|
حائكُ السجادة الفارسية، يسخرُ من رجل المارلبورو.
نوفل شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 6684 - 2020 / 9 / 22 - 10:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية مايك بومبيو ينشر تغريدة له من على منصة تويتر يعلن فيها العقوبات الأميركية على إيران. مواطن أميركي يرد عليه ساخراً: " أيامك معدودة يا صديقي... كل سياستك الخارجية تركز على العقوبات ولاشيء مهم" سخرية الشعوب تحمل وعياً متقدماً في السياسة.
الفنان والأديب والمسرحي الإيرلندي الساخر جورج برنارد شو يقول: " يبدو الأسد في القفص أكثر ألفة لأنه في القفص يكون في مأمن من الناس". سياسة خلق الأزمات وإشعال الحرائق التي يؤمن بها السيد دونالد ترامب، ويمارسها كحلٍ سحري للنزاعات الدولية، كسرت أقفال القفص، وجعلت الأسد الإيراني يخرج من عزلته الدولية ليزأر بأعلى صوته، ملوحاً بأنيابه التي أصبحت نووية ولسان حاله قول المتنبي:
" إذا رأيتَ نيوب الليثِ بارزةً فلا تظنّنَ بأنّ الليثَ يبتسمُ".
عندما أعلن بومبيو العقوبات على إيران. سرعان ما صفّق المصفقون، وطبّل المطبلون لهذه السياسة الاستعراضية التي أدمنتها العقلية الترامبية. روحاني معلقاً على العقوبات الأميركية: " أميركا وصلت لمرحلة الفشل". الخارجية الإيرانية تقول : " سلوكيات واشنطن تعزز عزلتها الدولية". حائك السجاد الإيراني يضحك بدهاء!
.منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوربي يقول بأن الولايات المتحدة لا يمكنها فرض العقوبات على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي.المندوب الروسي يقول بأن أميركا تهين نفسها بشكل مؤلم بهذا القرار!
العزلة الدولية التي كانت واشنطن تحاول فرضها على إيران ارتدت عليها. إيران تشعر بارتياح كبير من التعاطف الدولي معها ضد العقوبات، دولٌ عظمى كبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، فضلاً عن الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، تعلن عن "لا مشروعية ولا قانونية وإحادية القرار الأميركي".أميركا تزداد عزلتها وتعزي نفسها بتحالفات لدول وممالك ضعيفة ( بحسب معايير توازن القوى في المنطقة) كبعض دول الخليج مع إسرائيل.
لطالما صنّف الساسة الأميركان إيران على " محور الشر، ولطالما وصفوها بأنها دولة " مارقة " عن المجتمع الدولي. أميركا اليوم دولة ناكثة للقرار الدولي، و قاسطة للإجماع الدولي، ومارقة عن مجلس الأمن الدولي كمروق السهمِ عن الرميّة! التأريخ يسخر من الحاضر...
الواقع يسخر من البروباغاندا... المنطق يسخر من الديماغوجية.العقلانية السياسية تسخر من سياسة حافة الهاوية وافتعال الأزمات التي يؤمن بها رجل الكاوبوي... رجل الكاوبوي الذي أدمن الظهور بدورٍ واحد فقط: صائد جوائز شرس، يقتل فرائسه بسهولة وسرعة خاطفة، قبل أن ينتهي من تدخين سيجارة المارلبورو المتأرجحة بين شفتيه...اليوم رجل الكابوي فقد بريقه، وانطفأت سيجارته، وتهرّأت قبعته. بعد أن مل المشاهدون من أدواره المفتقدة لعامل التشويق، والتي يكرر فيها نفسه منذ سبعين عاماً.
الكومبيوتر الأميركي تمت برمجته منذ سبعين عاماً على تطبيق " المكارثية". ولم يتم تحديثه منذ ذلك الزمن، برغم تغير المعطيات، وانتهاء الحرب الباردة.ورغم صعود قوىً عالمية جديدة. تفشل أميركا في حربها مع ڤيتنام والسبب هو " الإرهاب الشيوعي". تذهب أميركا لتجنيد الإرهابيين وتأسيس تنظيمات إرهابية كالقاعدة، وتجعلها تحارب " الإرهاب الشيوعي" في أفغانستان، ثم تأتي بعد ذلك لتحتل أفغانستان لتخليصها من " الإرهاب الإسلامي"! المكارثية هي حجر الأساس لدى سادة البيت الأبيض. أنت غير مخير، فإما أن تقف مع أميركا، أو أنك إرهابي ينبغي استئصالك! منطق رؤساء العصابات في أفلام الويسترن.
ماذا ستفعل واشنطن في حال صدّرت موسكو وبكين الأسلحة إلى طهران بعد انتهاء حظر تصدير الأسلحة؟ هل ستقوم بفرض العقوبات عليهما؟ الكثير من الشركات الصينية والروسية على لائحة العقوبات الأميركية لأسباب لا تتعلق بإيران. هل ستقوم الولايات المتحدة الأميركية بمغامرة تؤدي إلى إشعال حربٍ عالمية ثالثة تكون أطرافها روسيا والصين وإيران من جهة، وأميركا وحلفاؤها من جهة أخرى؟!
المغامرون ينجحون في البداية، ذلك بأنهم يفاجؤون الناس بتصرف غريب في البدايات، ولكن عندما تهدأ عاصفة المفاجأة، وتنتهي الزوبعة، يبدأ العقل في مراجعة الأمور، فتظهر الأخطاء، وتنتهي تلك المغامرة نهايتها المنطقية، ألا وهي الفشل.
كم هي الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة الأميركية في مغامرتها الفيتنامية؟ خمسون ألف مجندٍ قتيل، وما يناهز الثمانية آلاف ضابط قتيل. 153 ألف جريح تقول التقارير بأنّ 30% منهم توفوا نتيجة لجراحهم. 778 أسير توفي 116 منهم في الأسر.ناهيك عن الخسائر المادية، والخسارة المعنوية المتمثلة بالهزيمة.
ومثل ذلك ينسحب على المغامرات الأميركية الأخرى في الصومال، وأفغانستان، والعراق. آلاف القتلى والجرحى... آلاف التريليونات من الدولارات. هزائم مخزية، وتأريخ مكتوب بالدماء، ومُشيّد بالجماجم، وقهر الشعوب وإذلالها. مغامرات يدفع فواتيرها المواطن الأميركي ويسددها بالدم والضرائب.
ذات يومٍ سُئل ونستون تشرشل " من الذي ينتصر في الحرب" فأجاب " هو من يحتفظ بآخر جنيه في جيبه" في إشارةٍ واضحة لدور الاقتصاد في الحروب. أميركا تدرك ذلك جيداً، وتعرف بأن ليس من مصلحتها أن تخوض حرباً مع عدوٍ عقائدي وعنيد كإيران. ولا سيما أن تداعيات ڤايروس كورونا قد ألقت بظلالها على الاقتصاد الأمريكي الذي بلغت نسبة الانكماش فيه إلى الثلث. التقارير تقول بأنّ البنك المركزي الأميركي قام بطبع 3 تريليون دولار، وهذا مؤشر على تردي الاقتصاد، ولربما انهياره.
في هذه المعمعة الاقتصادية، و في ظل التوترات القائمة في بحر الصين الجنوبي، وفي ظل التراجع الانتخابي لترامب، يأتي قرار الإعلان عن العقوبات الأمريكية على إيران بمثابة التنفيس عن الفشل الذريع لسياسات ترامب في التعامل مع الملفين الخارجي والداخلي. محاولة للتنطع بالقوة، والظهور بمظهر الخيلاء والغطرسة، لكسب المعركة الإنتخابية الوشيكة لا أكثر، و لإشغال الأذهان عن الفشل الذريع في مواجهة ڤايروس كورونا، و صرف الأنظار عن انهيار الاقتصاد الأميركي.
وضمن هذا السياق، فإنّ إعلان العقوبات الأميركية، يخضع لعلاقةٍ طردية يرتبط إحد طرفيها على نحوٍ وثيق بازدياد العجز، مما أدى تزايد الحاجة إلى التنفيس اللفظي.
قد ينجح هذا الإعلان في تحقيق شعور بالطمأنة لحلفاء أميركيين في المنطقة، إلاّ إنّ هذا الشعور المؤقت، وهذه الإستجابة البافلوفية الخليجية، لا تستطيع التغلب على المخاوف والشعور بالعجز أمام قوة تتسلح بالتأريخ والعقيدة والجغرافية والموارد البشرية في تطويق خصومها، وتدير عملية تحريك بيادق السياسة، في مناورة ودهاء لمحاصرة خصومهاوالإطباق عليهم والهيمنة على المنطقة.
فشرقاً مضيق هرمز بمياهه المحروسة إيرانياً والمناورات الجارية عليها، يشكل إحدى هذه المخاوف. وجنوباً الحوثيون الذين لم تمنع " عاصفة الحزم" بأعوامها الست، طائراتهم المسيرة، وصواريخهم البالستية من استهداف السعودية وشريانها النفطي المتمثل بأرامكو، فضلاً عن الاستهداف شبه اليومي لمطارات أبها ودبي. أما شمالاً في العراق، وغرب العراق حتى سواحل البحر المتوسط، فما زال حلفاء إيران لهم اليد الطولى عسكرياً، وجيوسياسياً في السيطرة على الأرض وفرض السياسة. ولن تفلح نشوة الالتذاذ بقرار العقوبات من تغيير الجيوبولوتك، الذي تشير معطياته إلى أن هذه الدول تخضع عملياً لطوقٍ إيراني يمتد من العراق شمالاً، باتجاه سواحل الخليج شرقاً، ثم يلتف نحو مضيق باب المندب جنوباً، وصولاً إلى شواطيء البحر المتوسط في لبنان.
بومبيو يقول بأن الرئيس ترامب أدرك بأن إيران هي التهديد في المنطقة ولذلك أقنعنا دولاً بالخليج بالعمل مع إسرائيل. دول وممالك كالإمارات والبحرين والسعودية، لا ترقى سياسياً أكثر من أن تكون ملفات بيد أميركا، لتفاوض بها إيران، وتقامر بكياناتها في لعبة توازن القوى في المنطقة.
الأميركان والإسرائيليون سرعان ما يتخلون عن حلفائهم، مافعله الأميركان في فيتنام يؤكد ذلك، وما فعلته إسرائيل في جيش لحد في جنوب لبنان يؤكد ذلك... دونالد ترامب يبتز السعودية علناً قائلاً لهم بأنهم يجب أن يدفعوا " ثمناً لحمايتهم" من البعبع الإيراني. ومن يدري، فلعل السيد ترامب وطاقمه على وشك مغادرة البيت الأبيض بعد السباق الانتخابي الوشيك... وحينها ستُترك " ملفات" أميركا في الخليج، في الدرج لوحدها تقاوم الرطوبة وتخشى أوراقها من الأرضة!
#نوفل_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديمقراطية على طريقة الويسترن الأمريكي
-
نوستالجيا وطنية!
-
الويل لثقافةٍ تقودها شخصياتٌ بوفارية
-
لن ننسى... كيلا يتناسل الشر!
-
القرن الأميركي لن يكون أميركياً
المزيد.....
-
شاهد الأهداف التي قد تضربها أوكرانيا في عمق روسيا بصواريخ غر
...
-
ماريا زاخاروفا تزرع شتلات في ضواحي موسكو
-
مليار متابع للأسطورة رونالدو
-
السويد تمنح مهاجرين 34 ألف دولار للعودة الطوعية لبلادهم…ما ا
...
-
حادث مصرع عروس جزائرية بموكب زفافها..ما أسباب ازدياد حوادث ا
...
-
المايسترو المغربي أمين بودشار لترندينغ: -مشروعي يهدف إلى وصل
...
-
روسيا تتهم ستة دبلوماسيين بريطانيين بالتجسس
-
خصيصا لبلدان أفريقية.. برنامج ماجستير ألماني فرنسي في الصحاف
...
-
وزير الخارجية الإسرائيلي يهاجم جوزيب بوريل ويتهمه بمعاداة ال
...
-
الخارجية الروسية: تزويد البرتغال لأوكرانيا بمروحيات روسية خط
...
المزيد.....
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|