حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6879 - 2021 / 4 / 25 - 10:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
معنى الإبريز، حسب قواميس اللغة، هو الذهب الخالص، ويقال: ذهب إبريز، والقطعة منه إِبريزة، وإلى رفاعة رافع الطهطاوي يعود الفضل في جعل هذه المفردة حاضرة، حين اختارها في عنوان كتابه الأشهر: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، الذي يمكن أن نعده النافذة العربية الأولى على الفكر الأوروبي الحديث، وأحد الكتب المؤسسة لفكر النهضة العربية؛ بل لعله أهمها.
لكن لسنا كلنا نعلم أن الكتاب حمل على غلافه عنوانين، لا عنواناً واحداً، فإضافة إلى العنوان الذي اشتهر به الكتاب، أي «تخليص الإبريز في تخليص باريز»، فإن له عنواناً ثانياً هو: «الديوان النفيس في إيوان باريس». ونحن ممتنون، خاصة، للشاعر والأديب والمترجم السوري علي كنعان أطال في عمره، الذي ضمّن العنوانين على غلاف طبعة الكتاب التي صدرت في عام 2002، عن دار السويدي في أبوظبي، والمؤسسة العربية للنشر في بيروت، والتي قدم لها كنعان تقديماً ثرّياً، وفيها توقف عند العنوانين.
لاحظ كنعان، أن الطهطاوي، أخذ في اختيار عنواني كتابه بالسجع الشائع في ذلك العصر، بصفته ضرباً من «الزخارف اللفظية والمحسنات البديعية»، كما أنهما يشفّان عن الثقافة الشعرية للمؤلف، ففي اختياره لمفردة «الديوان» إحالة على العبارة الشهيرة: «الشعر ديوان العرب»، فيما بدا الطهطاوي في اختياره لمفردة «إيوان»، متأثراً بقصيدة البحتري في وصف إيوان كسرى، فاستعارها وقرنها بباريس.
اختار كنعان، أن يعيد ترتيب العنوانين، فلم يجعل من «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» هو الأول على ما فعل الطهطاوي نفسه، وإنما وضع العنوان الثاني أولاً، وفعل كنعان ذلك لأنه يرى أن للشعر الأهمية الأكبر عند المؤلف، وأن كون كلمة «باريز» أكثر شيوعاً من كلمة باريس يومها، هو ما حمل الطهطاوي على أن يقدم العنوان الذي وردت فيه المفردة.
أياً كان الأمر، يبقى أن في «تلخيص الإبريز» الكلمة الفصل، فرفاعة الطهطاوي أراد القول إن ما يقدمه في الكتاب هو انتقاء ما يراه مناسباً للمصريين، وللعرب عامة، مما وجده وعايشه في باريس، فهو لا يريد نقل «النموذج الباريسي»، أو الفرنسي، بحذافيره إلى بلده، وإنما انتقاء الإبريز، الذهب الصافي، الخالص، منه، فهو الذي سيفيدنا في نهضتنا.
ألا يصح النظر إلى تراثنا نفسه بنفس المنظور الذي به نظر به الطهطاوي لما رآه في باريس؟
نزعم أن الرجل قام بذلك فعلاً، فهو إذ استخلص الإبريز الباريسي، كان يدعونا أيضاً إلى استخلاص الإبريز من ثقافتنا وتراثنا وسلوكنا، ونبذ كل ما هو زائف وسطحي ومعيق لنهضتنا.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟