أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي سليمان - الرواية والمجتمع















المزيد.....

الرواية والمجتمع


محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا


الحوار المتمدن-العدد: 6814 - 2021 / 2 / 14 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


يمكن تعريف المجتمع بأنه نظام يحدد عمل الناس، ويضبط سلوكهم الاجتماعي وعلاقاتهم الاجتماعية عبر قوانين _ عقد اجتماعي بحيث يحقق التجانس بين الناس عبر خلق تاريخ مشترك وعادات مشتركة ومصالح مشتركة، وأحلام مشتركة، ويحقق أيضاً هوية هؤلاء الناس التي تحقق هوية المجتمع. ويمكن القول إن المجتمع تحكمه الظروف التاريخية: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، تحكمه الظروف الخارجية: القوى الإمبريالية التي تقولب المجتمعات وفق مصالحها في جعل المجتمعات، خاصة المجتمعات المتخلفة، في تبعية دائمة لها. وكذلك تحكمه الظروف الداخلية: الأنظمة الحاكمة التي تقولب هي الأخرى المجتمع حسب مصالحها بحيث تؤبد سيطرتها السياسية.
ومنذ ظهور المجتمع الطبقي، والمجتمع الطبقي ليس اختراعاً ماركسياً للذين لا يحبون الطبقات والماركسية، بدأ الفرد يواجه المجتمع كقوة غريبة عنه. وبدأت الشكاوي _ شكاوي الفلاح الفصيح، والمواقف _ لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته: أبو ذر الغفاري، واليوتوبيات _ الأحلام بمجتمع عادل: أفلاطون، توماس مور وكامبانيلا. ثم نظريات الاشتراكية الطوباوية _أوين، والاشتراكية العلمية _ ماركس، والتمردات الاجتماعية _ الثورة الانكليزية والثورة الفرنسية. ومعروف إنه قامت ثورتان طبقيتان مهمتان في العصر الحديث (البورجوازية في القرن التاسع عشر، والعمالية في القرن العشرين) من أجل ردم الهوة بين الفرد والمجتمع، من أجل خلق مجتمع عادل يحقق الحرية والعدالة والمساواة بين الناس. وقد سجلت الرواية في المجتمع الرأسمالي في مرحلة صعودها حين كانت تعمل لصالح المجتمع من خلال عملها لصالحها، صراع الإنسان لتحقيق ذاته في المجتمع البورجوازي: ستندال وبلزاك. كما أنها في مرحلة عملها لصالحها كطبقة أوجدت اغتراب الفرد عن المجتمع كما سجلت تمرده عليه، سجلت رضوخ الفرد أمام جبروت المجتمع الطبقي، كما سجلت انتصاراته أحياناً وانكساراته في أحيان أخرى، سجلت صراع الفرد السلبي والايجابي ضد المجتمع الطبقي في سبيل حريته.
لكن، كما يقول إريك فروم في كتابه " الهروب من الحرية " ليست للمجتمع مجرد وظيفة قامعة، على الرغم من أن له مثل تلك الوظيفة، وإنما له كذلك وظيفة إبداعية. إن طبيعة الإنسان، وعواطفه، وأحوال قلقه هي نتاج ثقافي، وفي حقيقة الأمر فإن الإنسان ذاته هو أهم إبداع وإنجاز للمجهود البشري المتواصل الذي ندعو تدوينه تاريخاً. أما أدونيس فيقول في كتاب " زمن الشعر ": إن " المجتمع الذي يتأسس على مفهوم الكتابة الأولى _ القرآن في المجتمع العربي الإسلامي _ مجتمع أمر ونهي، مجتمع وعيد وعقاب، مجتمع طقسي، حرفي، يمنع النقد، يمنع طرح مشكلات أو أسئلة جديدة والكتابة فيه لا تقبل إلا إذا انطلقت من الكتابة الأولى، فجاءت تسويغاً لها، وشرحاً، واستعادة، وتذكراً. هذا المجتمع هو في جوهره مجتمع قمع وإرهاب ".
وعلى رأي الكاتب دافيد ديتشيز في كتابه " الأدب والمجتمع " فإن: الكتابة الرديئة قد تكون أكثر إنارة من الكتابة الجيدة في نظر المؤرخ الاجتماعي. فالعمليات والمؤثرات والعوامل المحددة تظهر بشكل أوضح في العمل الأدبي الرديء منها في العمل الأدبي العظيم. إذ إن القيمة الأدبية في نهاية الأمر تلك الشمولية التي تجعل الكاتب يتحدث إلى جيله، وتجعله في الوقت ذاته إنساناً يتحدث إلى البشر. ويتابع: إننا نواجه في عمل كاتب مثل شوسر عمل يصور لوحة اجتماعية عريضة ولا يعكس مع ذلك إلا القليل من الصراعات الاجتماعية في العصر، إننا نواجه حقيقة هي أن العبقرية الأدبية لا تتضمن بالضرورة حساسية اجتماعية.
وبرأي الطيب صالح إن " أهم ما فعلته الرواية العربية أنها قامت بملء الفراغات في الخيال العربي، وما أكثر الفراغات في هذا الخيال العربية التي تخص تصوره للأمة العربية جغرافياً وبشرياً وثقافياً وحضارياً بصورة عامة ". لكن هذا النمط من الروايات التي تملأ الفراغات تحارب في المجتمع العربي من قبل الأنظمة الحاكمة، فهي لا تريد من الأدب أن يقوم بدور تنويري بحيث ينير ظلام المجتمع، وتشجع بدلاً منه ذلك الأدب الذي يقول عنه غوركي أنه " لم يعد الكاتب مرآة العالم _ المجتمع _ بل قطعة صغيرة من حطامها، أما عجينة الطلاء المعدني الاجتماعي فقد زالت عنها، وبما أنها متناثرة في غبار شوارع المدن فهي لا تستطيع أن تعكس بأجزائها المفتتة حياة العالم الكبيرة، إنها تعكس أجزاء صغيرة مفتتة من الشارع، تعكس قطعاً صغيرة من النفوس المحطمة ". ولقد وقف لوكاتش ضد المرآة الزائفة، والمرآة المفتتة في حواره مع آنا زيغرز، كما كان غوركي ضدها أيضاً، لقد كانا مع المرآة التي تعكس المجتمع بشكل كامل وبصدق. كما يلاحظ أن بعض الروائيين ابتعدوا عن المجتمع الواقعي في رواياتهم عبر خلق مجتمع تخييلي، مجتمع خاص بهم يمكن اعتباره معادلاً موضوعياً للمجتمع الواقعي، وأفضل مثال هو بلزاك، وكان يقول عن عمله " الكوميديا الإنسانية ": إن عملي له جغرافيته وله أنسابه وعائلاته. له أمكنته وأشياؤه، له أشخاصه وأحداثه. بنفس الطريقة التي الطريقة التي يمتلك بها علم أشرافه ونبلائه وبورجوازييه وصناعه وفلاحيه ورجل السياسية والجيش فيه، وبكلمة واحدة: له عالمه. ويمكن أن نتكلم أيضاً عن فوكنر الروائي الذي اخترع مجتمعه الخاص لعالمه الروائي. وقد أطلق على مسرح رواياته " مقاطعة بوكناباتوفا " وهي مكان أسطوري يفترض أنها تقع في الشمال الغربي من ولاية المسيسيبي، وهو مالكها الوحيد، وتمتد جذورها إلى الأمكنة والأراضي التي عاش فيها فوكنر وتمتد جذور شخصياتها إلى الناس الذي تعامل معهم، بل وتمتد إلى جذور عائلته فأحد أجداده كان النموذج لشخصية سارتوريس. إن بوكناتاتوفا وليام فوكنر ارتفعت إلى مستوى الإنسانية. كما يمكن أن نتكلم عن الروائي نجيب محفوظ استبدل المكان الكبير _ المجتمع المصري بمكان صغير _ الحارة المصرية، وأصبحت الحارة هي محور أعماله (حكايات حارتنا، أولاد حارتنا، الحرافيش، قصر الشوق، بين القصرين، السكرية، ومعظم قصصه القصيرة)، لقد أصبحت الحارة هي مصر، هي الحياة، بل أن نجيب محفوظ جعل الحارة تتجاوز مصر إلى العالم: لقد أصبحت حكايات الحارة المصرية تمثل حكايات البشرية، وارتفعت مثل عالم بوكناتاتوفا إلى معادلة العالم.
ومع انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا بدا وكأن العالم الفاضل أخذ يتفتح أخيراً، عالم الحرية والعدالة الاجتماعية، خاصة وأن النظام الاشتراكي اعتبر أن اغتراب الفرد عن المجتمع هو خاص فقط بالمجتمع الطبقي الرأسمالي. وكان أن انتعش الأدب، لكن سرعان ما رسمت لذلك الأدب، وخاصة الرواية، الحدود التي سجنته بالأدب الحزبي، وفتوحات الدولة الاقتصادية في مجال الزراعة والصناعة، ولم تعترف إلا بالفرد الذي يذوب في الشعب. وكان أن ظهرت الواقعية الاشتراكية، والبطل المثالي (الايجابي) الذي يسعى لصالح الشعب رغم العقبات البيروقراطية التي تقف في طريقه (وكان هذا موضوع رواية ذوبان الثلوج للكاتب إيليا أهرنبورغ الذي خرجت الرواية السوفيتية من " ذوبان ثلوجه"، وقد كتب الرواية بعد موت ستالين للإشارة إلى نهاية العهد الستاليني. وهكذا تمحورت الرواية السوفييتية حول موضوع رواية أهرنبورغ: بيروقراطي عتيق يزيحه عن عرشه ثوري شاب سرعان ما يتحول هو الآخر إلى بيروقراطي. لكن المشكلة في الرواية الاشتراكية أن البطل الايجابي انتصر على المشكلات الاجتماعية في الرواية ولم ينتصر عليها في الواقع. ما حصل في الواقع أن المشكلات الاجتماعية الواقعية انتصرت على المجتمع الاشتراكي المتخيل.
يقول كافكا " كل ثورة تنتهي بصورة من البونابارتية.. تحتضن الثورة ولا يبقى سوى نمط جديد من البيروقراطية ". البيروقراطية البورجوازية حققت كثيراً العدالة السياسية وقليلاً العدالة الاجتماعية، أما البيروقراطية العمالية فقد حققت كثيراً العدالة الاجتماعية وأبعدت العدالة السياسية من قاموسها. وكانت النتيجة أن اهتمت الرواية في المجتمع الرأسمالي بالإنسان وصورته في كافة تجلياته، واهتمت الرواية في المجتمع الاشتراكي بالمصانع والمزارع والحياة الوهمية التي تحل المشاكل الاجتماعية فيها عن طريق البيروقراطية، وابتعدت عن الإنسان في كافة تجلياته، لقد اهتمت الرواية الاشتراكية بالدعاية للحزب، وكتبت عن المصانع والمزارع والخطط الإنتاجية، وراحت تمجد واقعاً كان يتآكل من الداخل حتى انهار تحت أزماته، ولم تعمل مثل الإمبريالية على تجاوز تلك الأزمات الدورية.
لقد اعتبر لوكاتش أن الرواية في المجتمع الاشتراكي تعود إلى طبيعتها الملحمية (لا تناقض بين الفرد والمجتمع)، لكنه في أواخر حياته تراجع عن رأيه واعتبر أن الرواية (ملحمة البورجوازية: الفرد في مواجهة المجتمع) لا تلغي التناقض بين الفرد والمجتمع، وأن ما فرض على الأدب السوفييتي في عهد الواقعية الاشتراكية كان نظرية سياسية أكثر منها نظرية أدبية، فالصراع بين الفرد والمجتمع هو محور الأدب وخاصة الرواية.



#محمد_علي_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائيون والشهرة
- حول الإرهاب
- البطل الإشكالي شهادة
- حول البورجوازية العربية
- أو كما يسمونهم عادة قصة للذكرى
- عن القهر والقرف وأشياء أخرى
- الرواية العربية والتاريخ
- حول خطاب العلم في ثلاثية نجيب محفوظ
- الجماهير في الأدب
- الوحدة العربية في زمن العولمة
- روح ضائعة قصة
- الكاتب والحرية
- القوى الاجتماعية والفن
- مشكلة العرب الأساسية
- قصة أو رواية مثال: عزف منفرد على البيانو
- المثال والواقع ماركس الإنسان وماركس المناضل
- المفكر والسلطة
- أيديولوجيا أيديولوجيا
- الأفكار وتغيير المجتمع


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي سليمان - الرواية والمجتمع