أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نبيل ياسين - التعددية الثقافية شرط الديمقراطية















المزيد.....


التعددية الثقافية شرط الديمقراطية


نبيل ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نحن بحاجة إلى رؤية نقدية ضد الارهاب والتحريم الفكري
محاولة محفوفة بالمخاطر لنقد التجربة الثقافية العراقية(المقال الثالث)

نعالج اليوم في هذا المقال موضوعا غاية في البساطة الشكلية, وغاية في التعقيد في محتواه: التعددية شرط من شروط الديمقراطية. هذه الاطروحة النظرية تصطدم مع الواقع في مواجهات عنيفة. ولتسهيل العرض ساقسم الحديث على محاور اولا : في حديثنا عن التعددية ، على مستوى الفكر ، سنقول ان التعددية نتاج التنوير والعلمانية , وظهور الدستور كمرجعية حقوقية لممارسة السلطة وتراجع اطروحة الحق الالهي في الحكم . وتطور عملية التنوير انما هو تاريخ الصراع ضد الشمولية والواحدية المطلقة سواء كانت دينية ام وضعية. اما على المستوي الاجتماعي فهي نتاج تنافس قوى اجتماعية في السوق والمجتمع ينافي اطروحة دكتاتورية الطبقة الواحدة سواء في المجتمع الاشتراكي او في المجتمع الرأسمالي الذي يمكن ، في مراحل معينة ، ان تتولى طبقة واحدة فرض الدكتاتورية الاجتماعية والسياسية علي المجتمع. وعلى المستوى السياسي فالتعددية نتاج عقد اجتماعي بين مختلف مستويات الدولة والمجتمع ، الدولة كممثلة لقيادة التوازن بين القوى السياسية والاجتماعية الوطنية او القومية تعكس سلطتهم من خلال اختيارهم . وهذا احد فروق الدولة عن السلطة. فالتعددي كعقد تعني قبول الاخر وقبول كل طرف لجميع الاطراف في ظل سيادة القانون. التعددية على المستوى الثقافي تقوم على الحداثة . فلا حداثة بدون تعددية . لان الحداثة تعبير عن تجاوز الثبات الزمكاني الذي تحاول الشموليات تكريسه . وهذا مظهر من مظاهر اسلوب الانتاج الاسيوي الذي اتسم بالركود علي مستوي التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية, بسبب الحاجة إلى مركزية الدولة وقدرتها على السيطرة والتوجيه, وبالتالي قدرتها على التحكم في سير العمليات الاجتماعية والاقتصادية, وهو مايشكل تمايزا عن التشكيلات الاجتماعية –الاقتصادية الخمس التي اتصفت بها اوروبا.
وحين نقول ان التعددية الثقافية تعبير عن الحداثة فاننا نعني انها التعبير الذي يشكل انتقالا في الاطوار الاجتماعية التي تخلق اشكال واسليب ومضامين تعبيرها. من هنا يمكن القول ان تطبيقات الواقعية الاشتراكية في الادب والفن مثلا ، رغم انجازاتها الاولى ، كانت منعا للحداثة من التحقق في المجتمعات الاشتراكية من خلال قرارات واجراءات سياسية وضغط ايديولوجي. بهذا المعنى تتحقق التعددية الثقافية كونها عملية نقدية شاملة. وهي لا تتحقق من طرف واحد وانما من طرف لآخرومن خلال اشتراك حميع الاطراف. وبتحقيق العملية النقدية تتحقق التعددية. وشرط التعددية الثقافية مرتهن بشرط بروز ظاهرة التنوير كاتجاه في الثقافة والفكر . وبروز ظاهرة التنوير مرتهن بتوفر شروط تفكك الشمولية. وتفكك الشمولية مرتهن ببروز مؤسسات المجتمع المدني ومنها مؤسسة الثقافة كمؤسسة مدنية . لكن هذا يظل اطارا نظريا. دعونا ننظر الى ثقافة مجتمع ما وهو المجتمع العراقي. لا يمكن معالجة ثقافة المجتمع العراقي بدون الاشارة الى دور الدولة الحاسم في العمليات الاجتماعية والاقتصادية , وانعكاس ذلك على البناء الفوقي السياسي والحقوقي والثقافي .
كانت هيبة الدولة وماتزال امرا مرتبطا بهيمنتها الاقتصادية والثقافية. والسلطة في العراق لا تقود الدولة دون هذه الهيمنة التي تتطلب اشاعة نمط واحد من الثقافة المرتبطة بمضمون ايديولوجي دعائي . وهذا التركيز في توجيه الثقافة يستهدف تحويل الرأي العام الى قطيع واقصائه عن التفكير المستقل وزرع الخوف الدائم والذعر الكابح لاي استقلالية او تمايز. هذا يتطلب تحويل الثقافة الى وثن مقدس من اوثان السلطة . وبالتالي ينعكس هذا التوثين على الماضي وسحبه علي الواقع المعاصر . كما يتطلب ان يسود المفهوم علي الواقع ويحل محله ويوجهه. هنا يلعب الماضي دورا ثقافيا لتكريس الجهد للحفاظ على واقع ثابت وتكريس ثوابت, وتظهر مصطلحات مثل القيادة التاريخية, والحزب التاريخي, والدور التاريخي ,والثقافة التاريخية. على هذا الاساس يتم التعامل مع المجتمع العراقي من قبل الدولة اولا , ثم من قبل الاحزاب على ان المجتمع تعبير موحد لمواطنين متوحدين في هيئة واحدة وفكرة واحدة ونمطية ثقافية واحدة, بحيث اختصرت الثقافة, عبر تماثلها مع الايديولوجيا , المجتمع العراقي بنمط واحد سياسيا وثقافيا واجتماعيا. فغاب عن المواطن نفسه وجود هذا التنوع والتمايز السياسي والفكري والثقافي, فجرى اهمال متعمد لاشباع حاجات الاختلاف والتفاهم والتعايش على اساس هذا الاختلاف . وبدلا من التنوع ظهرت استقطابات سياسية وايديولوجية حزبية حادة تتجاذب الثقافة وتسعى،ذهنيا،الى تقسيم الثقافة العراقية تقسيما ثنائيا ،يقفز على التنوع الكمي والكيفي للثقافة في المجتمع. ومن الطبيعي ان يقود هذا التقسيم الى النفي والالغاء . ويهمل، عن قصد، التعددية التي تستبدل بتعبير موحد لمشاعر المجتمع. وهذا التعبير بدوره ، يتعسف في توحيد ردود الافعال الاجتماعية،ويوحد مشاعر المواطنين قسرا في اطار ايديولوجي باسم الثقافة ويختصر المجتمع الى نمط سياسي واجتماعي وروحي واحد. وتسعى بعض الاتجاهات الايديولوجية الشمولية الى احتكار وتوجيه الثقافة في عصر يعمل ضد التوجيه والاحتكار , وبالتالي تعمل مثل هذه الاتجاهات ضد روح العصر وشروطه الثقافية. هذه الواحدية لاتقوم وحدها وبنفسها. فهي بحاجة دائما الى آخر . ولكن لالغائه وتهديمه باعتباره عدوا طبقيا او قوميا او سياسيا او ثقافيا او دينيا. في سياق هذه الثنائية التي تنفي التعددية جرى تقسيم طبقي : برجوازية وطبقة عاملة . وتقسيم سياسي : تقدمي ورجعي وتقسيم ثقافي : ثقافة وطنية ديمقراطية وثقافة يمينية . ثقافة علمانية وثقافة دينية. مايعنينا هنا هو الثقافة وتقسيماتها .اذا قمنا بتفكيك اطروحة الثاقفة الوطنية ذات الطابع الديمقراطي ,فاننا سنعثر على نفي سياسي وايديولوجي للديمقراطية عن الاتجاهات الثقافية الليبرالية نفسها التي طبعت بطابع البرجوازية .وبالتالي اضحت عارا يلحق المثقف الذي كان شبح مصطلح البرجوازي الصغير يطارده ويمنع تحرره من اسار الايديولوجيا الشمولية التي توجههه ثقافيا, بغض النظر عن صفة هذه الايديولوجيا. فضلا عن ذلك فان مفهوم الثقافة الوطنية ذات الطابع الديمقراطي كان في الواقع محاولة لنفي الصراع بين الشمولية الثقافية والتعددية الثقافية , وتحجيما للديمقراطية . بمعنى آخر كان هذا المصطلح محاولة لتمييع الصراع بين الايديولوجيا والتنوير, وتمييعا للصراع بين فلسفة انوار وفلسفة حتميات وقطعيات. حاول مفهوم الثقافة الوطنية ذات الطابع الديمقراطي ان يجعل جميع الاجيال الثقافية منظوية في اطار واحد, ولكن في تسلسل هرمي يحفظ للايديولجيا قيادة الظاهرة الثقافية وتوجيهها وفق المصالح السياسية التي حولت المثقف الى واجهة سياسية وحزبية. نستطيع الان ان نطرح جملة من الاسئلة المشروعة: لماذا يتغلب الطابع الايديولوجي والسياسي والحزبي عند المثقف العراقي اكثر مما يتغلب عند المثقف اللبناني او السوري او المصري او السوداني مثلا على رغم وجود هذا الطابع في الثقافة العربية؟ ولماذا يتراجع الجمالي والابداعي لصالح السياسي والحزبي بحيث يصبح النضال السياسي باسم الثقافة اكثر اهمية وشيوعا من الابداع وجمالياته؟ ولماذا يطلب من الابداع ان يشير الى غلبة سياسية او حزبية, أكثر مما يشير إلى غلبة جماليات الابداع وقدرة الابداع على ان يكون بديلا عن الشعارات والجمل الجاهزة؟
من هنا لايمكن استغراب الاستقطاب الثقافي على اساس الولاء الحزبي. فهناك ثقافة الشيوعيين مقابل ثقافة البعثيين مثلا ، الامر الذي لاتجده بهذا الحسم والاستقطاب في ثقافة مجتمعات عربية اخرى. وهناك اليوم ثقافة العلمانيين مقابل ثقافة الاسلاميين.لكن الثنائية هذه ليست التعددية وانما الاستقطاب المضاد للتعددية. احد الاسباب الكامنة وراء هذا الاستقطاب ,هو الطابع الحزبي للدولة الذي لايقتصر على الشكل الايديولوجي وحده, وانما يشمل العمليات الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك فان النضال يتوجه ضد الدولة وليس ضد السلطة وحدها . بمعنى ان شرط الديمقراطية في العراق يرتبط بتغيير الطابع الايديولوجي للدولة. وذلك يعني تغيير الاطار الثقافي لها وتغيير البنية الاجتماعية التي تكرس الاشكال الثقافية وانماط التفكير والعلاقة بين الدولة كمنتج للثقافة وبين المجتمع ( وليس المواطن حيث تتعامل الدولة هنا مع كتلة موحدة). ان نفي التعددية يكمن في كون الدولة منتجة للثقافة وليس الثقافة باعتبارها مؤسسة مدنية. هذا ينطبق ايضا على الاحزاب (المعارضة) ذات الفكر الشمولي التي تضفي على الدولة شكلها الايديولوجي حتى وهي خارج الدولة. وتضفي على السلطة في المجتمع او في التجمعات التي تهيمن عليها الطابع الثقافي الذي تنتجه. وهذه الفكرة تقوم على تعضي المثقف. اي تحويله الى مثقف عضوي حسب الفكر الغرامشي مهمته تهيئة المجتمع لتقبل الهيمنة الايديولوجية الواحدة والفكرة السياسية المطلقة. بدون الاخذ بنظر الاعتبار ان الثقافة بناء فوقي في المجتمعات اللامركزية , وهي جزء من البنى التحتية في لامجتمعات شديدة المركزية وفي المجتمعات ذات النظام الدكتاتوري. من هنا يمكن فهم عودة ثقافة التحالف بين البعثيين والشيوعيين في الجبهة الوطنية في المنفى , او في النظام الجديد اليوم, شريطة ان يتحالف البعثيون مع الشيوعيين ولايبقوا خارجهم. ويمكن ان نضرب امثلة كثيرة جدا بالاسماء والصحف والمؤسسات والنشاطات والبيانات المشتركة الموقعة( وآخرها البيان الموقع عام 1999 في قضية اعدام القاص المختار فهو بيان ثقافة الجبهة الوطنية بين البعثيين والشيوعيين دون منازع, التي تنسى المثقفين الديمقراطيين المستقلين وتغفل التضامن معهم )( اتضح ان المعني حي يرزق اليوم فتصوروا المزايدة!) وكذلك يمكن ان نذكر الدول التي تتواجد فيها هذه الجبهة مثل بريطانيا والسويد وهولندا وفرنسا , وعادت إلى العراق بعد سقوط النظام البعثي.
وهذا التحالف لايتحمل الثقافة الديمقراطية واللليبرالية. فهو مكرس ضدها, لانه يقوم على استخدام الاليات الجديدة للمفاهيم مثل الديمقراطية والمجتمع المدني والتعددية لابقاء الهيمنة الايديولوجية الشموالية وتكريس الطابع الحزبي والسياسي للثقافة العراقية ونفي كل من هو خارج هذا التحالف. ان فكرة الثنائية في الثقافة العراقية تعود الى جوهر وطبيعة المشاريع الكبرى في القرن التاسع عشر التي قامت على التناقض . سواء التناقض الميتافيزيقي او الواقعي . واذا كانت هذه المشاريع تقوم على نقض الاله الواحد, فانها احلت الطبيعة محله وبحثت في النقيض الواقعي عن صورة الشيطان . هكذا يصبح كل ماهو خارج الحزب ودولته وسلطته وثقافته شيطانا. واذا كان الصراع قد نشب حول دور الدولة فان هيغل على سبيل المثال اعطى الدولة البروسية امكانية تحقيق الفكرة المطلقة, في الوقت الذي كان جان بول مارا قبله, وفي فرنسا بالتحديد, قد حذر من افتراس الحاكم للدولة ( كما حدث في العراق من قبل حزب البعث ويحدث اليوم من مجموعة الاحزاب الحاكمة ) عبر سلسلة من الاجراءات والادعاءات والتملقات مثل ابو الشعب وابن الشعب حتى يتحول الى دكتاتور ويقيم حكما واحديا يقتضي انتاج ادب على غراره واحدي وسلطوي وايديولوجي. واذا كان سبينوزا يعتقد ان الحياة تقوم على التعددية حتى في مجال تعددد الانبياء واختلاف مهماتهم, فان مهمات بناء الدولة القومية او الاشتراكية مثلا قد قامت على الواحدية ونفت مهمات بناء الديمقراطية .ولذلك فان مهمات بناء الدولة القومية ، حتى في اطار البناء الايديولوجي فقط ، في العالم العربي وخاصة في العراق قد قضت على امكانات التطور الديمقراطي وتاثيراته على الثقافة والمؤسسات المدنية الاخرى.
بمعنى ما , فان محاولة القضاء على الصراع الاجتماعي والطبقي يجعل الدولة القومية او الوطنية فوق المجتمع وفوق حاجات تطوره الديمقراطي وفوق الثقافة ويقضي على اي تطور. وبالمناسبة فان لمثل هذه الفكرة جذرا لدى بليخانوف وبيلينيسكي في مقارنتهما بين تطور اوربا الغربية وتخلف اوربا الشرقية.
اذا قمنا بتفكيك التجارب السابقة لتنظيم وتوجيه الثقافة سنعثر على تجربتين اساسيتين ، الاولى تجربة اتحاد الادباء العراقييين الرسمي الذي اعيد تأسيسه في مطلع عام 1969 وانتهى مطاف التحالف فيه عام 1979على اساس التحالف بين المثقفين الشيوعيين والماركسيين المستقلين , وبين المثقفين البعثيين .
لقد ظل هذا الاتحاد يقوم على تبادل المنافع السياسية والثقافية والايديولوجية والتنظيمية بين البعثيين والشيوعيين على اساس كون الاتحاد مؤسسة رسمية تابعة للدولة تمارس نشاطها منسجما مع ايقاع الدولة والحزب الحاكم. والخروقات المحدودة التي قام بها ادباء عراقيون (ومنهم كاتب هذه المقال) للخروج من هذا التوجيه ادينت من قبل الشيوعيين والبعثيين معا. ولم يتم الدفاع عن قضية اي مثقف عراقي تعرض للاذى اوالاضطهاد . لقد كانت مهمة الاتحاد التحالفية في الواقع صيانة الدولة عن طريق الثقافة.ويمكن ان تتطابق تجربة نقابة الصحفيين مع تجربة اتحاد الادباء . لقد كانت نتائج قيادة هاتين المؤسستين الرسميتين تتم باتفاق الطرفين ضد اطراف اخرى لم توجد على السطح اصلا الا ممثلة ببعض المستقلين الذين كان عليهم الانضواء تحت راية واحد من الطرفين. وهذا الاتحاد الغى امكانية قيام تعددية ثقافية . واذا كان البعض يتحدث عن وجود اتحاد للاكراد او التركمان فقد كانت هذه الاتحادات جزء من وزارة الاعلام العراقية.
كان هذا الاتحاد خلية في جسم الدولة الكبير . وكان مؤسسة من مؤسسات التحالف القليلة بين الشيوعيين والبعثيين، واذا نظرنا الى نتائجه الثقافية فاننا لا نعثر حتى على رماد السكائر التي دخنها المثقفون في غرف الاتحاد او حديقته. ولكننا سنعثر حالا على نتائجه السياسية . فبعد خروج الشيوعيين من العراق وتحولهم ضد النظام تأسست رابطة الكتاب والصحفيين والديمقراطيين العراقيين التي قامت بين عامي 1980 و1990 قامت هذه الرابطة على اساس سياسي واحدي ايضا . واشرف الشيوعيون على سياستها ومجلتها ومؤتمريها الاثنين . وكان التمويل رغم شحته وبخله يتم من قبلهم ايضا . وسرعان مابدأت سياسة هذه الرابطة تقوم على الكم ضد النوع , وتحول الابداع فيها الى عدد حزبي ادخل فيه مثقفون صوريون لتحقيق هيمنة الحزب على مؤسسة يعتبرها مؤسسته هو. وحتى الآن لم يراجع احد نتائج وتجربة هذه المؤسسة التي كان يمكن ان تكون ملاذا للثقافة العراقية في المنفى . لكنها بدأت منظمة في الحزب وواجهة ثقافية له سرعان ما وقعت في العزلة والتوجيه الضيق الافق وادخالها في الصراع الحزبي واحتكارها من قبل مجموعة حزبية في كل الدول التي تأسست فيها فروع لها . بل ان بعض الفروع كما في اليمن مثلا مارست الارهاب والتحقيق البوليسي مع المثقفين وطردتهم من الحزب والرابطة معا, وتحول جلادو تلك المنظمة إلى رابطة الدفاع عن الديمقراطية التي تتقاضى اموالا من الحكومة العراقية الحالية بعد ان جربوا البعثيين والملكيين والمؤتمر الوطني وحركة الوفاق وغيرهم ولم يتركوا تنظيما الا خدموه مقابل حفنة اموال. لقد كانت هذه الشريحة مثالا على سقوط النخبة الثقافية ودعارتها السياسية وقدرتها على الانتهازية باسم الثقافة التقدمية.وهي تمنع أي كاتب من قول الحقيقة ونصادر الديمقراطية لصالح الانتهازية, والعلمانية لصالح الدعارة السياسية.وتعمل طابوارا خامسا, كما في الثورة الاسبانية, ضد الديمقراطية والحرية والشرف الذي تفتقر اليه.
نستطيع تشريح مضمون ونشاط هذه الرابطة اكثر في مناسبة اخرى رغم الحرمان النظري والتحريم الفكري من حق النقد والتشريح . وهذه معظلة سياسية القت بنفسها على الثقافة العراقية ايضا ارجو ان ينتبه الجميع إلى اهميتها القصوى للتقدم الديمقراطي التعددي التداولي المنشود في العراق.
اذن ، عشر سنوات في الاتحاد وعشر سنوات اخرى في الرابطة والنتائج الثقافية هي رماد السكائر التي دخنها المثقفون هنا وهناك.والتعددية هي الضحية وهي القربان. بعد هاتين التجربتين لم تقم تجربة كبيرة . التجارب الصغيرة تتعرض الى حملات فكيف بالتجارب الكبيرة.
ومن اجل قتل التعددية الثقافية في مهدها يتم تنظيم حملات لشنها ضد المثقفين التنويريين الذين يتناولون التجارب الواحدية والوحدانية بالنقد سواء السياسية ام الثقافية. والفرق الثقافي الكبير ان الثقافة الحزبية اكثر ضجيجا لاستخدامها الحزب في حروبها الايديولوجية وفي استخدامها القدرة على التشكيك ضد الفرد .
وهذا التشكيك يقوم على تبرير مايفعله الحزب, أي حزب. وتخوين وتجريم مايفعله الفرد. وقد اخبرني احد الزملاء المثقفين او –الرفاق- انه قضى خمسة عشر عاما في التنظيم الثقافي وهو ملتبس بسؤال من قيادته : هل لفلان رآي آخر غير راي الحزب . وخرج من الحزب وهو لايملك ثقافة حزبية غير ثقافة هذا السؤال الذي ظل بلاجواب. فالجواب هو : نعم. واذا كان الحزب ، اي حزب ، يستطيع ان يسأل لمصلحة من هذا النقد ? الذي يسميه هجوما بالطبع فانه لايحق للمثقف ان يسأل لمصلحة من هذا التوجيه الثقافي لصالح الحزب وسياسته والذي لا نتيجة له سوى الرماد. واكثر من هذا لماذا تقوم سياسة الحزب على الالغاء والتهميش والنفي وخلق عدو لابد من وجوده كشيطان مقابل الاله الحزبي. واذا نظرنا الى الواقع الثقافي سنعثر على تضاريس في خارطة الثقافة العراقية هي الاتي:
*القوى الثقافية المرتبطة بالشيوعييين
* القوى الثقافية البعثية داخل الحزب او خارجه *القوى الثقافية اليسارية التي خرجت من الحزب وصارت تقدم انتاجها بعيدا عن مؤسساته *القوى الثقافية الديمقراطية المستقلة *القوى الثقافية الدينية الحزبية والمستقلة *القوى الثقافية التي خرجت من العراق منذ 1991 وبعضها يطلق علي نفسه جيل الثمانينات والتسعينات.ويسرق بعضها انجازات جيل السبعينات ويدعيها لنفسه في محاولة لنفي الثقافة عن مرحلة صدام وعدي.مع تيارات مستقلة شاهدت روع الجريمة في العراق وماتزال تحاول التخلص من هذه الروع.
الصراع الثقافي التعددي اذن يمكن ان يكون ديمقراطيا ويمكن ان يكون شموليا انقلابيا الغائيا.ويمكن ان ياخذ الصراع الثقافي في المنفى التجليات التالية:
اولا: صراع مع ثقافة النظام المنهار التي تكرس عبادة الفرد وتمجيد الدكتاتورية وتحويل الثقافة الى بوق دعاية رسمي والتي ترفضها اغلب القوى الثقافية العراقية في الخارج.اما في الداخل فيجري تكريس مفهوم الثقافة الخارجية من جميع الذين عاشوا التباس الثقافة في ظل النظام الدكتاتوري لكي تبقى الهيمنة علة مناير الثقافة العاقية وتمثيلها دون أية تاملات بالاسباب التي دعت مئات المنتجين للثقافة العراقية للرحيل إلى المنفى , ومن هذه الاسباب تحول عدد كبير من مثقفي العراق إلى (هروات) بيد النظام القمعي , دون ان يراجعوا اليوم دورهم او يشخصونه. ثانيا: صراع مع الثقافة الحزبية التي تحاول تكريس تبعية الثقافة للسياسة والايديولجيا وتسعى الى احتكار الثقافة والدفاع عن مواقعها التي اكتسبتها في مراحل الصراع السابقة. ثالثا: صراع بين ثقافة التوجيه وثقافة الحرية والديمقراطية يقوم على كسب المفاهيم الجديدة مثل الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان وتفريغها من محتواها واحتوائها والمتاجرة بها. في خضم هذا الصراع توجد اختراقات ثقافية حدثت في الثقافة في الخارج والداخل يمكن تلمسها في تواجد عدد من الاسماء اليسارية السابقة التي استخدمها النظام العراقي في تجمعه الثقافي الذي يشرف عليه عدي وفي مؤسسات نشر مرتبطة باجهزة الدولة الامنية المنهارة وتعيد تسويق نفسها عبر اجهزة سياسية وعبر نقاد وشعراء وصحفيين خدموا اجهزة النظام باخلاص تحاول تبييض صفحتهم قوى سياسية يسارية في تحالف مستمر يسعى للسيطرة علة منابر الثقافة التي اخذ الامريكيون يدعمونها ويعيدون اليها القوى الثقافية التي ارتبطت بالدكتاتورية لالغاء الثقافة الديمقراطية والغاء التعددية الثقافية.
اعود الى القول مجددا كما بدأت حديثي ان التعددية الثقافية عملية نقدية شاملة تقوم على الحداثة التي تنتقد المشاريع الشمولية الكبرى ولا تعتمد فقط على افكار ومفاهيم لوفيفر وديريدا والتوسير وغيرهم.
لقد جمعت الحداثة الابداع المناهض لكل ايديولوجيا.جمعت على سبيل المثال بين ستاليني مثل تريستان تزارا وتروتسكي مثل اندريه بريتون. وبين ماركسي مثل اراغون وكاثوليكي مثل اليوت. بين عبثي مثل بيكيت وبين متمرد مثل بودلير . وهكذا مالفرق بين مفهوم المعرفة والحرية والشيطان ? سواء في الاديان او في الايديولوجيات الوضعية؟ لقد تحدث ماكس فيبر عن دور المدينة وعلاقتها بالحرية قائلا عن المدينة الديمقراطية في اليونان وفي الغرب الرأسمالي ان هذه المدينة كانت تجمعا حرا ، مكانا منشودا لكل من يسعى الى الحرية ففي اوربا العبودية والاقطاعية كان هناك عرف يقضي بان العبد الذي يهرب من اقطاعية سيده ويقضي سنتين في المدينة يصبح حرا. اليوم نريد من جميع العبيد الذين فروا من الدكتاتورية رفضا لعبوديتهم ان يصبحوا احرارا ويساهموا في اشاعة الحرية للجميع والدفاع عنها باخلاص ويتخلصوا من اسالبيب الارهاب الفكري والتحريم الثقافي وان التسامح الذي ندعو اليه يجب ان لايواجه بقرض الفئران التي تختفي في المجاري الاسنة الرطبة فيما نواصل كفاحينا الشاق والمرير من اجل الثقافة والجربة والقانون والمجتمع العراقي الامن والمستقر. ان المجتمع المدني مجتمع الحرية والتعددية. ان مشكلة التعددية والايديولوجيا هي التنافر والتناقض . ففي الوقت الذي تسعى فيه الايديولجيا الى خلق تطابق , تسعى التعددية الى خلق اختلاف.



#نبيل_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيت
- احلام واوهام الثقافة العراقية
- مستقبل الثقافة في العراق
- موقف الدول العربية من الارهاب في العراق
- حدثني يا ابتي
- الديمقراطية في الفكر الغربي
- ربع قرن من العزلة
- لكي لانصاب بنكسة دستورية
- صاحب الحكيم ومحاكمة صدام
- اثينا 403 قبل الميلاد - بغداد 2003 دكتاتوريةالثلاثين- دكتاتو ...
- المرأة في الفكر السياسي العراقي


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نبيل ياسين - التعددية الثقافية شرط الديمقراطية