أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي سليمان - أهل الغرام _ حكايات















المزيد.....

أهل الغرام _ حكايات


محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا


الحوار المتمدن-العدد: 6939 - 2021 / 6 / 25 - 21:25
المحور: الادب والفن
    


حكاية 1

اقترب منك وتمتم: أنت تعرف الشاعرة رحاب؟
لم تكن تعرف الشاعرة رحاب، كما أنك لم تكن تعرفه أيضاً. ولا بد أنه شاهدك قبل بداية الأمسية واقفاً مع بعض الأصحاب والشعراء، وكانت الشاعرة رحاب بينهم. قلت: لا أعرف الشاعرة رحاب.
ولابد أنه كان يتابع أخبار الشاعرة رحاب، فقي كل أمسية شعرية تشارك فيها كان يجلس على مقعد قرب مقعدك، ولا تعرف لماذا يختارك أنت بالذات، ويسألك ذات السؤال: ألا تعرف الشاعرة رحاب؟
وكنت تقول أيضاً كالعادة: لا أعرف الشاعرة رحاب.
ثم مضى وقت ونسيت ذلك المعجب بالشاعرة رحاب، كما أنك نسيت الشاعرة رحاب نفسها، وأخذتك الحياة بعيداً عن الشعر وأمسيات الشعر. حتى جاء يوم وجرك صديق شاعر إلى أمسية شعرية يشارك بها، وكانت تشارك بها أيضاً الشاعرة رحاب، ولقد رأيتها مع بعض الشعراء والكتاب، ولكنك ابتعدت عنهم، ومضيت نحو الصالة الفارغة، وجلست وحيداً، وكان من عادتك أن تجلس في صف المقاعد القريبة من المدخل، حتى إذا أضجرك الأدب تهرب دون أن يلحظك أحد. وفي منتصف الأمسية تقريباً دخل رجل أشبه بشبح، كان يبدو إنه قام بجهد كبير حتى وصل إلى الصالة. تنهد بحزن، وجلس على كرسي قربك، وهمس بصوت خافت: أعتقد إنك تعرف الشاعرة رحاب؟
وشعرت من حزنه بأنه يؤمن بأنك تعرف الشاعرة رحاب، ولكنك لم تكن تعرف الشاعرة رحاب، وقلت كالعادة: لا أعرف الشاعرة رحاب.
ثم مر زمن طويل، وكنت في مقهى البحر تشرب فنجان القهوة، ودخل رجل عجوز يتكئ على عصا، رأيت في وجهه الذي يشبه وجوه من تقلبوا في عذاب أليم، وكانت عيناه الرماديتان الصغيرتان معلقتين في فضاء من الضباب. جلس الرجل العجوز على كرسي في مواجهتك، لا بد إنه كان في رحلة المساء على شارع البحر ولمحك في المقهى من خلال الزجاج، اتكأ على الطاولة بيدين مرتجفتين، وسمعت صوته الخافت الحزين بعد أن تنهد بأسى: أنت لا تعرف حقاً الشاعرة رحاب؟!
لم تتكلم، وكان يريد أن يتكلم، ولم يتكلم. ونهض بحزنه، وغادر المقهى.

حكاية 2
أصبحت تستيقظ كل صباح بمزاج غريب. كنت تقضي الليل في التفكير، أفكار، أفكار، بحر هائج من الأفكار تتلاطم أمواجه بصخب في داخلك. وحتى تهرب من جحيم تلك الأفكار أخذت تذهب إلى مقهى البحر مع الفجر. يريحك شحوب الصباح، وشارع البحر المهجور، وتلك الطيور التي تحلق في الفضاء الشاحب، كما تريحك أمواج البحر التي تصخب مثل أفكارك.
كنت تحب أن تمشي على رمال الشاطئ، تلاعب الأمواج الصاخبة وطيور البحر، ولمحت وأنت تلاعب طائر بحر زجاجة، وأدهشك أن في داخلها رسالة. كنت قد قرأت كثيراً في القصص عن العشاق الذين يرسلون رسائل في زجاجات عبر أمواج البحر، لكنك لم تتوقع أبداً أن تجد رسالة في زجاجة على شاطئ مدينتك الساحلية الصغيرة. تحمل الزجاجة وتتابع طريقك صوب مقهى البحر. في المقهى تخرج الرسالة من الزجاجة، يعجبك شكل الزجاجة على شكل حورية بحر. تطلب فنجان قهوة، وتشعل سيكارة، وتقرأ:
في المتاهة عرفتك وكان الوقت قد تأخر. وحين التقيت بك ذلك المساء الخريفي الغريب كان الوقت مبكراً جداً. في متاهتي، عرفت أن ذلك الشاب الغريب بوجهه الشاحب من صقيع الرياح العاصفة، والذي كان يرتدي معطفاً أعتق من الدهر بلونه الرمادي، وما زلت أتذكر وقت تقدمت مني بارتباك وقلت، وكأنك كنت تنتظرني: لم يبق أماكن فارغة في صالة المسرح. هل كنت تعرف أن صالة المسرح سوف تحترق، أو أنك قرأت الخبر مثلي في جرائد الصباح. حين علمت بحريق الصالة عرفت إنك لم تكن تبحث عن مغامرة عابرة، ولكنك كنت تبعدني عن كارثة. هل كان القدر هو الذي وضعك في طريقي، لماذا لم يضعك في طريقي مرة أخرى وقت وقعت في متاهتي، فأنا أيضاً وجدت نفسي في غابة كثيفة مظلمة في منتصف حياتي. لقد فكرت بك كثيراً في تلك المتاهة، لقد أخفتني ذلك المساء، في عينيك شيء ما أخافني، لا أعرف ما هو، ولطالما فكرت فيه دون أن أعرف. لقد سألت نفسي حتى التلاشي لماذا تخليت عنك. ثم وجدت أنني ربما كنت بحاجة إلى هذه المتاهة حتى أعرف قيمتك، لقد عرتني المتاهة أمام نفسي، ولقد عرفتك وقت عرفت نفسي، لكن يبدو أن الوقت تأخر، ولكن هل تأخر الوقت حقاً، لا أعرف، وما أعرفه هو أنني في المتاهة، وأرسل هذه الرسالة حتى تنقذني من متاهتي، كما أنقذتني من حريق الصالة. أنت تعرف أين تجدني، وفي أعماقي أعرف أنك لن تتأخر لأنك سوف تدرك أن محنتي أصبحت محنتك، وإذا ما ظل في قلبك شيء من نفسي يمكنك أن تنقذ نفسك أيضاً.
تبتسم بحزن، وتتمنى، وأنت تشعر بالأسى على نفسك، لو أنك كنت ذلك الرجل، وأن تلك الرسالة كانت مرسلة إليك. تعيد الرسالة إلى الزجاجة التي تشبه حورية البحر. تغلقها بإحكام وتنهض والزجاجة في يدك، وتتجه صوب البحر.

حكاية 3
عشت تشعر بالوحشة في حياتك، ويطاردك دائماً كابوس، ويزعجك أنك لا تعرف إن حقيقة تحول إلى كابوس أو كان كابوساً أصبح حقيقة. ولكنك تعرف أنك في الحلم حوت أبيض آخر يطارده آخاب آخر. يريد أن ينتقم لا تعرف من ماذا. فلم تكن سوى إنسان بائس يعيش قرب الحائط بعيداً عن بحر الحياة. وأحياناً في لحظة يأس عميق كنت تفكر أن تمتلك تفاؤل الإرادة وتعمل على تغير حياتك الكئيبة الموحشة، فقد مللت تلك الحياة الكئيبة الموحشة التي تتكرر كما أمواج البحر، أو كما الأيام التي تتابع كريهة حتى التلاشي. كرهت أن تستيقظ كل يوم على جرس ساعة المنبه حتى تلحق وظيفة أشبه بالسجن، ثم تعود إلى بيت هو الآخر أشبه بالسجن. تتغدى بطاطا مقلية أو بيضاً مقلياً وتشرب كأس عرق لا يحوي من العرق غير الرائحة. ثم تتفرج على فيلم كريه في التلفزيون، أو أنك تقلب المحطات تبحث عن محطة من محطات الطبيعة، إنها تريح أعصابك المحطمة. ثم قبل الغروب تخرج صوب مقهى البحر، تصل والشمس على حافة البحر بلونها الأرجواني، تجلس، وتطلب فنجان القهوة سادة وتشعل سيكارة، وتأخذ تشرب قهوتك، وتدخن سيكارتك دون متعة، وتحدق بالشمس الغاربة حتى ترحل في البحر. كانت تلك لحظات السعادة في حياتك، إذا كانت تعتبر لحظات سعادة، وحين يظهر طريق القمر تفكر أنك سترحل عليه ذات يوم إلى مملكة البحر. ثم تنهض وتغادر المقهى إلى البيت.
وأنت تتقلب في سريرك كل ليل تفكر أنه حان الوقت حتى تغير طريقة حياتك، أن تتزوج، أن ترحل إلى بلاد أخرى، أن تعمل سائحاً في مدينتك، فأنت لم تر جزيرة أرواد إلا من المقهى، أن تقع في بحر الحكاية، لكنك تحاول أن تقنع نفسك إن الزواج سجن مهلك آخر، لكن الذي يزعجك أنك لا تقدر أن تطرد شبح المرأة من حياتك، وتفكر بامرأة تزيل الصدأ عن روحك وجسدك، فأنت لم تعد تحتمل الرغبات التي تتلاطم في داخلك حتى أنك في أحيان الضجر من الحياة تكره تلك الرغبات التي أصبحت تحطم حياتك حقاً. والبارحة قررت أخيراً أن تبدأ برغبة صغيرة، أن تغير مقهى البحر. تفكر أن مقهى البحر أصبح عتيقاً، وأن هناك مقاه حديثة ممتعة للعين على امتداد شارع البحر، مقاه تزدحم أحياناً بنساء جميلات، يعشقن الحياة، ويمكن أن يمنحنك تلك الحياة الأخرى التي تحلم بها.
وفي يوم امتلكت فيه تفاؤل الإرادة خرجت من البيت، وفي فكرك أن تبحث عن مقهى نظيف حسن الإضاءة، ثم قررت أنك سوف تجلس في أول مقهى تجد فيه امرأة جميلة ترى أنها يمكن أن تكون وردة حياتك. تمشي بتثاقل على شارع البحر، وأنت تفكر بذلك المقهى النظيف وحسن الإضاءة، وبتلك المرأة التي سوف تمنح الراحة لقلبك المتعب، ولكنك، وكما هي عادتك دائماً وقت تأخذك الأفكار، تنسى نفسك، ثم تكتشف إنك جالس في مقهى البحر، كما هي عادتك دائماً، وتحدق بالبحر الشاحب والشمس الغاربة.



#محمد_علي_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية باكثر لشخصية فاوست في مسرحية - فاوست الجديد -
- الأصولية الأصالة الحداثة
- حول رواية - محاولة للخروج - للروائي عبد الحكيم قاسم
- خطاب التوفيقية في رواية يحي حقي - قنديل أم هاشم -
- زمن القصة زمن الرواية
- نحو مشروع نهضوي عربي جديد
- جدلية السيف والقلم
- الجامعة مشروطة أو بدون شروط
- الرواية والمجتمع
- الروائيون والشهرة
- حول الإرهاب
- البطل الإشكالي شهادة
- حول البورجوازية العربية
- أو كما يسمونهم عادة قصة للذكرى
- عن القهر والقرف وأشياء أخرى
- الرواية العربية والتاريخ
- حول خطاب العلم في ثلاثية نجيب محفوظ
- الجماهير في الأدب
- الوحدة العربية في زمن العولمة
- روح ضائعة قصة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي سليمان - أهل الغرام _ حكايات