أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم خالد - مقهى الملحدين : الأديان بين الحقيقة والوهم (3)















المزيد.....


مقهى الملحدين : الأديان بين الحقيقة والوهم (3)


سليم خالد

الحوار المتمدن-العدد: 6915 - 2021 / 6 / 1 - 21:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة :

سلسلة مقهى الملحدين هي عبارة عن سلسلة متنوعة من المقالات والأفكارتتنوع بأطروحاتها وتمتزج في أفكارها وتصبغ بطابع موضوعي عصري لأنها موجهة للشباب بدرجة خاصة وللعموم بدرجة عامة
تم إصدار النسخة الثالثة في 1Jun كل نسخة تختلف عن الأخرى وموضوعة في سياق متصل-منفصل, هذه السلسلة ليست بالضرورة تدعوا للإلحاد أو التدين بقدر ماهي تدعوا لتحريك العقول نحو اتجاهات عقلية - منطقية - فلسفية.
فنحن نرى لاجدوى من العقول إذا تم تجميدها منذ الصغر ولم تستخدم في كل المجالات والمسائل التي تُطال حياة الإنسان ونحن ندعوا الإنسان للعلم والثقافة حتى يتمكن هذا الأخير من بناء حضارة فكرية راقية.



مدخل:

(11) الوهم
يرى الدكتور والمفكر فرويد أن الدين قائم على فكرة وهمية وهي ابتكار إله من خلال الشعور بالغطرسة بل ويعتقد أن الدين عبارة عن كم هائل من الاضطرابات النفسية الكامنة في الإنسان -البُدائي على وجه الخصوص- ، في كتابه "محاضرات تمهيدية جديدة حول التحليل النفسي (1933) اقترح أن " الدين وهم ,, يستمد قوته من استعداده للتوافق مع دوافعنا الغريزية في بناء هوية في إطار مجتمعي" يرجع "فرويد" الأفكار الدينية إلى الأوهام: "إن المذاهب الدينية جميعها أوهام لا سبيل إلى إقامة برهان عليها، ولا يمكن أن يزعم أي إنسان على أن يعدها صحيحة وعلى أن يؤمن بها". والسبب في ذلك يعود إلى أن الدين هو عصاب مرضي، أو عصاب قهري، يحمل كل خصائص الأعصبة المرضية. بل ويؤكد فرويد على أن الأديان توهمات وأن سبب وجودها هو الخوف الطفلي والقلق الإنساني إزاء أخطار الحياة ، فيقول : " حين نوجه أنظارنا نحو التكوين النفسي للأفكار الدينية . فهذه الأفكار التي تطرح نفسها على أنها معتقدات ، ليست خلاصة التجربة أو النتيجة النهائية للتأمل والتفكير ، إنما هي توهمات ، تحقيق لأقدم رغبات البشرية وأقواها وأشدها إلحاحاً . وسر قوتها هو قوة هذه الرغبات ,, خصوصًا تلك ماتسمى الرغبة في الخلود !! و يرى فرويد أن الدين لم يحقق السعادة والأخلاق التي يبحث عنها الإنسان ، فيقول : "فمن المشكوك فيه أن يكون البشر قد عرفوا في مجملهم ، في العهد الذي كان الدين يسود فيه بلا منازع ، سعادة أكبر من تلك التي يعرفونها اليوم ؛ وعلى كل حال ما كانوا ، بالتأكيد ، أكثر أخلاقية ". و يشبه فرويد دور الدين في حياة الإنسان بالدور الذي تقوم به المنبهات والمسكرات للإنسان عند تناوله لهما*.


(12) الأديان

وضع ليسنغ فلسفته عن الدين ورأى أن البشرية انتقلت في تاريخها عن الدين إلى ثلاث أقسام الأولى الأديان الوثنية ثم أديان الوحي –ورأى أن المسيحية أعلاها –
ثم سيصبح الإنسان واعيًا وسينتقل إلى مرحلة جديدة حيث دينه سيكون قائم على الأخلاق كدرجة أولى.

إن التعريف الجوهري للأديان هو بأنها : ((نظام متسق من المعتقدات , التي تدور حول موضوعات مقدسة يجري عزلها عن الوسط الدنيوي , وتحاط بشتى أنواع التحريم وتحاط بهالة من القدسية التامة التي لايمكن كسرها
من قبل الأوساط العامة وكل تلك المعقتدات تجمع كل المؤمنين والعاملين بها في جماعة معنوية واحدة تدعى الأمة الفلانية أشهرها اليوم الأمة الإسلامية والأمة المسيحية.))

عندما نصل إلى الحجج العقلانية فإن البشر لايختلفون على الأشياء الواضحة كإتفاقهم على وجود الشمس والقمر وحتمية الموت ووجود الغرائز ولكنهم يختلفون في العقائد والأديان لأن كل شيء يقع فيه الإختلاف فهو
غير واضح بشكل كامل وكلما زاد عدم وضوحه زاد الإختلاف عليه بشكل أكبر وأوسع

يتكون الدين , في كل زمان ومكان من ٤ مكونات أساسية تضمن أساس الدين وهي
١ المعتقدات : تشمل الجانب الفكري التي تُغزى بالعديد من الأفكار الدينية.
٢ الأساطير : والتي بدورها تمثل الحكايات المقدسة , حكايات إله ما , حكايات قادمة من فم الله نفسه إلى بشر في دين ما.
٣ الطقس : يمثل الجانب العملي من الدين أي الشعائر بما فيها طقوس الصلاة والصيام.
٤ الأخرويات أو الماورائيات: يمثل الجزأ الأهم حيث يشمل كل مايتعلق بالموت ومابعد الموت من عذاب وحساب من جنة ونار من عذاب القبر وغيره وهذا الجزأ المسؤول عن غرس تركيبة مشاعر الخوف والذعر في نفوس المؤمنين

وتشمل أيضًا ٤ مكونات ثانوية وتتمثل

١ الأخلاق
٢ السير المقدسة : كقصص الأنبياء والأولياء والسلف الصالح
٣ الجماعة
٤ الباطنية

حسنًا في مايخص حكايا الآلهة لازال هنالك جدل بين المفكرين والعلماء حول أسبقية الأساطير فالإنسان القديم لم تكن له القدرة قديمًا على التفكير المنطقي الممنهج بل كانت
له القدرة على التخيل والقص وراية أحداث مقدسة ترتبط بالآلهة وهي الأساطير التي لم تثبت شيئًا منا حتى يومنا هذا فعندما يزعم شخص ما بوجود الآلهة فإن زعمه يقع عليه بإثبات وجوده وقطع الشك من اليقين لا على البشرية!!

قد ساعدت الأساطير في حفظ المعقتدات وتداولها بين الناس وشحنها بالشحنات العاطفية والانفعالية وهو مايبقي عمرها طويلاً فالأسطورة هي أن تجسد المعتقد بروح شعبية قصصية متداولة
فهي تبسط المعتقد وتجعله دنيويًا ميسراً على شكل حكايات تتداول بين الناس حول المقدسات الذي هو جوهر المعقتد .

وفيما يخص الطقوس فهي تمثل الجانب الإنفعالي والعملي من الدين فيتحول المعتقد إلى تطبيق واقعي وتعتمد الأديان البدائية على الطقوس بشكل رئيسي أكثر من اعتمادها على المعتقدات لأنها تمثل السيطرة الحقيقية فيها
فنرى مثلاً طقوس العبادات تتكرر كل يوم وكل سنة فتتحول تلك العبادات إلى عادات منها ما هو يومي ومنها ما هو أسبوعي وشهري وسنوي فنجد الإنسان هنا يكرر الصلوات كتحركات ببغائية ويحج كمسيرة سنوية وغيرها
إن بعض الأديان قد رفعت من مستويات طقوسها لكي لاتندثر وتصبح من التاريخ وبعضها قد خففت من طقوسها "كالمسيحية" لأنها أصبحت رضخت للواقع وأصبحت تحت عصور جديدة لاتتحمل عصور أجدادها¹.

(13) ما مصير الإنسان بعد الموت ؟


في الحياة ثمة منتصر أزلي هو الموت وخاسر أزلي هو الإنسان , الموت حقيقة كل ملموسة يعيها كل فرد عاقل
الموت كما نعرفه هو نقيض الحياة وربما يكمن الحزن المرافق للإنسان لإدراكه المُسبق على موته اللاحق
ويكمن حزن آخر أيضًا وهو فراق الأحباب ولربما للأبد فبينما نجد الأديان تعد الآخرين بلقائهم فإننا نجدها في نفس الوقت لاتبرهن لهم كيف ومتى يلتقون بهم ولكن لربما هذه الوعود مفيدة للكيان الإنساني بوصفها مخدرًا لآلامه

والموت موجود منذ فجر التاريخ ونجده يلاحق كل الكائنات الحية من بشر وحيوانات ونباتات وغيرها ولكن منذ ولادة ما يسمى بالأديان وصلنا إلى مرحلة خاصة
فنجد أنه تم استخدام التصورات المتعلقة بالموت لأغراض سياسية - دينية حيث تُستخدم سياسة الترهيب بالأخرويات بطريقة تكفل لمن يستخدم تلك التصورات سلطة مطلقة على كل من يصدقها
فنجد أن الأديان الكبيرة قد استغلت تلك السياسات لصالحها ضد أفرادها فنجد أن المنظومات الدينية بإختلاف أفرادها قد نجحت جميعها في ترهيب أفكار أفرادها بتلك القصص المفزعة التي يتشربها الطفل الصغير مع حليب أمه
لذلك نجد أن قصص عذاب القبر له عدة نسخة حسب الدين نفسه فمثلاً هنالك قصص كثيرة حول عذاب القبر الإسلامي لايصدقها إلا الأفراد المسلمون ولايأخذها غيرهم بجدية وكمثال آخر هنالك قصص مفزعة حول العذاب في الآخرة في الديانة اليهودية
وكيف أن الله سيعذب من هو غير يهودي ولا يرهب ويخاف منها إلا اليهود أنفسهم ويكاد لايهتم لتلك القصص أي فرد غيرهم إن الجحيم يخلقونه في العقول قبل كل شيء ويصبغونه حسب الصبغة الدينية التي يريدونها.

ورجوعًا إلى حقيقة الموت فإننا نعلم جميعًا بأن هنالك حقيقة مؤكدة وهي أن الموت هي اللحظة التي يتوقف فيها وجودي عن تواجده , ننتقل من كينونه إلى لا كينونة ...إلى عدم².
وبغض النظر عن وجود إله أم لا فإن تصور مابعد الموت مسألة لايمكن إثباتها أو تقديم أي أدلة عليها فهي مجرد تصور لا أكثر ولا أقل
لقد وضعت الأديان العديد من المعتقدات لإثبات صيغة الأخرويات على سبيل المثال جعلت وجود فكرة إله ووظفته بأنه المدير العام لمؤسسة الموت وغذوها -للأسف- بقصص من الروايات والأساطير التي لم تثبت منها شيئًا حتى الآن.

العلم لاينكر وجود حياة ثانية وفي نفس الوقت لايقر بها فقط لعدم وجود أي أدلة وبراهين ومصداقية عليها وإذا كنا في مرحلة القرن الواحد والعشرين وقد رأينا بأم أعيننا كيف أن العلم أثبت نفسه بنفسه في مجالات كثيرة ولايستطيع حتى اليوم
تفسير حقيقة الموت لغياب الأدلة ..فكيف نؤمن بعقليات أسلافنا التي تؤمن بالأديان التي لاتهتم لأي أدلة أو براهين من الأساس !!؟ كل ماتهتم له هو اختلاق الأساطير ومزاعم الإيمان القائم على الوهم لا الحقيقة

وكسؤال أخلاقي كيف لأي إله أن يحاسب البشر ويعاقبهم على مالاقوة لهم بإثباته !؟ وفي نفس الوقت كيف يدخلهم الجنة فقط بمجرد الإيمان المطلق والمتجرد من الأدلة والبراهين أصلاً!؟
أليس من الحماقة أن يخلق لهم عقولاً ومن ثم يريدهم أن يصدقوا دون أدلة وكأنهم أغبياء دون عقول!!
كرأي شخصي يجب على كل إله أن يراجع ضميره قبل أن يراجع البشر في مسائل خطيرة ومهمة كهذه فمصير كل البشر الذين ماتوا مجهول حتى الآن ولايعرف عنهم أي شي ... إطلاقًأ!!

يموت الإنسان عندما يتوقف قلبه عن النبض ويتوقف التنفس لديه. الدماغ يمكنه أن يعيش سبع إلى ثمان دقائق بعد توقف القلب، ثم يبدأ بالتحلل والفناء إذا لم يبدأ القلب في ضخ الدم من جديد. وإذا تحلل الدماغ يضيع إلى الأبد كل ما تعلّمه الإنسان في حياته، كما تضيع ذكرياته وشخصيته. وعندما يُدفن الجسم الميت يبدأ في التحلل وتذوب الأملاح والمعادن في الأرض وتأكل البكتريا البروتينات والشحم. وبعد حوالي ثلاثين عاماً لا يبقى من ذلك الجسم شيء. لو رجعت الروح القديمة إلى جسم جديد فسوف لن يكون لهذا الجسم من ذكريات ولا يستطيع أن يعرف من هو ولا أين كان قبل أن يموت. فهذا الإنسان الجديد مسخ من الإنسان الذي توفي. وعليه لا يستطيع إله السماء أن يحاسبه على أعماله الماضية لأنه إنسان جديد لا ماضي له، والروح التي عادت إلى الجسم تجد نفسها في جسم غريب لا تمت له بصلة. فقول القرآن (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور 24) يصبح قولاً لا معنى له لأن كل هذه الأعضاء جديدة لا علاقة لها بالروح التي دخلت الجسم الجديد، وبالتالي لا يمكن أن تشهد الأعضاء على ذلك الجسم الجديد ³


(14) البراغماتية

ارتبطت بداية المنهج البراغماتية بقاعدة بيرس بالقول المأثور تسمى ((maxim)) :"الأخذ بالنتائج العملية التي ندرك أن تفكيرنا قد يكون على علاقة بها
وعندئذ يكون إدراكنا لهذه النتائج هو كل مفهومنا عن الموضوع."
انطلاقًا من هذا القول المأثور أصبحت البراغماتية منهجًا في الفلسفة يتخذ بها فلاسفتها طريقة فلسفية خاصة بهم تجعل منهم بناة مذهب فلسفي متكامل لايقبل الزيادة أو النقصان كما فعلت المثالية أو التجريبية

إذًا يمكن القول ببساطة أن غاية المنهج البراغماتي هو توضيح الفكرة ومحاولة الوصول إلى حل النزاعات الميتافيزيقية

يعتبر تشارلز بيرس المؤسّس الأوّل للفلسفة البراغماتية نشربإحدى لمجلات العلمية تحت عنوان «كيف نوضح أفكارنا» وفي هذا المقال، يذهب بيرس إلى أن نحدد السلوك الذي يمكن أن ينتج عنها، فليس السلوك بالنسبة لنا سوى المعنى الوحيد
الذي يمكن أن يكون لها. هو صاحب فكرة وضع «العمل» مبدأ مطلقًا ؛ في مثل قوله : «إن تصورنا لموضوع ماهو إلا تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر». تدرج في اهتماماته العلمية والفلسفية

أمّا عن نظرته إلى الدّين فقد ذكر أنّه عبارة عن اعتقاد، وأساس هذا الاعتقاد هو إقامة أو تكوين عادة معيّنة، بحيث يشعر الإنسان بوجودها، وبحيث يستطيع أن يمارسها فعلا أو إمكانا، وأن يكون على استعداد للقيام بما تقتضيه من عمل.

وتحدث بيرس عن مفهوم الإعتقاد وعرفه بعبارة أدبية بأنه : "النغمة النصفية التي تختم جملة موسيقية في سمفونية حياتنا الفكرية."
إن هذا التعريف الجميل يعطينا وصفًا دقيقًا لما يعنيه بيرس كمفهوم وإذا حللنا هذه العبارة البليغة فإنه يمكن القول بأن الإعتقاد هو التحول من فكر قلق إلى فكر مستقر
فحينما يقول أنه نغمة فكر وباستطاعة هذا الفكر أن يولد فكرًا آخر , ذلك يعني أن جميع الإعتقادات ليست بمعنى الحكم الثابت بل هو الفكر حينما يقف إلى نقطة توقف.⁴

إن الأديان بطريقة ما تنتهي بأن توقف الفكر العقلاني لتمنع من أن يتدفق هذا الفكر خارج إطار معتقداتها أو منظومتها
إن لاتريد ولاتسمح لأيًا بأن يتجاوز الخطوط التي رسمتها على العقول وترسم القوانين حسب ماتراها أو حسب مايرى رموزها من أنبياء ودعاة وكهنة وقسيسين مناسبًا لهم
وإن حدث وتحدثت تلك الأديان فذلك لأنها خضعت للعديد من الضغوط التاريخية وخصوصا مع بأن هذا العقود الأخيرة قد حلت العلوم والفلسفة والفن وغيرها مكانها كبديلاً عنها

وإذا مارجعنا إلى بيرس فإنه يخبرنا لكي نتمسك ببعض المعتقدات علينا أن نخضعها للإختبار. وفي إفادة سابقة لهذه السلسلة قد شرحنا كيف أن الأديان تنهار بنيتها التحتية وأساسها عندما نخضعها للأمور التالية ((إثبات , برهان , دليل علمي)).
يجب أن نسمح لأنفسنا بإخضاع معتقداتنا بوضعها على محك التجربة فالامتناع عن إجراء مثل هذا الاختبار يؤدّي إلى نوع من الغموض الذي من شأنه أن يحجب عن الإنسان المعرفة الصّحيحة، ويعوقه عن تصحيح كثير ممّا يعتقد في صحّته من قبل، فكثير من النّاس كانوا يعتزّون بأفكار غامضة، ويجعلونها بمثابة هوايتهم الوحيدة، وهي في حقيقتها أفكار خالية من المعنى، لدرجة أنّها يستحيل حتى أن تكون كاذبة، ومع ذلك، فكلّ منهم كان يحبّها حبّا جمّا، ويجعلها رفيقته ليلا ونهارا، ويعطيها كلّ قوّته وحياته؛ فهو كان يعيش معها ومن أجلها حتى أصبحت جزءا من كيّانه، وإذا به يجدها ذات صباح مشرق قد ذهبت أو اختفت تماما، فتهوي حياته معها أو بذهابها. وهكذا قد يتعصّب النّاس لمعتقداتهم ويصعب عليهم أن يتخلّوا عنها حتى لو اكتشفوا أنّها لم تكن صحيحة أو حين تصبح موضع شكّهم. ⁵

ولقد أوجز بيرس قوله في الدّين بقوله: إن فلسفتي في الدّين يمكن وصفها بأنّها محاولة فيزيائي يصوّر بنية الكون تصويراً لا يتعدّى ما تسمح به مناهج البحث العلمي، مستعيناً في ذلك بكلّ ما قد سبقني إليه العلماء السابقون

هكذا إذن نخلص إلى أنّ خير الوسائل لإثبات الدّين أو الاعتقاد حسب تشارلز بيرس هي الوسيلة العلمية التي تجعل صواب ما نعتقد أمرا يشاهده كلّ من أراد أن يشاهد، فليس الأمر هنا حجاجا عقليا أو لفظيا بين جماعة من النّاس فيما بينهم



ومن منظور آخر فقد ناد المنهج البراغماتي بالحرية بما فيها الحرية الدينية فويليام جيمس ؤكّد على أنّه في حياتنا اليومية لكلّ منّا أن يعتبر عقيدته ومذهبه وفكرته عن الله صحيحة بالنسبة إليه إذا ما مكّنته من حلّ مشكلاته اليومية
حلّا شريفا، وهو بذلك يربط الاعتقاد أو الدّين بالنفع وهذه المنفعة قائمة على وجود مشاعر حسية وليست تلك العقلانية.


ذكر أنّه يستحيل إثبات ذلك عن طريق الخبرة العملية، وإنّما يثبت هذا الأمر عن طريق النّتائج الحسّية الملموسة؛ فوجود الله حسبه يستحيل إثباته إذا احتكمنا إلى خبراتنا العملية لأنّنا لا نراه ولا نسمعه ولا نمسه
إذًا منطقيًا الحساب العقلي والعلمي لايمكنهم حتى الآن إثبات وجود الله من عدمه ويعتمد البشر على منظورهم الآخر وهو مشاعر الحسية والعاطفة في إثبات وجود الله من عدمه.

(15) مستقبل الأديان

إن مستقبل الأديان لايقوم على التخمين أو الظن بل يقوم على أساس المعطيا حول حاضر الأديان لو تأملنا حول آراء الخبراء والمحللون في القرن الواحد والعشرين فإننا سنكون أمام تصريح مهم جدا وهو أن المجتمعات (الغربية بشكل خاص) تتجه نحو اللادينية واليوم المجموعة اللادينية تشكل الثالثة حول العالم مع عدة ملاحظات صادمة أولاً بأنها لم تنتشر كغيرها بفعل الحروب بل انتشرت بالعلم والنقد والفن وغيرها ثانيًا بأنها اللادينية ليست كعقيدة لديها كتاب مقدس بالإضافة إلى أن لايمكن معرفة عدد أفرادها الصريح فالبعض يفضل أن يبقى على دين أهله ولو بالاسم في الورق لكي لا يتعرض للمشاكل ويتوقع الخبراء بأن معطيات الحاضر تعطينا الكثير من الانطباعات ,فالعولمة سائرة نحو أهدافها والعلمانية تضمي في المجتمعات اليوم , والعلم يتقدم , والانترنت يغير صورة العالم كل هذا يحصل في الغرب⁶.

أما في الشرق الأوسط فإنه -للأسف- يتراجع إلى الخلف وتزداد فيه الأصولية الدينية وتنشب فيه الحروب الدينية والدمار , لكن على مايبدو بأن الأمر ملتبسًا عندما نراقب أديان أخرى مرادفة للإسلام كاليهودية والمسيحة
فإننا سنجد بأنه مرت بالعصب نفسه ثم تراجع دورها الحضاري وأفسحت الطريق للحياة المدنية ..أي يمكن القول بأن الشرق أوسط اليوم هو أوروبا العصور المظلمة بالأمس !!

(16) الحقيقة المطلقة : ماهو الحقيقة المطلقة ؟ وماذا لو كان ديني هو الصحيح ؟! ماذا لو كنت على خطأ ؟!
"إن الإنسان بجهد الشخصي والعقلي عليه أن يتحرر من كل عبودية."
عندما سُئِل بوذا عن ماهية الحقيقة المطلقة أجاب قائلاً :
ليس للحقيقة بطاقة , إنها ليست بوذية ولا مسيحية ولا هندوسية ولا مسلمة ولا يهودية
الحقيقة ليست احتكارًا لأحد دون غيره والبطاقات التي تُلصق وتصبغ على أجسادنا وتعلق فوق الطوائف والأديان
ليست إلا عائقًا أمام التفهم الحر ..أمام العقول التي تريد التحرر والخلاص فالعبرة بأن العقول تريد التحرر من كل عبودية فوق عنقها ولو ملأتها لآلئ كل روايات الأساطير وأنسجة الخرافات وحكايا الخيال المقدس.

إن جذور كل شر هو الجهل وخصوصا عندما الجهل يغطى بهالة من القداسة ويصبح (الجهل المقدس) فغزو الجهل المقدس هو أخطر عائق يقف أمام العقل البشري ضد الحريات والتطور والعلم والفلسفة والفنون إنه يقف ضد كل شيء.
وبعد كل هذا قد تجد سائلاً يسأل ... وماذا لو كان ديني هو الصحيح !؟ وصادف وأن فرقتي هي الفرقة الناجية ؟!
ماذا لو كنت على خطأ ؟ أ
في مناظرة شهيرة ألقاها العالم ريتشارد دونكنز على نفس السؤال الذي يطرحه الكثير من البشر من سائر الأديان ومختلف الأعراق أجاب قائلاً
جسنا .. أولاً أي شخص في هذا من الممكن أن يكون على خطأ يمكن أن نكون مخطئين بشأن
"وحش الاسباجيتي الطائر" و "الحصان المجنح الوردي" و "أبريق الشاي الطائر"
ثانيًا ..حسب ظني –يقصد السائلة- أنتِ مؤمنة بالديانة المسيحية , تعرفين مالذي قد يحدث إذا لم تؤمني بمعتقد معين لأنك لستِ هندوسية ,, لماذا لستِ هندوسية ؟! لأنك ولدت صدفة في أمريكا وليس في الهند أي إذا وُلدتي في الهند لأصبحت هندوسية .. وإذا وُلدتي في الشرق الأوسط لأصبحت مسلمة وإذا وُلدتي في الدنمارك في عصر الفايكنجز لآمنتي بإله الرعد "ثور" وإذا ولدتي في اليونان القديمة لآمنتي "بزيوس" وإذا وُلدتي في وسط أفريقيا لآمنت "بجوجو عظيم الجبال" .
ليس هناك سبب معين لإيمانك بالإله الإبراهيمي هي مجرد مصادفة لكونك ولدتي في مكان وزمان معين والآن تسألين ماذا لو كنت على خطأ ؟! ....حسنًا ماذا لو كلنا أخطأنا بشأن "جوجو عظيم أعماق البحار" ؟ ⁸
نعتقد شخصيًا بأن الآلهة – على افتراض وجودها - تستطيع حل كل تلك العوائق بمؤتمر صحفي لمدة 5 دقائق
لقد قضت البشرية قرونًا كثيرة في البحث عن أسئلة لم يعثر لها جواب شافي فالآلهة مدينة للبشر ولو بدقائق فلا أحد ينكر وجودهم ..ولكن في نفس الوقت لا أحد يقر به فحتى اليوم لا يوجد بين يدي البشرية أي أدلة حقيقية ملموسة بوجود أي آلهة أو شيء فوق البشرية قد تكلم مع البشر أنفسهم , لا يوجد لدينا غير أساطير وخرافات تُرضع للأطفال مجانا منذ الصغر وتقدم نفسها على أساس أنها مسلمات مطلقة لايمكن التشكك بها وهي بالتأكيد ليست كذلك والآلهة نفسها لايمكنها فعل تلك السخافات للبشر لا يمكن أبدًا أن تخلق للبشر عقولاً ومن ثم تأمرهم بالإيمان دون دليل لمجرد حكايا وأساطير من التراث القديم مركبة بجهل مقدس.
عدا ذلك سيتحرر كل إنسان مسلم دارس لدينه بعد أن حلل النصوص و أعادها لحجمها الطبيعي و الذي لن يختلف به العقلاء بأن الإسلام بعد دراسته غير صالح للإستهلاك البشري و غير مناسب لا في زمانه ولا في الأزمنة القادمة بالمطلق. و العله هي أن الإسلام بشري و منسوخ من الأديان السابقة و من كل ذي وادي عصا. وليس كما يدعي بأنه إلهي.

و ما يحكى عنه بالإعجاز العلمي هو محض خيال قصصي عن وجود رجل طائر و خارق اسمه سوبرمان.

فحجه اللجوء لطرح الإعجاز العلمي في القرآن، كانت المحاولة الأخيرة من دجالين الإسلام في صرف نظر المسلمين عن المحتوي القرآني عديم الفائدة، لبشريته و لكثرة أخطائه و احتوائه على نصوص تتعارض مع حقوق الإنسان و الضمير الحي.

أخيرًا , شخصيًا نعتقد بأن الآلهة جميعها أرحم من أن تحاسب البشر على دينها أو حسب فرقة طائفتها فهذه المعايير لاتتناسب أبدًا مع عقلية الإنسان في العصر الحديث , نعم لربما تلك المعايير كانت تتناسب في الماضي مع عقلية الإنسان البدائي لأسباب طائلة منها أمية العلوم وكثرة البشر الأميين الذين لايعرفون الكتابة والقراءة بالتالي انتشار طاغي للجهل وكما ذكرنا في السلسلة الماضية أن بيئة الجهل تكون خصبة ومتناسبة لولادة الأساطير والحكايات والخرافات والمزاعم والتي إن تشكلت جميعها شكلت لنا منظومة متكاملة تسمى الأديان , أي بعبارة أخرى "البيئة التي يكثر فيها الجهل تكون خصبة لولادة الأديان" ولكن مع ولادة العلوم والفنون والفلسفة والموسيقى في العالم الجديد اليوم فإنها ستحل محل الأديان فالإنسان اليوم بفضل العلوم أذاب الكثير من الجهل المقدس ولربما سيأتي قرن على البشرية سيشهد ذوبان سائر الأديان للهاوية في قاع الأرض ويشهد موت الأديان للأبد.

مخرج :


"‏قبل ظهور الدين كان هذا الكوكب موطن للجميع , لم يكن هناك أحد يدعى أن هذا مكان مُقدس أو أن الرب يسكن هنا , الدين هو من أقنع الإنسان بأن خالق الكون يهتم بالمبانى الحجرية
و يُحب الأراضى المُقامة عليها . حروب و دماء و مقاطعات و دمار من أجل ماذا ؟ ماذا فعلت بنفسك يا إنسان؟!"





__
مراجع :
*- التحليل النفسي لظاهرة الدين حسب العالم فرويد – موقع الحوار المتمدن
¹- مركز مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث , علم الأديان لـخزعل الماجدي.
²-أفكار حول الموت والأزلية , لوديغ فويرباخ ترجمة نبيل فياض.
³- هل هناك حياة بعد الموت - كامل النجار
⁴ الفلسفة البراجماتية وأصولها للدكتور علي
⁵ حبيب الشاروني، محاضرات في الفلسفة المعاصرة.
⁶نفس المصدر 1
⁷ مبادئ الفلسفة البوذية , من كتاب تعاليم بوذا.
⁸ مناظرة شهيرة مترجمة لريتشاد دونكنز.



#سليم_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقهى الملحدين : لماذا يكرهون الليبرالية ؟ ولماذا يفشل مشروع ...
- مقهى الملحدين : لماذا الإلحاد مطلب ولماذا الخروج عن دين آباء ...
- الدين الإسلامي : ماذا لو..؟
- متى ينتهي وباء الإسلام من هتك البلاد العربية ؟
- أركان الإسلام السبعة : كيف تخدم تلك الأركان ذلك الدين ؟
- دين الإسلام : تحديات باطلة وآيات ليست تنزيل من رب العالمين
- لننهي النقاش : هل الله موجود ؟
- لننهي النقاش : أيهما أفضل شريعة الله أم شريعة البشر ؟
- لننهي النقاش : من كتب القرآن ؟
- هل الأنبياء كانوا في شك مما يدعون إليه ؟ نقد وتأمل للقرآن


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم خالد - مقهى الملحدين : الأديان بين الحقيقة والوهم (3)