أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سربند حبيب - أرواح تحت الصفر: جرح متأنّق بلوعة الفراق ولذّة اللقاء















المزيد.....

أرواح تحت الصفر: جرح متأنّق بلوعة الفراق ولذّة اللقاء


سربند حبيب
قاص وباحث

(Serbend Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 6902 - 2021 / 5 / 18 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن دار ببلومانيا المصري للنشر والتوزيع/ القاهرة رواية «أرواح تحت الصفر» للكاتبة الكردية أفين أوسو، وهي باكورة أعمالها في الرواية، الكتاب من قطع الوسط يقع في (199) صفحة.

تنسج الكاتبة من جرح وطنها رواية وتحوك على منوالها أقسى العذابات التي ذاقها الشعب طلباً لحريته، فالكاتبة هنا شاهدة حقيقية على معاناة ومأساة شعبها وهي جزء لا يتجزأ من حربها. هي رواية تندرج ضمن المنهج الواقعي، مختزلة عبر أحداثها التراجيدية معاناة عائلتين التي اتخذتها كنموذج حيّ عن دموية الحرب في سوريا.

تدور الأحداث في مداره العام حول مأساة سوريا، حيث الشابتان الجامعيتان «جيان وأفيستا» شخصيتان رئيسيتان تعيشان قصة حب عذرية في زمن الحرب. فجيان تعشق زنار الشاب الذي تعرفتْ عليه في مقهى الجامعة الذي كان يعمل فيه، تحبه بالرغم من عدم تكافئ علاقتهما للتفاوت في مستواهما الدراسي والثقافي، لكن الحرب تفرقهما فزنار كغيره من الشباب يلتحق بالخدمة الإجبارية ويصبح في صفوف الموتى، وجيان تهرب مع عائلتها داخلياً بعد هجوم الجماعات المسلحة على منطقتهم، وعندما تضق بهم سماء الوطن يهربون نحو المجهول عبر تركيا إلى أوروبا بحثاً عن الأمان في رحلة الموت.
فيما أفيستا ابنة ذاك الرجل الشبيح والمتنفذ الذي يتاجر بدماء الأبرياء تنعم بحياة مرفهة تعشق زميلها الجامعي شفان، الطموح الذي يكون آرائه وأفكاره مناقدة لوالدها ومناهضة ضد النظام الحاكم، وهنا تدفع أفيستا ضريبة أفعال والدها السيء واللاخلاقية حياتها، حيث تصاب بفقدان للذاكرة نتيجة قصف الجامعة أثناء تقديمها للامتحانات، فتعيش بذاكرة بيضاء إلى أن تسترجعها بفضل حبيبها شفان.

لغة الرواية جميلة ومنمّقة ترتقي في بعض الأماكن شاعرية الكاتبة المنبعثة من إحساسها الداخلي بعد أن أصبحت رقماً في سجلات اللاجئين تاركة خلفها جميع أشيائها الجميلة، فقط حقائب الذاكرة تكدس برماد لحظات جميلة فتقول: «ازدحمت الغرف بالحقائب واجتاحت الفوضى كل أركان الفناء، قطع مرمية على الأرض تقيأت بها الحقائب لتخمتها بأكداس من الكتب وألبوم صور يحمل بين دفّتيه جمال وطن قبل أن تمطره غيمة من الدماء، فتحت جيان الأدراج وقلبها ينزف، راحت تلتقط بنهم كل ما وقعت عينها عليه لتحشوه في الحقائب والأكياس وتصفّهم في طابور طويل كطابور أحلامهم وهم في عمر الزهور».

زمكانية الرواية:
الزمن في الرواية واقعي بعيد عن الخيال، ويحدث بوتيرة متسللة وواعية لذاكرة الكاتبة القريبة لسرد أحداث حدثت بالفعل، فعندما يقرأ أي سوري الكتاب سيعيش تلك اللحظات لاشعورياً؛ لأنها أصبحت جزءاً من حياته، مشاهد الحرب والدمار والقتل والهروب واللجوء...
فالمكان يبدأ في سوريا التي أصبحت ساحة حرب مفتوحة ومستنقعاً لصرف الإرهاب غير الصحي، وتتابع الأحداث بوتيرة سريعة في تركيا حيث الظلم والاستغلال وانعدام إنسانية الإنسان ومن ثم رحلة الموت والبحث عن الحياة على متن قوارب مطاطية، فإن لم تكن وليمة لأسماك البحر يكتب لك عمراً جديداً، فتلجأ إلى أوروبا حيث الأمان، لتعيش هناك جسداً بلا روح على أنقاض ذاكرتك.
كون الرواية واقعية فهي تبتعد كثيراً عن الدهشة والمفارقة وتعتمد في تتبعها للحدث بشكل مباشر، فعندما تندهش وتلامس بعض مشاهد قاسية.. أليمة وحزينة.. فجميعها حقيقية وليست من وحي خيال الكاتبة، فهي وقائع جرت بالفعل لأي سوري سواء أكان في الداخل أو في الخارج.
« حصدت الحرب الأرواح ببذخ حد التخمة، ومنحت تأشيرة الدخول إلى الموت من أوسع أبوابه بالمجان وللجميع، اقتلعت البراعم قبل أن تتفتح، ووهبت الأمّهات لقب الثكالى بسخاء ودموع لا تنضب، قبل أسابيع كانت طبول الموت تقرع هنا في ذات المكان، وما زال صدى عويل الأطفال والنسوة يخرج من شقوق الجدران. »

الشخوص في الرواية هي لحم ودم، عاشوا ذات الحرب وذاقوا أقسى العذابات، من الهروب والموت.. الحنين للوطن.. المجازر.. الفقد, الخيانات والتطرف الفكري والهجوم الوحشي الذي كبّدنا خسارة أرحامنا, هذه العوامل جميعها تغزو أرواحنا وتجعلنا نعيش أحداثاً تراجيدية خارج المكان داخل رواية مكتوبة بالدم السوري.
« إنها الحرب، أبشع ما أنتجته البشرية لا ترضى أن يفلت أحد من ضحاياها دون إرث، أطفال يعيشون على هامش الحياة، دهس الآخر، ابتسامة طفولة تحت نعل الفقر، صغار يرزحون تحت طاحون الحرب الذي لا ينقطع دورانه، يفترشون الأرض على قطع كرتون، أجسادهم الغضة تلفحها أشعة الشمس الحارة، ينادون بنبرة تعكس أرواحهم المكسورة «طعميني جوعان...».

تخلو الرواية من التنوع في أساليب السرد وأشكالها، حيث تعتمد الكاتبة على ذاكرتها القريبة في سرد الأحداث بتسلل منطقي، فهذه الأحداث جزء من وعيها السيكولوجي والاجتماعي والثقافي، والتي تمثل الواقع جمالياً بالرغم من قبحه، وكذلك تنعدم التنقلات في الرواية، فقد اعتمدت الكاتبة على جيان وأفيستا، الشخصيتين المحوريتين، لتروي لنا الحدث السوري من منظورها بوصفهما نموذجان لضحايا هذه الحرب.

تنتهي الرواية بنهاية سعيدة مفتوحة، بوصول جيان مع عائلتها بأعجوبة إلى ضفة الأمان، بعد صراعهم مع الموت في خضم البحر، أما أفيستا فبعد إنقاذها من قبل شفان تقرر البقاء معه وأن تحافظ على حبها نقياً بعد موت أحلام شفان الثورية، لكن الحب يبقى منتصراً بالرغم من الموت والدم: «ليسقط العالم تحت نعال الحب، ولتحترق السياسة والساسة والأحزاب بعقد قراننا، احتويني فأنا أهرب من الحرب، لأدلف تحت جناحيك، عارياً من الحماقات وخاوياً من الهتافات».

رواية حزينة تستحق القراءة، ولكنها تحتاج لقلب قوي ليتحمل القارئ مشقة ذاك الكم الهائل من الحزن الدفين بين طياتها، إنها رواية الفاجعة؛ جسدت ملحمة الحرب والثورة التي أحدثت قدراً هائلاً من الدمار والخراب وهجرت أعداداً مهولة من الشعب السوري، نعم إنها الحرب تستيقظ فينا أجمل وأقبح الصور التراجيدية عندما يغدو الوطن حكاية ترويها أفين أوسو بلسان الوجع والألم، محاولة بذلك ترميم الخراب وحفظ ذاكرتها عبر تدوين وتوثيق مشاهد حقيقية بكل فواجعه ومآسيه ومدى تأثيرها على نفوسنا واستقراء ما يدور بداخلنا.



#سربند_حبيب (هاشتاغ)       Serbend_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة بين مطرقة سوشيال ميديا وسندان العولمة
- الحب كرنفال إلهي: لغة الحب والعشق في زمن الحرب
- أرض محرمة -No Man’s Land-: سوريا جرح مفتوح في خاصرة العالم
- موج شاحب: مناجاة الأمل في حضرة الكلمة العبثية
- أكتب؛ لأنني موجود
- ضحكة مسروقة... وبقايا أمل
- الفينومينولوجيا
- الملحمة الغنائية الغربية ( كارمينا بورانا )
- فيلم المنصة: أزمة البقاء من منظور طبقي
- فيلم (Henarê Bextwere) -الرمان المحظوظ - للمخرج الكردي : جان ...
- التشويق والاختزال للوجع السوري في رواية «رصاصة أخيرة»
- قراءة في كتاب السلوك والأخلاق للمفكر الأستاذ حميد بركي من إع ...
- قراءة في كتاب السلوك والأخلاق للمفكر الأستاذ حميد حسين من إع ...
- سينما بنكهة المسرح
- لعنة وباء الجلد
- - قلم حمرة - أزمة المكان في طغيان النص على الصورة
- قراءة في رواية - حفلة أوهام مفتوحة- للكاتب هوشنك أوسي
- مدينتي المنكوبة
- قراءة في رواية روجين للروائي - أيمن ناصر -
- - رسائل منسية على هوامش الحب والوطن- ديوان جديد للشاعر رشيد ...


المزيد.....




- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سربند حبيب - أرواح تحت الصفر: جرح متأنّق بلوعة الفراق ولذّة اللقاء