|
حدثني يا ابتي
نبيل ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 1573 - 2006 / 6 / 6 - 10:00
المحور:
الادب والفن
حدثني قل لي: ماذا يفعل هذا الصيفُ بهذا الشارعْ؟ ولماذا جاءت أشجارٌ أخرى من شرقِ الروح ِالى غربِ المنفى؟ حدثني قل لي: هل ظلت خُطُواتُ طفولتِنا فوقَ الأسفلتِ هناكَ وهل ظلتْ آثارُ دماءٍ سقطت فوق الأحجارِ هناكْ؟ تعالَ .. أراكَ كنقشٍ أزرقَ في الروحِِ كما كان النقشُ الأزرقُ فوق إطارِ مرايا البيتِ هناكَ ، تعال .. تحَسّسْ وجهي المكروبَ ، وضع كفيكَ على رأسي. باركني في تمتمةٍ ذات مساءٍ . عُدْ بي للماضي. حَصّني من حسدِ الجيرانِ كما كانت تفعل امي. عُدْ بي للشرقِ ، لشرقِ الروحِ ِ ، وناولني تمراً نقَّرهُ العصفورُ ، وماءً من بئر البيتِ ، وحُفَّ الدارَ بأدعيةٍ تطرد وسواسي حدثني قل لي : هل تصغي لنشيدٍ سريٍّ مثلي يرقى لمعابدِ أورَ ، وهل تصغي لنُواحِ (إنانا)؟ حدثني قل لي: هل مازالت أبوابُ مدينتِا مغلقةً بتروسٍ ودروعٍ أسقطها القتلى عن طعناتٍ وجراحْ؟ حدثني عن أشجارِ البيتِ ، وتنورٍ أصبح عشاً لحمامٍ بريٍّ ، مهجوراً لاخبزَ ولانارَ سوى صمت ٍ باردْ حدثني عن أملٍ يسقطُ مثل الأوراقِ على اسمنتِ الممشى في البيتِ ويعكس ظلاً فوق الحائطِ منعكساً فوق إطارٍخشبيٍّ ، ياأبتي ، حدثني قل لي: هل مرَّ صديقٌ آخرُ يسأل عني؟ حدثني : ماذا قالت أمي: هل طالت غيبتُهُ؟ أمسِ مضى قرنٌ آخرُ في عمر رحيلي وأنا أسحقُ أوراقَ خريفٍ يابسةً فوق بلاطِ ممرٍ في المنفى ، وأرى تيجاناً تسقطُ فوق هديلِ الروحِ، لُمىً تُفتحُ في أعمدةِ الليلِ، مرايا تلمعُ في أفنيةِ العمرِ، شجىً فوق معاطفِنا ، ونساءً يحملن بخوراً يتقدمن كطوافاتٍ في النهرِ وينشجنَ على إيقاع نشيدي. أمسِ ،مضى قرنٌ آخرُ في عمر رحيلي, وأنا أسمعُ مزماراً يقطع صمتَ الروحٍ ، وأغنيةً تسقط من سقفِ الماضي ، وعيوناً تنشجُ أمطاراً مثل السندسِ والأستبرقِ ،أسمع قافلةً تحدو وهي تعبرُ من جسدي متقدمةً نحو دمي. أسمعُ في الصمتِ قبائلَ عادٍ وثمودٍ ، أسمع أعمدةً تتهدم في إرم ٍ حدثني هل كنتَ تظن بان الطفلَ سيغدو كهلاً ، والأيامَ ستغدو إحجيةً ،والليلَ يطولُ كأن دقائقَه صحراءٌ متراميةُ الأطرافِ ، تعال ، وحدثني قل لي ياأبتي : ماذا أفعلْ ?
من خرّبَ ذاك الركنَ ، وألقى بالماضي لعراءٍ لا حدَّ له؟ قل لي:هل مازال الديكُ على عادتِه في الفجرِ، وهل غيرتِ الحربُ هديلَ حمامِ البيتِ ، وأغلقت الشباكَ أمامَ فراشاتِ الدفءِ بآذارَ ونيسانَ ، وهل غيّرتِ الحربُ سلامَ الجاراتِ وأطفأتِ النارَ لشاي العصرِ (لأم جعفرَ) ؟ واستبدلت الجاراتِ بأبوابٍ موصدةٍ هل غيرت الحربُ الشايَ وحلوى الأطفالِ وتنورَ البيتِ وخصلة َ شعرٍ فوق جبيِن امرأةٍ ، ياأبتي ماذا أفعلْ؟ الروحُ تواصلُ سلوتَها في الماضي ويدي تكتب في لوح ِالحاضرِ والأشباحُ تعلق أرديةً تلبسها في حفلِ تنكّرِها ، فوق المستقبلْ قل لي ياأبتي : ماذا أفعلْ؟
افتحُ في وَجلٍ أيامي ، فأرى قاعة َ مُلكي خاويةً وخزائَنها ملأى بقناديلَ تضم قناديلاً أخرى ، وسلاسلَ من ذهبٍ تربط سبعَ خيول ٍ من ياقوتٍ ، وحوافُرها تقدح ضوءً ذهبيا ، وامرأةً تجدل في النورِ الفيّاضِ ظفائرَها وترجّلُ خصلاتٍ فوق الكتفينِ العاريتينِ ، وجدرانٍ من فيروزٍ وعقيقٍ ، وصحائفَ من بلورٍ تمحو الأسماءَ وتكتبُ أسماءً أخرى ، وجواريَ أبكاراً يضربن الصناجات ِعلى إيقاعِ دفوفٍ ، وسريراً من خشبِ الساجِ عليه غلالاتٌ من نورِ الكلماتِ ، وأدخلُ وحدي هذا الكونَ الطقسيَّ السريَّ وحيداً ملفوفاً بوميضٍ مثل وميضِ الكوكبِ ،او لمعانِ الماسِ ، هناكَ ، هناكَ ، هناكْ هل بقيتْ تلك الايامُ هناكْ هل بقيتْ قاعةُ طقسي بين الايام ِهناكْ هل مازلتُ هناكْ؟ وهنا لاشئَ سوى لمعانِ الايام ِ هناكْ وهنا لاشئَ سوى لمعانِ الزمنِ العابر ِ ووميضِ الزمنِ المتجمدِ مثل جسورٍ فوق النهرِ .. هناكْ
#نبيل_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية في الفكر الغربي
-
ربع قرن من العزلة
-
لكي لانصاب بنكسة دستورية
-
صاحب الحكيم ومحاكمة صدام
-
اثينا 403 قبل الميلاد - بغداد 2003 دكتاتوريةالثلاثين- دكتاتو
...
-
المرأة في الفكر السياسي العراقي
المزيد.....
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|