|
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7011 - 2021 / 9 / 6 - 00:01
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
" أمى " وأنا فى مجتمع ذكورى --------------------------------------- فى صباح أحد أيام الشتاء ، شعرت الأم بالمخاض ، لقد حانت اللحظة الحرجة والحاسمة. منذ اكتشافها للحَمْل ، وسؤال واحد يلح عليها يزورها فى اليقظة وفى المنام ، تحاول إبعاده وإزاحته عن عقلها ، مرات ومرات تحاول التهرب منه ولكنه يصر على ملاحقتها ومهاجمتها . ماذا لو كان المولود بنتاً ؟ . قالت لها ابنتها الكبرى ، وهى فى حالة انفعال وغضب : " لو كان المولود بنتاً فأنتِ لا تستحقين الحياة " . شعرت الأم بالدوار ، سقطت مغشياً عليها ، أفاقت بعد وقت قصير ، تحسست جسدها ، أدركت أنها مازالت حية ، ارتعشت ، انقبضت ملامح وجهها ، وراحت فى نوية بكاء طويل . ست بنات ليس بينهم ولد واحد . هل هو عقاب من الله على ذنب لم تفعله ؟ . هل هو عيب أو نقص فيها ، يجعلها تلد الإناث دون الذكور ؟؟. ابنتها تفضل لها الموت ، على أن تلد أنثى أخرى ، فماذا عن الزوج ؟! ، وماذا عن الأقارب والجيران وأهل القرية جميعاً ؟! . إنها تغرق فى بحر من الخوف ، تأخذها أمواجه وتقذف بها نحو القاع ، تحتاج إلى إنقاذ ، لا أحد يستطيع انتشالها من هوة السقوط . لا الدعوات إلى الله ، ولا الإنسان ، ولا الملائكة والشيطان . الكل يقف عاجزاً مقيداً ، فقط ذلك القادم المنتظر ، الذى يتلهفون إلى رؤيته ، ويشتاقون إلى لمسه والتبرك بحضرته ، هو فقط ، القادر على انقاذها . انكشفت اللحظة الحاسمة ، تبدد الظلام ، أطلت الشمس برأسها ، كانت على موعد ، مع إطلالة رأس الوليد المخلص المنتظر ، " الذكر " الذى هو أنا . هذه القصة كانت تحكيها لى أمى ، من حين لآخر ، كى تشعرنى بالتميز. تأملوا معى ماذا فعلت بقدومى إلى الحياة ؟ . آسف لم أحسن التعبير ، سأعيد صياغة السؤال ، ماذا فعل جنسى " الذكرى " عند قدومى إلى هذه الحياة ؟ . أثبت براءة أمى من وصمة عار إنجاب الإناث. حقق حلم الأب فى وجود طفل " ذكر" ، يفترض أنه سيفتخر به أمام الناس ، يمد نسله ، ويحيي سيرته ، وبعد الموت يرثه ويأخذ العزاء . ، لن يكون أبى بعد ذلك شجرة بلا فروع. تم انقاذ أمى من ألسنة الناس ، وبدلا من الجو العام المترقب فى حزن ، تحول الى فرح ، وسرور ، وزهو . عندما كبرت وأصبحت أعى ، وأدرك ، أن مولدى كان حدثاً ذكورياً ، قد يفتح لى باب التميز على مصراعيه ، إلا أننى لم أشعر بسعادة لهذا التميز . ببساطة ، لأن تميزى لا يعود إلى أفعالى التى أقوم بها بإرادتى الحرة الواعية ، ولا يرجع إلى ماهية شخصيتى بكل ما حققت من نجاح أو فشل ، نتيجة تفاعلى مع هذه الحياة . وإنما يرجع إلى جنسى ، الى كونى " ذكراً " وليس أنثى . إنه تميز زائف وليس حقيقياً. كيف أسعد بشىء لم يكن لى يد فى اختياره ؟؟. وكذلك أخواتى البنات ، لماذا ينظر إليهن ، على إنهن أدنى مِنى ، على شىء لم يخترنه ؟؟. لماذا تكون الذكورة مدعاة للفخر ، والأنوثة مدعاة للفضيحة والخجل ؟؟. إنه منطق المجتمع الذكورى ، الذى يفرق بين الأخ وأخته ، بين الزوج وزوجته ، بين المرأة والرجل. وأنا تلميذ فى المدرسة الابتدائية ، كنت ألاحظ أن زملائى يخجلون من ذكر أسماء أمهاتهم ، فيتكتمون عليه ويخفونه ، ولا يفعلون ذلك عند ذكر اسم الأب ، وكنت أخجل مثلهم ، ولم أكن أعرف لماذا ؟ . لكننى كنت أتساءل لماذا أخجل من اسم أمى ، وهى لا تقل عن أبى ، ولا أرى فيها أى عيب يدعونى إلى هذه الخجل ؟؟. منذ الصغر ، كنت أرى أزواجاً يضربون زوجاتهم ، وكثيراً ما تسلل إلى سمعى ، من البيوت المجاورة فى القرية ، صراخ زوجات يُضربن . بعض أخواتى كن يتعرضن أيضاً للضرب ، كنت أرى السحجات والجروح ظاهرة على وجوههن وأجسادهن ، كان أهل الزوجة يتغاضون عن هذا العنف ، ودائماً ما يغفرون للزوج فعلته ، وقد تُدان الزوجة فى أغلب الأحيان . لاحظت أن أغلب أشكال السباب والشتائم ، تدور حول جسد المرأة ، وخاصة ما يتعلق بأعضائها الجنسية . وتساءلت لماذا هذا الهوس بجسد المرأة ، لماذا التحقير بجسدها و بأعضائها ، والرجال فى مجتمعاتنا الذكورية يتهافتون ويسيل لعابهم ، على هذا الجسد ؟؟؟. عندما كبرت ، وأصبحت أعى مدى الظلم الواقع على المرأة ، منذ الميلاد وحتى الموت ، تجسدت أمامى كل أشكال التفرقة التى صنعها المجتمع الذكورى . تفرقة تقوم على الإزدواجية الأخلاقية والقهر والخوف والكبت والكذب وغياب الحرية . أدركت أننى أعيش فى المكان الخطأ ، حيث المسرح اليومى لرواية ذكورية أبطالها السادة الرجال ، آما النساء فأدوارهن هامشية. وأدركت أعيش مع الناس الخطأ – رجالاً ونساءً – حيث تعشش فى عقولهن هذه الأفكار الذكورية ، ويسلكون وفقاً لها منذ اليقظة وحتى المنام ، منذ الميلاد وحتى الموت ، ويتآلفون ويتعايشون معها ، كأنها من الثوابت التى لا يجب المساس بها . دائماً كنت أشعر بالاندهاش ، حينما أرى أغلب النساء يستدمجن القيم الذكورية ، ويدافعن عنها باستماتة ، وفخر . لم أعد أنخدع بنساء يتقلدن أعلى المناصب ، فلو فتشت فى رؤسهن ، لوجدتهن ذكوريين أكثر من الرجال أنفسهم . بالرغم من سيادة القيم الذكورية فى مجتمعنا ، إلا أن هناك منْ ينكر وجودها . من أجل ذلك ، آثرت أن أعدد بعض السلوكيات النابعة من هذه القيم ، المتداخلة فى كل أزماتنا ، ومشكلاتنا ، وأمراضنا الاجتماعية : - الرجل الذى يقيم شرف المرأة ليس بصدقها ، ولكن بامتلاكها لغشاء البكارة . - الرجل الذى يعتقد بأن المرأة خُلقت بطبيعتها لأعمال ، وهو خُلق للعمل خارج المنزل . - الرجل الذى يؤمن بقوامته على المرأة لمجرد أنه ينفق . - افتخار الرجل بعلاقاته الجنسية قبل الزواج ، وعدم قبوله بل رفضه الزواج من أى امرأة ، يعرف أنها فعلت السلوك نفسه الذى فعله . - تفضيل الرجل للزواج بامرأة أقل وأدنى منه ، وهروبه من المرأة التى تكون نداً له ، فى المنصب والطموح ، أو تفوقه . - الرجل الذى يتباهى بعلاقاته مع نساء يصفهن بالمتحررات ، وعندما يقرر الزواج يختار امرأة منغلقة مطيعة وخاضعة . - الزواج حينما يتحول إلى شكل من أشكال الدعارة المقنعة . - التسامح فى حالة خيانة الزوج لزوجته ووصفها بالنزوة ، أما خيانة المرأة لزوجها ، فهى جريمة لا تغتفر والتى تستحق عليها القتل ، استردادا للشرف . - المجتمع الذى ينصب من البًواب ، وذكور الحى ، والجيران ، رقباء على سلوكيات النساء . - إدانة المجتمع للنساء المطلقات ، والمرأة التى لم تتزوج ووصفها بالعانس ، أو " البيت الوقف " . - الإيمان بأن جسد المرأة عورة ، لذا يجب تغطيته وستره ، خوفاً من إثارة الرجال وفتنتهم . إن المجتمع الذى تترسخ فى عقل رجاله ونسائه ، هذه القيم الفاسدة ، هو مجتمع مريض ، مختل ، معوج ، يستحق العلاج ، ويستحق الشفقة . يقهر المرأة ، ويشوه صورة الرجل ، فالقاهر والمقهور ، كلاهما معتل . قيم مزيفة ، تدمر إنسانية الإنسان . كيف أسمح لنفسى أن أكون أنا الواجهة والمرأة هى الخلفية ، أنا الصوت وهى الصدى ، أنا القًوام وهى المطيعة ، أنا القائد وهى التابعة ، أنا الأقرب للكمال وهى الناقصة . لأننى أحترم عقلى .. لأننى أنحاز إلى إنسانيتى .. كان رفضى وتمردى ، منذ سنوات طويلة ، على هذا العالم الذكورى ، المقزز . من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002 ---------------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
-
اطعام فقراء مصر من فضلات القمامة
-
افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب
-
أقراص فياجرا أم صواريخ كاتيوشا !
-
غيبوبة لكل مواطن
-
أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟
-
مجمع الفقه الإسلامى و - زواج الفريند -
-
عقول ذكورية فى أثواب نسائية
-
- مختل - عقليا .. - محتل عقليا - نقطة واحدة فرق لكنها بحجم
...
-
تحطيم الفاصل التعسفي المضلل بين -الخاص- و -العام-
المزيد.....
-
“800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم
...
-
البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
-
مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة
...
-
“سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف
...
-
إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى
...
-
هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
-
اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر
...
-
“الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت
...
-
جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
-
لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو
...
المزيد.....
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
-
الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم
...
/ سلمى وجيران
-
المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست
...
/ ألينا ساجد
-
اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019
/ طيبة علي
-
الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1]
/ إلهام مانع
المزيد.....
|