أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خلدون جاويد - علي الشرقي بين الحياة والموت















المزيد.....

علي الشرقي بين الحياة والموت


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 11:45
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


منذ الهيولى - المادة الاولى - ، تترافق نظرتان متقاطعتان في تناول سره ِ ، فهو موجود بطبيعته بلا علة ٍ وفي حركة ضاربة في الأزل ! أو انه لم يكن فوجد بقوة وفعل الواجد ، والواجد مطلق القدمية مادام لكل بدءٍ بادئ .
ولدى الشاعر المتأمل في سير الحياة هاجس شاعري- فكري يقول بأنه ككائن ، في حالة متصلة بمراحل التحولات الحركية ، فعدا المولد وحقبة الحياة فان الموت ايضا جزء من سير الحركة ! انه حالة سكونية بين حركتين كلُحَيْظة التوقف بين شهيق وزفير ، وبذا فهو معْبرٌ الى مابعده ! ينعم فيه الكائن بعالم ٍ له طبيعة خاصة من الحركة والمعايشة . وان تتصل هذه الحياة بتلك فهذا ادعى الى انقاذ الديالكتيك من انطفائه عند ساحة الدنيا بل والامتداد به الى فاعليته في ميكانيزم لامتناه ٍ .
كل هذا هو دردشة على هامش المحسوس لدى الشعراء والفلاسفة وكل الشاعرين بغرابة الحياة وسرها وجوهرها ، وهذا لايلفت انتباه الذين يأتون الى الدنيا ويذهبون بدم بارد لاينبسون بسؤآل واحد عن هذا الكوكب الغريب والكائن الاغرب: الانسان. انهم في جملة اعتراضية ، منشغلون بمائدة الحياة ودسمها !.
وكما يقول اوسكار وايلد : "اللذة للجسد الجميل والألم للروح الجميلة " ، فان الالتياع للذهن الأديب والأريب . وأكثر الناس عذابا بحمل هذه الصلبان هو الشاعر الفيلسوف .
في قصيدة بعنوان (عجز وقدرة ) للشاعر علي الشرقي ، يتناول فيها هاجس التحول من حالة معينة الى اخرى فهو المتكون بايالوجيا في نشأة اولى قبل ولادته ، وهو الذي عاش لفترة ما في الحياة ، وهو الذي سيموت في مدى زمني معين ، ومن بعدها يؤول الى ( نشأة اخرى ونشره ) ...

طيبت نفسي بالقليل
وان كحل العين ذره
والدهر حلو ٌ كله
لكن نفس الحرّ مره
كم حسرة ٍ في صدره
ياساعد الرحمن صدره
كذب التظاهر كفتا
ميزاننا عجز ٌ وقدره
يانادبين تمهلوا
كم تندبون ثرى وصخره
للنفس سير ٌ دائب ٌ
بحياتها والموت فتره
لي نشأة مابين تسعة
أشهر ٍ مرت وعشره
كانت حياتي وانقضت
لم ادر ِ عالمها وذكره
وكذا حياتي هذه
بعد السنين المستمره
تطوى واصبح بعدها
في نشأة اخرى ونشره
ميلادنا ومماتنا
ونشورنا أنواع طفره .

فهناك اذن سير للنفس وتحولات للأجساد عبر الزمن تناولها الكثير من الشعراء والفلاسفة وسواهم بالشعر مرة والتحليل العلمي مرة اخرى ، وابدع بعضهم في الخيال الشعري ازاء تلك التحولات . صحيح ان المشهد غباري وتوابيتي ! الاّ ان بعض الشعراء تخيلوا استحالة تراب جسد ما الى أكواز وجرار ، او ان زهرة على شاطئ قد كانت ذات يوم شفة لعذراء ! اما ايليا ابو ماضي فقد اتسع خياله ليجعل من الغبار ملحمة للشعور . يكتب زهير ميرزا مقدمة توضيحية لقصيدة موكب التراب ووصفا للشاعر ايليا ابو ماضي وكيف اثارت رياح مغبرة الهاما ً : " في يوم من أيام الصيف الشديد الحر كان الشاعر جالسا مع بعض اصحاب له امام داره فهبت ريح شديدة أثارت الغبار وعقدته في الفضاء كالسرادق ، وكان في مشهد الغبار ماحمله على التفكير فنظم قصيدة موكب التراب :

من أين جئت ؟ وكيف عجت ببابي
ياموكب الاجيال والاحقاب
أمن القبور ؟ فكيف من حلوا بها
أهناك ذو ألم ٍ وذو تطراب ِ
ولهم صبابات لنا ؟ أم غودروا
في بلقع ٍ مافيه غير خراب ِ ؟

...............

أمررت بالاعشاب في تلك الربى
وذكرت أنك كنت في الاعشاب ِ
حول الصخور النائمات على الثرى
وعلى حواشي الجدول النساب ِ
وعلام تصعد كالسحابة في الفضا
والى التراب مصير كل سحاب ِ
لما طلعت على الشعاع موزعا
مترجرجا كخواطر المرتاب ِ
وذهبت في عرض الفضاء كخيمة ٍ
رفعت بلا عمد ٍ ولا اطناب ِ

وهنا يمتزج الرومانس المتخيل من ان زهرة ما كانت شفة ذات يوم ، بالواقعية السحرية اذ ان تربة كان من مكوناتها جسد أو اجساد ، قد مرّ عليها السحاب فغدا كائنا ذا ساق وتويج وأوراق . والساحر غير المنظور للمتأمل أن حركة الاختفاء والظهور والزوال والوجود والعدم والولادة انما هو لوحة تتحرك فيها الألوان والالتماعات والملامح والرموز لتشهد على الجمال في حالة تعشق وانفكاك ، في موشور التماع وتعتيم ، ضوء وظلال ، ابتسام دامع ، ودموع فرح . ان الكون قطعة شعر ساحرة . وان الشاعر ايليا ليجنح في التصوير الغريب الى الجميل الى رؤى تعجز عن تخيلها
ثاكل ! . فالثاكل لاترى الاّ فقيدها أما الشاعر الأريب فيرى جدلا فجائعيا ! ( تتمة القصيدة ) :

قال الصحاب لي َ استتر، وتراكضوا
للذعر يعتصمون بالأبواب ِ
وهب اتقيتك بالحجاب فانني
لابد خالعه وانت حجابي
كم سارح ٍ في غابة ٍ عند الضحى
جاء المساء فكان بعض الغاب ِ
ومصفق ٍ للخمر في أكوابه ِ
طرباً ، وطيف الموت في الأكواب ِ
انا لو رأيت بك القذى ، محض القذى ،
لسترت وجهي عنك مثل صحابي

.................

ان زاوية الرؤية هي التي تجترح المعاني وهي التي ترى من عين نوعية . ان عين الشاعر هي ليست العين المفسرة للظواهر المناخية في نشرة الانباء ولاهي الشاعرة بما يشعر به الصحب المعتصمون بالأبواب . ان النسبي يفرز التمايز بالحس والرؤية والموقف ، فما هو شر لعمرو هو خير لزيد . وما هو امتعاض واستنفار للصحب هو شعر ممتزج بالفلسفة . وان الفلسفة هنا ليست فقط ام العلوم تبدأ من اصطلاحات وتنتهي بالرموز الرياضية ، حلبة تناحر في الرأي والمواقف بين فكرتين او معسكرين مادي ومثالي او انها نظرة عاقلة تبحث عن الحقيقة بل انها ايضا ً ، هنا وعلى يد الابداع ، ومضات الادراك الشاعري الثاقب والمتفحص في روح الاشياء والموغل في بريق رؤيوي يلامس الروح والعقل باشراقات فنانة رفيعة النظر تسبغ على الفلسفة رونقا لها ومتنفسا من مرارة روحها .
ان الفلسفة تذرف دموعها على يد الشعر ! :

لكن شهدت شبيبة وكهولة ً
ومنى ، وأحلاما ً بغير حساب ِ
والشاربين بكل كأس ٍ ، والأُلى
عاشوا على ظمأ ٍ لكل شراب ِ
والضاربين بكل سيف ٍ في الوغى
والخانعين لكل ذي قرضاب ِ
والصارفين العمر في سوق الهوى
والصارفين العمر في المحراب ِ
والغيد بين جميلة ٍ ودميمة ٍ
والعاشقين ، الصب والمتصابي
والعبد في أغلاله وحباله
والملك في الديباج والأطياب ِ
آبوا جميعا في طريق ٍ واحد ٍ
الخاسر المسبي مثل السابي

اذن لقد رآى الشاعر البشرية في بانوراما عريضة ، وحزن عليها لما آلت اليه من تساوي افعال من عاش . السابي والمسبي اتحدا في غبار هائج من القرون السحيقة الماضية . وكذلك جميع الأضداد في الحياة قد تركزت في بؤرة الموت . وهنا لعله يريد ان يقول في عظة وعبرة بأن على المتجبر ان ينبذ عسف الجبابرة وعلى الملك ان يرى ان الديباج والصولجان والرخام والملك كله زائل . وان الموغل في تطرفه او في لون واحد وحيد من اختياراته والذي شقى وقارع من اجل نيله لامصير له الاّ التراب ويبقى السيف صدئا ومرميا هناك بل كل المباهج ، وحتى الأحزان ! لقد تساوى كل شيء في الفناء وتماما كما قال الشاعر الحكيم المتنبي : " وكل الذي فوق التراب تراب ُ ". وهذا مايعبر عنه ايليا ابو ماضي في خاتمة قصيدته :

فضحكت ُ من حرصي على ملك الصبا
وعجبت كيف مضى عليه شبابي
ووقعت انت على تراب ضاحك ٍ
لما وقعت عليّ في جلبابي
وكذاك اشواق التراب مآلها
ولئن تقادم عهدها لتراب ِ

واذا تتصل هواجس الشعراء ببعضها وتتوارد خواطرهم نرى ان حرص ايليا ابو ماضي على العمر يتشابه مع حب ابراهيم طوقان وتعلقه بالحياة الاّ ان النفاد بالمرصاد ، ولاخلود لانسان وان نجا من مرض او اذى او مصيبة فلا منجى من الموت . ان مغادرة الحياة قدر مكتوب وعين الانسان هي الراقدة ابديا . وادناه نورد قصيدة سر الخلود في رثاء سعد زغلول .

لي في الحياة تعلق ٌ وتشدد ُ
والعمر مابعد المدى فسينفد ُ
نفس ٌ اردده واعلم ُ انه
للموت بين جوانحي يتردد ُ
ويلم ُ بي ألم ٌ اخاتله بما
يصف الطبيب ُ فيستكين ويخمد ُ
ويسرني أني نجوت ُ من الأذى
ويْلي كأني ان نجوت ُ مخلّد ُ
وكأنني ضللت ُ سير منيتي
ان الطريق الى الفناء معبّد ُ
هيهات لست بخادع ٍ عين الردى
عين الردى يقظى وعينك ترقد ُ

وهنا أيضا ، وكما أسفرت القصيدتان عن سر تعلق الشاعرين ايليا ابو ماضي وابراهيم طوقان بالحياة ، يفعل قانون جمع النقيضين فعله ، اذ على الرغم من دراية الانسان بمصيره الآيل الى الردى فان حب الحياة هو الطرف الآخر الذي يوازن مابين هذين القطبين . فالحب هنا هو القيمة الأروع لتطوير المعاني السامية باتجاه الجمال وتخفيف الأثقال وذلك بالإسهام النبيل في ترقية الحياة وتنقية صفوها ومدها بأقصى الامكانيات المتاحة للبهجة والانتعاش ، ولا اروع من النتيجة الباهية التي توصل اليها ذات الشاعر ( ايليا ابو ماضي ) ، لو عقدنا المقارنة هنا مع قصيدة ( ان الحياة قصيدة ) والتي جاء في خاتمتها:

متّع ْ لحاظك في النجوم وحسنها
فلسوف تمضي والكواكب باقية .

أو الذروة الشاهقة التي راح يرودها مولانا جلال الدين الرومي وهو في حومة الطرب الصوفي :

أحاط السيل بخراب العمر
وبدأ كأس العمر بالامتلاء
كن سعيدا لأنه في طرفة عين ٍ وقد ذهب
حمال الدهر بالبضاعة من منزل العمر .

نعم، حقا حقا مايقوله الشعر الفلسفي، كن سعيدا! لو بقي لنا أمل بوميض من سعادة نحن العراقيين.



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطفال الذاكرة الحزينة لرياض البكري
- جدلية الشابي وايمانية السياب
- ذكرى الجواهري وعرائش لبنان
- نازك الملائكة تقارع الموت والحرب والشرور
- جبران خليل جبران ومض التسامي وعودة الروح
- وردة ادونيس ولألاء ايليا أبي ماضي
- لبنان المحبة والسلام
- الاعتزال موت ذاتي وسقوط حضاري
- - حتى أنت َ يابروتس - ؟ !
- الانسان لؤلؤة المكان وجوهرة الازمان
- لاتنسَ اسمك َ
- ثقافة الموت عزلة سوداء وقتل ابرياء
- مرحبا ً ياعراق
- بابل في القلب
- عبق الفلسفة في زهرة الشِعر
- كلنا في الهوى سوا ياعراق ُ
- وطني جلجلتي ... والمنافي صليبي
- الحياة عصفور من فضة
- كآبات ماثلة وومضات آملة
- ياعراقاً -ياأخا البدر سناء ً وسنى -


المزيد.....




- قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط ...
- موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ ...
- فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في ...
- -كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات ...
- قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم ...
- موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي
- برلماني روسي يعلق على تصريحات روبيو بشأن حدود أوكرانيا الحال ...
- -واشنطن بوست-: خبراء يتحدثون عن مشاكل بتنفيذ اتفاقية الموارد ...
- محللون: نتنياهو يخطط لاحتلال غزة دون تحمل مسؤولية سكانها
- رحلة إلى عاصمة السفاري


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خلدون جاويد - علي الشرقي بين الحياة والموت