أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - « شريف » و « زوربا ».. صلوات يبتسم لها الرّب!















المزيد.....

« شريف » و « زوربا ».. صلوات يبتسم لها الرّب!


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 6935 - 2021 / 6 / 21 - 23:33
المحور: الادب والفن
    


***
... في هذا المساء من أماسي عزلاتي بنفسي الإستراحية كنت جالسا أقرأ فرقاني إستماعا كالعادة و فكري يزاوج بين التدبير و يسافر إلي ماوراء الخلوات المادية و آفاق الفكرة.. فجأة قطع خلوتي نادل المطعم الذي ارتاد عليه و يستسمحني على الموافقة بجلوس رجل إلى طاولتي بحكم ندرة الكراسي بعد اجتياح الزبائن في هذه الأمسية اللطيفة بدفء الشمس التي لم تغرب بعد و كانت الساعة تشير إلى التاسعة.. نزعت سماعة هاتفي و حاولت فهم جيدا ما طلب مني و رأيت الرجل مستح و ينتظر ردي و موافقتي باستحياء شديد و الأمر لا يستحق كل هذا الخجل.. بادرت دون تفكير بالموافقة و أخبرت النادل أنه لا يزعجني ذلك كان الرجل أعجمي اللسان ، يبدو تركيا و لا يجيد النطق باللغة الفرنسية المشتركة ـ إلزاما ـ بين كل الأصول الأجنبية؛ إذا أرادت أن تعيش بأقل متعاعب إندماجية.
جلس الرجل على الكرسي المقابل و استمريت أنا في فراري من ذلك العالم المادي المحيط بي ، و بين الفينة و الأخرى أقطع سفري و أعود للحظات كي لا أضيع في عوالم ما وراء الوقت و الوجود المادي فأنظر إلى ساعتي و أتفقد رسائلي و أجيب على بعضها و أهمل الرد عن أخرى..
لم يمكث طويلا ذلك الشاب التركي بعد أن أحضرت طلبيته و عشاءه المتمثل في « طبق كباب » و ما رافق و لذّ و طاب …
التفت إلي و حاول محادثتي مبتدئا بشكره لي و سريعا نادى النادل (تركي اللهجة ) و طلب منه أن يحضر لي ما شئت.. تفاجأتٌ و أحرجتُ حرجا شديدا أن يأتي هكذا سلوك من شخص لا يعرفني و لا أعرفه .. فلم أدعه يتمادى و يصر على تكليف النادل و قلت له شاكرا بكل لبقات العالم أني لا أريد شيئا، كوني لا آكل في هذا الوقت و لست متعودا على الأكل في هذه الساعة ، ثم أن فنجان قهوتي و سجائري هما أولوية أولوياتي المقدسة في هذه اللحضات كونهما يشكلان « بلازما » الفِكَرْ التي تتراقص و تتناقض و تتطاحن فيما بينها طول الوقت ..
لكن ذلك الشاب تعنّت بدافع « الكرم المتجذر فيه » و لا يريد فهم أي شيء عدا إكرامي و راح يقول لموظف المطعم ـ المقهى أن يحضر لي طبقا من الكباب و ما رافقه فقط علي أن أختار الأمراق المرافقة التي أفضلها . لم أستسلم لإلحاح الرّجل و أفهمته أني فعلا ليس لدي استعدادا لهضم أي شيء فيكون عبثا إن قبلت و لن آكل إلا القليل.. بدا موقفي محرجا و شعرت أنه لم يعجبه رفضي … أعرف جيدا هذا الشعور بالحرج عندما يردّ لك شيئا أو عملا تريد أن تزكّي به نفسك و ترضى ! شعرت أني صدمته برفضي المستميت فكنت أحاول أن أطيب خاطره و أشعره بأنه ليس لي أي خلفية في رفضي .. استغرقت محاولاتي وقتا لا يستهان به.. فكان إيصال فكرتي إليه ليس بالأمر الهيّن ، حيث استعملت كل اللغات ( الفرنسي المبسط المجرّد ، إلى ما تبقى من مخلفات الإنجليزية، إلى بعض المفردات العربية إلى لغة الإشارات و الإيماءات ).. فاقتنع أخيرا و ارتحت أنا من عدم سوء فهمه لي و مع ذلك لم يرد « عابر السبيل » الأعجمي هذا أن يعلن عن انهزامه أمامي فطلب إحضار فنجان قهوة ثان لي فرفعت الراية و وافقت مادام هذا الفعل يسعده! و بدأ يحدثني بصعوبة و هو يتغذى و يطعم نفسه و أضطررت إلى قطع خلوتي و الإستماع إليه و تفكيك شفرات لغته هجينة المنافي بعيدا عن عاصمة الخلافة العثمانية في زمن غابر أغبر ، كان يحاول أن يركب ما وجده من ألفاظ باللغة الفرنسية.. كان الأمر متعبا مرهقا لتبادل الحديث لكني لم أضجر أبدا منه و هذا شيء نادر لدي عندما يجالسني شخص ما و يحدثني في مواضيع تافهة بالنسبة لي و لا تنسجم مع مجالات تفكيري الأساسية. و لا أدري كيف فعلنا حتى بددنا شيء من الإنسداد اللغوي الذي يحول بيني و بين عابر السبيل ـ الكردي ـ المدعو « شريف »… و علمت أنه ترك أهله هناك في تركيا و أن والده الذي تجاوز الثمانين حولا تعبان جدا صحيا و أن أمه هي الزوجة الثانية لوالده بعد وفاة الأولى و أن والده هو الزوج الثاني لوالدته بعد وفاة الزوج الأول و أن له من الزيجتين 15 أخا و أختا توفي أحدهم قبل ثلاث سنوات . و أنه استقر في فرنسا منذ سنتين و تحصّل على وثائقة كلاجئ ، إنه أجل قياسي جدا بالنسبة لطالبي الوثائق العاديين من المهاجرين الذين قد ينتطرون أكثر من 10 سنوات للحصول ربما على وثائق ـ إثبات وجود ـ على التراب الفرنسي .. و أخبرني أنه يعمل في قطاع البناء و الأشغال ليلا في شركة تركية.
و نحن نحاول التدحرج في الحديث بصعوبة فهمت من خلاله أنه يذكرني و رآني كم من مرة بهذا المكان و أنه كان يقول في نفسه كلما رآني بأني رجل « حسن » أو « طيب » ؛ آه لو علم بعيوبي و زلاتي التي يحجبها الرّب عن الناس سترا لي كباقي البشر !
كان « شريف » (التركي ـ الكردي أو الكردي ـ التركي) صاحب الـ34 ربيعا يدخل مسامات الروح شيئا فشيئا، فتنبثق منه طاقات إيجابية لا حدود لها .. فسألني كم عمرك أنت يا « خضر » ؟ فأجبته أنه يفصلني عن نصف قرن شهران ! فلم يصدقني و ضحك ظنا أني أمازحه، فأكدت له أنني أشارف على العقد الخامس ! فقال متعجبا متفاجئا « ما شاء الله .. أخي . إني والله لا أراك إلا صاحب الأربعين سنة.. ما شاء الله .. ما شاء الله! »
لا أدري كيف وصلنا في الحديث إلى موضوع القرآن فقال لي بتحرج أنه لا يستطيع قراءته لأنه بالعربي ، و أنه لا يصلي ، فانفلت مني سؤال وجيه مباشر عن ديانته فرد بعزة نفس و افتخار شديد: أنا مسلم و الحمد لله !
لم أستطع أن أتجاوز الموضوع فقمت بوعظه و حثه على مباشرة الصلاة .. كان يبدو عليه شيء من الإحراج لكني هوّنت عليه رأيي لما رأيت ذلك في وجهه و قلت له ليس مهما أنك لم تصلي في الوقت الذي مضى بل الأهم الوقت الآتي ابتداءً من هذا المساء .. فكّر جيدا .. نحن لا نضمن أرواحنا .. و من يضمن لك البقاء إلى غاية المساء أو إلى غاية الغد؟! رد عليّ بذات الإحراج و بشيء من القناعة .. أعدك أني سأصلي إن شاء الله .. عن قريب !
قلت له معترفا و ليس مشجعا و بكل صدق : لا تعتقد أنك بعدم صلاتك أني أحسن منك أو شخص آخر خير منك عند الله! إحذر ! فأنت تملك كنزا يحبه الله و يريدك أن تقرضه منه.. أمر يفتقد إليه كثير من الناس الذين يلبسون عباءات التقوى و الإسلام و يترددون على بيوت الله .. أنت يا « شريف » تملك جوهرة لا يملكها الكثير أودعها الله فيك و خصك بها عن كثير من عباده و هي نعمة « البرّ » و خصلة « الإحسان » .. فقد نصلي ليلا نهارا و نفتقد إلى « البرّ و الإحسان » كيف يضع الله ذلك في ميزانه؟!
* لا أدري كيف ذكرني « شريف » تركيا الكردي بـ بمقطع من رواية (زوربا) نشرت عام 1964 للروائي اليوناني الشهير " نيكوس " Níkos Kazantzákis المولود وقت انتداب الخلافة العثمانية.
وبطله الأساسي (ألكسي زوربا ) Alexis Zorba
... "- لا أشهدك تصلي صديقي زوربا ؟
ليس بالضرورة أن تفقه صلوات و تسابيح الآخرين أو تراهم يفعلون!. -
أجبني ..هل معنى هذا أنك تصلي؟ •
نعم .. يجب أن تعلم أن قطرة من ماء البحر لا تكون إلا في أعماق الموج.
- ولكن أخبرني رجاءً كيف تصلي؟ •
أو تعتقد أن أصلي صلاة شحاذ وضيع يتذلل من أجل أطماعه ومخاوفه الدنيوية ؟..
بل أصلي كرجل. -
وكيف يصلي الرجال يا زوربا ؟ •
بالحب .. أقف وكأن الله يسألني: ماذا فعلت منذ آخر صلاة صليتها لتصنع من لحمك روحًا؟.. فأقدم للتوّ تقريري له فأقول: يارب أحببت فلانًا ومسحت على رأس ضعيف .. وحميت امرأة في أحضاني من الوحدة .. وابتسمت لعصفور وقف يغني لي على شرفتي .. وتنفست بعمق أمام سحابة جميلة تستحم في ضوء الشمس .. وأظل أقدم تقريري حتى يبتسم الرّب.
- وإن ابتسم. ؟
نضحك ونتكلم كصديقين.
- قل لي : ألا تطلب منه شيئًا؟
. • خالقي هو أكرم من أن أطلب منه .. طالما نظر فوجد حبًّا أعطى
- وماذا تفعل عند الخوف؟ •
أخاف ككل إنسان ولكن عندي يقين أن الحب يُذهب الخوف. .. »
كأن الكاتب مطلع على باب الإحسان و البرّ من خلال
حديث جبريل لما سأل النبي ﷺ عن الإحسان قال له النبي ﷺ: أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
*ـ كان زوربا رجل بشوشا دائم المزاح و اللطف مع الناس.. كنت أعتقد أني ـ أنحل و أنحف ـ دابة تمشي على الأرض تكلّمهم في بعض المجرمين؛ إلا أن زوربا تجاوزني في ذلك، عندما تراه لا ترى نحافته و لا قصر قامته بل ترى طول نفسه و صبره في تحمّل زبائنه بمختلف ميزاجياتهم .. ترى كبر و عظمة قلبه و ترى الحبور و هالة للطاقة الإيجابية تشع من وجهه و منطقه.. قبل سنوات طوال خلت كنت أتردد على محله التجاري في الوقت الفاصل للدوام في عملي السابق بعد الظهيرة .. مطعمه القريب من مركز تجاري كبير ضخم و في منطقة نشاط كثيف .. لكثرة ترددي على مطعمه باستثناء العطل الأسبوعية و السنوية .. كنت أمازحه قائلا : متى يا زوربا نذهب للموثق القضائي و نمضي عقد شراكة لمحلك التجاري هذا، فأقدميتي كزبون ساهمت بقسط كبير في رأس مالك و ليس من المعقول أن تشتغل ببغض من رأس مالي .. كان يضحك و يبادلني بأجوبة أكثر استفزازا للمرح .. لا ينسى دائما بمناداتي بـ « أخي » باللغة الفرنسية.. فـ « زوربا » اليوناني استوطن هذا المكان من ضواحي باريس منذ عشرات السنين و تجاوز بقدر كبير معضلات اللغة و التعبير عن أفكاره.. شيء فقط يفرط فيه هي « ألفاظه المسافحة » البذيئة التي يخلل بها جمله في بعض الأحايين؛ ليس ذنبه فهذه من بين حتميات اللغة الفرنسية عندما تستقر في أذهان و ألسنة المستوطنين الجدد أو المهاجرين، لا ينفع غربال انتقاء المفردات ، فـ « التَّفَرْنُسْ » و « التغريب » قد يجوب ما قبله من سلوك أو منطق! لهذا عندما آكل طبق « الكباب » في أيّ مكان استحضر « زوربا » اليوناني بكل نسخاته!.
ـ حب الله و حب بعضنا البعض يبدد الخوف من كروب الحياة أو يقلّل منها .
ـ سرد واقعي تعبيري ـ
ـ 14 جوان 2021
* ـ باريس الكبرى ـ جنوبا



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- « فراولة برلمانية للمتعة فلا خوف على الجزائرين إن هُم يُنكَح ...
- أفكار فِق-هيَ: الرسول و (ا.ل.م.ص) و ما أدراك ما المصّ!
- العار و الخزي: لا خير في أمة تُغتصب فيه معلّماته و تُعنّف!
- بلاغ عاجل! بحث في فائدة « العميد » الأديب صالح جبار
- القيَّامة!
- ألواحُ الزُّور
- التنَيُّز » بالشّعر
- المخ!
- تعاويذ الألم!
- « النتن ياهو » .. و قصتي مع قادة و ملوك العرب..!
- الأعراف...
- قطوف و أقباس!
- كوفيد 19 ، الغابة والعصابة و أشياء أخرى …!
- مَمِّي ..
- راعي الأنفاس
- الله جلّ جلاله في الأرض على جمل - أفرق-!؟
- سرد واقعي: المُنازلة
- ثلاثية سردية ( ناصيتي الطاحونة وأد)
- السِّيامية التفاعلية الأدبية (الخلفاوية الإبداعية الحديثة)
- إصدارات أدبية جديدة: -إيمان سبخاوي تُطلق كلماتها الآبقة


المزيد.....




- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - « شريف » و « زوربا ».. صلوات يبتسم لها الرّب!