أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل ياسين - اوجاع الوردة. الفصل التاسع















المزيد.....

اوجاع الوردة. الفصل التاسع


نبيل ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:35
المحور: الادب والفن
    



الفصل التاسع
البحث عن بابل
لم تكن الشمس قد اشرقت بعد ،في نيسان ذلك العام , عام 1970 حين وصلنا الى بابل . كان اسد بابل مايزال رابضا على تلك المرأة المنطرحة تحته ، فاتحة ساقيها باستسلام الصخر العنيد . وعلى مبعدة صغيرة ، كانت تلك الاطلال التي تلوح لبقايا معبد مردوخ والقصر الملكي . لم تكن هناك جنائن معلقة . كما ان البشر قد صمتوا الى الابد في برج بابل الذي لغطت فيه الالسنة من جميع الاراضي والبقاع .وقال المسعودي في مروج الذهب لقد سميت بابل لان الالسن قد تبلبلت بها.والمسعودي من اهل بابل وهو يعتبرها سرة الارض وانقى بقعة ,هواءً وطبيعةً. وحده شبح نبوخذ نصر يدور في الدهاليز ، بينما حكمة حمورابي وشرائعه ماتزال تنعكس على طابوق الجدران التي ظلت قائمة حتى الآن منذ اكثر من ثلاثة آلاف عام . هنا مر بشر كثيرون ، بحثوا عن غلالة سرير نوم الملك ، ملك جميع الاصقاع ،الذي كان يدعو في طقوس الوزاج المقدس ان يجري الماء في دجلة والفرات, وان ينمو الرشاد والخس والريحان وتكثر الغلال. كما بحثوا عن صولجان العرش المرمي في مكان ما ، هنا ، تحت اكوام التراب والحجارة التي راكمتها الحقب والازمان. باب عشتار كان مايزال قائما ومفتوحا للعشاق والباحثين عن خلودهم في اللذة والجنس والخصب المتجدد . كانت الثيران تغطي الجدران ، الثيران والافاعي ، الرمزان اللذان ظلا يظهران في طقوس واحلام وتعبير سكان بلاد الرافدين . في نومهم وفي يقظتهم . رمزان يجددان القوة والحرث والتجدد والصحة والباطنية . يجددان نعومة وملامسة الانثى وقوة وخشونة الفحولة التي تحرث ارض الانثى منذ صلوات انانا في قصائد المعابد السومرية التي مجدت الحياة والولادة حتى اصبح مصير البلاد وقدرها يدوران على كرة على قرن ثور. . كان معي ، في رحلتي تلك كامل , الاخرس , الذي نطق وتكلم وكتب ورسم ونحت وزخرف بطريقته الخاصة. كنت اشرح له طقوس الاسلاف . كان يحدق وهو يسمع شروحي التي تصاحبها حركات الايدي. كنت المعبر عن رؤياه وكلماته في العائلة . كنت لسانه الذي عجز عن النطق منذ يوم ولادته . وكلما اراد ان يصل الى الآخرين هرع اليَ ليعبر على لساني اليهم . كنت اشرحه وكإنه قاموس اعجمي . كنت اترجمه وهو لغة مقفلة افتح بابها عبر الهام لا اعرف من اين أتاني . ربما من مرافقته الطويلة وسننا المتقارب حيث كان يكبرني بخمسة ايام . وحين اصبح يتيما جاء الى امي وعاش معي. معنا . ذهب الى المدرسة وتعلم القراءة والكتابة . صار يرسم . وتعلم الانجليزية وحده . وكانت له نكاته الخاصة ، الذكية ، الجارحة احيانا . وكان من الطبيعي ان يضحك عليها قبل الآخرين الذين ترتسم معالم الدهشة على وجوههم ولا يصدقون ان في الامر نكتة ، لكن نكاته الذكية اللماحة كانت تجبرهم على الضحك والاعجاب بذكائه الحاد حال ترجمتي لهم اياها . كان انيقا ، وسيما ، وشجاعا يفقد حدود الخوف في غالب الاحيان . كان ، في صباه مرهوب الجانب حقا لانه كان يغير على خصومه مهما كثروا غارة تملأ صرختها قلوبهم بالفزع حالما يطلقها مثل خوار ثور هائج.لم يكونوا يفهمون محتوى تلك الصرخة المفزعة التي اشتهر بها والتي صارت تعريفا له مرادفا لاسمه. كان يهجم وهو يصيح مثل بركان منفجر: يَعْ يَعْ .ولكنه حين كبر صار يسخر من صرخته وهو يتذكرها ضاحكا ويعجب كيف اصبحت حروفها تعبيرا عنه.ربما كانت تكرارا لصرخة: لا, لا. ظل معي طويلا . كنا نذهب احيانا الى الحقول معا وهو يحمل كاميرا ليصور الطبيعة ونحن في وسطها. وكنا نذهب احيانا الى السينما وخاصة سينمات مثل الوطني والرشيد والشعب وبرودواي في شارع الرشيد والسندباد في شارع السعدون وريجنت في الصالحية .في طفولتنا شاهدنا افلام طرزان سوية وافلام هرقل في سينما روكسي وريكس ، وافلاما فكاهية مثل لوريل وهاردي وكان يرج صالة السينما بقهقاته في كل مشهد كوميدي. وكنت احيانا انتبه لضحكاته قبل الاخرين, وافكر انه ربما يحس المشهد غريزيا قبلنا جميعا, فكنا نضحك حقا بعده بقليل حين يكتمل المشهد الكوميدي. حين انهى معهد الامل للصم والبكم, الذي احب الزعيم عبد الكريم قاسم بسببه لان الزعيم زارهم في المعهد ولبى بعض متطلباتهم, ظل ضائعا لايعرف ان يتخلص من ذلك الضجر الطويل الذي كان ينتابه بينما اكون انا في المدرسة . ولم يكن امامنا الا ان نلحقه بنجار لم يكن بعيدا عن المنزل.وتحددت حياته منذ تلك اللحظة ليصبح واحدا من امهر النجارين واكثرهم عناية بفنهم. ظل كامل يدور معي في خرائب بابل وباب عشتار في طواف سري عن برج بابل الذي ضاع الى الابد وتبلبلت به الالسنة من جميع البقاع والاصقاع . لم يكن هناك زوار او سواح . وفي مفارقة تبدو وكأنها سباق مع الزمن والصمت كنت اشرح لكامل تاريخنا البشري الطويل وهو يضرب حجر اسد بابل بيده ليختبر صلابته. ما كان لي ان اكف النظر والتحديق الى ذلك الطابوق المفخور الذي بدا بعضه قديما حقا ، وكنت المس ثلاثة آلاف عام من التاريخ وثلاثة آلاف عام من جلد الزمن الصلد . هنا عاش اجدادي وهنا ماتوا . وضفة الفرات القريبة هي نفسها تستقبل بنخيلها جريان الماء الابدي. لم يكن الغزاة غريبين عن هذي البلاد العامرة التي كانت تستهوي الغزاة الجائعين الضائعين في البوادي والفيافي اليابسة والجبال الجرداء . هرعت حشود الغزاة الى بلاد الرافدين التي كانت عامرة بقصور الملوك ومعابد الآلهة ومراكب التجار ومواكب الكهنة واعناق نسائها مزينة بقلائد الذهب ومعاصمهن باساور الياقوت، واسواقها مترعة بالقمح و التمر والشعير ، وارضها مشقوقة من رأسها حتى قدميها بطعنتي نهرين يفيضان على السهل الرسوبي العظيم , الذي خلق للمياه الها وللرعد الها وللرعي الها والقى بذراعيه على قدمي الآلهة الممتدتين من الشمال الى الجنوب لحراسة بلاد, كأنها منذ بدء الخليقة حتى اليوم, جوهرة تاج الممالك الارضية التي غنت لها الكاهنة في الزواج المقدس في معبد الآلهة في الوركاء, بينما الملك يقف في حيزوم سفينته القادمة من اور وهي تمخر مياه الفرات محملة بالقرابين والهدايا, وجماهير اور والوركاء ونفر واريدو محتشدة على الضفتين ، بينما العروس - الكاهنة قد اغتسلت وطيبت جسدها بالمسك وفمها بالعنبر واكتحلت وارتدت اجمل ثيابها وزينتها: ايها العريس ، عزيز انت على قلبي لذيذ وصالك ، حلو كالشهد ايها العريس دعني اقبلك فقبلتي حلوة الذ من الشهد ايها العريس ، تعال وبت عندنا حتى الفجر ويأخذ كاهن البلاد الملك من يديه ويقوده الى حضن عشتار مخاطبا اياها: عسى ان يستمتع سيدي الذي دعوتيه الى قلبك بايام طويلة في حجرك المقدس وعسى ان تمنحيه حكما صالحا وممجدا وتاجا مستديما واكليلا يرفع الرأس وتمنحيه - من حيث تشرق الشمس الى حيث تغرب الشمس من الجنوب الى الشمال ومن البحر العلوي الى البحر السفلي وعلى كل بلاد سومر واكد - العصا والصولجان وعسى ان يرعى الناس حيث استوطنوا ويجعل الحقول منتجة مثلما يفعل الفلاح وعسى ان يكثّر حظائر الاغنام كالراعي الامين وان ينمو الزرع ويكثر الحَبَّ في ظل حكمه وعسى ان تجعل الملكة المقدسة للزرع من الحب اكواما مكدسة وان ينمو الخس والرشاد عاليا في الحقول وان تأتي مياه كثيرة الى دجلة والفرات وعلى ضفافيهما عسى ان ينبت العشب عاليا وتكتسي المروج
نص مسماري عن طقوس الزواج المقدس ( من عهد الملك شو - سين بداية الالف الثالثة قبل الميلاد)
تلك كانت غاية ذلك الزواج المقدس : خصب البلاد واتراع دجلة والفرات بالمياه وضمان غلة وادي الرافدين وتعميم الرخاء . لكن هذا الزواج فتح شهية وشهوة الغزاة من كل حدب وصوب . وكانت بابل ترمز لانتصارها بالاسد الرابض على المرأة ، والذي وضع في مدخل المدينة التي لم يبق من شوارعها ومعابدها وحدائقها المعلقة وقصور ملوكها الا ركام هنا وهناك غبّره الزمن برمال البادية القريبة ، ولم يبق منه سوى صرخة ذلك المعذب الذي كان بطل قصيدة(العدالة الالهية) البابلية التي تبقت من زمن بابل المهدم. انه يصرخ: العدالة الآلهية
اين الناصح الذي اقص عليه عذابي؟
او ذلك الرجل الذي قال في القصيدة البابلية الشهيرة ، قصيدة (لامتدحن رب الحكمة):
لقد تخلى عني الهي واختفى
وهاانذا ابحث عمن اقص عليه عذابي بعد ان تخلى عني الهي واختفى وتركني وحيدا اواصل البحث عن بابل.



#نبيل_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن زمن مضى
- اوجاع الوردة-الفصل الثامن
- وردة قانا
- أوجاع الوردة - الفصل السابع
- اوجاع الوردة-الفصل السادس
- اوجاع الوردة- الفصل الخامس
- يحدث في العراق الان
- اوجاع الوردة-الفصل الرابع
- اوجاع الوردة-الفصل الثالث
- اوجاع الوردة -الفصل الثاني
- اوجاع الوردة
- قصائد من طقوس الى الابد
- التعددية الثقافية شرط الديمقراطية
- البيت
- احلام واوهام الثقافة العراقية
- مستقبل الثقافة في العراق
- موقف الدول العربية من الارهاب في العراق
- حدثني يا ابتي
- الديمقراطية في الفكر الغربي
- ربع قرن من العزلة


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل ياسين - اوجاع الوردة. الفصل التاسع