غداً أو بعد غد

حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 6920 - 2021 / 6 / 6 - 22:03
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

للفنان ورسام الكاريكاتير الراحل بهجت عثمان، مقالة في غاية الطرافة عن علاقته مع زوجته التي هي بالمناسبة فنانة أيضاً، ولكن في مجال مختلف بعض الشيء عن مجال زوجها، فهي مصممة ديكور لمسرح العرائس.
دامت العلاقة بين الزوجين أكثر من أربعة عقود، وكلما احتفلا بعيد زواجهما راحا يترنمان بأغنية فيروز العذبة «يا ريت انت وأنا بالبيت.. شي بيت أبعد بيت»، رغم أن بهجت يؤكد أن الأغنية لم تلق لديه، ولا لدى زوجته، صدى طيباً حين سمعاها أول مرة، رغم إعجابهما الشديد بفيروز والرحابنة، وصداقتهما لهم.
ولاحظ المرحوم بهجت في تلك المقالة أن أحد أهم الفروق بينه وبين زوجته يكمن في أنه كان يعمل، من خلال الكاريكاتير، بوصفه مادة تحريضية مباشرة ضد راهنٍ بائس، من أجل غد أفضل، واصفاً نفسه بأنه متسرع، أما هي فكانت أبعد نظراً منه، وأنه تعلّم منها أن «بعد غد» أفضل من «الغد»، باعتبار أن الأطفال الذين من أجلهم تعمل زوجته هم من سيكونون «ما بعد الغد».
الغد الذي حلم به بهجت عثمان في شبابه، وعمل في سبيله كان قد حلّ، فإذا به، في الكثير من الأوجه، أسوأ حالاً من الزمن الذي كان الفنان أنشأ حلمه فيه، أي من الأمس.
ومنذ زمن غابر، وجزء كبير من الحلم الإنساني المصاغ في أفكار، ومذاهب، وفلسفات، وعقائد، ينظر للغد بوصفه فضاء زاهراً، سعيداً، مشرقاً. وفي أساس هذا الاعتقاد كانت النظرة التفاؤلية أن التاريخ هو في صعود إلى الأعلى، إلى الأمام، والأحسن.
وحين فوجئ أصحاب هذه المذاهب بالانتكاسات والارتكاسات الكبرى التي أحاقت بالحلم الإنساني في مراحل مختلفة، وجد بعضهم الخلاص الذهني في ابتكار فكرة التطور الحلزوني للتاريخ، وهي ليست سوى تحوير لفكرة الخط الصاعد للأمام، ولكن مع الاعتراف بالصعوبات التي يواجهها هذا الصعود، ما يجعل سيره «حلزونياً»، وليس مستقيماً، ولكنه رغم هذه الحلزونية يتجه في النهاية إلى الأمام.
وكردّ فعل على هذه الإخفاقات تبلورت آراء ترى أن التاريخ أكثر تعقيداً وتركيباً من النظرات الطوباوية، التي ينجم عنها تسطيح الأمور، فالتاريخ إذ يذهب للأمام حيناً، وبسرعة مذهلة، يمكن أن ينتكس انتكاسة مهولة تدفع بالحلم إلى المراتب الخلفية، وما أكثر الأمثلة من حولنا.
زوجة بهجت كانت أبعد نظراً، لأنها عملت في سبيل «بعد غد أفضل». ومن هم مثلها يملكون حصانة أكبر بوجه الخيبات، لأنهم لا ينشدون النتائج الفورية للعمل التي يتوقعها المتسرعون.

#حسن_مدن (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل