنه لا ينجز أي شيء وأنه يريد أن يجعل العراق دولة شيوعية ويرغب في كسب نواب الضباط والجنود ليعملوا ضد ضباطهم. وأنه يقوم الأن بتشكيل الفرقة الخامسة مستهدفاً أن يجعلها قوة تحت سيطرة الشيوعيين. وجزم بابا علي بشيوعية عبد الكريم قاسم ودعا كل من الأمريكان والبريطانيين وبصراحة للعمل بسرعة وإلا فانهم سوف يرون دولة شيوعية تنشأ في العراق... ".
ويستمر هذا المسلسل من الاكاذيب حتى ذكر سام فول السكرتير الشرقي في السفارة البريطانية في تقرير له يوم 24 أيلول (من عام 1959 - الناصري) "... انصعق الشيخ محمد رضا الشبيبي ودهش من هول الصدمة التي آلمت به بسبب تنفيذ الاعدامات (للمتآمرين مع مؤامرة الشواف، وبخاصة ناظم الطبقجلي ورفعت سري - الناصري) وقد وصف قاسم بعبارات تتسم بصرامة شديدة كأرهابي، مجنون، ودكتاتوري شيوعي، ولا يسانده اللآن إلا الشيوعيون والعناصر المنحطة من البرولتاريا الغوغائية... ".( التوكيد منا- الناصري).
ويسكت المنقحان ومؤلفوا الموسوعة عندما تكلم عبد السلام عارف في حضور جمال عبد الناصر، وقال: "... سأله عبد الناصر ما عسى أن يكون مصير عبد الكريم قاسم إذا تم الانضمام؟؟ فكان جواب عبد السلام سريعاً وحازما (سيكون مصيره مصير اللواء محمد نجيب... )" هذا الجملة مقطوعة عن سياقها.
في حين ينقل د. علي كريم سعيد بالقول: "... حدثني د. مبدر الويس أن عبد الحميد السراج كان قد أخبره شخصياً في القاهرة بأن عبد السلام عارف عندما جاء إلى دمشق وتحدث مع عبد الناصر أن أهمية قيام وحدة اندماجية فورية، قال أنه سيقتل عبد الكريم قاسم (بطلقة واحدة) إذا عارض قيامها، وهنا قاطعه جمال عبد الناصر، قائلاً: لا يا أخ عبد السلام، هذا كلام لا يجوز، لأنه زميلك ورئيسك، ويجب أن يتم كل شيء معه عن الطريق الحوار والاقناع. وكان السراج حاضراً المقابلة بين الرجلين والتي ضمت العقيلي وصديق شنشل وآخرين. فسمع قاسم بالأمر (دون ملاحظة عبد الناصر) مكوناً فكرة عن المستوى الأخلاقي للسياسة المتداولة، خصوصاً وأن الثورة ما زالت لم تفرغ من أحتفالها بالنصر، ولم تتضح بعد التوجهات بداخلها ولم يبدأ الحوار معها حتى يستبدل بالتخطيط السري ضدها.
ونتيجة لذلك قامت العدواة بين قاسم وناصر بالواسطة، عداوة عن بعد، فلم يلتق الرجلان ويستمعا لبعضهما حتى يختلفا. وبدلا من الاعتذار شحنت الحكومة المصرية بصورة سرية إذاعة وأسلحة وأموال إلى ضباط الموصل بهدف قلب الوضع في بغداد، وشارك بالعملية عبد المجيد فريد وطلعت صدقي ومحمد محمود يوسف والملحق العسكري العقيد عبد المجيد فهمي الذي كان حلقة الوصل بين الضباط وعبد الحميد السراج الذي يتصل بناصر مباشرة... ".
وبهذا فقدان الموضوعية والدقة، وتفريغ مواقفهم السياسية والايديولوجية في الموسوعة؟ يدلل على عدم الموضوعية وهذه الحقد الأسود على سياسة الزعيم قاسم وإدارته للصراع الاجتماعي بإبعاده السياسية والاجتماعية والاخلاقية في البلد الأصعب من حيث التكوينات الدينية والمذهبية والأثنية، وما مبرره؟؟ وأن البعد الايديولوجية يسرى مفعوله في هذا الحقد؟ والدفاع المستميت عن التيار القوماني المحبذ للانقلابية العسكرية، كما ذلك سابقاً، والمتعاونة مع المراكز الرأسمالية وبالتحديد بريطانيا والولايات المتحدة ووجمهورية العربية المتحدة (مصر الناصرية)، وبالتالي يعيدون وضع العراق وسياسته المصيرية في ايدي القوى الاجنبية التي كانت التحرر من هذه الايدي من أهداف السياسية التي حققتها ثورة 14 تموز ؟ خلافاً لمبادئهم المعلنة، إذا كانت لديهم مثل هذه المبادئ؟
وكذلك ما له علاقة في بيان الإبادة رقم 13، المذاع في التاسعة وعشرين دقيقة ليلاً من يوم انقلاب 8 شباط عام 1963، حيث لم يذكروه في الجزء السادس، هذا البيان الغير اخلاقي والغير سياسي والذي يحبذ على إبادة الشيوعيين وحلفاؤهم من القاسميين والتقدميين، والذي كتبه طالب شبيب وزير خارجية حكومة الانقلاب كما صرح بذلك حازم جواد ، لأن الشيوعيون حملة فكر سياسي وفلسفي مخالف لما يعتقنه حزب البعث وحكومته الانقلابية، وتم تجاهله من مؤلفي موسوعة تاريخ الوزارات في العهد الجمهوري، وعدم تحليله وتأثيره السلبي على المجتمع العراقي بإعتباره مَثَل ماهية فلسفة السلطة الجديدة، وبخاصة محاربة الفكر الاشتراكي وقواه التقدمية وبالتحديد الحزب الشيوعي العراقي، وهذا ينطبق على ما يقوله علي صالح السعدي {نحن جئنا بقطار أمريكي} وخرجنا بقطار بريطاني، كما يقول نايف حواتمة، ويأتي مؤلفوا الكتاب ليساهموا في إخفاء مثل هذه الجريمة بالمفهومين القانوني والسياسي وايضا بالمفهوم الاخلاقي والجمالي والفلسفي كتجليات للوعي الاجتماعي .
ويعارض هذه الفكرة السفيرعبد الستارالدوري ويقول:"...وكانت ضمن هذا التداعيات الكلامية المنفلتة وغير المستقرة والمتفجر من انفعلات عصبية وذهنية مخمورة لحديث صاحبنا علي السعدي أنه أطلق العنان لضوابط خياله ولسانه ومزاجه وصارخا (إننا في سلطة 8 شباط لن نكن نعلم بأننا جئنا بقطار أمريكي!!). وكما جاء إنفجار هذه التهمة الشنيعة والخطيرة لصحبنا السعدي وسط غرفة الضيوف للدكتور لطفي الخولي، فإنها وعلى يبدو بمثابة محاولة إستعراضية بائسة قام بها علي السعدي لغرض التنفس الذاتيعن مكنونات الحقد والكراهية لحزب البعث... ". فات صديقنا الدوري أنه في حالة السكر تنطلق النفس من حبيس أسرارها وتتكلم بالصدق الصافي.
واصبح انقلاب 8 شباط 1963 واحداً من أكبر النكسات في تأريخ العراق المعاصر:
- فالإنقلاب بالمعيار الأخلاقي.. سبة تأريخية وإنتهاك للذات العراقية الجمعية والفردية ؛
- وبمعيار التطور.. إرتداد إلى الوراء وانتكاسة للقوى العراقوية ؛
- وبالمعيار السياسية العودة إلى التسلطية المتمذهبة، والعودة الى تحكم الغرب في السياسة العراقية الداخلية والخارجية ؛
- وبالمعيار الجمالي هو القبح في ذاته ؛
- وبالمعيار البنائي هو التهديم والانحطاط ؛
- وبالمعيار الاجتماعي هو تفكيك إلى المنظومة الأسرية وللبنية الاجتماثقافية ؛
- وبالمعيار التوحيدي/ السياسي هو الانغلاق على الحزب الواحد دون بقية الأحزاب .

الهوامش:
14- المصدر السابق، ج. 2، ص. 61.
15 - المصدر السابق، ج. 3، ص. 271. وهذا ما كان يردده أحمد فوزي في كتابه (قصة عبد الكريم كاملةً)، دار الكتاب العربي بمصر في صص 189-222، حول أرتبطات قاسم ببريطانيا حيث يقول: "... نحاول الكشف في هذا الفصل عن نقيضة جديدة أخرى في السياسية القاسمية.. ذلك هو ارتباط قاسم بالغرب وقيامه بكل ما من شأنه أن يحفظ مصالح الغرب عموما وبريطانيا بصورة خاصة... ودور قاسم في توطيد دعائم السياسية البريطانية في العراق...". إلى آخر من الأراء الفاقدة للموضوعية والامانة العلمية، والخاسر الأكبر هي بريطانيا من جراء ثورة 14 تموز. وهذا ما يردده الزعيم المتقاعد خليل إبراهيم حسين في موسوعته عن 14 تموز، حيث انكر ارسال برقية إلى جمال عبد الناصر وقد أعطاها مصدر آخر هو السفارة البريطانية وهذا كذب وإفتراء. ومضمون البرقية المرسلة في 18 تموز 1958، يقول فيها : "... سيذهب في الوقت المناسب لإعلان ولائه لسيادة الرئيس وتجنيد نفسه وضباطه تحت أمر سيادته.. وأن تكتيك الحركة حالياً ينحصر في المنادة بالعروبة والوحدة بشكل عام، حتى يستتب الأمر نهائياً، وان الزعيم عبد الكريم لا يستطيع الوقوف في وجه هذه الفكرة، وقد يضطر(عبد السلام) في أي وقت إلى التخلص منه (عبد الكريم) وإن كان يعتقد أنه سيخضع له في النهاية ..." ذات الصفحة. وقد أكد صحة أرسال هذه البرقية صديق شنشل في مقابلة شخصية مع المؤلف (قحطان الحمداني) في 24/2/ 1976. راجع السياسة الخارجية العراقية من 14تموز1958إلى 8 شباط 1963، مكتبة مدبولي،2008، القاهرة.ص. 128-129. بعد أن نكلل البعثيين بصديق شنشل، وبعد أن تبرع بمبلغ من المال من أجل اسقاط حكومة الزعيم قاسم في عام 1962. وكل ذلك ما كتبه أحمد فوزي سيتراجع عام 1989 عن كل هذه الترهات.
15 - تأريخ الوزارات في العهد الجمهوري، الجزء الأول، ص. 331، مصدر سابق.
16- عراق 8 شباط 1963، من حوار المفاهيم إلى حوار الدم، مراجعة في ذاكرة طالب شبيب، الكنوز الأدبية، بيروت 1999، ص. 283. ويؤكد ذلك إسماعيل العارف في مذكراته فإشار: "... إلى جعبة العتاد التي كان يحملها في حزامه مع المسدس وقال أنه (لا يساوي واحدة من هذا). ولا يمكن الجزم بصحة هذه المحاورة ولكن المعلومات التي وصلت إلى عبد الكريم قاسم أكدت له ذلك ... وان الزعيم عبد الكريم قاسم لا يستطيع الوقوف في وجه الفكرة (فكرة الوحدة الاندماجية مع العربية المتحدة- الناصري) وقد يضطر إلى التخلص منه...". إسماعيل العارف، اسرار ثورة 14 تموز وتاسيس الجمهورية في العراق، ص.371، دار النشر لانا ، لندن 1986.
17- يذكر أن السفير الأمريكي، كان يوعز إلى حردان التكريتي، بإعتقال القادة الشيوعيين الكبار منهم على وجه الخصوص؟؟ هذا ما ذكره د. حميد عبد الله، في برنامجه، تلك الأيام، بأسم: اعتقالات بأوامر السفير الأمريكي بعد أسقاط عبد الكريم قاسم.
18- نص البيان: نظراً لقيام الشيوعيين عملاء وشركاء عبد الكريم قاسم في تعاونه بمحاولات يائسة لإحداث البلبلة بين صفوف الشعب وعدم الانصياع للأوامر والتعلميات الرسمية. وعليه تقرر تخويل القطعات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي بإبادة كل من يتصدى للإخلال بالأمن. وإننا ندعو جميع أبناء الشعب المخلصين بالتعاون مع السلطة الوطنية بلإرشاد عن هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم.
العقيد رشيد مصلح التكريتي
الحاكم العسكري العام
19 - حازم جواد، يتذكر، حوار مع غسان شربل، نشر في جريدة الحياة في شباط 2004، لندن. وتم طبعه في بغداد بعنوان مذكرات حازم جواد الرجل الذي قاد البعث العراقي إلى السلطة في عام 1963،ص. 154، بغداد، دار النشر وتاريخه بلا.
20 - راجع كتابنا،عبد الكريم قاسم في يومه الأخير، في ثلاثة أجزاء،ج. 2، ص.299، دار الحصاد، دمشق 2015.
22- عبد الستار الدوري، أوراق عتيقة من حزب البعث، ج. الأول، ص.313، المؤسسة العربية للدارسات والنشر، بيروت 2014.

#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات