|
الكرد السورييون الى أين
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 6910 - 2021 / 5 / 27 - 08:21
المحور:
القضية الكردية
هنا لا اريد الحديث عن درجة الاحتقان الزائدة لدى قطاعات واسعة من شعبنا ، والحساسية البالغة في العلاقات المجتمعية البينية ، وانعدام أواصر الثقة واللحمة حتى بين العائلة الواحدة ، وأهل القرية الواحدة ، وأبناء المدينة الواحدة ، والبلاد الواحدة ، والقومية الواحدة ، ولست بصدد البحث عن القيام بدراسة اجتماعية ونفسية لان تلك لها مختصوها ، واخصائيوها . فقط يمكنني الإشارة الى أن أي بلد عانى نحو سبعين عاما تحت هيمنة الاستبداد ، وكم الافواه ، وقمع المختلف مثل سوريا ، لن يحظى سكانه بمختلف مكوناته القومية والدينية ، والمذهبية بأية فرصة في الحياة الطبيعية الآمنة العائلية والسياسية والاجتماعية ، وليس بمقدورهم الخلاص بسهولة وعلى وجه السرعة من الثقافة التي سادت طيلة تنلك العقود عبر كتب التربية ، ومناهج التعليم ، ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة . وفي تطبيقاتها المحلية ،عبر الإدارات الحكومية الرادعة ، والأجهزة الأمنية .
هنا يمكنني تشخيص الحالة الكردية السورية الخاصة في ظل المشهد السائد الذي اشرت اليه أعلاه ، حيث قامت الحركة الكردية بأداء الواجب القومي بحسب امكانياتها ، وقدراتها المتوفرة ، خصوصا من خلال حركة – خويبون – ١٩٢٧ ، والحزب الكردستاني الأول ١٩٥٧ ، فوضع البناة الأوائل اللبنة الأولى ، وتركوا مصير الحركة التي أنشأوها بتضحياتهم في ظروف صعبة ،على مبادئ عامة ،غير واضحة المعالم ، لمن يأتي من بعدهم من الأجيال الكردية . وظهر اليسار –١٩٦٥ ليواصل النضال ، وكان على عاتقه مهام جسام لانجازها ومن أخطرها الإجابة على التساؤل التاريخي : من نحن ؟ وأين نحن ؟ وماذا نريد ؟ ، وفي خضم نحو خمسين عاما من تاريخ قيادة اليسار – الاتحاد الشعبي للمرحلة الأهم في الحياة السياسية للكرد السوريين ، حيث تم التعامل السياسي بشكل أرقى ، ١ - نتحدث عن وجود شعب من السكان الأصليين ، يحق له من حيث المبدأ تقرير مصيره والمشاركة في السلطة والثروة والقرار ، ٢ - وعن وجود قضية كردية سورية ، ٣ - لها صلة عضوية بالحركة الديموقراطية الوطنية السورية وكذلك الحركة التحررية الكردستانية ، ٤ - وجزء لايتجزأ من الكفاح العالمي من اجل الحرية والتقدم .
من نتائج تلك المرحلة المشرقة : أولا – ترسيخ نهج كردي وطني ضد الاستبداد وجزء عضوي من المعارضة . ثانيا - تواصل مع مختلف أطياف الشعب السوري وخصوصا اليسار والديمقراطييون وحتى بعض أجنحة البعث المنشقة عنها وتيارات من القوميين العرب ومنها من كانت بجبهة النظام . ثالثا - وصول القضية الكردية الى محكمة امن الدولة العليا ، والى سائر المحاكم العسكرية والمدنية . رابعا - تحالف الكرد السوريين مع الزعيم مصطفى بارزاني ودخولهم في الاصطفاف الكردستاني بالاجزاء الأربعة كطرف صاحب قضية ونهج متجدد متقدم . خامسا - ارتقاء الكرد السوريين الى مصاف تحالفات في اطار حركة التحررالعربية ، خصوصا مع منظمة التحرير الفلسطينية ، والحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط ، ومع جمهورية اليمن الديموقراطية . سادسا - تعارف وتواصل واتفاقيات ككرد سوريين مع دول المعسكر الاشتراكي والتعاقد معها لايفاد المئات اليها للدراسة ، والعلاج ، والتدريب وبينها معاهد الكادر وكان ذلك مجمله نوع من التواصل والتماذج مع الحضارات والتجارب الأخرى . سابعا - بالإضافة الى انجاز المهام الثقافية وانشاء رابطة كاوا للثقافة الكردية وإصدار الصحف والمجلات ، ليتم التكامل بين السياسي ، والقومي ، والوطني ، والثقافي ، وكل ما حصل – وهذا مهم جدا - تم للمرة الأولى في تاريخ الكرد السوريين . لقد أدى ( اليسار – الاتحاد الشعبي ) في غضون نحو ستين عاما وفي مرحلة أسميها ذهبية على صعيد اغتناء حركتنا بفكر واضح واستراتيجية معروفة للصديق والخصم والعدو ، واجباته ، ومن دون الاسهاب بالتفاصيل ( حيث وردت في مناسبات عديدة ) جاء وقت بأوائل تسعينات القرن الماضي ، ليصعد النظام المواجهة كفعل وقائي أمام المد الذي حدث عبر الاختراقات مستهدفا تنظيمات – الاتحاد الشعبي – سعيا وراء تصفية كل ما نتج وتحقق من إنجازات سالفة الذكر ، ونجحت أجهزة السلطة بتواطئ – شلة معدودة من القيادة في احداث الشق ، وتقسيم التنظيم ، وخلق بلبلة ، ومعارك جانبية في الصف الكردي العام ، الا انه لم ينجح في استئصال الوعي الفكري ، والثقافي الذي أصلته ورسخته مدرسة الخامس من آب في عقول واذهان عشرات الالاف من الوطنيين الكرد . العودة الى الوراء وسرد الحقائق كما كانت يفيد جيلنا الراهن ، ولايعني أنني ادعو الى تبني او انجاز نفس المهام التي كانت قائمة قبل خمسين عاما ، كما لايعني انني ادعو الى احياء نفس ( الحزب ) الذي انجز تلك المهام ، فالاحزاب تظهر ، وتختفي ، ولكن الأفكار تبقى وتتصقل ، وتتبدل ، وتنتقل من جيل الى آخر ، وتتطور حسب مقتضيات المرحلة ، فحسب خبرتي لن انصح شابا كرديا سوريا على سبيل المثال ان ينتسب الى أحزاب نمطية ، او يتحزب ، او يتأدلج ، بل انصحه بصدق لابد من العمل التنظيمي الجماعي الد يموقراطي المدني ، بأشكال حركية واسعة وحرية تامة لاختلاف الآراء والتوجهات مع الاتفاق على استراتيجية ، أأساسها المشروع السياسي بشقيه القومي والوطني .
في طبيعة العلاقات الكردية – العربية بسوريا الجمهورية السورية دولة تاسست على قاعدة الغالبية العربية ، وسميت في عهود لاحقة بالجمهورية العربية السورية ، من دون إشارة الدساتير المتتالية الى التنوع القومي ، أو الى وجود الكرد الذين قد يربون على ١٥٪ من سكان البلاد ، وخلال حواراتنا قبل نصف قرن مع القوى السياسية العربية السورية كنا نتفاجأ أكثر الأحيان أن المقابل لايعلم عن وجود الكرد في سوريا سوى شخصيات تاريخية قديمة لاجئة ، والبعض كان يعترض على عبارة – القضية الكردية السورية – بل ينفي وجودها ، والبعض الأكثر تفهما كان يوضح نعم هناك اكراد في ركن الدين بدمشق ، وكنا في احراج دائم خلال لقاءاتنا في تلك المرحلة ، فقط لاحظنا كلما كان الحزب الذي نقابل ممثليه بعيدا عن النظام أو معارضا له كان يتفهم قضيتنا ، بل يتعاطف أيضا ، وهكذا الحال لاحزاب اليسار التي كانت أكثر تفهما ولكن من دون اظهار مواقف معلنة ، وتميزت مواقف – منظمة العمل الشيوعي – وكذلك الحزب الاشتراكي – فرع من حركة القوميين العرب حينذاك بالاعتراف بكرد سوريا وحقهم بتقرير المصير . من جملة المتجاوبين مع موجة ثورات الربيع السلمية العفوية القوميات الأقل عددا ، المحرومة من الحقوق ، في البلدان التي شهدت تلك الموجة ، وكان الكرد السورييون عبر تنسيقيات شبابهم ، من أوائل المنخرطين بالانتفاضة في مناطقهم ، بتنظيم التظاهرات الاحتجاجية السلمية ، والتواصل مع تنسيقيات المحافظات الأخرى ، ومعلوم ان أي تغيير ديموقراطي سيكون لصالح المظلومين ، والمقهورين . في خضم تطورات الأعوام العشرة الأخيرة من عمر الثورة السورية ، طرأ تطور ملحوظ في معرفة ، ووعي النخب السورية من الغالبية العربية وباقي المكونات حيال الوجود الكردي ، مع بعض من التقدم في قبول القضية الكردية السورية ، وادراجها في دستور سوريا الجديدة ، ولكن من دون حسم الموقف النهائي من تفاصيل القضية ، وهذا امر يمكن تفهمه لأن المعارضة ليست في الحكم ، ولايمكن ان تحل القضية الكردية ولا أية مسألة أخرى في وضعها الراهن . ومن الواضح جدا أنه كلما ساهم الكرد بالقضايا الوطنية ومواجهة نظام الاستبداد ، كلما ازداد اهتمام الآخر غير الكردي من معارضي النظام بالكرد وحقوقهم وهما امران متكاملان في المعادلة الوطنية في الظرف الراهن . من غير المالوف ان نطالب عربيا سوريا بان يفكر مثل كردي سوري أو بالعكس ، ومن العدل ان نطالبه بالاعتراف بالوجود والحقوق بشكل مبدئي ، ومن المنطقي ان نطالب البعض بتوفير الأمان والاطمئنان ، والثقة وهذا كله يشكل القاعدة الأساسية للعيش المشترك حاضرا ومستقبلا . اذا وضعنا – عشرة درجات – كقاعدة نسبية في مدى تفهم السوري غير الكردي لمظلومية الكرد وحقوقهم المشروعة ، فعلينا الترحيب حتى بواحد من عشرة ، ثم نجهد من اجل ايصالها الى عشرة من عشرة ، وذلك يقتضي شرح قضيتنا بشكل مناسب ، وذلك متوقف على الكرد ، هل لديهم من يقنع الآخر العربي السوري مثلا بأحقية قضيته ؟ من حيث تقديم الوقائع والتفسيرات التاريخية ، وأسس العيش المشترك ، وموجبات المصير الواحد . هناك الان في الساحة الكردية السورية خطابان يمكن ملاحظتهما على صفحات التواصل الاجتماعي كل لحظة ، خطاب عقلاني ، هادئ ، يؤمن ويدعو الى الشراكة العادلة ، والاعتراف المتبادل بالوجود والحقوق ، والواجبات تجاه الوطن ، والعمل الجماعي من اجل إزالة الاستبداد ، واجراء التغيير الديموقراطي ، وإعادة بناء سوريا جديدة ، وحل القضية الكردية حسب إرادة الشعب الكردي ضمن اطار سوريا الواحدة ، وبصيغة متوافق عليه . وخطاب آخر لم يستقر بعد ، متناقض ، مستفز للسوريين العرب ، لايعترف بوجود ثورة ومعارضة ، ويساويهما بالنظام ، يبدي الولاء لاعداء العرب ، ولايرى أي صديق عربي سوري للكرد ، ينفي نصف هويته ( ككردي سوري ) بمعنى نفي انتمائه الوطني ، ومن الواضح ان هذا الخطاب لايستند الى برنامج سياسي واضح المعالم بل – شعبوي – وفوضوي ، يرفع شعارات رنانة ليس الا . وفوق كل ذلك فان أأصحاب الخطاب الثاني ، يرمون الاتهامات جزافا على أصحاب الخطاب الأول من قبيل التمسك بالوطن على حساب القوم ، وانا أقول لهم : هل لديكم مشروع بناء دولة كردية مستقلة ؟ وهل باستطاعتكم توفير كل شروط الدولة ؟ طبعا الجواب هو لا ، وطريق خلاصنا نحن كرد سوريا يمر عبر التوازن الدقيق بين القومي والوطني ، فالتاريخ القديم والحديث للحركة الكردية عموما يثبت بشكل قاطع ان لاحل لقضايا الكرد في البلدان الأربعة الا عبر النضال الوطني لكل جزء ، واختبار استفتاء تقرير المصير للاشقاء في كردستان العراق عام ٢٠١٧ خير برهان على ما نقول . ان هذا الضياع الذي يهدد التماسك ، والتضامن ، والاستقرار السياسي ، والفكري ، وحتى النفسي لم يأتي من فراغ ، بل نتاج كماذكرنا سابقا سبعين عاما من القهر والحرمان في ظل الاستبداد بالدرجة الأولى ، وبدرجة ثانية بسبب تقصير الأحزاب الكردية وعجزها عن توعية الجمهور الكردي ، وفقدانها لاي مشروع سياسي قومي ووطني يلبي الحاجات الذهنية ، والثقافية للجيل الكردي الناشئ ، وينير دروب النضال السياسي ، ويميز الصديق من العدو ، فقد فقدت غالبية الكرد السوريين الثقة باحزابها ، ولم تجد بعد البديل الجاهز للاستمرار في النضال بالرغم من ظهور محاولات جادة مثل مشروع – بزاف – لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ديموقراطيا ومن خلال المؤتمر الكردي الجامع .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قضية للنقاش ( 192 ) في تعريف : - أطراف الحوار -، -حرية العمل
...
-
الساعون الى تشويه الذاكرة التاريخية لكرد سوريا
-
الكرد في الذاكرة السورية
-
مراجعة نقدية في تشخيص أسباب امتداد مرا
...
-
قراءة لشهادة رياض حجاب حول – ب ك ك –
-
خمسة قضايا استراتيجية في لقاء رئيس إقليم كردستان
-
في أسباب الحرص على سلامة إقليم كردستان
-
في استشراف آفاق النهوض في الحالة الكردية السورية
-
في تسييس نسب آل الأسد
-
القطار السوري المتوقف
-
الشهيد مشعل التمو لم يخرج من جلده يوما
-
ثورات الربيع وقضايا القوميات ..الثورة السورية مثالا
-
سبعة عشر عاما على هبة الربيع الدفاعية في القامشلي
-
مشروع البرنامج الوطني المقدم من حراك – بزاف –
-
كل الدعم للنشطاء الحقوقيين السوريين بالخارج
-
مجلس عسكري سوري : كيف ؟ ولماذا ؟ ومتى ؟
-
عندما يستنجد الغريق بقشة - المجلس العسكري -
-
عندما تكون مراكز البحث في خدمة الحزب
-
مصير أمازيغ ليبيا خارج مشاريع المتحاربين
-
حوار الشركاء
المزيد.....
-
الإمارات تدين إساءة استخدام القوات المسلحة السودانية لمنصات
...
-
تحذيرات أممية ودولية من وقوع وفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية
...
-
حماس: حسن سلامة يتعرض لتعذيب ممنهج في سجون الاحتلال
-
في يوم العمال العالمي: عمّال غزة ضحية أخرى لجريمة الإبادة ال
...
-
التطهير العرقي في مخيمات فلسطين المحتلة منذ العدوان العسكري
...
-
السعودية تعلن إعدام صوماليين ويمني ومواطن وتكشف ما أدينوا به
...
-
الأمم المتحدة: نحو 638 ألفا في السودان يواجهون جوعا كارثيا و
...
-
برنامج الأغذية العالمي: الحرب أدخلت السودان في أكبر كارثة جو
...
-
حملات أمنية واعتقالات تطال العشرات في أشرفية صحنايا
-
الإمارات تدين -إساءة- استخدام القوات المسلحة السودانية لمنصا
...
المزيد.....
-
“رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”.
/ أزاد فتحي خليل
-
رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر
/ أزاد خليل
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
المزيد.....
|