أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - صمت الهواء














المزيد.....

صمت الهواء


اخلاص موسى فرنسيس
(Eklas Francis)


الحوار المتمدن-العدد: 6917 - 2021 / 6 / 3 - 23:42
المحور: الادب والفن
    


الجو الهادئ، صمت الهواء، المدى يسترخي فوق المحيط، لا شيء يعكّر صفو الجو، ولا حتى نسيمات تعبر من النوافذ المطلّة على الغابة من الناحية الأخرى، الفندق ينام على شبه هضبة ما بين صخب الموج الذي أخرسته المسافة، وما بين حمرة الشفق، وفي ظلّ نخيل تكاد تخنقه حرارة الطقس، في البهو المقابل رجل وامرأة يتبادلان الصمت أيضًا، لا يحرّكان ساكنًا إلّا حين يلتقط أحدهما فنجان قهوته بحركة آلية يرفعه إلى شفتيه، ومن ثمّ يعيده إلى الطاولة الرخامية أمامها. الفندق معروف في المنطقة، وكان فيما مضى يؤمّه كبار رجال الأعمال، ومعروف بحركته الدائمة ولياليه الصاخبة.
في خارجه كان صراخ السيارات يطغى على أيّ سكون وزوابع الغبار، الأصوات مكتومة، والصيف على الأبواب، الباب الزجاجي المطلّ على الحديقة الخضراء يفصل ما بين حرّ الخارج وبرودة الصالة المكيفة، وبرغم هذا بدا لي الجوّ خانقًا، تعمّدت الجلوس إلى النافذة كي أتأمّل المحيط وما خلفه، علّه يبعث بي شيئًا من السكون. في الأربعين من العمر، حنطية البشرة، وشعر كثّ مخضّب بالحمرة. لم يكن بالإمكان أن أرى وجهها جليًّا، ترتدى ملابس رياضية، لا أعرف كم من الوقت مضى وهي تجلس هناك ربما أكثر من ساعتين، فتح الباب الزجاجي، واندفع الحرّ داخلًا مع دخول رجل في عقده الأربعين، يرتدي الجينز وقميصًا أبيض، يمسح العرق المتصبّب على جبينه بمنديله، وينفض الحرّ عن وجهه بحركة آلية.
كانت عينا الفتاة منصبتين نحو المحيط، لم تشعر بالزائر الجديد، ولم تلاحظ موجة الحر التي غزت الصالة لانشغال فكرها إلى أن وقف الرجل أمامها، وكأنّه آتٍ من غياهب الزمن.
كانت عيناه مثبتتين نحو عينيها في انفعال مضنى، أما هي فرفعت وجهها نحوه وكأنّ الليل هبط فجأة، والبحر أطلّ منهما، أو لربما جادة من شجر الزيتون أينعت، وهطل زيتها المطحون في معصرة الألم. بقيت النظرات سابحة في غليان الدموع، والصمت يرمقهما، ويزيد من الطين بلة، والفضول على درجة عالية في صدري، وقد بدت الأشياء أمامي وكأنّني في صالة سينما أشاهد فيلمًا ملوناً صامتاً. وحيدة منهكة، جميلة، مجهولة، سحبت يديها الهامدتين عن الطاولة، وارتمت في حضنها، والابتسامة شاحبة، وشفتان ترتجفان في محاولة جاهدة أن تشقّ الصمت بصوت رقيق، ولكن يمنعه النشيج.
أرّدت أن تعطي البكاء حقّه، وتترك للصوت حرّيته، تمنّيت لو أستطيع مساعدتها، أن أسألها: أين تسكن. أشارت بيدها إلى الرجل وكأنّها فقدت الذاكرة فجأة ربما محرجة من الصمت، تكلّمت بصوت خفيض، فسحب كرسيه، وجلس في مواجهتها.
المحيط كان قد اختفى في حضن الظلام الصامت، وأقفل الليل عليه المفتاح، هو قبالة عينيها، وهي في الجانب الآخر تحدّق وكأنّها ترى ولا ترى، أخرج من جيبه منديلًا ودفعه برفق إليها، تمتم بكلمات غير مفهومة لديّ، أخذتها منه، وقف بابتسامة متصنّعة كمن يمرّ بوقت عصيب وكأنّه في ساعاته الأخيرة، مدّ يده مصافحًا يدها، ولأول مرة في هذا المساء أسمع صوت الموسيقا ، وبصوت مضطرب :

يتفحّصها باهتمام أكبر ومسحة مأساوية تعلو جبينه
أنت تبكين،
المساء يزداد رمادية، ولا طاقة لي على البكاء،
يخشى أن يتركها، فيجلس مرة أخرى، وعيناه تفضحانه،
ويداه تسبقان تفكيره، يمسك وجهها، يقرّبه إلى شفتيه
تسلمه له
يقبّل جبينها وكأنّه لا مناص من تذوق زيت الزيتون المعصور للتو في حدقات العيون
ترتفع الأضواء.. الموسيقا،
وحرارة يدي هذا المجهول، يدنو أكثر من ثغرها، شفتان ترتديان القرمز، تنتشر رائحة الياسمين المفعمة برائحة البخور والورود.
مرّ وقت طويل، مشهد مأتمي للحزن في وسط غرفة مفروشة برائحة الصندل الذكوري، والنوم السحيق ينظر إلى اليدين المفتوحتين، وإلى ظلال الوجه، ينام في راحتيه، يحدّق ، يتسارع تدفّق الدم إلى وجنتيه، وبهدوء يتأبّط الجسد الطيع الرشيق رغم الفاجعة في رقصة أخيرة.



#اخلاص_موسى_فرنسيس (هاشتاغ)       Eklas_Francis#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصيدة لا تُبالِ بي إنْ عَصيتُ أمر القَصيدةِ صُعود ا ...
- اليوم عيدي
- حانة الحياة
- قراءة في ديوان -سماءٌ أخرى-
- أمام المرآة
- مذاق الغبار
- إيزيس
- اشتعال الماء
- في يوم المرأة هدية للرجل
- زائر غريب
- صديقي الأمل
- نحت في الأزقّة القديمة
- لأنّ الشمسَ هنا الآنَ والحياة
- قراءتي في -الرواية العمياء- للكاتب الدكتور شاكر نوري
- الأجنحة
- قراءة د. مريم الهاشمي في ديوان وأمضي في جنوني للشاعرة اخلاص ...
- لسنا قصّة عابرة.
- وسادة التيه
- قراءة في ديوان الشاعر جميل داري -لا جناح لي-
- أشجانِ الخلودِ


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - صمت الهواء