أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوفل شاكر - عن بغداد التي - لم تسقط- وأشياء أخرى














المزيد.....

عن بغداد التي - لم تسقط- وأشياء أخرى


نوفل شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 6865 - 2021 / 4 / 10 - 00:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عن بغداد التي "لم تسقط" وأشياء أخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بغداد التي يتحدث عنها هنا حملة هذا الشعار الديماغوجي، هي ليست (جنيف) التي لا يُظلم فيها حيوان (فضلاً عن البشر)، ولا هي فنلندا أو الدنمارك التي يُصنّفْ مواطنوها بأنهم من أسعد شعوب العالم، ولا هي حتى (القسطنطينية) التي صمدت بوجه الغزاة زهاء ألف عام، بل هي بغداد صدام حسين التي أسقطها جنود "العم سام" في غضون ثلاثة أسابيع، وفرّ منها قائدها "الضرورة" هاربا لا يلوي على شئ، بدون حتى أن يرتدي بدلته العسكرية التي تحمل على أكتافها أعلى الرتب العسكرية في العالم!


بغداد هنا ليست مدينة إدارية، أو مساحة جغرافية، بل هي رمزٌ لمنظومة اجتماعية تسلطت على العراق بالحديد والنار لمدة خمس وثلاثين سنة، قتلت فيها مئات الآلاف، وشرّدت عشرات الآلاف، ودمّرت البلاد على جميع المستويات، وخرج العراق من قبضتها وهو منهك اقتصادياً، و اجتماعياً، و صحياً، مديناً بستمائة مليار دولار...

مع ما تقدم، فإنّ رافعوا الشعار مازالوا يتباكون على ذلك الزمن الأسود ويصفونه ب"الجميل"! وهذا ما بثير الشكوك حول مبدئية هكذا صنف من العقول؛ لأنهم يتصورن العراقيين بشراً مؤدلجين بلا أجساد، ولا أرواح، ولا حتى ذاكرة؛ لأنّ الأكراد الذين ضُربوا بالكيماوي، والشيعة الذين دُمّرت مراقدهم المقدسة، ودُفنَ الآلاف منهم في مقابر جماعية... كل هؤلاء يُفترض بهم، أن يقاتلوا دفاعاً عن بغداد بكل شراسة واعتزاز؛ لكي يحظوا باحترام رافعي هذا الشعار المضحك!

أضف إلى ذلك، إنّ من يرفع شعار "بغداد لم تسقط، ولكن دخلها الساقطون" لا يفترض بأنّ الشعب العراقي كان سعيداً في ظل صدام فحسب؛ بل يفترض أيضاً بأنّ التغيير كي يكون مقبولاً، ينبغي أنْ يشبه الانتقال مرةً واحدةً من جهنم إلى الفردوس، وبما أنّ الفردوس لم تلح في الأفق لغاية الآن؛ فالأفضل هو أن نبقى في الجحيم!

إنّ شعار "بغداد لم تسقط..." هو الوريث البعثي لشعار "أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة". فالمفاهيم وما تترجمها من شعارات، مثلها مثل باقي الكائنات على وجه الأرض، تولد وتنمو و تموت، أو تتطور... أما تلك التي لا تموت منها، ولا تتطور، بل توصف بالخلود، فهي نادرة، إنْ لم يكن لها وجود على أرض الواقع أصلاً، حالها كحال "الرسالة الخالدة" التي صاغها ميشيل عفلق في أربعينيات القرن المنصرم، متصوراً إياها أهم إنجازات "الأمة العربية الواحدة"!

حتى عندما باتت هذه "الرسالة الخالدة" موضع تهكمٍ وازدراء لدى أغلب العراقيين، فإنّ القيادة البعثية لم تراجع مصاديق التعبير هذا، ولم تنتبه إلى تخلفه عن الواقع، لم تنظر إلى أنّ الرسالة البعثية هذه أصبحت تنحصر في زنازين التعذيب داخل أقبية جهاز المخابرات، ومعتقلات مديرية الأمن العامة، و في قعور أحواض الأسيد التي شيدها ناظم گزار، و في كيماوي علي حسن المجيد، والمقابر الجماعية لحسين كامل، وفي قادسية صدام، وأم معاركه ال"خالدة" هي الأخرى...

بغداد التي " لم تسقط" كانت قد سلمت العراق تراباً، كما هدّد ذات يومٍ زعيمها الأخرق، ويبدو إن فارق الملايين الذين ماتوا بسبب نظام بغداد، ومئات الكيلومترات المربعة والمليارات من الدولارات التي أهدرها هذا النظام، لا يشكل شيئاً ذي بال لدى رافعي شعار "بغداد لم تسقط" المتباكون على سقوط بغداد، لا يذكرون جرائم نظامها، كما لو أنّ حلبچة والأنفال والمقابر الجماعية، قامت بها كائنات فضائية قادمة من عوالم خفية.

ولكن لحسن الحظ، فإنّ التاريخ لا يكتبه حملة الشعارات، ولا حتى أصحاب الفضائيات والذباب الألكتروني. التاريخ يقول لنا بأنّ بغداد في زمن البعث، كانت مدينة تعيش خارج التاريخ، تشبه إلى حدّ كبير قلعة المركيز (دي ساد) التي كان يتلذّذُ بتعذيب ضحاياه داخل أسوارها، بغداد هذه كانت معسكراً كبيراً للاعتقال يشبه معتقلات النازية، هي مدينة تشبه تماماً مدينة (جورج أوريل) التي وصفها في رواية (1984)، مدينةٌ يُمنع الناس فيها من التفكير والكلام، ويمارسون وظيفة واحدة فقط، ألا وهي "التغني بحب القائد".بغداد لم تكن قبل التاسع من نيسان من عام 2003 توزع ال"حامض حلو والشربت" على العراقيين.

بغداد "مدينة السلام" سلام الاستغفال، سلام التغطيات الإعلامية المدفوعة الثمن، سلامٌ كوزمتيكي تزويقي يذكرنا بالمقولة الشهيرة للمؤرخ تاسيوس:

“Tyey made a desert and called it peace.”

" لقد خلقوا صحراءً وسموها سلام"!

و هذا السلام المتصحر، عصفت به الدبابات الأميركية في صباح التاسع من نيسان، فحركت كثبانه الرملية الكثيفة. قد ينسى أو يتناسى مراسلو ال"العربية الحدث" أو "الشرقية" أو "دجلة" أو حتى مهرجاً تافهاً ك"فائق الشيخ علي" ذلك... لكنّ التاريخ لا ولن ينسى.



#نوفل_شاكر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفارقة التقدم
- إحتقار المرأة في تأريخ الفلسفة ( من سقراط إلى نيتشه)
- خلجات (نص شعري)
- من المادية إلى الميتافيزيقا
- عندما تغدو الشتيمة الجنسية، معياراً للوطنية!
- لانريد وطن- بقيادات دموبة بعثية
- تشرين من الغضب إلى اللطم
- كلمة الملك سلمان، رقصة موت أفريقية.
- حائكُ السجادة الفارسية، يسخرُ من رجل المارلبورو.
- ديمقراطية على طريقة الويسترن الأمريكي
- نوستالجيا وطنية!
- الويل لثقافةٍ تقودها شخصياتٌ بوفارية
- لن ننسى... كيلا يتناسل الشر!
- القرن الأميركي لن يكون أميركياً


المزيد.....




- أمريكا: هبوط اضطراري لطائرة بملعب غولف.. ومصادرة كوكايين بقي ...
- سوريا.. عشائر الجنوب تعلق على بيان الرئيس أحمد الشرع
- سوريا.. أحمد الشرع يعلق على أفعال بعض الدروز في السويداء وال ...
- سوريا: الرئاسة تعلن وقف إطلاق نار -فوري- في السويداء وتدعو ك ...
- الشرع: سوريا ليست ميدانا لمشاريع الانفصال
- فريدريش ميرتس ..لماذا يشكر إسرائيل على قيامها بـ-أعمال قذرة- ...
- الاحتلال يوسع اقتحاماته بالضفة ويجبر فلسطينيين على هدم منازل ...
- لماذا لا تُصنّع هواتف -آيفون- في أميركا؟
- قوات العشائر السورية تدخل عددا من البلدات في محافظة السويداء ...
- القنبلة التي قد تعيد تفجير الصراع بإقليم تيغراي الإثيوبي


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوفل شاكر - عن بغداد التي - لم تسقط- وأشياء أخرى