محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 6983 - 2021 / 8 / 9 - 11:16
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
كنت أعتقد أننى سأقرأ نقداً رصيناً ، يصدر عن إنسان قد عَرًف نفسه بأنه أكاديمى متخصص فى الفلسفة والأديان . لكن من الوهلة الأولى ، خاب ظنى حيث أن ما جاء فى مقال د. عبد الله البهنساوى ، بصدد الموضوع الذى طرحته د. منى حلمى ، المتعلق بالانتساب إلى الأب والأم معاً ، ليس نقدا من قريب أو من بعيد. بل هو مجموعة من الشتائم المسفة ، وكم من المغالطات التى يغلفها سوء الفهم ، والانفعال الممتزج بالعصبية ، التى قد تصل إلى الهستيريا المرضية، وعدد من الأكاذيب الفجة ، التى تحط من قدر كاتبها أكثر مما تدعو إلى احترامه.
نَصب كاتب المقال من نفسه ، محللا نفسياً ، يُقيم ، ويصدر الأحكام ويصف معارضيه بالمرض النفسى ، وعقدة النقص ، دون أن يكون لديه الحد الأدنى من المعرفة الدقيقة .
وأنا أسأله هل قرأت كل مؤلفات د. منى حلمى ؟ . أو بعضا منها ؟؟. أشك فى أنك قد قرأت لها مقالاً واحداً . وإن كنت قد قرأته ، فلا شك عندى ، أنك بهذه العقلية أحادية الفهم ، قد استعصى عليك فهم ما تعنيه أو تقصده . ومثال على ذلك الفهم المشوش ، لاحدى العبارات التى كتبتها د . منى حلمى :
" كانت أحلامى صعبة ، غريبة ، بل مستحيلة " . إن هذه العبارة بداية القضية ، التى أثارتها د. منى ، فى ثوب أدبى رفيع . إن جماليات الأدب تحتاج إلى متذوق مرهف الحس ، رفيع المستوى ، وهذا ما أعتقد أن البهنساوى يفتقده.
لقد وردت هذه العبارة ، فى سياق يربطها بما بعدها ، فتعمد الكاتب ألا يذكر هذا الارتباط ويتجاهله ، مثل " لا تقربوا الصلاة " ، لكى يمارس نوعا من تشويه الناس ، ويحمل هذه العبارة ما لا تحتمله. لقد تجرأ وفعل ثلاثة أخطاء دفعة واحدة . الأول ، أنه أعطى لنفسه الحق ، فى أن يفسر أحلام الكاتبة بالتطلعات . والثانى ، أنه أصدر حكماً بأن هذه التطلعات للكاتبة ، أكبر من إمكانياتها . والثالث ، أن منْ تكون تطلعاته أكبر من إمكانياته ، يتصف بعدم السواء النفسى .
ما هذا العقل المشوه المرتبك غير المنظم ؟؟. ما هذا القفز من مقدمات هى من صنع خيال الكاتب المريض ، إلى نتائج تعد حججاً ، على القصور الفكرى والعقلى لهذا الكاتب ؟. إن الأحلام ليست هى الأحلام ، بالشكل الحرفى الذى فهمه . ومع ومع ذلك فإن أحلام اليقظة ، كميكانيزم دفاع ، ليست كلها سلبية على إطلاقها . بل قد تكون فى حالات معينة ، دافعة إلى التفوق والتميز.
إن كاتب المقال لم يستفد من دراسته للفلسفة ، بل أساء إليها . فأحكامه تفتقد إلى العقل والأدلة المنطقية ، التى تتسم بها الفلسفة ، وقفز من مقدمات خاطئة إلى نتائج أكثر خطأ . لم يتحر الدقة ، وانفعاله الشديد ، جرفه إلى التسرع ، وهى الأوليات التى يحذر الفكر الفلسفى من الوقوع فيها .
لقد اندهشت من وصف نفسه ، بالأكاديمى الدارس للفلسفة والأديان . فلم أعثر على فكر رجل كان من المفترض أن يفكر ، ويتعامل مع القضايا المطروحة بعقلية فلسفية عميقة . قد يكون حاملاً لشهادة الفلسفة ، ولكنه أبداً لم يتمثلها ويعيها ويفهمها.
يقول البهنساوى فى مقاله ، أن السيد/ حلمى ، كان قاسياً على نوال
السعداوى الأم ، ومنى حلمى الابنة . وأتساءل ، أنت لا تعرفهما شخصيا ، فمن أين جئت بهذه المعلومة ؟ . هل قالت د. نوال ذلك ؟ . هل قالت د. منى ذلك ؟ . لقد قرأت كل مؤلفاتهما ، ولم أقرأ مثل هذا الكلام ، وأتحداك أن تجد فيما كتبتهما ، هذا المعنى . لماذا تتقول على الناس بما لم يقرلوه ؟ . لماذا التشويه بافتراءات عارية من الصحة ؟ . إن الأمر لم يعد تهجماً ، بل تجاوز ذلك إلى الكذب ، وتزييف الحقائق ، والتحريض العلنى .
لماذا تكذب يا د. بهنساوى ؟ . أمن أجل قضية ، تختلف فيها مع الأخرين تشوه وتزيف الحقيقة ؟ . هل هذه هى الأخلاق ، التى يجب أن يتحلى بها أكاديمى مثلك !!؟؟.
إن كاتب المقال يخشى على المبادىء الأخلاقية ، من أن تحطمها فكرة كالتى طرحتها د. منى حلمى ، وهى الانتساب الى الأب والأم معا . وأنا أتساءل هل هذه المبادىء هى من الهشاشة ، إلى درجة أن الأخلاق البشرية ستقع وتتحطم من مجرد طرح فكرة كهذه ؟؟. وأيه مبادىء تلك التى تخاف على تحطيمها ؟. هل هى المبادىء السائدة فى عالمنا الآن ، التى تكرس للازدواجية الأخلاقية ، وتكيل بمكيالين بين الدول والبشر ؟ ، حيث هناك أخلاق للرجال و أخرى للنساء ، أخلاق للأغنياء وأخرى للفقراء ، هل هذه هى الأخلاق البشرية السوية ؟ . هل تشعر أنك ترفل فى ظل المبادىء الأخلاقية السوية ؟ ، هل تغار حقاً على قيم كالحق والخير والجمال ، والعدل والمساواة بين البشر وبين الرجل والمرأة ؟ . هل تمارس هذه القيم الأخلاقية مع نفسك فى عملك ، وفى علاقتك مع أسرتك فى بيتك ؟ . أتمنى ألا تكون أسيراً للازدواجية الأخلاقية ، و ألا تزايد علينا بأسم الأخلاق والدين والفضيلة.
يقول البهنساوى ، ردا على فكرة د . منى حلمى ، إننا لم نسمع عن رجل أو امرأة ، تنتسب لأمها . أولا ، هنا يتضح الافتراء ، حيث أن د . منى قالت بانتساب الانسان الى الأب والأم معا ، وليس للأم فقط . ثانيا ، إن كنت لم تسمع عن النسب للأم ، فهذه مشكلتك أنت . إن كثيرا من بلدان أمريكا الجنوبية وافريقيا وبعض دول أوروبا ، يدعون بأسماء أمهاتهم ، وواحد مثل خوسيه لويس رودريجيز ثباتيرو، رئيس وزراء أسبانيا ، دائم الفخر والاعتزاز ، فى كل المناسبات ، أنه يأخذ نسبه من جدته لأمه .
وفى التراث العربى الأسلامى الذى تنتمى اليه ، نجد أسماء لأكثر من خمسة عشر من الرجال ، الذين كان لهم مكانتهم فى هذا المجتمع ، ينتسبون إلى أمهاتهم ، أعتقد أنك قد سمعت عن ابن تيمية ، الذى ينتسب الى امرأة ، هى جدته ، التى قيل أنها كانت واعظة معروفة ، فنُسب اليها .
ان مقولة " الإنسان عدو لما يجهله" ، تنطبق على د. البهنساوى ، فهو يزعم أن الانتساب إلى الأب ، هو من الثوابت الدينية الاسلامية . لكنه ليس الا عادة من قبيل العادات والتقاليد الموروثة ، كما أكد عدد من المتحدثين من خلفية اسلامية ، مثل جمال البنا ، حينما سألوه عن القضية . ألا يعرف أن العادات والتقاليد تتغير وتتبدل مع الزمن ، فلماذا هذا التعصب ، والجمود العقلى ، وسوء النية ، والتمسح بالثوابت ؟.
إن البهنساوى ليست لديه أى فكرة عن قضية المرأة ، ومع ذلك فهو يدلى بدلوه فيما يجهله ولا يعرفه. وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإن لديه مفاهيم مشوشة عن الذكورة والأنوثة . هو يعتقد اعتقادا جازما ، أن الذكورة تعنى الخشونة ، والأنوثة تعنى النعومة ، وأن الذكورة هى غلبة الهرمونات الذكورية فى تكوين الرجل ، وأن الأنوثة هى زيادة هرمونات الأنثوية .
إن الذكورة التى تعنيها د. منى حلمى ، فى مقالها عن الانتساب الى الأب
والأم معا ، لا ترتبط بنوع ، وعدد الهرمونات ، كما يقول البهنساوى . لكنها سيطرة الأفكار ، والآراء المتخلفة ، التى تعشش فى عقل الرجل ، وتفرق بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات ، وتفرض الوصاية على المرأة بحجة حمايتها لأنها أنثى ناعمة ضعيفة ، بينما الهدف هو امتلاكها . هناك رجال بلا ذكورة ، وهناك نساء بذكورة . القضية ثقافية دينية اجتماعية ، وسياسية ، وليست " هرمونية " ، يا د . بهنساوى .
إن سوء الفهم المتعمد ، التى يمارسها البهنساوى ، جعلته أيضا ، يكذب ، زاعما ، أن هذه فكرة للإبقاء على اسم الأم ، والتخلص من اسم الأب ، فيقول ساخرا : " أسف على ذكر لقبك بحلمى ، ومن الآن وصاعدا ، سأدعوكِ بمنى نوال " .
كما تمادى بالتريقة على رجلين أيدا هذه الدعوة ، وظهرا فى برنامج فضائى اسمه العاشرة مساء ، مع صاحبة الفكرة ، د . منى . الأول هو الطبيب د . أحمد عبد الجليل ( تخصص عيون ) والذى قال : " أمى اسمها حكمت ، وأعتز أن يكون اسمى أحمد حكمت عبد الجليل ". والثانى ، هو كاتب هذه السطور ، وقلت : " أمى اسمها عزيزة ، ويشرفنى أن يكون اسمى محمد عزيزة فتوح ".
وأقول للبهنساوى ، اذا كنت تعتبر أن اقتران اسمك باسم أمك ، الى جانب اسم أبيك ، عارا ، تتجنبه ، وتقذفه بالشتائم ، فهو بالنسبة الينا ، ولكثير من البشر ، رجالا ، ونساء ، شرف ، وهنيئا لك أنت بالنسب الأبوى الواحدى .
هذه الفكرة نشرتها د . منى ، بتاريخ 18 مارس 2006 ، فى مقالها الأسبوعى ، بمجلة روزاليوسف ، وأوضحت أن الهدية المختلفة ، التى تقدمها لأمها ، فى عيد الأم ، هى أن تحمل اسمها ، وكان اسم المقال " من اليوم سأحمل اسم أمى " ، الامضاء " منى نوال حلمى ".
بسبب هذا المقال ، رُفعت قضية " انكار المعلوم من الدين بالضرورة " ، ضد د . منى حلمى ، من أحد المحامين والذى كان متخصصا فى قضايا البغاء ، ومتربصا بأى فكرة تنويرية ، يسانده اعلام ذكورى متأسلم ، نساء ، ورجالا .
فى يناير 2007 ، استمعت النيابة الى أقوال د . منى حلمى ، وقد تطوع للدفاع عنها المحامى حمدى الأسيوطى .
فى أكتوبر من العام نفسه ، 2007 ، كسبت د . منى القضية ، وتم حفظ التحقيق .
من كتاب أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ 2007
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟