أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - عن المعتقل المجهول














المزيد.....

عن المعتقل المجهول


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 02:19
المحور: الادب والفن
    


حين يزداد عدد الضحايا يغدو من الصعب تركيز الاهتمام على الجميع. حين يكون الضحايا بالآلاف يصبح مجرد ذكر الأسماء لإنقاذها من سطوة النسيان عملاً يستهلك الوقت وقد لا تتسع له ساعات النهار. الكثرة تولد السأم، هذا من طبيعة الأشياء. الكثرة في الحوادث كما في الأسماء هي ملعب مفضل للنسيان. وللتغلب على النسيان من أن يأتي على معنى وقيمة تضحية الكثرة، ابتكر الإنسان الرمز. الرمز واحد ولكنه يحمل معنى المجموع ويحافظ على قيمة ومضمون التضحية المحددة. ولأن الرمز واحد فإنه عصي على النسيان وقادر على مقاومة الزمن وصيانة المعنى. لكن هذا الرمز يخفي في الواقع آلاف الأسماء ويجعلها بلا ملامح. ولا يبدو أن ثمة علاج لهذا الألم البشري المستعصي. الحفاظ على قضية المضحين يقتضي تهميش هوياتهم الفردية.
الألم البشري المستعصي أن علينا أن نسلم بعجزنا عن إحياء ذكرى أناس ضحوا بأعمارهم من أجل قضية عامة. وهم أناس نستطيع أن نعرف أسماءهم وصورهم ولكنهم من الكثرة بحيث لا نملك، لو أردنا، وسيلة لإحياء أسمائهم. وفي الوقت عينه هناك أسماء ضحايا منهم تُنتشل من وهدة النسيان وتُرفع عالياً لأسباب متنوعة. علينا أن نسلم إذن أن في أرض المضحين أيضاً يوجد تمييز لا مجال لإنكاره ولا لتلافيه. في أرض المضحين أيضاً هنالك أسماء تلمع وتحوز على اهتمام عام، فيما بقية الأسماء منسية إلا من حفنة من الأهل والأصدقاء.
هل هي الصدفة أم قوة اسم العائلة ونفوذها أم قوة العلاقات العامة للضحية هو ما ينقذ الاسم من النسيان؟ ما الذي يجعل اعتقال المئات ممن يعملون بصمت وتفان يمر مروراً صامتاً في حين ترتفع الأصوات لاعتقال آخرين؟ هل يتعلق الأمر بنوعية العمل الذي كانت تتولاه الضحية؟ كلنا يعلم أن مادة الثورة الفعلية، الشباب الذين نهضوا بالثورة وزينوا بأنشطتهم المتنوعة أيامها السلمية، الشباب الذين دخلوا فجأة ميدان الفعل والتغيير وصاروا على الفور أسياده ومعلميه، شباب بلا تاريخ سياسي سابق، بلا علاقات واسعة خارج أحيائهم وقراهم، واجهوا ما خشيت أجيال سورية متتالية من مواجهته. مادة الثورة هؤلاء تهترئ في السجون، مرمية في أماكن مخفية، ويخفيها النسيان. ولا نملك ما نفعله لأجل رفع أسمائهم بقدر ما تستحق.
ليس غرضي هنا إدانة إعلاء اسم ما ورفع الأصوات من أجله، فلا يمكن أن نرفع كل الأسماء ونعطي كل اسم معتقل حقه في الشهرة والتقدير. الغرض هو التذكير بأن مادة الثورة الفعلية ومعدنها الأصيل يتكون من أسماء كثيرة لا تحصى ومنسية. وأن ما يلمع من الأسماء تمتلك قيمتها الخاصة لا شك، لكنها لا تمتلك قيمة أكبر في الواقع والفعل من الأسماء المنسية. وأن الأسماء المنسية هذه، أو الأسماء التي لا يمكن إلا أن تبقى تحت مستوى ما تستحقه من الاعتبار والذكر، هي القوة التي خلقت إمكانية أن تلمع الأسماء التي لمعت.
في أوروبا، بعد أن استعادت عافيتها من مآسي الحروب، حاولوا الاحتفاء بالضحايا وتقدير أسمائهم. بنوا نصباً تذكارية في المناطق التي شهدت معارك عنيفة وسقط فيها ضحايا. حفروا أسماء الضحايا على النصب التذكارية. آلاف الأسماء. لا يمكن لزائر حتى أن يمرر نظره على كل الأسماء. لا توجد وسيلة أخرى. لكن على الأقل تبقى الأسماء محفورة هنا في الصخر الذي لا ينسى. ويبقى بمقدور شاب أوروبي أن يبحث بين الأسماء المرتبة حسب التسلسل الأبجدي، عن اسم عائلته ليرى إن كان بين الضحايا أحد من أسلافه.
حين تستعيد سوريا عافيتها سيكون علينا البحث عن طريقة سورية في إحياء ذكرى المعتقل المجهول.
نوفمبر/تشرين ثاني 2014



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية السورية والفيدرالية
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 2
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 1
- ميشيل كيلو، المعارض النجم
- الفيدرالية، مخرجاً للطغمة الأسدية؟
- الفشل الوطني هو القاسم المشترك
- بيتنا القديم والإسفلت
- السطو على ضمير المتدينين
- بين لوحتين
- تعودت أن أحب كاسترو
- جنازة لا تحتاج إلى موتى
- ستيف جوبس وألان الكوردي
- المعارضون السوريون بين الداخل والخارج
- عن ذبح -غير الأبرياء-
- في القسوة
- عن استمرار الثورة السورية وحواجز الخوف
- قناع السلطة
- قناعات سورية مستترة
- أرض الظنون الشائكة
- بلا أسماء


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - عن المعتقل المجهول