أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وسيم بنيان - صلاح حسن قربان التاريخ















المزيد.....

صلاح حسن قربان التاريخ


وسيم بنيان

الحوار المتمدن-العدد: 7004 - 2021 / 8 / 30 - 16:10
المحور: الادب والفن
    


نحو جهة مجهولة التضاريس، خارج ببوصلة عاطلة بنصف بنطال ازرق وفانلة عابثة اللون والشكل مع حقيبة جلدية صغيرة تدور معه على دراجته الهوائية وكأنه شاهد على بقايا الطوفان الأخير.. اذا رآه الأطفال ابتسموا على الفور واقتربوا منه حيث يقرئون على جبينه أنا صديقكم. يطلب منه أحدهم أن يسمعه شعر الخمائل طفلا أخر يرجوه أن يلقي كوكووتوتو في الروضة، فتاة تتوسله أن يقص عليهم ايتانا والنسر لكن "الويسكي" يفرض عليه سطوته ويتلاعب بمزاجه المتقلب الطقس فيقص عليهم أخيرا الشيطان والأيام السبعة ليواصل بعدها سيره بقامته القصيرة التي تدل كل هيأتها على الصفعة وعلى عبث وأوهام مدندنا بأغنية قديمة عن السهول. جحظت عيناه حيث الأرق كان من اعز أصدقائه في بلده، ولم يعرف النوم في اللغة ألا جنبيه بمهجرة. يسير الراقص لا تعنيه الأيام السبعة فهي من نصيب الأسبوعين أما هو فلديه ثامن أيام الأسبوع وليذهب الأسبوع كله ألا الجحيم فهو المحذوف في عدم اتضاح العبارة والمهم لديه أن يبقى محافظا عن السر عن حب في اوروك، هو وحده يعرف قصته. انه قربان التاريخ تحفة أثرية ونسخة أصيلة نجت من التشويه والتعديل لتظل طبيعية بنسبه مئوية شاهدة على أيام الخراب الصدامي في الماضي كاتبه كل دمار الاحتلال الأمريكي في الحاضر على صفحه جلدها، بين رعب ألامس الذي اخفت لهب العقل ورعب اليوم الذي أحاله إلى رماد النفط. لازال صلاح حسن يكتب وكتابه (قربان التاريخ العراق من لهب العقل إلى رماد النفط *) هو كتاب متعلق بأدب الرحلات المعروف والشائع مند القدم، نطالعه عند ابن جبير الذي كتب عن أيام رحلته مرورا إلى كل الكتب المؤلفة في هذا الشأن والتي كان منها -بخصوص العراق تحديدا- كتاب (جمعة يعود من بلاده) والجمعة سابع أيام الأسبوع لكن (قربان التاريخ) هو اليوم الثامن بكل جداره. فالكتاب على رغم صغره مليء بالتجديد والتشويق وهو شاهد مختصر ومكثف لفصول الدمار الذي شهده العراق من مؤامرات إطفاء لهب العقل التي مارسها صدام وأعوانه وصولا إلى رماد النفط الذي احرق به الأمريكان كل الشعب العراقي المنكوب. ورغم كل الدمار قديما وحديثا لم تجد شعرية الكاتب صعوبة في خلق اجوا الدعابة والطرافة في مجمل هدا الخراب والشقاء فصاغ يراعه بأسلوب شيق وطريف مفردات ضريفة فمع (جان دمو) وهو أحد قراصنة العرق نجد كلمته النابية والأثيرة التي يقرنها جان دائما باسم صدام. ومع أهل الجنوب يختم الكتاب بأسئلة حملها أحد المقيمين إلى هولندا بعد أن عاد من العراق، كان منها سؤال عن النساء في هولندا وهل هن محتشمات أم هدد مثل نساءهم.. كان هذا هو السؤال الأخير في الاسئله الثلاثة التي وضعت في الخاتمة فجاءت وكأنها تحفة فنيه كوميدية. وفي بداية الكتاب في الرحلة من عمان إلى الحدود تحديدا يستعرض الكاتب الأسئلة الموجهة له من الركاب الذين ثاروا في البداية حينما تناول جرعه "ويسكي" وبعد أن عرفوا بقصته وبأنه لم يدخل إلى بلده منذ أحد عشر عاما هدءوا واخذوا يوجهون له الأسئلة والملاحظات. كان أطرفها حينما اخبر الركاب بأن "الهولنديين" يعيشون على الجبن والورد فقال له رجل كبير منهم (استاد أنصحك نصيحة الوجه الله لا تخبر أحدا بهذه التفاصيل لأنهم سيقولون عنك المعذرة كذاب، يا جبن يا ورد نحن لدينا نفط العالم كله ولم نشبع حتى من الخبز يبدو أن الخمرة آثرت على ذاكرتك.) خارج هذه الطرائف وبعضها القليل نطالع كتابا رصينا ومحكما وهادئ العبارة على رغم فوضى الأحوال اللاهبة والمصائب الطافحة. فبعد المقدمة المختصرة عن الموقع الجغرافي للعراق وتعداد سكانه وتوزيعهم العرقي والمذهبي والطائفي يستفتح الكتاب بلحظة غير غريبة ولا منسية ولا مجهولة لاكثر العراقيين، أنها لحظه سقوط الدكتاتور لحظة كان اكثر العراقيين في الداخل والخارج يسألون ربهم أن يحفظ حياتهم لكي يشاهدوها فقط وليحدث لهم بعدها ما يحدث. أنها في حسابات الزمن لحظة ثانية دقيقة في أطول الأحوال لكنها في حسابات العراقيين وحسابات التاريخ 35 عاما من الجهل والتخلف والدمار والعذاب والعزل الكامل عن كل تفاصيل الحياة والثقافة والتحضر، أعواما مغبرة اختنق فيها العراقيين بسموم القتل والتنكيل والإبادة. لحظة بإمكان أي عراقي أن يخبرنا بقصة طويلة تتعدى الساعات حدثت له شخصيا في تلك اللحظة التي يجب أن نسميها بؤرة عميقة امتصت الزمن واختزلته. ولو هيأ لها أن تتقيأ لنفثت سنين مظلمة شعواء وكل واحد تختلف قصة لحظته تلك عن الآخر. وكم كان الكاتب موفقا ودقيقا في أن يبتدئ كتابة من تلك اللحظة بالذات، التي أصابت عينيه بتشوش وعمى مؤقت وبدأت أجفانه ترتجف بسرعة حتى انه لم يستطع أن يرى المشهد جيدا فهرع إلى المطبخ وغسل وجهة بماء بارد وعاد مسرعا إلى شاشة التلفاز. كانت مشاعره ملتبسة تماما لم يكن سعيدا ولا حزينا بل كان مرتبكا وتوقف إحساسه بالزمن وشعر بحالة من انعدام التوازن ولم يستطع التنفس بسهولة حسب قصته عن إرهاصات تلك اللحظة. بعدها يتحدث عن الكابوس الذي لازم العراقيين المنفيين في زمن صدام ثم تبدأ رحلة العودة إلى المجهول وهو العنوان الذي اختاره الكاتب ليعبر من خلاله عن واقع العراق، فلا يوجد اسم آخر يصلح لان يطلقه عليه سوى المجهول. ومن الفلوجة يبدأ واصفا الجحيم والخراب مرورا إلى قرى بابل التي تسكن في إحداها عائلته فيصف الدمار الذي تتعرض له تلك المدينة التاريخية بسبب وجود قاعدة أمريكية فيها. وبعد أن يمهد لدمار الاحتلال يستعرض دمار عصابات الشوارع التي تتعكز على ذلك الدمار ملخصا القتل والخراب والتدمير والتدمير المنمق الذي يضعه تحت عنوان( شعارات) مكررا العنوان ثلاث مرات. حيث الشعارات الأولى تصف كيف كان صدام يستغل كل الإمكانات من اجل أن يكون حاضرا في كل مكان. فلا تخلو ساحة أو شارع من صورة أو تمثال له، والشعارات الثانية هي من نصيب المتندرين بها فوق ركام الخراب وهم يسخرون من الطاغية. والشعارات الثالثة للأحزاب وأنصارهم المتكاثرون كثرة الأنقاض والقمامة التي ملأت العراق. ينتقل بعدها إلى الانتفاضة الشعبية والمقابر الجماعية التي لم يصدقها أحد حينما كتب عنها الكاتب مقالا في أحد الصحف بتاريخ 1993 تحت عنوان (ليل وجرا فات وقبور جماعية) وهكذا يأخذك الكتاب في جولة مختصرة لتتعرف على معاناة العراق من أيام صدام ألي أيام الاحتلال. وتمر خلال فصوله على معلومات وتفاصيل كثيرة ويبدوا أن الكاتب لم يهمل أي شيء بدءا من صدام وعصابته والأمريكان ودمارهم والإرهاب والعصابات والأحزاب وأساليبها المخزية. مرورا إلى الشخصيات المهمة التي آثرت في العراق سلبا أو إيجابا. كما لا ينسى الكاتب متابعة اللاجئين العراقيين في سوريا والأردن كالشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي وآخرين. ويصف معاناة التهريب البشري الذي كان يضطر أليه المهجرون خارج العراق لأخراج عوائلهم ويشير إلى أنموذج من الطريقة التي كان اكثر المطلوبين في داخل العراق وخارجه يتحدثون بها مع عوائلهم ومعارفهم باستخدام شفرة متفق عليها مسبقا. حيث أن خطوط الاتصالات كانت مراقبة والرسائل أيضا غير مأمونة. ولا يهمل الكاتب إن يدلي برأيه في أهم الأسباب التي أدت لاندلاع الحرب على العراق حيث يمهد للفصل الخاص بالإجابة عن هدا السؤال بعنوان كتبه الايرلندي "جوز يف كليفورد" في جريدة "الايريش تايمز" عنوان المقال (انه النفط يا غبي) ثم يختم الكتاب في الفصل السادس والأخير بالتركيز على الكنوز الحضارية العراقية التي دمرت خلال الحرب وكيفية تدميرها ومن الذي كان وراء كل ذلك .



*الكتاب من منشورات مؤسسة المنتدى العربي في هولندا، عام 2007، الطبعة الأولى . وقد أهداني الشاعر مشكورا نسخة منه .



#وسيم_بنيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع هتلر:النسخة الصهيونية
- كلمتان عاجلتان:الى محور المقاومة
- عن الشبكة ومواقع اللاتواصل والمواقع والتطبيقات العربية
- صمويل بيكيت:رحلة في مدارات خربة
- ماكرون قاتل المدرس الفرنسي
- عسل الجنون
- ما وراء الشعر وقبله6
- تركيا واذربيجان وفرنسا ولبنان
- هوية ليسية
- ما وراء الشعر وقبله5
- مخطوطة صهيونية تطبع لأول مرة
- ما وراء الشعر وقبله4
- ما وراء الشعر وقبله3
- مراوغة السيمياء : قراءة في كتابة قراءة
- عاجل الى اردوغان
- للقدس في مأتم الدجال
- ما وراء الشعر وقبله2
- العينات الادبية وجدلية النهايات
- ما وراء الشعر وقبله
- سريالية واقعية لدونالد ترامب


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وسيم بنيان - صلاح حسن قربان التاريخ