أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بلحسن سيد علي - لماذا لا أومن بالسحر (10) خرافة المس















المزيد.....


لماذا لا أومن بالسحر (10) خرافة المس


بلحسن سيد علي
كاتب ومفكر

(Bellahsene Sid Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6900 - 2021 / 5 / 16 - 00:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في هذه المقالة عزيزي القارئ سنكشف دجل ونصب آخر يستعمله ثلة من رجال الدين وهم كثر لإغراق المجتمع بالخرافة، وإبقائه في عميائه يتخبط من الجهل كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس، ستدرك بإذن الله بطلان خرافة المس ودخول الجني للإنسان أو تثأثيره عليه وإصابته بأذى، وما جئتك إلا بمثل قوله تعالى "يتخبطه الشيطان من المس"، لتكون في الصورة وتفهم المعنى الصحيح والسليم لهذه الآية، فلا تستعجل بنا أخي الكريم وقبل أن نشرح لك هذه الآية الكريمة وكل آية توهم ما ذهبوا إليه من دجل ونصب، دعنا نتعرف على جزء يسير مما يقوله دجاجلتنا إن صح هذا المصطلح عن الموضوع، ثم سنأتيك بما يشفي قلبك ويريح ضميرك فكن بنا صبورا.
قالوا بأن المس والتلبيس هما دخول الجني إلى جسد الإنسي في كلتا الحالتين، ولكن الفرق بينهما أن الجني في الحالة الأولى يكون له أهدافه ودوافعه التي دعته لذلك مثل: العشق، فالجني قد يعشق الإنس فيدخل جسمه ويمسه، أو قد يكون بدافع الانتقام من الإنسي الذي تسبب في أذى الجني دون أن يدري ذلك، بأن دفق ماء ساخنا على الأرض فصادف جني فقتله على سبيل المثال، وفي بعض الأحيان يدخل الجني إلى جسد الإنسي دون سبب، فقط يكون هذا الأخير في حالة غضب شديدة أو خوف أو يرتكب معصية أو في حالة غفلة مثل النوم وحيدا في مكان مظلم، أو الصراخ والغناء في الحمام أو الكذب أو النفاق والرياء والتبرج لدى الفتيات، إضافة للحقد والكراهية وكثرة النظر في المرآة، وفي هذه الحالات يفقد الإنس الحماية الإلهية له فيستغل الجني هذه الفرصة للدخول إلى جسد الإنسي، سواء كان مرسلا من ساحر أو تلاعبا من الجني نفسه.
فهل الجني يحب ويعشق مثل الإنسان، وكيف لماء ساخن أن يؤذي من قد خلق من نار، طبعا سيقول بعضهم بأنه قد تحول إلى ريح كمثل الانسان الذي خلق من طين وتحول إلى لحم وعظم، وهل الريح يضره الماء الساخن؟؟ وما العلاقة بين الغضب أو الخوف وبين الجني حتى يدخل من كان غاضبا أو خائفا، وإذا كان لازم ارتكاب المعاصي تسلط الجني على الإنس؟؟ فلماذا لا يكون كذلك إلا عند السلمين والأمم المتخلفة، أو أن الياباني مثلا لا يأتي بالمعاصي؟؟ أم أن الجني مسلط على المسلين فقط، ولا طوق له على غير المسلمين ؟؟ وهل حقا يفقد العبد الرحمة الالهية من جراء معاصيه، أي رحمة هذه إذن؟؟ ولو بقينا نسأل لما توقفنا عن السؤال ويا ليتهم أجابونا وانتصروا لما هم فيه.
لنكمل بعض ما قالوه عن المس، قالوا أنه للمس أعراض في المنام وأخرى في اليقظة، المنام: الأرق القلق الكوابيس والأحلام المزعجة، كرؤية الحيوانات والقرض على الأنابيب والضحك أو البكاء والصراخ والتأوه، وأن يقوم ويمشي وهو نائم، وأن يرى الانسان نفسه وهو ساقط من مكان عالي، وأن يرى نفسه في مقبرة أو مزبلة وأن يرى أناسا بصفات غريبة وأشباحا عجيبة، أعراض اليقظة: الصداع الدائم بلا سبب، صدود عن ذكر الله، لأنه يجد فيه المشقة وعناء، الشرود الذهني وعدم القدرة على التركيز، الخمول والكسل والصرع والتشنج والدوار من غير ما علة، آلام في أعضاء يعجز الأطباء عن مداواتها..
والملاحظ أن تلك الأعراض هي نفسها لعديد من الأمراض التي تنتشر في الشرق والغرب، فماذا تعزى للجن عندنا بينما يجلس الغرب مستعملا مناهجه الطبية والعلمية للكشف عن أسبابها وإيجاد دواء لها، وحتى إذا انعدم الدواء هل ذلك يعني بالظرورة أن الجن مسئول عنها؟؟ أما الاحلام التي تكلموا عنها فهي أحلام مشتركة لكل البشر تقريبا، فكلنا قد رأى نفس الكوابيس في أحلامه فهل لازم ذلك بأننا قد مسسنا وتسلط علينا جن؟؟ ثم قالوا بأن للمس أربعة أنواع: مس كلي بحيث يمس الجن الجسد كله كمن تحدث له تشنجات عصبية، مس جزئي: يمس الجن عضوا واحدا من الأعضاء كالذراع أو اللسان أو الرجل، مس دائم: يستقر الجني في الجسد لمدة طويلة، مس طائف وهو لا يستغرق أكثر من دقائق كالكوابيس وأن يشعر المرء بأنه سقط في هوة.
فإذا كان ما قالوه صحيح يجب أن نجمع بأننا كلنا قد تعرضنا لمس طائف، ثم أن كل من حدثت له تشنجات عصبية فإن به مس كلي، وأن كل من أصيبة ضراعه أو رجله بضرر فإن به مس جزئي، وأن كل من طال عليه المرض فإنه به مس دائم، والله إن لازم هذا الكلام يقتضي أنه لا يوجد بشر على وجه الله إلا وقد مسه جن، فهل خلقنا ليمسنا الجن مثلا؟؟ أم أن هذا الجن هو خالقنا ونحن لا ندري؟؟ وإذا كانت قدرة هذا الجن على المس كما يدعون، فلماذا لم يظهر إلا في عصر الدولة الفاطمية وما بعدها؟؟ ولماذا لم يمس أوائل البش منذ آدم إلى ذلك الحين؟؟ لا تستعجل عزيزي القارئ فستأتيك الأدلة قاطعة على تهافت هذا الدجل شيئا فشيئا.
لنرى ما هي أدلتهم الشرعية المزعومة، وقبل أن ندلف إلى ذلك سنوضح أمرا مهما قد يقوم في وهم القارئ، وهو أننا ننكر وجود الجن والشياطين، وهذا كفر صريح بما صرح به القرآن، لكن الذي ننكره هو أن يكون له كل تلك العظمة والقدرة التي ألحقت به زورا وبهتانا، ومن بينها المس أو التلبيس الدعى أو قدرته على الإيذاء عن طريق السحر كما فصلنا فيما سبق، وسيأتيك تفصيل قدرة الجن وخلاصة علاقته مع الإنسان قرآنيا بعيدا عما تسمع من قول المشايخ ودجالي العصر.
إن الآية التي يرفعها أصحاب المس والتي سموها بآية المس هي الآية 275 من سورة البقرة: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"
نعم عزيزي القارئ إن قراءة القرآن بالطريقة التي علمونا إياها ستجعل فهمنا لهذه الآية يتجه مباشرة إلى أن المس هنا واضح في قوله تعالى: "يتخبطه الشيطان من المس"، لكن مراد قوله تعالى لم يكن بذلك المعنى أبدا، وسوف تفهم قصدي مباشرة بعد عرض قول المفسرين لها، المسألة الأولى التي يجب أن تدركها هي أن موضوع الآية الحقيقي هو آكلي الربا ووصف حالهم يوم القيامة، والحديث عن المس هو وصف لهم، وبالتالي الآية ليست تتكلم في المس وإنما في حالة آكلي الربا، فقوله تعالى: "إن الذين يأكلون الربا لا يقومون"، فيه وصف لحالتهم يوم القيامة أو حال يقومون من قبورهم وكلا الرأيين صواب، لأنه وصف لهم في الآخرة وليس في الدنيا، وقوله تعالى: "إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس"، فهذا هو الوصف الذي وصفهم به سبحانه يوم القيامة وهو دليل غيرهم عليهم، وكأنه يقول لك سبحانه هذه هي حالتهم يوم القيامة حتى إذا رأيتهم عرفتهم بهذه السمة، أما المس: فكل المفسرين قالوا بأنه الجنون، وهنا نصل للمسألة الأهم وهو المعنى الذي راج عند من لم يفهم لغة القرآن ولغة العرب، وهو أن الشيطان يتخبط آكل الربا عن طريق مسه، لكن الصواب أن الشيطان يتخبطه لأن ممسوس أي مجنون، لأن قوله تعالى: "من المس" متعلق بآكل الربا وليس بالشيطان، وكأنه جواب لسؤال لماذا يتخبطه الشيطان؟ أو مما يتخبطه الشيطان، فالجواب: من المس، أي أن المس موجود أصلا في آكل الربا وذلك سبب تخبطه من طرف الشيطان، وعلى نحو هذا قال معظم المفسرين، ومثلا قول ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق، والخبط هنا معناه الضرب والوطء وهو ضرب على غير استواء، وقد قال بعض المفسرين أن المعنى الرائج وهو أن الشيطان يمس البشر هو من زعمات العرب قبل الإسلام فجاء معنى التشبيه على ما كانوا يزعمون، وكذلك من عادتهم أيضا أنهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضفوه إلى الشيطان كما في قوله تعالى في الآية من سورة الصافات: "طلعها كأنه رؤوس الشياطين"، وقد تبين مما أوردنا سابقا بأن الشيطان لا يقوى على إيذاء البشر ولا سلطان له عليهم، وحتى تصريحه هو كان كذلك حين قال : "وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي"، فالمعنى الصحيح في الآية هو أن آكل الربا يتخبطه الشيطان بسبب مسه أي جنونه، وما يتخبطه إلا بالوسوسة ولو كان عاقلا لما استطاع له سبيلا، وهنا لفتة أخرى هي أن الشيطان لا يقوى بوسوسته إلا على أصحاب العقول الضعيفة ودليل ذلك قوله تعالى في الآية 201 من سورة الأعراف: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"، ومعناه إذا غلبت عليهم وسوسة الشيطان وأصابهم بها مس تذكروا ربهم وعادوا إلى رشدهم فتلاشت وساوسه وعاد إليه بصرهم بحقيقة ذلك، والتذكر لا يكون إلا بالعقل وضده الجنون. ولو أدرنا أن نتعمق في مفهوم الآية أيضا فإن آكل الربا لا يقوم مجنونا في الآخرة فقط، لأن حاله في الدنيا هو أقرب إلى الجنون، والدليل على ذلك، قوله: إنما البيع مثل الربا، وقد قال له تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" وهل يستوي البيع مع الربا وهل يستو المحلل والمحرم عند العاقل، فما ظلمهم الله ببعثهم يوم القيامة والشيطان يتخبطهم بسبب جنونهم لأنهم كانوا كذلك في الدنيا، فنفهم من ذلك أن الممارسات الربوية ما هي إلا خبط من الجنون فمن آتاها تخبطه الشيطان بسبب قلة عقله، وذلك بتزين المعصية له وإغوائه بها، وهناك لفتة أخرى وهي أن فاعل التخبط جاء مفرد في حين أن فعل آكل الربا قد أتى جمعا، وهذا ليدل على أن وسوسة الشيطان تكون ضعيفة مع الجماعة وسيأتي شرح هذا المعنى بمزيد من التفصيل فيما هو آت، ثم أنه هناك لفتة أخرى في قوله تعالى: "فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، وفيه دليل على أن آكل الربا مسئول عن عمله وعصيانه، فإذا كان مفهوم المس كمثل الذي ذهبوا إليه فإنه ليس في مقدوره دفعه، وبالتالي تنتفي فائدة قوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره لله"، وهذا دليل آخر على أن المس هو الجنون الدنيوي الذي يستغله الشيطان فيتخبط صاحبه، الذي يتحمل مسئوليته بأن يبعث مجنونا يتخبطه الشيطان في الآخرة، هل رأيت عزيزي القارئ بأن لغة القرآن لا يمكن أن تفهم بغير علم بأصولها ومبادئها، والحقيقة هي أن كل من درس ولو شيئا يسيرا من القرآن يعرف ما قلناه، لكن الدجل والنصب والخوف من ضياع مصالحهم أدت بهم إلى إخفاء الحقيقة وزعم أن الآية دليل على قدرة الشيطان على المس، وبمثل ذلك فعلوا مع آيات أخرى كما سنرى، مثل قوله تعالى في الآية: 62 من سورة الإسراء: "قال أرأيت هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتلكن ذريته إلا قليلا".
فذهبوا للقول بأن معنى قوله تعالى: "لأحتلكن ذريته إلا قليلا"، هو المس والتمكن منهم، لكن الحقيقة ليس كذلك وما ادعوه ما هو إلا كذب وافتراء، لأن كل المفسرين تقريبا فسروا معنى قوله لأحتلكن ذريتهم بالإضلال والإغواء والوسوسة، لأن معنى الإحتناك في لغة العرب تحتمل معنيين، الأول هو الأخذ بالكلية حيث يقال: احتنك فلان ما عند فلان إذا استقصاه وأخذه بالكلية، واحتنك الجراد الزرع إذا أكله بالكلية، والثاني هو قول العرب حنك الدابة يحنكها، إذا جعل في حنكها من الأسفل حبلا يقودها به، وعلى هذا فإن معنى الآية في الاحتناك هو افتعال من الحنك كأنه يملكهم كما يملك الفارس فرسه بلجامه، فعلى القول الأول معنى الآية لأستئصلنهم بالإغواء، وعلى القول الثاني: لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها، لكن هذه القيادة لن تكون جبرا وإنما بعد اختيار منهم وعزم وإصرار، والدليل على ذلك لاحق الآية وقوله تعالى "قال اذهب ومن تبعد منهم فإن جهنم جزائهم جزائا موفورا" فالإحتناك يكون بعد الإتباع وليس بالمس المزعوم، وإلا فإن لازم معنى الآية أن يصير الإنسان هو الذي يختار أن يكون ممسوسا وهذا باطل. وحتى ابليس كان صريحا في قوله إلا قليلا، لأنه يعلم حدوده ويدرك بأنه لا يقدر بوسوسته واحتناكه على كل البشر وهذا حاصل قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان"، ومعناه كل من أخلص العبودية لله على مراده سبحانه، وهناك أمر آخر وهو أن الاحتناك عادة لا يكون إلا في الحرب، وهذا لإحكام قيادة الفارس لفرصه ولكن ليس بما يضره، لأن ضرر الفرص من ضرر الفارس، فلو ألقى الفارس فرسه إلى الضر لما استجاب له ولما سمح له باحتناكه، وهذا يعني أن الفرس هو الذي سمح للفارس باحتناكه وذلك لمصلحته، وليس جبرا منه، وهذا المعنى صحيح تماما في علاقة الشيطان بالإنسان وهو الذي قال في الآية 119 من سورة النساء: " وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ ، ثم قال لن تبعه يوم القيامة: "وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي"، فأين المس الذي زعموه وقدرة الجن على إيذاء البشر، ولو شئت أن تأخذ القول كاملا فاقرأ الآية التي تلت هذه الآيتين، لتجدها الآية الجامعة لعلاقة الجن بالإنس وأقصى قدرته التي يقد عليها، يقول تعالى مجيبا على ابليس الذي قال لأحتلكن ذريته إلا قليلا: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا" ، وكأن الله تعالى يقول لإبليس لا تكتفي فقط بالإحتناك بل خذ أربعة من قدرات أخرى يمكنك أن تضلهم بها وتسيطر عليه من خلالها، الأولى "واستفزز من استطعت منهم بصوتك"، وهذا إشارة للوسوسة، "وأجلب عليهم بخيلك ورجلك"، ومعناها أن استعن بشياطين الإنس والجن في ذلك، "وشاركهم في الأموال"، أي اغوهم بإتيان الربا وزينهم له، "وشاركهم في الأولاد"، معناه اغرهم بالزنا وإتيان الفاحشة، "وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"، يشرح معناها قوله: "وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ" وهنا تنتهي قدرة الجن فأين المس المزعوم ياترى، فلماذا لم يقل له تعالى وامسس من استطعت منهم مثلا أو اسحرهم، إن كلام الشيطان واضح وكلام الله أوضح فكيف نترك قول القرآن ونركن لقول المشايخ الدجالون.
خذ آية أخرى اتخذوها دليلا على نصبهم ودجلهم وهي الآية 6 من سورة الجن وقوله تعالى: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا"، ففسروا الرهق بالمس، وإذا كان المعنى كذلك فما موضع الزيادة يا ترى، هل كانوا ممسوسون فزادوهم مسا مثلا، أم أن الرهق هو خفة العقل التي تكون لدى الإنسان من السفه والغفلة، فتسبب له تسلط الشيطان عليه بالمس فيزيده رهقا.
خذ الآية 128 من سورة الأنعام، يقول تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليائهم من الإنس ربنا استمتعنا بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال الدار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم" فذهبوا إلى القول في معنى "ربنا استمتعنا بعضنا ببعض" بأنها القدرة على التزاوج بين الجن والإنس، وما كان ذلك إلا كذب على القرآن، لأن كلمة متاع قرآنيا لا علاقة لها بالتزاوج أو الشهوة أو الجنس أبدا، وإلا فما المراد بقوله تعالى في الآية 196 من سورة البقرة: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" والمراد من قوله استمتعنا أن ابليس قد استمتع بإغوائه والإنسان باتباعهن، وحتى قائل هذه الكلمات هم أولياء الشياطين من الإنس، وكأن الله يبين لنا بأن الرد كان من الإنس على الرغم من أن خطابه سبحانه كان موجه للجن في قوله: يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس، لأن الإنسان هو المكلف في الدنيا وليس الجن، وإن كان الجن يمسه كيف له أن يقول قد استمتعنا بعضنا ببعض، وأين المتعة في المس من الإنسان، وقد قالوا بأن المتعة تكمن في تسخير الإنس للجن وهذا باطل وفيه بهتان عظيم، وما كان لقدرة بشر أن يسخر الجن ولا حتى أن يراه لقوله تعالى في الآية 27 من سورة الأعراف: " إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" ونذكر في هذا الموضوع قولا للشافعي رحمه الله: من قال إني رأيت الجن فإنه لا تقبل شهادته لأنه كذاب أو شاهد زور، بل وحتى محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت هذه الخاصية في قوله تعالى في مطلع سورة الجن: "قل أوحي الىّ انه استمع نفر من الجن"، أما التسخير فذلك أعظم وأشد هولا من رؤية الجن التي سنتكلم عنها أيضا لاحقا، لأن كلمة سخر في القرآن لم تأتي إلا له سبحانه وإذا تتبعتها قرآنيا ستجدها دائما ما تنسب إليه سبحانه، وحتى في قصة سيدنا سليمان فإن الله هو الذي سخر له ولم يسخر بنفسه، وذلك على سبيل المعجزة التي لا يجوز أن تتكرر لأي كان، لأن تكرارها يسحب عنها برهان المعجزة، إذ أن التكرار يقدم شبهة وهي أنّ من ظهرت على يده أكثر من مرة، إنما يدرك سراً علمياً فيها يعرفه هو، ولذلك استطاع اظهارها مرة أخرى، فالحكيم الخبير لا يجعل معجزاته لأنبيائه موضع الشبهة، والدليل الآخر على ما ذهبنا إليه هو الآية 61 من سورة العنكبوت حين يقول سبحانه وتعالى: ولئن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" ومنها نفهم بأن التسخير معطوف على الخلق ولا قدرة على الفعلين إلا له سبحانه، فكيف يستطيع عاقل بعد هذا أن يدعي بأن للإنسان قدرة على تسخير الجن، والمتدبر حقيقة في القرآن الكريم يجد بأن حتى السحر ولم ينسب ضره أو يقرن بالشيطان أبدا حتى في آية البقرة في قوله "يعلمون الناس السحر" فأين التسخير في هذا القول، ولو كان حقيقة فإن عصر السحر الأعظم هو عصر سحرة فرعون مع سيدنا موسى، فلماذا لم يقوم السحرة بتسخير الجن يا ترى، أما أن سحرة اليوم أعظم منهم؟؟ اما عن باقي أدلتهم فهي كالعادة أحاديث الآحاد والمشكلة الحقيقية ليست في الأحاديث بل هي بأخذهم لظاهر معناها في حين أنه كلها تفهم بلازم المعنى، وهذا كلام علمي لا نستطيع تفصيله لك عزيزي القارئ لأن الذي سقناه عليك يكفيك لتصحيح عقيدتك في مسألة الجن وعلاقته بالإنسان.
فكما رأيت فإن خرافة المس والتلبيس ثم التسخير وقدرة الجن على إيذاء البشر لم تأت من عدم، وإنما الدجالون أرادوا أن يلصقوها بالإسلام زورا وقد بينا لك فيما مضى بأن كل الأمم مبتلاة بهذه الأفكار الأسطورية، لكن الإسلام قد وضح حقيقتها وبطلانها وهذا الذي دل عليه أيضا العلم الحديث الذي سنتكلم عنه في أوانه بإذن الله، وإن كان لنا مستزاد في هذا الموضوع إلا أننا سنكتفي بالذي قدمنا لك حتى لا نرهقك ولا نطيل عليك، ثم أن موضوع المقالة القادمة سيظهر ويفضح السبب الأول وراء تمسك الدجالون بمثل هذه الأساطير، لأنها تمثل مصالحهم المالية والمعنوية وذلك عن طريق خرافة أخرى قد وضعوها ونسبوها للدين ألا وهي العلاج بالقرآن والرقية الشرعية فلتنتظرنا في المقالة القادمة.



#بلحسن_سيد_علي (هاشتاغ)       Bellahsene_Sid_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا أومن بالسحر (9) رد حديث سحر الرسول صلى الله عليه وس ...
- لماذا لا أومن بالسحر (8) موقف الإسلام الصحيح من السحر
- لماذا لا أومن بالسحر (6) تفسيرات معاصرة للسحر
- لماذا لا أومن بالسحر (6) بعض المحاولات لتفسير السحر
- محاكم تفتيش الجزائر الجديدة
- لماذا لا أومن بالسحر (5) طقوس السحرة
- لماذا لا أومن بالسحر (4) علاقة السحر بالدين والعلم واللغة
- لماذا لا أومن بالسحر (3) علاقة السحر بالطب عبر التاريخ
- لماذا لا أومن بالسحر (2) أصل السحر ونشأته من القرآن
- لماذا لا أومن بالسحر (1) تاريخ السحر وكيفية تطوره عبر العصور
- شبابيك الدين تعود من جديد
- بربر أم عرب
- الثقافة في الجزائر ودوامة الحزبية والتفاهة والاستحمار.


المزيد.....




- نهشا المعدن بأنيابهما الحادة.. شاهد ما فعله كلبان طاردا قطة ...
- وسط موجة مقلقة من -كسر العظام-.. بورتوريكو تعلن وباء حمى الض ...
- بعد 62 عاما.. إقلاع آخر طائرة تحمل خطابات بريد محلي بألمانيا ...
- روديغر يدافع عن اتخاذه إجراء قانونيا ضد منتقدي منشوره
- للحد من الشذوذ.. معسكر أمريكي لتنمية -الرجولة- في 3 أيام! ف ...
- قرود البابون تكشف عن بلاد -بونت- المفقودة!
- مصر.. إقامة صلاة المغرب في كنيسة بالصعيد (فيديو)
- مصادر لـRT: الحكومة الفلسطينية ستؤدي اليمين الدستورية الأحد ...
- دراسة: العالم سيخسر -ثانية كبيسة- في غضون 5 سنوات بسبب دوران ...
- صورة مذهلة للثقب الأسود في قلب مجرتنا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بلحسن سيد علي - لماذا لا أومن بالسحر (10) خرافة المس