|
تنويعات على لحن الصمت العربى
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7015 - 2021 / 9 / 10 - 00:12
المحور:
حقوق الانسان
----------------------------------- دائماً كنت أتساءل ، عن لا مبالاة الغالبية فى مجتمعاتنا ، أو عزوفها عن المشاركة الفعلية فى الحياة السياسية . ومن ناحية أخرى ، نجد أن المجتمع بجميع مؤسساته خاصة الإعلام المقروء ، والمرئى ، والمسموع ، يتنافس فى إبراز ضرورة وأهمية هذه المشاركة للرجال والنساء والشباب . كلام كثير يُقال دائما ، عن دلالات المشاركة فى تجديد مسار الحياة السياسية ، فـ " صوت المواطن أمانة " ، فى أى عملية انتخابية . وهو ليس مجرد حقاً من الحقوق يتمتع به كل مواطن ، وإنما هو أيضاً " واجب وطنى " ، أو " واجب قومى " . المشاركة الانتخابية ، تأكيد للإنتماء للوطن، وتدعيم للحقوق المدنية ،وترسيخ لمبدأ الديمقراطية. وهى أيضا ، مشاركة فعالة لتشكيل المستقبل ، وتغيير الحاضر ، وتحقيق الأمنيات ، والأحلام. وأصبح الحديث عن امتلاك بطاقة انتخابية ، كالحديث عن امتلاك بطاقة شخصية تثبت الوجود ، وتؤكد الهوية ، وترسم خريطة الحقوق والواجبات . وتمادى البعض ووصف موقف السلبية من الانتخابات ، بأنه " تقصير قومى " ، و " خيانة وطنية " ، و " إضرار بالديمقراطية " ، و " إفساد للتنمية " ، و " ضرب للإنتماء " ، و " لا مبالاة بمصير الأمة والشعب ". لا أحد بالطبع يمكنه أن ينكر الأهمية العظيمة ، والدلالات الإيجابية ، لمشاركة الناس ، فى الحياة السياسية ، هذا من الناحية النظرية . ولكن للواقع دائماً ، خاصة فى مجتمعاتنا العربية ، وضعاً آخر ، بل مناقضاً فى أغلب الأحيان. تتصور مجتمعاتنا العربية ، أن المواطن العربى الذى يعيش حالة مزمنة ، ممتدة المفعول من القهر والسلبية ، سوف يستيقظ صباح يوم الانتخابات ، يوم المشاركة السياسية ، وقد امتلأ فجأة بروح الحرية والإيجابية. تتصور مجتمعاتنا العربية ، أن المشاركة السياسية هى كالعضو الشيطانى ، الذى ينبت فجأة ، عضو شيطانى لا أصل له ، ولا جذور ، يهاجم الجسد العربى . ولأنه " شيطانى " ، فلابد أن يكون غريباً ، عن كل ما تربى عليه المواطن العربى ، ومنفصلاً عن التربة الأم. منذ الميلاد ، وحتى الموت ، يعيش المواطن العربى حالات متنوعة ، متدرجة من " الصمت " الفكرى والسياسى والاجتماعى . تعتمد التنشئة الاجتماعية العربية ، على مبدأ " الطاعة " ، و " الموافقة " ، و " الاستسلام " . توضع بذور هذه الأسس ، فى البيت الذى يضمن خلق المواطن المشابه للآخرين ، المطيع لأوامر ونواهى الكبار فى الأسرة والعائلة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والعمل والحزب والبرلمان والنشاط العام. إن " عدم المشاركة " ، وليس المشاركة ، هو المبدأ الذى تستهدفه آليات ، وقيم التنشئة فى البيت العربى الصغير ، ألا وهو الأسرة ، والتى هى نواة البيت العربى الكبير ألا وهى الدولة. إن الطاعة ، وعدم التساؤل ، وعدم النقاش ، والتقليد ، هى " الفضائل " الكبرى التى يجب أن يتمتع بها الأطفال فى الأسرة ، وكذلك المواطنون فى الدولة. والعكس هو الصحيح ؛ إن التمرد والتساؤل والنقاش والإبداع ، هى " الرذائل " الكبرى التى لا يجب أن يتصف بها الأطفال فى الأسرة ، وكذلك المواطنون فى الدولة ، بالطبع هناك ، مكافأة للفضائل ، وهناك عقاب للرذائل . تنسى مجتمعاتنا العربية ، أن المشاركة السياسية التى تطلبها من المواطنين هى عملية مستمرة متجددة ، لابد أن تبدأ منذ الطفولة فى الأسرة . و تنسى مجتمعاتنا العربية أن المشاركة السياسية فى أى مجتمع ديمقراطى ، هى امتداد طبيعى لجميع أنواع المشاركات الفكرية ، بدءاً بالبيت وعلى جميع المستويات وفى كل مراحل العمر. كيف يمكن للمواطن العربى الذى منذ ولادته ، لا يقول رأيه فى أى شىء ، يتحول فى يوم وليلة ، إلى مشارك بالرأى ؟ . كيف للمواطن العربى الذى يعيش فى مجتمعات تحجب الآراء الحرة ، المستقلة ، أو تهمشها ، أو تنبذها ، أن يتمتع برأى حر مستقل ؟. كيف فى موسم الانتخابات فقط ، يتنافس الإعلام بكل وسائله ، وتتبارى الأقلام ، فى مدح الحرية ، بينما يقول لنا الواقع ، أن الإنسان الحر فى المجتمع العربى ، إنسان هو بالضرورة فريد من نوعه ، لا يشكل ظاهرة ، ومحكوم عليه بالبقاء فى الظل ، لا يؤثر فى مجريات الأمور العامة ، وصنع القرار على جميع المستويات. إن الواقع العربى الذى نعيشه جميعاً ، منذ سنوات طويلة ، ومنذ الميلاد وحتى الموت ، رواية مكتوبة لنا سلفاً ، و" الخروج عن النص " مكروه ومحظور. ان المشاركة السياسية التى نطلبها ، كبداية للإصلاح السياسى فى مجتمعاتنا ، هى نتيجة تلقائية ، طبيعية ، للمواطن والمواطنة التى تربت و تشجعت وكوفئت على " الخروج عن النص " فى كل مراحل العمر ، وعلى جميع مستويات العمل ، والنشاط والحركة. إذا كنا حقاً نتطلع إلى الإصلاح السياسى ، حيث الكثير من التحديات الداخلية والخارخية ، فعلينا أن نبدأ البداية السليمة ، وبدونها تتعثر التجربة الديمقراطية. علينا أن نكسر منظومة القهر التى تصاحبنا منذ الميلاد وحتى الموت ، علينا أن نعيد صياغة علاقتنا بالحرية . فمازلنا رغم كلامنا الجميل عن الحرية ، لا نحولها إلى ثقافة حياتية معاشة . علينا أن نعى أن المشاركة السياسية ، ليست فقط فرصة عابرة ، لتشكيل حياة سياسية جديدة . ولكنها أيضاً فرصة ، لتشكيل عقل عربى جديد ينبذ ميراث الكبت ، والقهر والخوف ، والصمت . إن كسر منظومة القهر ، وخلق مناخ الحرية الحقيقية ، هو الضمان الأوحد الراسخ لديمقراطية ممتدة فى جميع أمور الحياة ، وليس فقط فى المشاركة السياسية. السماء ، لا تمطر مواطناً حراً له ، رأى حر فى موسم الانتخابات . المواطن ذو الرأى الحر ، ثمرة تجنيها الشعوب التى تتنفس الحرية ، مثل الهواء . هواء يتنفسه الجميع دون تفرقة ، وليس مجرد شعار أو لافتة ، من لافتات الدعاية السياسية.
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
-
أقراص فياجرا أم صواريخ كاتيوشا !
-
غيبوبة لكل مواطن
-
أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟
-
مجمع الفقه الإسلامى و - زواج الفريند -
-
عقول ذكورية فى أثواب نسائية
-
- مختل - عقليا .. - محتل عقليا - نقطة واحدة فرق لكنها بحجم
...
-
تحطيم الفاصل التعسفي المضلل بين -الخاص- و -العام-
المزيد.....
-
مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف
...
-
مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
-
اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو
...
-
مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي
...
-
مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
-
ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد
...
-
الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
-
-الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في
...
-
الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد
...
-
مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|