أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - الانسان بين التوكل و المسؤولية/1















المزيد.....

الانسان بين التوكل و المسؤولية/1


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6861 - 2021 / 4 / 6 - 00:07
المحور: الادب والفن
    


التوكل: هو الاعتماد على الله، واحالة الأمر اليه، والثقة به، وعدم الإيمان بأي مؤثر حقيقي في الوجود غيره. {وإليهِ يُرجَعُ الأمرُ كُلُّهُ فاعبدهُ وتوَكَّل عَليهِ} "هود/123".
التوكّل واليقين:
لا شك في ان التوكل نتيجة اعتقادية سامية تنتجها مسلمات الايمان اليقيني الراسخة في النفس، لأن التوكل يعبر في لغة الايمان والمعتقد عن فهم الانسان لعقيدة التوحيد وعلاقته بالله سبحانه.
ولا يكون التوكل عقيدة ويقيناً يحتل موقعه في نفس الإنسان ووعيه إلا إذا اصبح ذا تأثير فاعل في سلوك الإنسان وتفكيره، وفي فهمه للكون والوجود وما يجري فيه.
ولا يأتي التوكل بمعناه الحقيقي هذا إلا إذا قام على اساس فهم واع وعميق لمعنى التوحيد، وإلا إذا انطلق من ايمان راسخ بالله سبحانه، فالعلاقة وثيقة بين عقيدة التوحيد وبين التوكل على الله سبحانه، لذلك ورد عن الامام علي "ع" ((الايمان على أربعة أركان: التوكل على الله، والتفويض الى الله، والتسليم لأمر الله، والرضى بقضاء الله. وأركان الكفر أربعة: الرغبة، والرهبة، والغضب، والشهوة)) .
فالتوكل إذا نظرنا اليه من الجانب الالهي رأيناه يقوم على اساس ايمان الإنسان بأن الله هو وحده الخالق والمؤثر في تسيير الحوادث، وتدبير الوجود وتنظيم الكون، وان كل ما في الوجود مسخر لارادته، ومسير بقدرته، وان وعاء الوجود الطبيعي والاجتماعي الممتلئ بالاسباب والحوادث، لا يستقل بوجوده عن الله سبحانه، وليس لسبب، ولا لحادث ان يكون، او يعطي نتيجة في الوجود إلا بتقدير من الله سبحانه، وان كل شيء في الوجود قائم بأمره، ومرتبط بحكمته وارادته. قال تعالى: {واليهِ يُرْجَعُ الأمرُ كلُّهُ فاعبُدْهُ وتوكّلْ عَلَيْهِ}. "هو/123"
لذا فان الإنسان المؤمن الذي تكشفت له هذه الحقيقة عن وعي ومعرفة يستطيع ان يتجاوز بهذا الوعي أطر العالم وقوانينه، واسبابه ونتائجه وحوادثه الى السبب الأعمق، والعلة الأولى (الله سبحانه) الموجد لهذا العالم، والمقرر لكل ما في الوجود من اسباب، وحوادث، ونتائج، حقائقها، ووجودها، ومكانها في سلسلة الاحداث، وزمنها في ترتيب الحوادث.
أن المؤمن بالله يدرك ان ليس للانسان إلا إجراء الأسباب والدخول في سلسلة الحوادث كحقيقة مؤثرة بفعل القانون الكوني العام الذي اودع في هذا العالم، وليس هو قوّة مستقلة بذاتها، او مؤثرة بقطع النظر عن التقدير الإلهي المسبق للحوادث والاسباب.
وهذا الايمان هو الذي دعا الإنسان المسلم الى ان يثق بالله وحده، ويتوكل عليه، ويعتمد على قدرته ومشيئته، ويحس بانتصار الارادة الانسانية والقوة الذاتية على كل العقبات والصعوبات فيف كل موقف يقرره او فعل يمارسه في الحياة. فهو بهذا الايمان يشعر انه الاقوى في عملية التعامل والصراع مع الأسباب والقوانين الطبيعية والاجتماعية التي يتعامل معها، لأنّ هذه القوانين ليست هي سيدة الموقف النهائية، وليست هي القوة القاهرة في هذا الوجود، بل فوقها من يدبرها ووراءها من يسيره، وهو الله سبحانه.
لذلك فالانسان المسلم يحتفظ بارادته، وبقوة عزيمته النفسية دون ان يشعر بالتردد، او يخشى الفشل وهو يدخل ميدان العمل، ويجرب ساحة الكفاح.
ومن وضوح هذه الحقيقة نستنتج ان التوكل لا يقود الى نتيجة استسلامية، ولا يجعل من الإنسان كائناً فاقد المسؤولة والتأثير، بل يقرر بكل تأكيد دور الإنسان ويعترف له بالارادة والتأثير، ولكن لا بمعنى الاستقلال والمقابلة لارادة الله، بل بمعنى انطواء حركة الارادة الانسانية تحت الارادة الالهية، واحتلال هذه الارادة البشرية لموقع الشرط والسبب المؤثر في اجراء الحوادث والنتائج.
فالاسباب، والعلل، والقوانين الكونية على الرغم من وجودها، وتحقق فاعليتها في مجال تأثيرها، فانها لا تملك التصرف التلقائي في الوجود، بل هي مسخرة وخاضعة لسلطان الحكمة والمشيئة الالهية: {ان الذين تدعون من دونِ اللهِ عبادٌ امثالُكُمْ} "الاعراف/194".
{إنَّ ربَّكُمُ الله الذي خلَقَ السماواتِ والأرضَ في ستَّةِ أيامٍ ثُمَّ استوى على العَرْشِ يُدبّرُ الأمرَ ما مِنْ شَفيعٍ إلا مِنْ بَعْدِ إذنهِ ذلكُم الله ربُّكُم فاعبدوهُ} "يونس/3"
{وما رميتَ إذْ رميتَ ولكنَّ الله رمى} "الانفال/17"
{قاتلوهمْ يعذبْهُمُ الله بأيديكمُ ويخزهْم وينصرْكُمْ عليهمْ} "التوبة/14"
{إنما النجوى من الشيطان ليحزُنَ الذينَ آمنوا وليْسَ بضارِّهم شيئاً إلا باذن الله وعلى الله فلْيَتوكّل المؤمنون} "المجادلة/10"
فتلك الآيات مجتمعة وامثالها كثير تشير الى ان الله سبحانه هو الفاعل الحقيقي في هذا الوجود، وان لا شيء يقع الا من بعد اذنه، وان بدا لنا ان الإنسان هو الممارس، وهو السبب الاوحد في اعطاء النتيجة، الا ان هذه الممارسة لا تعدو كونها احد الاسباب الطبيعية والارادة الظاهرة، وليست القوة المتصرفة في الوجود دوما معارض او مدبر.
وبذا يكون دخول الانسان الى سلسلة الاحداث والالتحام معها واحتلال موقع الفاعلية والتأثير فيها يحتاج الى اكتشاف السبب وتقدير النتيجة. وهذا الاكتشاف يحتاج الى العلم والارادة والقدرة، وليس العلم والقدرة الانسانية دائماً محيطين بالاشياء ومقدرين لنتائجها تقديراً مضمون النتيجة والنجاح، كما انهما ليسا بقادرين على اكتشاف كل سبب وشرط يحتاجه الفعل والحدث الانساني: {قلْ لا أملكُ لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاءَ الله..} "الاعراف/ 188".
بل يبقى امر اكتشاف القانون السببي وترتيب الاحداث والافعال والمواقف يحتاج الى توفيق الهي: {وما توفيقي إلا بالله عليهِ توكلْتُ واليه أنيبُ}"هود:88"
{وقلْ عسى انْ يهدينِ ربي لأقربَ منْ هذا رشداً} "الكهف/24".
{والذي قدرَ فهدى} " الاعلى/3"
ذلك لان أي حدث في الوجود لا يمكن ان يكون إلا بمشيئة الله، والا بتطابق هذا الحدث مع الحكمة والمشيئة، لوجود تخطيط الهي مسبق وتقدير شامل متقدم في هذا الوجود، هدفه حفظ النظام والموازنة، وتحقيق الحكمة الالهية البالغة، ولولا ذلك الضبط والتخطيط والتقدير المتقن لتعرض الوجود ـ الطبيعي منه والاجتماعي ـ الى حالة من الارتباك والفوضى والانهيار.
لذلك فاننا نشاهد اثر هذا التقدير والتنظيم الكلي للوجود من خلال الصيغة العقلية المتقنة للعالم، والتدبير المحكم في تتابع الاحداث وميلادها الزمني والذاتي والمكاني، ونشاهد الضبط في مقدارها، واثرها، ومردودها في الطبيعة والمجتمع بشكل يبعث على الدهشة والاعجاب، ويدعو الى التسليم والايمان بتدبير خفي، وتوجيه شامل يخضع لضبط حسابي وغائي متقن. قال تعالى: {وكلُّ شيءٍ عنْدَهُ بمقدارٍ} "الرعد/8".
يتبع...



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانسان بين التوكل و المسؤولية /2
- كتابات مندلاوية 59/ نوروز المحبَّة/2
- كتابات مندلاوية 58/ نوروز المحبَّة/1
- كتابات مندلاوية 56/فريق الصمود
- كتابات مندلاوية 57/احمد غلام
- عشيرة قره لوس في الوثائق البريطانية
- كتابات مندلاوية 55/قصة خون
- الباب في محلات بغداد
- قصيدة العشق الأبدي
- من شعراء المعارضة / الطائي
- مع الشاعر الزبيدي
- مع كلستان الشيرازي ..
- من أرشيف حقوق الانسان /2
- من أرشيف حقوق الانسان /3
- كتابات مندلاوية – مجلة الهدى
- ابراهيم ناجي و شعر من الوجدان
- من أرشيف حقوق الإنسان /1
- التهكم السياسي في الشعر العراقي المعاصر
- كتابات مندلاوية 52/نساء 4
- كتابات مندلاوية 50/نساء2


المزيد.....




- روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن ...
- من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - الانسان بين التوكل و المسؤولية/1