أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - وجه مضيء-قصة قصيرة















المزيد.....

وجه مضيء-قصة قصيرة


سامي الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6968 - 2021 / 7 / 24 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


حل الظلام سريعا بعد غروب فاجأ مجموعة الطلبة التي كانت تعبّ المتعة من أجواء الغناء والفرح التي رافقتهم في الرحلة منذ الصباح، فهرعوا إلى الحافلات لئلا يأسرهم الظلام وفي قلوب الكثيرين منهم رجاء لم يُستَجَب بأن يتوقف عرقب الساعة عند النقطة التي تمنع الشمس من الغروب. جلسا في مقعدين متجاورين في وسط الحافلة من جهة اليسار. تلاقت نظرته بنظرة السائق الذي ابتسم له ابتسامة ودية فرد عليها بمثلها. استأنف المصور الذي رافقهم الرحلة نشاطه، اقترب منهما عارضاً عليهما التقاط صورة، استشارها فرحبت بذلك وابتسما للكاميرا بناء على طلب المصور الذي مازحهما بأنه لن يصور الذين لا يبتسمون. انطلقت الحافلة على الطريق الترابي خارج الغابة باتجاه الطريق الرئيسي ببطء، ثم أطلق السائق العنان لرغبته بالسرعة. كان الهدوء يخيم على الجميع، هدوء لاستراحة فرضت نفسها عليهم بعد يوم حافل. بدأ يفكر في اليوم الذي انقضى، يستعيد اللحظات ويمزجها بالحلم، فيأخذه مدّ الأفكار والحلم إلى صور أيام قادمة سيكون لهما فيها تفاصيل وردية، تفاصيل تأتي من حبٍ جنيني على وشك الولادة، ثم يسحبه جَزْرٌ مفاجئ إلى مساحات قاحلة ليس فيها سوى هموم القادم من الأيام، فيهز رأسه يدفعها بقوة لتخرج مدحورة ليبقي الساحة كلها محجوزة للصور التي ملأته سعادة، يحضن هذه الصور ويرعاها كي تكبر وسط ظلام الحافلة، صور فرح يستعيدها من تفاصيل اليوم الذي انقضى فينتشي بها.
***
عازف الأكورديون واقف في وسط حلقة كبيرة من المنتظرين لسماع ألحانه بعد أن خبروه في رحلة سابقة، يبدأ عزفه بطيئاً هادئاً بلحن رومانسيّ جعل الكثيرين يسبحون في فضاءاتهم الخاصة ويتمايلون طرباً، انساب اللحن لخمس دقائق، تفرقوا فيها في فضاءات متباعدة. كان بارعاً، وكأنه يعرف أنهم تفرقوا كلٌ في فضائه الخاص فقرر أن يعيدهم، كان كمن ينصب لهم فخاً ليعيدهم من تلك الفضاءات إلى أرض الغابة الصنوبرية. تحول فجأة إلى لحن سريع راقص دون سابق إنذار، وخلال لحظات اندمج معه ضارب الطبلة، الذي لم يحظَ فرصة سوى بفرصة النقر البسيط على طبلته حتى لا يفسد اللحن الهادئ، فأردف اللحن السريع بإيقاع صب على نار اللحن الراقص زيتاً جعل ألسنة اللهب تتراقص. انطلقت الأكف في تصفيق لاإرادي ملائم للحن، ثم تحركت الأجساد في اهتزازات موضعية تطورت إلى رقصات مرتجلة. نزل إلى وسط الحلقة وبدأ برقصة بين الدبكة الشعبية والرقص الشركسي كما علق على ذلك أحد الظرفاء من أصدقائه "دبكة شعبية هذه أم رقص شركسي؟" فأجاب "خليط منهما، هل لديك مانع؟"، وضحكا. تقدمت من دائرة الحلقة إلى المركز بخطوات متصاعدة حتى وصلته وانضمت إليه مندمجة في الرقصة، يدوران في حلقة صغيرة وسط الحلقة الكبيرة. أمسك بيدها واندمجا في رقصة جعلت الأكف تتعب من مجاراة اللحن المتسارع الصاعد من عزف الأكورديون وضربات الطبلة. لم يدريا كم مضى من الوقت في تلك الرقصة التي انتهت مع صمت الأكورديون وضربة الطبلة الأخيرة التي خرجت قوية ليتلاشى صداها في تصفيق الأكف التي تحولت من التصفيق المرافق للحن إلى تصفيق تحية لهما. جلسا على الأرض، مسح العرق عن جبينه بمنديل أخرجه من جيبه وعرضه عليها فمسحت جبينها به وأعادته إليه.
تفرقت الحلقة في مجموعات ثنائية أو متعددة انطلقت في أرجاء الغابة الجبلية، بينما جلسا يستريحان من الرقصة في ظل شجرة صنوبر يستمتعان بالنسيم الذي يهبّ ناعماً من الغرب ليجفف بقايا العرق ويبرد الجسد الذي زادت الرقصة حرارته فوق حرارة اليوم الصيفي. تحولت الغابة الجبلية إلى جزيرة لهما وحدهما. قاما ومشيا يستمعان لصوت خطواتهما بصمت، كان على وشك أن يقول ما يود قوله منذ أيام، لكنه تراجع، لم يرد أن يقول شيئاً قبل الأوان، التردد الذي يأسره ويمسكه من الخلف بقوة ليمنعه من التقدم خطوة أخرى، ترددٌ يعرف مصدره ويعرف أنه يستمد سطوته عليه من ظروفه الصعبة التي تنتظره والتي لا يعرفها المحيطون به، وربما لا يتخيلون أنه يعيشها.
الهدوء يخيم على الحافلة وسط ظلام لا يقطعه سوى ضوء السيارات القادمة من الاتجاه المقابل.
أضاء نور قوي من السيارات القادمة من الجهة المقابلة عند المنعطف وجهها فرآه وكأنه وجه جديد لم يره من قبل، شفّت الصورة عن بعدٍ جمالي جديد، لعبت روحه، رقص ذلك الشيء الرقيق في الصدر، كانت نصف نائمة، نظر مرة أخرى كان الضوء ما زال ينير وجهها رغم أن الحافلة كانت قد تجاوزت المنعطف والسيارة التي ألقت نور مصابيحها العالية قد أصبحت بعيدة. فتحت عينيها بسبب الضوء وعدلت جلستها في المقعد، نظرت إليه، أراد أن يقول شيئاً، أحس برعشة أوتاره الصوتية التي كانت تستعد لتقول ذلك الشيء، همهم وسكت. انتبهت، سألته سؤالاً لم يعِ منه غير صيغة السؤال التي غلفت صوتها، تحشرج صوته، شعر بالرعشة التي ما زالت في أوتاره الصوتية، هز رأسه بدلاً من الحديث، كانت هزة رأسه تعني نعم وهو لا يدري على ماذا وافق. كان قاب قوسين أو أدنى من البوح، لكنه بلع اهتزاز أوتاره الصوتية إلى الداخل، وقال لنفسه "لا يمكنك الآن أن تبوح، خلفك صفحة فقر كبيرة مكتوبة بقلم لئيم يجب أن تطوى، وتعيش مخاطر اعتقال سياسي بدأ بنشطاء الحركة الطلابية ولا تعرف إن كان سيصلك الدور أم لا، ولا تعرف متى يمكن أن يحصل ذلك". أبعد التفكير بالهموم وأعاد النظر إلى وجهها فوجده ما زال مناراً بالضوء القوي، تبسم في وجهها دون أن ينبس ببنت شفة.
***
وصل غرفته المستأجرة المتواضعة التي يذكره كل ما فيها بواقعه، ولحسن حظه لم يكن زميله بالسكن موجوداً، ترك له ملاحظة بأنه يزور أقاربه وسيمضي الليل هناك. فكّر بعمل كوب شاي لكنه أسقط الفكرة، واستغل الهدوء والوحدة ليفكر في اليوم الذي انقضى ويستعيد طعم الفرح الذي عاشه. لم يستطع النوم، بقي مستيقظاً حتى ساعة متأخرة يقلّب الأمور ويجري الحوارات مع نفسه يقترب من قرار البوح مدفوعاً بعواطف انتعشت من تفاصيل اليوم الذي أصبح اسمه الأمس بعد منتصف الليل، ثم يبتعد عن القرار بمبررات يطرحها عليه عقله. قام من السرير، جلس على الكرسي خلف الطاولة التي تستعمل لكل الأغراض إضافة للدراسة عليها، أضاء المصباح الكهربائي الوحيد في الغرفة، تناول ورقة وكتب رسالة ملأها بكلمات لا تتأثر بأحبال الصوت التي ما زالت ترتعش، اكتملت الرسالة، قرأها لنفسه، تنفس بعمق، مزقها وعاد ناشداً نوماً سيكون مليئاً بالأحلام التي بدأت حتى قبل أن يبدأ النوم.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هالة أقلّ-قصة قصيرة
- غريبان وغريب
- نضجت-قصة
- ما الذي يسبح في الهواء
- في حافلة
- سهلة كثير-قصة قصيرة
- كائن مائي-قصة قصيرة
- وعد المدينة-قصة قصيرة
- فاتها القطار-قصة قصيرة
- يدها الصغيرة-قصة قصيرة
- الشيخ جراح فتح الأبواب
- موعدان-قصة قصيرة
- يلاّ يا تين-قصة قصيرة
- الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة
- أذّن يا خطيب
- يوم مشؤوم-قصة قصيرة
- السيدة وارفة الظلال
- ذليل-قصة قصيرة
- مقعدان-قصة قصيرة
- دفتر المفتشة-قصة قصيرة


المزيد.....




- ترام الإسكندرية و-أوتوبيس- القاهرة..كيف يستكشف فنان الجمال ا ...
- تردد قناة بطوط كيدز Batoot Kids 2024 بجودة HD وتابع أجدد الأ ...
- مسلسل المتوحش الحلقة 32 على قصة عشق باللغة العربية.. موت روي ...
- اخيرا HD.. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 ( مترجمة للعرب ...
- مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر قناة الفجر الج ...
- -من أعلام الثقافة العربية الأصيلة-.. هكذا وصف تركي الفيصل ال ...
- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان
- مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20 ...
- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - وجه مضيء-قصة قصيرة